شرح المادة 163 من التقنين المدنى | المسئولية التقصيرية

نقدم بحث وافى عن شرح المادة 163 من التقنين المدنى ( المسئولية التقصيرية ) حيث أن أفعال الشخص ليست بمنأى عن المحاسبة القانونية جنائية كانت أو مدنية فالعمل غير المشروع من الشخص يترتب عنها مسئوليتين جنائية ومدنية سواء بقصد او عن غير قصد وسواء كان الضرر يسير أو عسير

شرح المسئولية التقصيرية

  • نقدم أفعال الشخص ليست بمنأى عن المحاسبة القانونية ، جنائية كانت أو مدنية ، فالعمل غير المشروع من الشخص يترتب عنها مسئوليتين جنائية ومدنية  سواء بقصد او عن غير قصد ، ولكن في الجنائية القصد له اعتبار 
  • اما المدنية فتترتب المسئولية وان كان العمل عن غير قصد وعمد ، فالإنسان مسئول عن أفعاله ولو كانت يسيرة طالما ترتب عليه اضرار بالغير وتولى القانون المدنى في المادة 163 منه بيان أركان هذه المسئولية المسماة التقصيرية والعمل غير المشروع وهى تتقادم بثلاث سنوات من تاريخ الفعل الخاطئ

النص القانونى المادة 163 تقنين مدنى

شرح المادة 163 من التقنين المدنى

نص المادة 163 مدنى

” كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض “

الاعمال التحضيرية للمسئولية التقصيرية

تستظهر المادة فى عبارة اكثر ما تكون ايجازا ووضوحا حكم المسئولية التقصيرية فى عناصرها الثلاثة، فقررت الإلزام بالتعويض على كل خطأ سبب ضررا للغير، فلا بد اذن من توافر خطأ وضرر، ثم علاقة سببه تقوم بينهما، ويغنى لفظ، الخطأ، فى هذا المقام عن سائر النعوت والكنى التى تخط للبعض فى معرض التعبير كاصطلاح العمل غير المشروع أو العمل المخالف للقانون أو الفعل الذى يحرمه القانون… الخ،

فهو يتناول الفعل السابق (الامتناع) الفعل الإيجابي وتنصرف فى دلالته الى مجرد الإهمال والفعل العمد على حد سواء، وغنى عن البيان ان سرد الاعمال التى يتحقق فيها معنى الخطأ فى نصوص التشريع لا يكون من وراثه الا اشكال وجه الحكم ولا يؤدى قط الى وضع بيان جامع مانع، فيجب ان يترك تحديد الخطأ لتقدير القاضي

وهو يسترشد فى ذلك بما يستخلص من طبيعة نهى القانون عن الاضرار من عناصر التوجيه. ثمة التزام يفرض على الكافة عدم الاضرار بالغير، ومخالفة هذا النهى هي التى ينطوى فيها الخطأ، ويقتضى هذا الالتزام تبصرا فى التصرف، يوجب اعماله بذلك عناية الرجل الحريص.

ولما كان الأصل فى المسئولية التقصيرية بوجه عام ان تناط بخطأ يقام الدليل عليه، لذلك القى عبء الإثبات فيها على عاتق المضر وهو الدائن.

ويراعى من ناحية أخرى ان الشقة بين أحكام المشرع وبين  المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة، لا تزال ابعد مدى مما يفرق ذلك الأحكام عن المسئولية على أساس الخطأ المفروض فى نطاق الأحكام الخاصة بالمسئولية عن عمل الغير، والمسئولية الناشئة عن الأشياء. اما المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة فلا يوجد بشأنها سوى تشريعات خاصة تناولت تنظيم مسائل بلغت من النضوج من يؤهلها لهذا الضرب من التنظيم

(مجموعة الأعمال التحضيرية القانون المدني – جزء 2- ص 354 وما بعدها)

التعليق على المادة 163 مدنى 

1 – يتبين من نص المادة 163 من القانون المدنى ان المسئولية التقصيرية، كالمسئولية العقدية، لها أركان ثلاثة هى :

  • الخطأ
  • الضرر
  • علاقة السببية ما بين الخطأ و الضرر

1 – الخطأ

والرأي الذى استقر فقها وقضاء هو ان الخطأ فى المسئولية التقصيرية هو اخلال بالتزام قانونى، كما ان الخطأ فى المسئولية العقد هو اخلال بالتزام عقدي قد يكون التزاما ما بتحقيق غاية أو التزاما يبذل عناية.

