أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون المدنى 2022

 شرح أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

 

شرح أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون المدنى ، وأوجه التشابه والفروق بينه وبين الدخل الدائم ، وشروط المرتب مدى الحياة ، وكذلك أركان هذا الالتزام

 

تعريف بالمرتب مدى الحياة – أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

المرتب مدى الحياة مبلغ من المال يعطى على أقساط ، إيراداً دورياً ، لشخص مدى حياته ، أو مدة حياة شخص آخر .

ويتفق المرتب مدى الحياة مع الدخل الدائم في أن كلاً منهما يصح أن يكون مصدره عقداً من عقود المعاوضة أو من عقود التبرع ، كما يصح أن يكون بوصية ( [1] ).

الفرق بينه وبين الدخل الدائم – أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

 

ويختلفان من وجوه عدة أهمها ما يأتي :

أولاالمرتب مدى الحياة لا يبقى إلا مدى حياة من رتب الإيراد على حياته ، فإذا مات هذا انقضى المرتب 

أما الدخل الدائم فهو إيراد دوري دائمي ، لا ينقضي بموت أحد ، فإذا مات المستحق للدخل انتقل الدخل إلى ورثته ، ثم إلى ورثة ورثته ، وهكذا .

 

ثانياًالمرتب مدى الحياة غير قابل للاستبدال ، فلا جوز للملتزم به أن يتخلص منه برده رأس المال الذي أخذه في مقابل المرتب وذلك لأن المرتب مدى الحياة مقصود أن يدوم مادامت حياة من رتب الإيراد على حياته ، فالاستبدال ليس من طبيعته إلا إذا اشترط( [2] ).

أما الدخل الدائم فهو قابل للاستبدال في أي وقت شاء الملتزم ، ويقع باطلاً كل اتفاق يقضي بعدم القابلية للاستبدال . ذلك لأن هذا الدخل دائمي كما قدمنا ، فحتى لا يكون المدين ملتزماً التزاماً أبدياً والالتزام الأبدي لا يجوز ، أباح القانون له أن يتخلص من التزامه متى شاء إذا هو رد رأس المال إلى الدائنين( [3] ).

ثالثاًالمرتب مدى الحياة يصح أن يكون الملتزم به شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً ، وإذا كان شخصاً معنوياً فالغالب أن يكون شركة تأمين 

أما الدخل الدائم ، فلأنه دائمي ، يكون الملتزم به عادة شخصاً غير محدود الوجود ، أي شخصاً معنوياً ، ويكون غالباً الدولة ذاتها أو أحد الأشخاص المعنوية العامة أو إحدى الشركات( [4] ).

رابعاًالمرتب مدى الحياة يجوز أن يزيد على سعر الفائدة القانونية أو الاتفاقية ، إذا هو ليس كله فائدة لرأس المال ، بل جزء منه هو الفائدة والجزء الآخر في مقابل رأس المال شيئاً فشيئاً ويتم الاستهلاك كاملاً بانقضاء المرتب

أما الدخل الدائم فكله فائدة لرأس المال ، ولا يستهلك منه رأس المال شيئاً بل يجب رده بكامله عند الاستبدال ، ومن ثم وجب ألا يزيد الدخل الدائم على السعر الاتفاقي للفائدة( [5] ).

خامساًالمرتب مدى الحياة لا ينشئه إلا تصرف شكلي ، إذ ينص القانون على أن \”العقد الذي يقرر المرتب لا يكون صحيحاً إلا إذا كان مكتوباً ، وهذا دون إخلال بما يتطلبه القانون من شكل خاص لعقود التبرع\” ( م 743 مدني )

أما الدخل الدائم فلم يشترط القانون لترتيبه شكلاً خاصا ومن ثم يجب إتباع شكل التصرف القانوني الذي رتبه( [6] ).

 الأغراض العملية التي يفي بها المرتب مدى الحياة – أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

سنرى أن المرتب مدى الحياة ينشئه إما تصرف معاوضة وإما تصرف تبرعي .

فإذا أنشأه تصرف معاوضة ، كأن قدم المستحق للمرتب في مقابله رأس مال أو قدم عيناً عقاراً أو منقولاً ، فإنه يكون قد حول رأس المال أو العين ، عن طريق القرض أو البيع كما سنرى ، إلى إيراد مرتب مدى الحياة ، فكفل لنفسه ما يقوم بأوده إيراداً ثابتا لا ينقطع هو أعلى من فائدة رأس المال أو أعلى من ريع العين .

وفي نظير ذلك يكون قد استهلك رأس المال أو العين ، فلا يبقى شيء من ذلك لورثته ، ويكون قد استمتع بكل رأس المال أو العين دون أن يترك شيئاً للورثة ، ويتمثل هذا الاستمتاع في هذه الأقساط الدورية التي يتقاضاها والتي هي أعلى من الفائدة أو من الريع كما قدمنا . ويلجأ إلى ذلك عادة شخص في أواخر حياته ، يملك رأس مال أو عقاراً أو منقولاً ، وليس له ورثة أو له ورثة من ذوي القرابة البعيدة أو ورثة أقربون ولكن لا يلقي بالاً إليهم .

فيحول رأس المال أو العين ، عن طريق المرتب مدى الحياة ، إلى أقساط دورية يتقاضاها ما بقي حياً ، فيستمتع بماله كله دون أن يبقى شيئاً لأحد بعد موته ما سبق القول .

وإذا أنشأ المرتب تصرف تبرعي ، هبة أو وصية ، فإن الغرض العملي من ذلك يكفل المتبرع – الواهب أو الموصي – للمتبرع له ، وهو المستحق للمرتب ، دخلاً ثابتاً يقوم بنفقات معيشته .

ويلجأ إلى ذلك عادة الزوج إذا أراد أن يكفل لزوجته بعد موته ما يقوم بأودها فيوصي لها بمرتب مدى الحياة ،   أو الأب إذا أراد أن يكفل لولد له عاجز عن كسب العيش ما يقوم بأوده ، أو المخدوم إذا أراد أن يكافئ خادماً أميناً في آخر حياته فيهبه أو يوصي له بمرتب مدى الحياة .

 خصائص المرتب مدى الحياة – أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

  • أنه تصرف شكلي
  • أنه تصرف احتمالي

 أياً كان التصرف الذي ينشأ المرتب مدى الحياة ، قرضاً أو بيعاً أو هبة أو وصية ، فإن هذا التصرف تبرز فيه خاصيتان :

( الخاصية الأولى ) أنه تصرف شكلي

هو شكلي إذا كان هبه لأن الهبة بطبيعتها عقد شكلي . وهو شكلي إذا كان وصية ، إذ يجب اتباع الشكل الواجب في الوصية . ثم هو شكلي حتى إذا كان قرضاً أو بيعاً ، فقد رأينا أن المادة 743 مدني تقضي بأن العقد الذي يقرر المرتب لا يكون صحيحاً إلا إذا كان مكتوباً .

( الخاصية الثانية ) أنه تصرف احتمالي 

ولذلك كان من عقود الغرر . فالمرتب يدفع أقساطاً دورية لمستحقه ما بقي على قيد الحياة ، أو ما بقي من رتب الإيراد على حياته حياً . فهو إذن محدود بحياة إنسان ، وينقضي بموته( [7] ).

و لما كان الموت لا يعرف ميعاده قبل وقوعه ، فإن المرتب مدى الحياة لا يعرف مقداره إلا عند الموت ، أي في ميعاد لا يمكن تحديده مقدماً ، ومن ثم يكون تصرفاً احتمالياً( [8]) . بل إن هذا الاحتمال في المرتب مدى الحياة هو ، على الرأي الغالب ، السبب في التصرف ، إذا انعدم كان التصرف دون سبب وكان باطلاً كما سيجئ( [9] ).

 التنظيم التشريعي للمرتب مدى الحياة – أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

جمع التقنين المدني القديم في باب واحد العارية والقرض والدخل الدائم والمرتب مدى الحياة ، على ما بين هذه العقود من اختلاف واضح في طبيعتها . فالعارية تقع على المنفعة ، و القرض يقع على الملكية ، وقد أحسن التقنين المدني الجديد صنعاً بأن جعل العارية في مكانها الصحيح مع الإيجار في العقود التي تقع على المنفعة ، وبأن جعل القرض هو أيضاً في مكانه الصحيح مع سائر العقود التي تقع على الملكية من بيع ومقايضة وهبة وشركة وصلح .

أما اقتران الدخل الدائم بالقرض فصحيح ، إذ الدخل الدائم لا يعدو أن يكون قرضاً له خصائصه المميزة ، وهكذا فعل أيضاً التقنين المدني الجديد .

ولكن المرتب مدى الحياة لا يتلاقى مع الدخل الدائم إلا من حيث أن كلاً منهما يدفع على أقساط دورية ، ولكنهما يختلفان بعد ذلك اختلافاً بيناً ، وقد سبق أن أشرنا إلى أهم وجوه الخلاف بين التصرفين( [10] ).

ولذلك فصل التقنين المدني الجديد بينهما ، فوضع الدخل الدائم في مكانه مع القرض ، ووضع المرتب مدى الحياة بين عقود الغرر .

وقد خص التقنين المدني القديم المرتب مدى الحياة بنصين اثنين ( م480/586-588 وم 481/589 ) جاءا في شيء من الاقتضاب .

أما التقنين المدني الجديد فقد خصص له نصوصاً ستة – من المادة 741 إلى المادة 746 – وضح فيها المبهم من الأحكام التي اقتضها التقنين المدني القديم ، وخالف هذا التقنين في مسألتين :

1 – جعل التقنين الجديد العقد الذي ينشئ المرتب عقداً شكلياً لا يتم إلا بالكتابة ، وكان في التقنين القديم عقداً رضائياً .

2 – أجاز التقنين الجديد في المرتب الفسخ إذا قام سببه تطبيقاً للقواعد العامة ، أما التقنين القديم فقد كان يخرج دون مبرر على هذه القواعد فلا يجيز الفسخ ، وسيأتي تفصيل ذلك .

وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي

“أورد التقنين الحالي ( القديم ) أحكام المرتب مدى الحياة في شيء من الاقتضاب ، أما المشروع فقد عالج عيوب هذا التقنين ، ووضح المبهم من هذه الأحكام ، وقد أوجب أن يكون العقد الذي يقرر المرتب مكتوباً ، وأجاز الفسخ إذا قام سببه ، وفي هذين يختلف المشروع عن التقنين الحالي ( القديم ) ( [11] ).

المصادر – وهوامش البحث – أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

( [1] )  انظر في مصدر الدخل الدائم الوسيط 5 فقرة 320 – فقرة 323 – وسنرى أن المرتب مدى الحياة – دون الدخل الدائم – يصح أن يكون مصدره واقعة مادية ، كما هو الأمر في التعويض عن عمل غير مشروع أو في تعويض العامل عن إصابة العمل .

( [2] )  انظر ما يلي فقرة 536 .

( [3] )  الوسيط 5 فقرة 232 وما بعدها .

( [4] )  الوسيط 5 فقرة 325 .

( [5] )  الوسيط 5 فقرة 322 .