اما الإلتزام القانونى الذى يعتبر الإخلال به خطأ فى المسئولية التقصيرية فهو دائما الإلتزام يبذل عناية، وهو ان يصطنع الشخص فى سلوكه اليقظة والتبصر حتى لاس يضر بالغير، فإذا انحرف عن هذا السلوك الواجب، وكان من المقدرة على التمييز بحيث تدرك انه قد انحرف، كان هذا الانحراف خطأ يستوجب مسئوليته التقصيرية.

 ومن ثم يتحلل الخطأ فى المسئولية التقصيرية الى عنصرين :

  • الأول- مادى وهو التعدي،
  • الثانى- معنوى وهو الادراك.

 فيقع الانحراف إذا تعمد الشخص الاضرار بالغير، وهو ما يسمى بالجريمة المدنية، أو إذا هو دون ان يتعمد الاضرار بالغير اهمل وقصر، وهذا ما يسمى بشبه الجريمة المدنية.

 اما معيار هذا الانحراف فيتصور ان يكون اما معيارا ذاتيا أو معيارا موضوعيا.

 فإذا اخذنا بالمعيار الذاتي وجب ان ننظر الى شخص المعتدى، فنبحث هل ما وقع منه يعد انحرافا فى سلوكه هو، اذ قد يكون على درجة كبيرة من اليقظة، فأقل انحراف فى سلوكه يكون تعديا،

وقد يكون دون المستوى العادي فلا يعتبر متعديا الا إذا كان الانحراف فى سلوكه انحرافا كبيرا بارزا، وقد يكون فى المستوى العادي، فالمعتدى بالنسبة اليه لا يكون بهذا القدر من البروز أو على تلك الدرجة من الضآلة

وهذا المعيار الذاتي لا شك فى عدالته فهو يقيس مسئولية كل شخص بمعيار فى فطنته ويقظته، ولكن فه عيبا جوهريا لا يصلح معه ان يكون مقياسا منضبط وافيا بالغرض، فهو يقضى ان تنسب الانحراف فى السلوك الى صاحبة.

 من اجل هذا كله رجع الأخذ بالمعيار الموضوعي، فيقاس الانحراف بسلوك شخص تجرده من ظروفه الشخصية فيصبح شخصا عاديا يمثل جمهور الناس

فلا هو شديد اليقظة فيرتفع عن الشخص العادي ولا هو محدود الفطنة فينزل عن الشخص العادي، بل هو الشخص الذى اتخذنا مقياسا للخطأ العقدي فى الإلتزام ببذل عناية، حيث يطلب من المدين فى الأصل بذل عناية لرجل المعتاد، وهو شخص عرفه القانون الروماني وسماه برب الاسرة الطيب

ننظر الى المألوف من سلوك هذا الشخص المعتاد ونفيس عليه سلوك الشخص الذى نسب اليه التعدي، فإن كان هذا لم ينحرف فى سلوكه عن المألوف من مملوك الشخص المعتاد فهو لم يتعد، واصفى عنه الخطأ، اما إذا كان قد انحراف عن السلوك المألوف للشخص المعتاد، فقد تعدى وثيبت فى جانبه الخطأ

بهذا وحده يسلم لنا معيار منضبط واف بالغرض، فلا نحن فى حاجة الى البحث فى خبايا النفس والكشف عن خفايا السرائر، ولا المقياس يختلف فى تطبيقه من شخص الى اخر

يصبح التعدي امرا واحدا بالنسبة الى جميع الناس، فهو الانحراف عن السلوك المألوف للشخصي المعتاد، يستوى فى ذلك الفطن الذكي والوسط العادي والحامل العبء. ويصبح الخطأ شيئا اجتماعيا لا ظاهرة نفسية، فتستقر الأوضاع وتضبط الروابط القانونية.