( [6] )  الوسيط 5 فقرة 323 – وانظر في الفروق بين المرتب مدى الحياة والدخل الدائم بودري وفال فقرة 176 – محمد كامل مرسي فقرة 375 – كولان وكابيتان ودي لامور انديير 2 فقرة 1341 .

( [7] )  فإذا  باع شخص عيناً بثمن هو مرتب مدى حياته ، وتبين عند موته أنه لم يتقاض مرتباً إلا مبلغاً أقل بكثير من قيمة العين التي باعها ، فإن الزائد من قيمة العين هو الاحتمال الذي يقاس احتمالاً آخر كان يصح أن يتحقق وهو أن يعيش البائع مدة طويلة ويتقاضى مرتباً أكبر بكثير من قيمة العين 

ولا يجوز اعتبار الزائد من قيمة العين هبة مضافة إلى ما بعد الموت ، وإلا كانت باطلة على هذا الأساس ( استئناف مختلط 5 مارس سنة 1935 م 47 ص 183 ) . أما إذا كان البائع متقدماً في السن إلى حد أنه لا ينتظر أن يتقاضى إلا مرتباً ضئيلاً في الأيام القليلة الباقية من عمره ، فإنه يجوز في هذه الحالة ، إذا كانت قيمة العين كبيرة لا يتناسب معها هذا المرتب الضئيل ، اعتبار أن البيع يستر هبة مضافة إلى ما بعد الموت ، ومن ثم يكون باطلاً ( استئناف مختلط 16 مايو سنة 1944 م 56 ص 147 ) .

( [8] )  والرأي الغالب في الفقه الفرنسي أن العقد الاحتمالي لا يكون عقد معاوضة ، ومن ثم لا يكون المرتب مدى الحياة احتمالياً إلا إذا تقرر المرتب معاوضة ( جوسران 2 فقرة 1386 ) . وقد ذهبنا عند الكلام في العقد الاحتمالي إلى أن \”عقد التبرع قد يكون احتمالياً إذا كان الموهوب له لا يستطيع أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي يأخذ ، كما إذا وهب شخص لآخر إيراداً مرتباً طول حياته\” ( الوسيط 1 فقرة 62 ) .

( [9] )  انظر ما يلي فقرة 529 – والالتزام بأداء المرتب يعتبر منقولاً ، شأنه شأن كل التزام بأداء مبلغ منا لنقود ( بودري وفال فقرة 199 – محمد كامل مرسي فقرة 366 ص 359 ) . وهو منقول حتى لو كان مضموناً برهن رسمي ( أنسيكلوبيدي داللوز 4 لفظ Rente Viagère فقرة 4 ) .

( [10] )  انظر آنفاً فقرة 516 .

( [11] )  مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 305 .

أركان المرتب مدى الحياة – أحكام المرتب مدى الحياة فى القانون

الفصل الأول – إنشاء المرتب مدى الحياة

 أركان ثلاثة :

للتصرف الذي ينشئ المرتب مدى الحياة أركان ثلاثة ، شأنه في ذلك شأن سائر التصرفات . وهذه الأركان هي

  • التراضي
  • والمحل
  • السبب 

فالتراضي هو المصدر الذي ينئ المرتب ، وتتنوع هذه المصادر كما سنرى .

والمحل هو المرتب نفسه ، ويخضع لقواعد واحدة أياً كان مصدره .

والسبب ، في الرأي الغالب ، هو الاحتمال الذي يتعرض له طرفا التصرف ، فكل منهما معرض للكسب والخسارة بحسب طول أو قصر حياة من أنشئ المرتب على حياته .

ونتناول بالبحث هذه الأركان الثلاثة .

1 – التراضي – ( المصدر الذي ينشئ المرتب )

 نص قانوني :

الأصل أن المرتب مدى الحياة ينشأ من تصرف قانوني ، ولكنه مع ذلك قد ينشأ من واقعة مادية . ففي حوادث العمل قد يتقاضى العامل مرتباً مدى الحياة ، ومصدر المرتب هنا واقعة مادية هي إصابة العامل . وفي التعويض عن عمل غير مشروع ، قد يكون هذا التعويضفي صورة مرتب مدى الحياة يعطي للمضرور ، ومصدر المرتب هنا أيضاً واقعة مادية هي العمل غير المشروع( [1] ).

فإذا تركنا الواقعة المادية جانباً واقتصرنا على التصرف القانوني ، فإن هذا التصرف يكون أحد طرفيه دائماً هو الملتزم بالمرتب ، ويكون الطرف الثاني عادة هو المستحق للمرتب . على أن المستحق للمرتب قد لا يكون طرفاً في التصرف ، ويتحقق ذلك في الاشتراط لمصلحة الغير ، إذ يقع أن شخصاً يعطي لآخر عيناً أو رأس مال ، ويشترط عليه أن يدفع لأجنبي عن العقد مرتباً مدى الحياة .

فهنا المستحق للمرتب ليس طرفاً في العقد ، بل هو المنتفع في الاشتراط . والمتعهد هو الملتزم بالمرتب ، وقد التزم به ثمناً للعين التي أعطاها إياها المشترط فيكون العقد بيعاً ، أو رداً لرأس المال الذي أخذه من المشترط ويرده في صورة مرتب مدى الحياة فيكون العقد قرضاً .

أما العلاقة فيما بين المشترط والمنتفع وهو المستحق للمرتب . فقد تكون تبرعيه أي أن المشترط قد تبرع للمنتفع بالمرتب ، وقد تكون علاقة معاوضة إذ يجوز أن يكون المشترط باشتراطه المرتب للمنتفع قد أراد أن يرد له قرضاً أو يدفع له ثمن بيع أو نحو ذلك . وتسري قواعد الاشتراط لمصلحة الغير في الصورة التي نحن بصددها .

ولكن في الكثرة الغالبة من الأحوال ، يكون الملتزم بالمرتب والمستحق له هما طرفا التصرف . ويكون التصرف في هذه الحالة إما معاوضة وإما تبرعاً .

وهذا هو الذي تنص عليه المادة 741 من التقنين المدني ، إذ تقول :

\”1 – يجوز للشخص أن يلتزم بأن يؤدي إلى شخص آخر مرتباً دورياً مدى الحياة بعوض أو بغير عوض\” .

\”2 – ويكون هذا الالتزام بعقد أو بوصية\”( [2] ).

فالعقد والوصية هما إذن المصدران الرئيسيان للالتزام بالمرتب . والعقد قد يكون عقد معاوضة أو عقد تبرع ، والوصية تبرع دائماً . ومن ثم تنقسم مصادر الالتزام بالمرتب ، على تنوعها ، إلى معاوضات وتبرعات .

 المعاوضات :

قد يكون مصدر الالتزام بالمرتب عقداً من عقود المعاوضات ، وأبرز صورتين لعقود المعاوضات هما البيع والقرض .

الصورة الأولى لعقود المعاوضات هى البيع 

فكثيراً ما يبيع شخص عيناً ، عقاراً أو منقولاً ، من آخر ، ويتقاضى الثمن إيراداً مرتباً مدى الحياة . ويكون المرتب في هذه الحالة عادة أكبر من ريع العين ، إذ لو اقتصر على ريع العين لما كانت هناك فائدة للبائع من أن يبيع بإيراد لا يزيد على ريعها ، وكان أولى به أن يستبقي العين ويستولى على ريعها ، فيكسب نفس ما كسبه بالبيع دون أن يخسر العين( [3] ).

ومن باب أولى لو كان المرتب إيراداً يقل عن ريع العين ، فإن الثمن يلحق في هذه الحالة بالثمن التافه ، فيكون كالثمن الصوري لا يتم به البيع . وقد سبق أن قررنا في هذا الصدد ، عند الكلام في البيع ، أن يبيع شخص عيناً بثمن هو إيراد مرتب مدى حياة البائع ولكن هذا المرتب أقل من ريع العين . فإذا باع شخص داراً ريعها مائة بإيراد مرتب مدى حياته مقداره خمسون ، فقد وضح أن المشتري لا يدفع شيئاً من ماله في مقابل الدار ، إذ هو يقبض ريعها ويعطي البائع منه الإيراد المرتب .

وفي هذه الحالة يكون العقد هبة لا بيعاً ، والهبة مكشوفة لا مستترة ، يشترط فيها الرسمية في الأحوال التي يوجب القانون فيها ذلك . على أن البائع إذا باع الدار بإيراد يعادل الريع الحالي للمبيع ، وظهر من الظروف أن هذا الريع الحالي غير مستقر ، وأنه عرضة للنقصان إما لأسباب طبيعية وإما لسبب خاص كأن كانت الدار معرضة للتخريب من غزو أو سطو أو غير ذلك ، فأراد البائع أن يكفل لنفسه إيراداً ثابتاً وإن كان لا يزيد على الريع الحالي للدار ، جاز اعتبار الثمن هنا جدياً لا تافهاً ، وإن كان ثمناً بخساً ، وصح البيع\”( [4] ).

وإذا كان مصدر الالتزام بالمرتب هو عقد البيع على الوجه الذي قدمناه ، فإن أحكام البيع هي التي تسري ، ومن حيث أهلية البائع وأهلية المشتري ، ومن حيث عيوب الإرادة ، ومن حيث انتقال ملكية المبيع إلى المشتري في العقار بالتسجيل ، ومن حيث ضمان الاستحقاق والعيوب الخفية ، ومن حيث ضمان الثمن وهو هنا المرتب بامتياز البائع . ولكن إذا بيع عقار قاصر بمرتب مدى الحياة لم يجز الطعن في البيع بالغبن الفاحش إذا كان هذا الغبن ليس مترتباً على مقدار المرتب في ذاته كأن كان دون الريع أو معادلاً له ،

بل كان مترتباً على قصر حياة القاصر . فإذا كان المرتب يزيد على الريع زيادة  كافية ، ومع ذلك مات القاصر المستحق للإيراد والذي رتب الإيراد على حياته بعد مدة قصيرة بحيث يكون مجموع الأقساط التي قبضها ثمناً للمبيع يقل كثيراً عن قيمة المبيع الحقيقية ويتحقق فيه الغبن الفاحش ، لم يجز لورثة القاصر الطعن في البيع بالغبن الفاحش ، لأن العقد احتمالي ، وقد كان من الممكن أن يعيش القاصر مدة طويلة ويتقاضى أقساطاً مجموعها يزيد كثيراً عن قيمة المبيع الحقيقية( [5] ).

والصورة الثانية لعقود المعاوضات هي القرض . فيدفع المستحق للمرتب رأس مال ، بدلاً من عين كما رأينا في البيع ، للملتزم بالمرتب ، يرده هذا مرتباً مدى الحياة . وهنا أيضاً يكون المرتب عادة أكبر من فائدة رأس المال ، إذ أن المستحق للمرتب يتقاضى القسط ، وجزء منه يعدل الفائدة وجزء آخر يقابل استهلاك رأس المال شيئاً فشيئاً ، فيكون مجموع القسط أكر من الفائدة .