 ان الشخص المعتاد الذى يجعل سلوكه المألوف معيارا موضوعيا للخطأ يجب ان يتجرد من الظروف الداخلية الملابسة لشخص المعتدى، دون ان يتجرد من الظروف الخارجية التى تحيط بالتعدي واهم هذه الظروف هي ظروف الزمان وظروف المكان.

 اما العنصر المعنوي (الادراك) فى الخطأ، فمناطه ان لا مسئوليته دون تمييز، فالصبى غير المميز والمجنون والمعتوه عتها تاما ومن فقد رشده لسبب عارض كالسكر والغيبوبة والمرض مغنطيسيا والمصاب بمرض النون، كل هؤلاء لا يمكن ان ينسب اليهم خطأ غير مدركين لأعمالهم.

 غير ان التمييز فى المسئولية التقصيرية لا يكيف على انه أهلية يجب توافرها كالأهلية فى العقد، انما التمييز هو عنصر الادراك فى الخطأ وبدونه لا يكون التعدي خطأ,

2-  الضرر

 قد يكون الضرر مادا يعيب المضر فى جسمه أو فى ماله، وقد يكون ادبيا يصيب المضرور فى شعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه أو أي معنى اخر من المعاني التى يحرص الناس عليها.

 فالضرر المادي هو اخلال محقق بمصلحة للمضرور ذات قيمة مالية، كحق المضرور فى سلامته، فالتعدي على الحياة أو اتلاف عضو أو احداث جرح أو إصابة الجسم أو العقل بأي اذى اخر من شانه ان يخل بقدرة الشخص على الكسب أو يكيده نفقة فى العلاج، كل هذا ضرر مادى، مثل الحق أيضا حق الملك فالتعدي على الملك خلال بحق ويعتبر ضررا

فالقتل ضرر يصيب المقتول فى حياته، وعن طريق هذا الضرر يصاب بضرر أولاد المقتول بحرمانهم من العائل والإخلال بحقهم فى النفقة قبل ابيهم، ويكفى ان يكون من فقد العائل له حق فى النفقة ولو لم يكن يعال بالفعل، ذلك ان فقد العائل قد أضاع عليه حقا هو ثابتا حقه فى النفقة

اما إذا كان ليس له حق فى النفقة، ولكن كان يعال فعلا فالضرر الذى ينزل به فى هذه الحالة يكون اخلالا بمصلحة مالية لا اخلالا بحق ثابت، والقضاء مطر فى جواز الحكم بالتعويض عن الضرر المادى الذى يصيب من فقد العائل

وهذا الحق ليس ميرانا يتلقاه، بل هو حق شخصى له، فلا يعطى بنسبة من فقد العائل، وهذا الحق ليس ميراثا يتلقاه، بل هو حق شخصى له، فلا يعطى بنسبة النصيب فى الارث بل مقدار الضرر الذى وقع ولا ينتقل حق التعويض الى ورثة من فقد العائل حتى لو مات هذا بعد رفع الدعوى. اما إذا ثبت ان أقارب المصاب مستقلون عنه

وانه لا يعولهم فلا حق لهم فى التعويض، والعبرة فى تحقيق الضرر المادى للشخص الذى يدعيه نتيجة لوفاء اخر هو ان يثبت ان المجنى عليه كان يعوله فعلا وقت وفاته وعلى نحو مستمر جائم

وان فرصة الاستمرار على ذلك كانت محققة، فيقدر القاضى ما ضاع على المضرور من فرصة بفقد عائلة، ويقضى له بتعويض على هذا الأساس، فمجرد احتمال وقوع ضرر فى المستقبل لا يكفى للحكم بالتعويض.