ولا يجوز الطعن في القرض بالربا الفاحش ، فإن القسط ليس كله فائدة كما قدمنا . وبفرض أن المستحق للمرتب هو الشخص الذي رتب الإيراد على حياته ، وقد عاش مدة طويلة بحيث تقاضى أقساطاً يزيد مجموعها على رأس المال زيادة كبيرة بحيث يتحقق الربا الفاحش ، فإنه لا يجوز مع ذلك الطعن في القرض ، فقد كان من الممكن أن يعيش المستحق للمرتب مدة قصيرة ولا يتقاضى من الأقساط ما يزيد على رأس المال ،

أو لعله كان يتقاضى من الأقساط ما يقل عن رأس المال . وإذا كان المرتب أقل من فائدة رأس المال أو يعادلها ، فإن العقد يكون تبرعاً ، ويصح أن يكون هبة مستترة . وإذا كان مصدر الالتزام بالمرتب هو عقد القرض ، فإن أحكام القرض هي التي تسري من حيث الأهلية وعيوب الإرادة وبقية الأحكام الأخرى .

وفيما عدا هاتين الصورتين – البيع والقرض – يندر أن يكون للالتزام بالمرتب مصدر آخر من عقود المعاوضة . ومع ذلك يصح أن يكون المرتب مدى الحياة معدلاً للقسمة ( solute ) ، فيتقاسم شخصان مالا شائعاً بينهما ، ويدفع أحدهما للآخر معدلا في صورة مرتب مدى الحياة( [6] ).

 التبرعات :

وقد يكون مصدر الالتزام تصرفاً من التصرفات التبرعية ، وهذه هي الهبة والوصية .

فيجوز أن يهب شخص شخصاً آخر مرتباً مدى الحياة دون أن يتقاضى منه مقابلاً لذلك ، ويكفل له على هذا الوجه نفقات معيشته ما بقي حياً . مثل ذلك أن يطلق الزوج زوجته ، وحتى يؤمنها شر العوز يهب لها مرتباً مدى حياتها .

ومثل ذلك أيضاً أن يهب الابن لأبيه العاجز عن الكسب ، أو الأخ لأخته التي لا مورد لها ، أو المخدوم لخادم أمين عجز عن العمل ، مرتباً مدى الحياة . وأحكام الهبةهي التي تسري ، من حيث أهلية الواهب وأهلية الموهوب له وعيوب الإرادة .

وكما يتبرع الملتزم عن طريق الهبة ، يجوز أيضاً أن يتبرع عن طريق الوصية. فيوصي الزوج لزوجته بمرتب مدى حياتها ، أو يوصي شخص لآخر خدمة مدة طويلة بمرتب مدى حياته . وأحكام الوصية هي التي تسري ، من حيث أهلية الموصي وأهلية الموصى له وعيوب الإرادة( [7] ).

 الشكل – نص قانوني :

تنص المادة 743 من التقنين المدني على ما يأتي :

\”العقد الذي يقرر المرتب لا يكون صحيحاً إلا إذا كان مكتوباً ، وهذا دون إخلال بما يتطلبه القانون من شل خاص لعقود التبرع\”( [8] ).

ويتبين من هذا النص أنه إذا كان التصرف الذي ينشئ المرتب مدى الحياة تبرعاً – هبة أو وصية – فإنه يجب إتباع الشكل الواجب لهذا التصرف التبرعي طبقاً للقواعد المقررة في التبرعات( [9]) .

أما إذا كان التصرف معاوضةبيعاً أو قرضاً – فإنه لا يبقى تصرفاً رضائياً كما في البيع والقرض في صورتيهما المألوفتين ، بل ينقلب إلى تصرف شكلي ، فلا ينعقد إلا بالكتابة . ذلك أن المرتب الذي ينشئه هذا التصرف مقدر له أن يدون طول حياة إنسان . وقد تطول هذه الحياة ، فرأى المشرع أن يحتاط وأوجب الكتابة حتى يوفر لطرفي التصرف طوال مدة بقاء المرتب السند اللازم الذي يقرر حقوق كل منهما .

والكتابة هنا للانعقاد لا للإثبات ، فإذا لم يكتب التصرف في ورقة كان بالطلاً ، حتى لو أقر به الخصم أو نكل عن اليمين( [10] ).

2 – المحل – ( المرتب )

المدة التي يدوم فيها المرتب 

نص قانوني :

تنص المادة 742 من التقنين المدني على ما يأتي :

\”1 – يجوز أن يكون المرتب مقرراً مدى حياة الملتزم له أو مدى حياة الملتزم أو مدى حياة شخص آخر\” .

\”2 – ويعتبر المرتب مقرراً مدى حياة الملتزم له إذا لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك\”( [11]) .

 ويتبين من هذا النص أن المرتب يدوم مادامت حياة الإنسان الذي علق المرتب على حياته . فهو يستغرق دائماً حياة إنسان .

والأصل أن يقرر المرتب مدى حياة المستحق له ، فيتقاضى المستحق أقساط المترب مادام حياً ، وهذه هي الصورة الغالبة في العمل . ولذلك غلبها القانون على جميع الصور الأخرى ، وافترض أنها هي المقصودة حتى لو لم يصرح بها المتعاقدان أو الموصي ، فإذا أريدت صورة أخرى وجب التصريح بها . وفي هذا تقول الفقرة الثانية من المادة 742 مدني سالفة الذكر :

” ويعتبر المرتب مقرراً مدى حياة الملتزم له إذا لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك\” . وقد يتعدد المستحقون للمرتب ، كما إذا تقرر المرتب لرجل وزوجته ويكون معلقاً على حياتيهما . فيتقاضى الزوجان أقساط المرتب ما داما حيين ، فإذا مات أحدهما قبل الآخر يتقاضى الزوج الباقي جميع أقساط المرتب إلى أن يموت .