نقض – جلسة 13/3/1956- مجموعة المكتب الفني – السنة 2- جنائي ص 330

يجب ان يكون الإخلال بالمصلحة المالية محققا، فيكون الضرر محقق الوقوع بان قد وقع فعلا أو سيقع حتما.

 اما الضرر الأدبي فهو لا يمس المال، ولكن يصيب مصلحة غير مالية، ويجب ان يكون محققا كالضرر المادى ويمكن إرجاعه الى  أحوال معينة:

  • (1) ضرر ادبى يصيب الجسم- فالجروح والتلف الذى يصيب الجسم والالم وما قد يعقب من تشويه فى الوجه أو فى الجسم، كل هذا يكون ضررا ماديا أو ادبيا إذا نتج عنه انفاق المال فى العلاج أو نقص فى القدرة على الكسب المادى ويكون ضررا ادبيا فحسب إذا لم ينتج عن ذلك
  • (2) ضرر ادبى يصيب الشرف والاعتبار والعرض، فالقذف والسب وهتك الغرض وإيذاء السمعة والاعتداء على الكرامة، كل هذه اعمال تحدث ضررا ادبيا
  • (3) ضررا ادبى يصيب العاصفة والشعور والحنان، فخطف الطفل والاعتداء على الأولاد أو الام أو الاب أو الزوجة وإصابة الشخص فى متعقداته الدينية وشعوره الأدبي، وكل هذه اعمال تصيب المضرور فى عاطفته وشعوره فتحدث ضررا ادبيا
  • (4) ضرر ادبى يصيب الشخص من مجرد الاعتداء على حق ثابت له.

وقد استقر الفقه والقضاء فى مصر على جواز التعويض عن الضرر الأدبي.

3 -علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر

 يجب ان يكون الخطأ هو السبب فى الضرر، فإذا رجع الضرر الى سبب اجنبي انعدمت السببية، وتنعدم السلبية أيضا حتى ولو كان الخطأ هو السبب، ولكنه لم يكن السبب المنتج أو كان السبب المنتج ولكنه لم يكن السبب المباشر- على ما سيلى فى المواد التالية 

2- الأصل ان المرء لا يسأل الا عما يقع منه شخصيا من أفعال ضارة، فإذا امكن مساءلته عن غير ذلك فإنما تكون مسئوليته حينئذ مسئولية خاصة فيها خروج عن الأصل، ولذلك جرت الشرائع الحديثة على وضع القاعدة العامة فى المسئولية بمناسبة تنظيمها مسئولية المرء عن فعله الشخصى، وقد قرر المشرع المصرى هذه القاعدة فى المادة 163 من التقنين المدنى الحالى

وبناء على ذلك تكون أركان المسئولية المدنية ثلاث:

الضرر والخطأ وعلاقة السببية بينهما

شرح المادة 163 من التقنين المدنى

 والأصل ان المصاب، وهو مدعى التعويض، يجب عليه طبقا لقاعدة: البينة على من ادعى، ان يقيم الدليل على توافر هذه الأركان الثلاثة حتى يثبت له الحق فى التعويض.

نقض – جلسة 22/6/1962- مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – ص مدني ص1316 .

فالضرر الذى يستتبع المسئولية المدينة والتعويض هو الأذى الذى يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له سواء اكان ذلك الحق أو تلك المصلحة متعلقا بسلامة جسمه أو عاطفته أو بماله أو حريته أو شرفه واعتباره أو غير ذلك الا انه لا يشترط ان يكون الحق الذى يحصل المساس به حقا ماليا كحق الملكية  وحق الانتفاع وحق الدائنة، بل يكفى المساس بأي حق يحميه القانون كالحق فى الحياة والحق فى سلامة الجسم وحق الحرية الشخصية وحرية العمل… الخ، بل انه لا يشترط ان يكون المساس بحق يحميه القانون

ويكفى ان يقع على مصلحة للشخص ولو لم يكفلها القانون بدعوى خاصة طالما ان هذه المصلحة مشروعة أي غير مخالفة للقانون كمصلحة من يعولهم الشخص دون إلزام قانونى عليه فى بقاء هذا الشخص على قيد الحياة.