وهذه هي الأيلولة ، إذ يؤول نصيب الزوج الذي مات في المرتب إلى زوجه الذي بقي بعده حياً . وهذا هو الأصل ، ما لم يشترط عكس ذلك فتستبعد الأيلولة ، ولا يعتبر نصيب الذي يموت أولاً قابلاً للانتقال إلى من يبقى . وعند ذلك إذا مات أحد الزوجين انقطع نصيبه في أقساط المرتب ، واقتصر الزوج الباقي على النصيب الذي كان يأخذه في حياة زوجه .

ومعنى ذلك أن المرتب في هذه الحالة يكون في الواقع مرتبين مستقلا أحدهما عن الآخر ، لكل زج نصيبه يستقل به ولا ينتقل إلى الزوج الآخر( [12] ).

وكان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في التعدد والأيلولة يجري على الوجه الآتي :

“ويجوز أن يقرر المرتب مدى حياة شخص واحداً أو أشخاص متعددين ، سواء اشترطت الأيلولة أو لم تشترط\” . وقد حذف هذا لنص في لجنة المراجعة ولع ذلك كان للاكتفاء بالقواعد العامة( [13] ).

وإذا تقرر المرتب مدى حياة المستحق أو المستحقين ، ومات الملتزم بالمرتب قبل موت المستحق أو المستحقين ، فإن المرتب يبقى قائماً بالرغم من ذلك ، وعلى ورثة الملتزم أداؤه للمستحق أو المستحقين ما بقي أحد منهم حياً .

وقد يتقرر المرتب ، لا مدى حياة المستحق ، بل مدى حياة الملتزم . فيقرر مثلاً شخص مرتباً لخادم أمين ، ويجعله مدى حياته هو لا مدى حياة الخادم . فيتقاضى المستحق المرتب ما بقي الملتزم حياً . فإذا مات المستحق قبل أن يموت الملتزم ، لم ينقض المرتب بل ينتقل إلى ورثة المستحق . وإذا مات الملتزم قبل أن يموت المستحق ، انقضى المرتب ولا يتقاضى المستحق شيئاً من ورثة الملتزم .

ولا يوجد ما يمنع من أن يتقرر المرتب لأقصر الحياتين ، حياة الملتزم وحياة المستحق . ففي المثل المتقدم ، إذا مات الملتزم قبل أن يموت المستحق انقضى المرتب ، وكذلك ينقضي إذا مات المستحق قبل أن يموت الملتزم . كذلك لا يوجد ما يمنع من أن يتقرر المرتب لأطول الحياتين ، فإذا مات الملتزم قبل أن يموت المستحق تقاضي هذا الأخير المرتب من ورثة الملتزم إلى أن يموت هو ، وإذا مات المستحق قبل أن يموت الملتزم انتقل المرتب إلى ورثة المستحق إلى أن يموت الملتزم .

وقد يتقرر المرتب ، لا مدى حياة المستحق ولا مدى حياة الملتزم ، بل مدى حياة شخص ثالث ، وهذا نادر .

إذ الغالب أن يكون المرتب معقوداً بحياة المستحق أو بحياة الملتزم ، فلحياة كل منهما دخل هام في بقاء المرتب وزواله . أما أن يكون المرتب معقوداً بحياة شخص ثالث ، فمعنى ذلك أن تكون حياة هذا الشخص لها دخل في تقرير المرتب .

ويقع ذلك مثلاً إذا كان المستحق للمرتب يعول هذا الشخص الثالث ، فيكون غرض الملتزم من تعليق المرتب على حياة الشخص الثالث معاونة المستحق على تحمل نفقات من يعول ، كما لو قرر شخص مرتباً لابن شقيقته مدى حياة هذه الشقيقة .

ولم يقرر الملتزم المرتب لشقيقته رأساً ، لأنه إنما أراد استبقاء ابن شقيقته يعول والدته ، واقتصر هو على معاونته في ذلك . ويقع ذلك أيضاً فيما إذا كان المستحق للمرتب فقيراً ولكنه يرث قريباً له غنياً ، فيقرر الملتزم المرتب للمستحق مدى حياة القريب الغني ، حتى إذا مات هذه الأخير انقضى المرتب ولكن المستحق يستعيض عنه بالميراث( [14] ).

ومتى تقرر المرتب مدى حياة شخص ثالث ، فإنه يبقى ما بقي هذا الشخص( [15] ).

فإذا مات المستحق قبل موت الشخص الثالث ، لم ينقضي المرتب وانتقل إلى ورثة المستحق إلى أن يموت الشخص الثالث( [16] ).

وإذا مات الملتزم قبل موت الشخص الثالث ، لم ينقض المرتب كذلك والتزم به ورثة الملتزم إلى أن يموت الشخص الثالث . وقد يموت كل من المستحق والملتزم قبل أن يموت الشخص الثالث ، فيبقى المرتب يتقاضاه ورثة المستحق من ورثة الملتزم إلى أن يموت الشخص الثالث( [17] ).

نوع المرتب :  يكون المرتب عادة من النقود ، فيؤدى أقساطاً دورية للمستحق .

ويقع نادراً أن الملتزم ، بدلاً من أن يؤدي للمستحق أقساطاً دورية من النقود ، يتعهد بأن يؤويه ويطعمه ويكوه ويعالجه ويقوم بأوده بحيث يكفيه جميع نفقات المعيشة . ويكون هذا التزاماً بعمل . ولم يرد نص في هذا المعنى في التقنين المدني المصري ولا في التقنين المدني الفرنسي ، ولكن هذا العقد معروف في القانون الفرنسي باسم عقد الإيواء أو الإطعام ( bail ànourriture ) .

وكثيراً ما يقدم ، في فرنسا ، شخص متقدم في السن عيناً أو رأس مال لمصحة أو مؤسسة للتقاعد في مقابل إيوائه والقيام بنفقته وعلاجه بقية حياته ، أو يقدم القيم على مجنون رأس مال لمستشفى من مستشفيات الأمراض العقلية في نظير إيواء المريض في المستشفى( [18] ).

ويشبه عقد الإيواء عقد المرتب كما تشبه المقايضة البيع ، إلا أن عقد الإيواء خلافاً لعقد المقايضة ينشئ التزاماً بعمل لا التزاماً بنقل ملكية . ويسري على عقد الإيواء أحكام عقد المرتب ، إلا فيما تقتضيه طبيعة عقد الإيواء من اختلاف في الأحكام ، ومن ذلك أن عقد الإيواء يعتد فيه بشخص المستحق فلا يجوز لهذا النزول عن حقه لشخص آخر( [19] ).

ويمكن في مصر اعتبار عقد الإيواء عقداً صحيحاً تطبيقاً للقواعد العامة ، ومن ثم تسري عليه في الغالب أحكام المرتب مدى الحياة ، إلا فيما تقتضي طبيعة العقد الخروج على هذه الأحكام( [20] ).

 مقدار المرتب :

وإذا اقتصرنا على أن يكون المرتب من النقود كما هي العادة ، فمقدار هذا المرتب غير معروف مقدماً ، إذ هو يتوقف كما قدمنا على مدة حياة الإنسان الذي عقد المرتب بحياته . وكل ما يعرف من المرتب هو مقدار كل قسط دوري فيه ، إذ يؤدى المرتب كما سبق القول على أقساط دورية متساوية( [21]) ،

يدفع كل قسط منها غالباً كل سنة ، وقد يدفع كل شهر أو كل ثلاثة أشهر أو أكثر أو أقل .

وإذا كان المرتب بمقابل أي بعقد معاوضة ، فاتفاق المتعاقدين هو الذي يحدد مقدار كل قسط من أقساط المرتب . ويراعيان في تقديره عادة أن يكون أعلى من فائدة رأس المال الذي دفع مقابلا للمرتب أو أعلى من ريع العين التي دفعت . ذلك أن قسط المرتب لا يمثل فحسب فائدة رأس المال أو ريع العين ، بل هو أيضاً يشتمل كما سبق القول على مبلغ إضافي يمثل استهلاك رأس المال أو العين طوال مدة حياة الإنسان التي عقد المرتب بها .

وتحسب هذه المدة حساباً تقديرياً بحسب السن والحالة الصحية والمهنة وغير ذلك من العوامل التي تكون عادة سبباً في طول الحياة أو في قصرها ، ويرجع في ذلك إلى جداول الوفيات المعروفة في شركات التأمين . وهذا الحساب التقديري ينطوي على احتمال ( aléa ) ، هو الذي يسبغ على المرتب مدى الحياة خاصيته الرئيسية( [22] ). فإذا قل مقدار القسط الدوري للمرتب عن فائدة رأس المال أو عن ريع العين ، فقد قدمنا أنه إذا كان مصدر الالتزام بالمرتب بيعاً ألحق المرتب بالثمن التافه وكان البيع باطلاً ( [23] )،

وإذا كان المصدر قرضاً كان القرض باطلاً( [24] )ولكن مع ذلك قد يستخلص قاضي الموضوع أن المتعاقدين قد قصدا التبرع ، فيكون العقد هبة مستترة ، وتصبح على هذا الوجه( [25] ).

وإذا كان المرتب بغير مقابل أي بتصرف تبرعي ، هبة أو وصية ، فالواهب أو الموصي هو الذي يحدد مقدار المرتب ، مراعياً في ذلك عادة حاجة المستحق للمرتب في الحدود التي تتسع لها الموارد المالية للمتبرع .

3 – السبب ( الاحتمال )

 

 هل الاحتمال في المرتب مدى الحياة محل أو سبب :

ونحن نذهب إلى أن الاحتمال في المرتب مدى الحياة هو محل التزام الملتزم بالمرتب ، فهو قد التزم وجعل محل التزامه مرتباً ينطوي على عنصر الاحتمال ، فإذا خلا المرتب من هذا العنصر انعدم المحل وصار التصرف باطلاً لانعدام المحل لا لانعدام السبب .

وقد قررنا عند الكلام في نظرية السبب أن السبب هو الدافع الرئيسي للتعاقد ، ولا يوجد له إلا شرط واحد هو أن يكون مشروعاً ، أما أن يكون هناك التزام دون سبب فهو فرض لا يتصور ، فما دمنا نجعل السبب هو الباعث ، فكل إرادة لابد أن يكون لها باعث إلا إذا صدرت من غير ذي تمييز( [26] ).

ومن ثم يكون الاحتمال في المرتب مدى الحياة عنصراً من عناصر المحل( [27] )، وليس هو السبب . وإذا أريد تعيين السبب في المرتب مدى الحياة ، وجب أن يعين بأنه هو الدافع الرئيسي للملتزم بالمرتب في أن يلتزم به .

والغالب أن يكون هذا السبب مشروعاً ، إذ يهدف الملتزم بالمرتب عادة إلى أن يكفل للمستحق حياة مكفيه الحاجة . وقد يكون غير مشروع ، كما إذا قرر شخص لخليلته مرتباً مدى الحياة ليدفعها بذلك إلى معاشرة غير مشروعة( [28] ).

غير أن الرأي الغالب في الفقه والقضاء الفرنسيين هو اعتبار الاحتمال في المرتب مدى الحياة هو السبب لا المحل ، فإذا انعدم هذا الاحتمال انعدم السبب ، وصار التصرف باطلاً لانعدام السبب لا لانعدام المحل( [29] ).