والضرر شرط أولى لقيام المسئولية المدنية امكان المطالبة بتعويض، لان التعويض لا يكون الا عن ضرر أصاب طالبه، ولان مدعى المسئولية لا تكون له مصلحة فى الدعوى الا إذا كان قد أصابه ضرر يطالب بتعويضه.

 فالضرر هو الركن الأول الذى تقدم عليه المسئولية المدنية، بل هو الذى تقوم المسئولية من اجل تعويضه ولا قيام لها بدونه، ولذلك يجب البدء بإثباته قبل إثبات ركن الخطأ والسببية،

وتنشأ المسئولية من وقت تحقق الضرر فعلا أو من الوقت الذى يصير فيه الضرر محقق الوقوع، ويعتبر هذا الوقت هو الذى تبدأ منه مدة تقادم دعوى المسئولية ولو كان الخطأ الذى سبب الضرر سابقا على ذلك بمدة طويلة،

ولا يعتبر المساس بحق أو بمصلحة مشروعة لشخص ضررا يوجب المسئولية الا إذا جعل مركز صاحب الحق أو المصلحة أسوأ مما كان قبل ذلك.

 وقد قيد المشروع المصرى والسوري والليبي المحكمة فى شان الصلة الواجب توافرها بين طالب التعويض عن الضرر الأدبي المرتد عليه وبين عزيزه الذى فقده، فلم يجزها البحث فى تحقق الضرر ولا الحكم بالتعويض عن الألم الذى يصيب طالب التعويض من جزاء موت عزيزة المذكور ما لم يكن طالب التعويض زوجا بذلك العزيز أو قريبا له من الدرجة الثانية

أي ان المشرع قصر سلسلة الأشخاص الذين بحق لهم التعويض عن الألم الذى يصيبهم من موت قريب لهم على الوارد والأحفاد والاباء والاجداد والامهات والجدات والاخوة والاخوات والازواج والزوجات دون غيرهم.

 الخطأ- لا يكفى ان يحدث الضرر بفعل شخص حتى يلزم ذلك الشخص بتعويضه، بل يجب ان يكون ذلك الفعل خطأ، لان الخطأ شرط ضروري للمسئولية المدنية بل هو الأساس الذى تقوم عليه، فليس لمحكمة الموضوع اقامة المسئولية التقصيرية على خطأ لم يدعه المدعى، متى كان أساسها حطأ يجب إثباته

 وقد اشترطت هذا الركن جميع تقنيات البلاد العربية على اختلاف تعبيراتها عنه.

 ولم يعرف الخطأ غير المشرعين التونسى والمغربي، اما المشرع الفرنسي وسائر مشروعي البلاد العربية فقد تركوا تعريف الخطأ الى الشراح.

 وتفرق محكمة النقض المصرية بين تحرى الوقائع فى ذاتها، وبين تكييف هذه الوقائع بانها خطأ وتجعل الأول داخلا فى سلطة قاضى الموضوع دون رقابة عليه مادام استخلاصه الوقائع سائغا، وتعتبر الثانى مسألة قانونية يخضع فيها القاضى للرقابة محكمة النقض.

وجرت على ذلك أيضا محكمة النقض اللبنانية

 حيث قررت بجلسة 8/6/1929 فى ( قضية داود ضد موروللو ) ان لقاضى الموضوع ان يستخلص من وقائع الدعوى العناصر المكونة للخطأ ولكنه يجب عليه ان يمكن محكمة النقض من مباشرة رقابتها يتعلق بكفاية العناصر التى استخلصها لتكوني ركن الخطأ، كما قضت بنفس المبدأ فى قضية شركة يافيان الحمامات ضد جير الدى، وذلك بجلسة 15/1/1952.