ومهما يكن من أمر ، فإن المتفق عليه أنه إذا انعدم الاحتمال في المرتب مدى الحياة كان التصرف باطلاً ، إما لانعدام المحل وإما لانعدام السبب . ونستعرض تطبيقين بارزين لهذا المبدأ :

  • ( 1 ) مرتباً قرر مدى حياة شخص وجد ميتاً وقت تقرير المرتب .
  • ( 2 ) مرتباً قرر لمدة معينة .
 مرتب قرر مدى حياة شخص وجد ميتاً وقت تقرير المرتب :

كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يشتمل على نص هو المادة 1029 من هذا المشروع ، وكانت تجري على الوجه الآتي : \”يقع باطلاً كل مرتب قرر مدى حياة شخص وجد ميتاً وقت تقرير المرتب\” .

وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص :

“ربط المرتب بحياة إنسان هو الذي يجعله احتمالياً ، لأن الموت لا يعرف ميعاده . وهذا الاحتمال هو السبب في العقد ، كما هو الأمر في سائر العقود الاحتمالية . فإذا انعدم الاحتمال بطل العقد ، أو كان عقداً آخر . ويترتب على ذلك أن العقد إذا رتب إيراداً مدى حياة إنسان وجد ميتاً وقت ترتيب الإيراد ، فهو باطل\”( [30] ). وقد حذفت هذه المادة في لجنة المراجعة \”لأن حكمها مفهوم من كون الاحتمال المترتب على ربط المرتب بحياة إنسان هو سبب الالتزام ، وإذا انعدم السبب بطل العقد\”( [31] ).

ويتبين مما تقدم أن المرتب ، ويربط دائماً بحياة إنسان كما سبق القول ، يفترض حتماً أن الإنسان الذي ربط بحياته كان حياً وقت تقرير المرتب ، لأن دوام المرتب بدوام حياة هذا الإنسان هو المبدأ الرئيسي في المرتب . فإذا كان هذا الإنسان ميتاً وقت تقرير المرتب ، فمعنى ذلك أن المرتب ينقضي وقت نشوئه ، ويصح عندئذ أن يقال إنه قد ولد ميتاً . فلا يتحمل الملتزم بالمرتب أي خطر ، إذا لم يتولد في ذمته أي التزام .

فإذا كان متبرعاً فهو لم يتبرع بشيء ، وكان التبرع باطلاً أو غير موجود( [32] ). وإذا كان معاوضا فهو لا يستحق مقابل المرتب إذ لم يتحمل أي خطر ، وقد انعدم محل الالتزام أو سببه ، فكانت المعاوضة باطلة( [33] ).

 مرتب قرر لمدة معينة :

والمرتب مدى الحياة يجب أن يقرر مدى حياة إنسان كما سبق القول ، فخاصيته الجوهرية هي أنه يقرر لمدة غير معينة لأن الموت لا يعرف ميعاده . لذلك إذا قرر المرتب لمدة معينة لا لمدى الحياة ، كأن قرر لمدة عشر سنوات مثلاً بمقابل أو بغير مقابل ، فإنه يكون قد فقد العنصر الجوهري فيه وهو التقرير لمدة غير معينة ، ولا يكون العقد في هذه الحالة مرتباً مدى الحياة لأن عنصر الاحتمال غير موجود ، بل يكون عقداً آخر .

فإذا وهب شخص شخصاً آخر أو أوصى له بمرتب لمدة عشر سنوات ، كان التصرف هبة عادية أو وصية عادية وليس مرتباً مدى الحياة . وإذا باع شخص منزلاً من آخر بثمن هو مرتب لمدة عشر سنوات ، لم يكن العقد مرتباً مدى الحياة بل هو بيع عادي الثمن فيه مقسط أقساطاً عشرة هي أقساط المرتب .

وإذا أقرض شخص شخصاً آخر ألف جنيه مثلاً بسعر 7% على أن يرد القرض أقساطاً سنوية متساوية في مدى عشر سنوات ، كان العقد قرضاً عادياً وليس مرتباً مدى الحياة ، ومن ثم يجب ألا يزيد سعر الفائدة على السعر المسموح به قانوناً .

وهذا هو في الغالب ما قصد إليه التقنين المدني القديم عندما نص في المادة 480 فقرة أولى/ 586 على أن

“ترتيب الإيراد المذكور يجوز أن يكون بفائدة زائدة عن المقرر قانوناً تدفع مدة معينة  . .\” . إلا أنه يؤخذ على هذا النص أنه أجاز أن يكون القرض في هذه الحالة بفائدة تزيد على المقرر قانوناً ، وهذا لا يجوز( [34] ).

وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد :

“وإذا تحدد للإيراد مدة معينة ، وهذه صورة من الصور التي أشار إليها التقنين الحالي ( القديم ) م 480 فقرة أولى/586 ، فقد خرج عن كونه عقداً احتمالياً ، كما لو أقرض شخص آخر مبلغاً من المال يرده إيراداً مرتباً لمدة معينة ، فإن العقد في هذه الحالة يكون قرضاً عادياً ،

وما زاد من مجموعة الأقساط على المبلغ المقترض يكون فائدة يجب ألا تزيد على الحد الأقصى المسموح به في الفوائد الاتفاقية . أما الإيراد المرتب مدى الحياة ، فصبغته الاحتمالية تمنع من معرفة ما إذا كانت الفوائد تزيد على الحد الأقصى المسموح به أو لا تزيد\”( [35] ).

Print Friendly, PDF & Email
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية ودعاوى الإيجارات ودعاوى الموظفين قطاع حكومى وخاص وطعون مجلس الدولة والنقض ليسانس الحقوق 1997

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا يمكنك نسخ محتوى هذه الصفحة