 كذلك يخضع القاضى لرقابة محكمة النقض فى اختياره معيار الخطأ وفى تعيينه ما يعتبر من الظروف الظاهرة التى يقام وزن فى تقدير الخطأ ومالا يعتبر كذلك وفى تقدير الأسباب التى ينتفى بها الخطأ والدفاع الشرعى والضرورة، وامر الرؤساء…الخ.

 رابطة التنبيه- لا يكفى فى قيام المسئولية المدنية حصول ضرر لشخص ووقوع خطأ من شخص اخر، بل لابد ان يكون هذا الخطأ هو السبب المباشر فى حدوث الضرر والا انعدمت المسئولية.

 ومع ان رابطة السببية شرط أساسي فى قيام المسئولية، فإنه كثيرا ما يصعب تقدير هذه الرابطة بسبب تعدد ظروف لأحوال وتداخلها.

 ويدق تعيين رابطة السببية بوجه خاص عند تعدد الأسباب التى اجتمعت على احداث ضرر واحد وعند تعدد النتائج المتسلسلة على سبب اصلى واحد.

 ومقتضى نظرية تعادل الأسباب انه يجب فى تعيين ما يعتبر سببا حقيقيها للضرر بحث كل من العوامل المتعددة على حدة، فالعامل الذى يثبت انه لولاه ما وقع ضرر معين، يعتبر سببا فى حدوث هذا الضرر، وتعد كلها متعادلة من حيث التسبب فى الضرر.

 غير ان الأسباب لا تعتبر متعادلة أو متكافئة الا إذا كان كل منها مستقلا من غيره أي انه لا يوجد من بينها ما يعتبر نتيجة حتمية لغيره، اما إذا كان احد العوامل التى تتابعت احداث الضرر ليس الا نتيجة حتمية لعامل سابق عليه

فلا يعتبر العامل اللاحق السبب الحقيقى فى حدوث الضرر ولا تترتب عليه المسئولية، وانما يجب التعامل الأول العوامل اللاحقة كلما يستغرقها ويعتبر هو السبب الحقيقى فى حدوث الضرر

ومثل ذلك ان يضطر سائق سيارة لمعادلة عابر ظهر امامه فجاءه فى إنيان حركة شاذه تدفع السيارة على افريز الطريق فتصيب بعض المارة وتتلف واجهة بعض المتاجر، فلا تعتبر حركة السائق، ولو كانت خطأ، والسبب الحقيقى فى حدوث ه
ذه الاضرار، وانما الذى يعتبر كذلك هو خطأ عابر الطريق.

 وبعد ان استقر القضاءان الفرنسي والمصري على الأخذ بنظرية تعادل (تكافؤ) الأسباب مدة طويلة، بدافتيهما أخيرا اتجاه الى الأخذ بنظرية السببية الفعالة أو السبب المنتج والتمييز بينه وبين السبب العارض، ومؤداها انه لا يكفى لاعتبار عامل معين سببا فى حدوث تضرر ان يكون وجوده بحيث لولاه ما وقع ذلك الضرر،

فماذا سرق شخص سيارة فى حفظها ليس م شانه وفقا للمجرى العادى للأمور ان يحدث إصابة للغير، فإذا أدى الى ذلك فى هذا المثل فلانه اقترن مصادفة بسبب فعال من شانه وحده ان يحدث تلك الإصابة وهو القيادة بسرعة كبيرة

فيكون هذا السبب الأخير هو السبب الفعال أو المنتج الذى يعول عليه من الناحية القانونية فى اقامة المسئولية، اما اهمال المالك فى حفظ السيارة فلا يعتبر الا سببا عارضا لا يقام له وزن فى تقضى رابطة السببية القانونية بين الضرر وسببه.

 وفى هذا الاتجاه الحديث سارت محكمة النقض المصرية

 والأصل ان مدعى للتعويض يجب ان يثبت أركان المسئولية جميعا بما فيها رابطة السببية، ولكن الواقع ان هذه الرابطة يسهل فى الغالب إثباتها عن طريق قرائن الحال، بل كثيرا ما تكون هذه القرائن واضحة بحيث يبدو ان الأمر لا يحتاج الى دليل توافر السببية.

 غير ان هذا لا يمنع المدعى عليه من ان يدفع مسئوليته بان يهدم هذه القرائن من طريق إثبات انعدام السببية بين خطئه والضرر الذى لحق المصاب.

 ويجوز له ان ينفى السببية بطريقة غير مباشرة، أي بإقامة الدليل على ان الضرر نتيجة لسبب اخر اجنبي عنه سواء اكان هذا السبب الأجنبي هو العامل الوحيد فى حدوث الضرر، ام كان هو العامل الذى سبب فعل الفاعل الذى احدث الضرر.

 وأيا كان الطريق الذى يختاره لذلك، فإنه يقع عليه هو عبء نفى السببية أو إثبات السبب الأجنبي.

 اما التقنين اللبنانى فلم ينص على دفع المسئولية بالسبب الأجنبي بمناسبة التبعة الناجمة عن العمل الشخصى.

 اما القانون التونسى والمغربي فقد نصا على دفع هذه المسئولية بإثبات حصول الضرر بسبب مفاجئ أو بقوة قاهرة.

 واستقر قضاء محكمة النقض المصرية على ان :

البحث فى رابطة السببية بين الخطأ والضرر هو سن الواقع الذى لا يخضع قاضى الموضوع فى فهمه لرقابة محكمة النقض الا ان يشوب تسببه عيب يبطله،

وان تقدير الدليل على قيام هذه الرابطة هو أيضا من الأمور الموضوعية التى لا رقابة لمحكمة النقض عليها، وكذلك الأمر فيما يتعلق بكيف الضرر بانه مباشر أو غير مباشر، لان الضرر المباشر هو ما تتوافر بينه وبين الخطأ رابطة السببية.

 اما فيما يتعلق الفعل المنسوب اليه الضرر المرفوعة دعوى تعويضه سببا اجنبيا عن المدعى عليه أو عدمه، فهناك خطوتان: الأولى – تقدير توافر رابطة السببية بين فعل ذلك الغير والضرر

وهو يدخل فى نظام سلطة قاضى الموضوع دون رقابة عليه مادام استخلاصه سائغا. والثانية- تقدير توافر شروط السبب الأجنبي فى هذ الفعل بعد ثبوت تسببه فى حدوث الضرر  وهذا يعتبر مسألة قانونية يخضع فيها القاضى لرقابة محكمة  النقض

المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية، كلاهما يرمى الى إلزام المسئول بتعويض الضرر الذى تسبب فيه على ان المسئولية العقدية، وهى تقوم على الإخلال بالتزام عقدى، تتميز بأحكام خاصة تقضى تحديد نطاقها بيان شروط قيامها.

المصادر والمراجع القانونية

شرح المادة 163 من التقنين المدنى- المسئولية التقصيرية

  • (1)   الوسيط – 1- الدكتور السنهوري – ص 743 وما بعدها ، وكتابة الوجيز – ص 290.
  • (2)   رسالة دكتور إدمون ( الخطأ في القانون اللبناني مقارناً ، بالقانون الفرنسي ) بيروت 1953- ص 6 ، والجريدة الفضائية اللبنانية -1952 ص 180.
  • (3)   المسئولية المدنية في تقنيات البلاد العربية – قسم 1- الدكتور سليمان مرقص – طبعة 1971- ص 126 وما بعدها ، ومقالة تكييف الفعل الضار – مجلة القانون والاقتصاد -السنة 15- العدد 2و3 – ص 185 وما بعدها .
Print Friendly, PDF & Email
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية ودعاوى الإيجارات ودعاوى الموظفين قطاع حكومى وخاص وطعون مجلس الدولة والنقض ليسانس الحقوق 1997

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page

DMCA.com Protection Status