استكمالا لمسئولية مسؤولية الناقل الجوي في نقل البضائع نعرض الإعفاءات القانونية والاتفاقية للناقل الجوي من هذه المسئولية فالقانون نص علي مسئولية شركة الشحن ولكن أرسى أسبابا للإعفاء من هذه المسئولية وانتفاء التعويض نتعرف عليها في هذا البحث القانوني

الاعفاء من مسؤولية الناقل الجوي في نقل البضائع

الإعفاءات القانونية والاتفاقية للناقل

يعتبر النقل الجوي بأنه الوسيلة الأسرع للربط بين الدول والقارات بحيث ساهم في ازدهار التجارة والالتقاء الحضاري بين الشعوب في وقت أصبح فيه العالم يقاس بتطور النقل الجوي وانتشار شبكة الخطوط الجوية المنتظمة لتغطي كل بقعة في اليابسة في زمن أصبحت السرعة سمته البارزة. ورغم هذه الامتيازات فإن هذه الوسيلة محفوفة بالمخاطر مما دفع بالمجتمع الدولي  إلى التدخل من أجل تكوين قواعد خاصة تنظم حركة واستعمال الطائرة،

وذلك بوضع قواعد آمرة تكفل سلامة هذه المركبة بما فيها. ولهذا لجأت الدول إلى سن تشريعات وطنية  وعقد مؤتمرات دولية لوضع اتفاقيات دولية تهدف إلى تنظيم الملاحة الجوية واستغلال المجال الجوي بشكل واسع لضمان الاستقرار والسلم والتعاون بين الأمم، وهكذا كانت الخطوات الأولى لعقد اتفاقية دولية توحد قواعد المسؤولية الجوية عن النقل، أو توجه إن أمكن القانون الخاص الجوي. هي مبادرة فرنسية من الرئيس بوانكاريه

وكان ذلك عام 1924 في نفس الوقت  الذي قدم فيه إلى البرلمان الفرنسي مشروع القانون الجوي الداخلي لفرنسا. وقدمت فرنسا إلى المؤتمر الدولي الذي عقد لهذا الغرض عام 1925 مشروعا شكل المؤتمر لدراسته من اللجنة الدولية المكونة من خبراء قانونيين جويين،

وانتهت هذه الدراسات إلى إبرام اتفاقية فرصوفيا للنقل الجوي الدولي في 12 أكتوبر 1929 ودخلت حيز التنفيذ ابتداء من 13 فبراير 1933، إلا أنه قبل انعقاد اتفاقية فرصوفيا كانت هناك اتجاهات متباينة في شأن الأسس التي يمكن الارتكاز عليها لتحديد مسؤولية الناقل الجوي

بحيث ذهبت بعض القوانين إلى تأسيس هذه المسؤولية على أساس تعاقدي بينما ذهبت طائفة أخرى من القوانين إلى تأسيس هذه المسؤولية على فكرة الخطأ التقصيري بصفة عامة وأخيرا ذهبت طائفة أخرى إلى تأسيس المسؤولية على فكرة المخاطر وتحمل التبعية.

إلا أننا نرى بأن الأستاذ مختار بكور يرى بأن مسؤولية الناقل الجوي هي مسؤولية شخصية قائمة على أساس الخطأ، إلا أن الخطأ هو مفترض ذلك أن الراكب أو صاحب البضاعة غير ملزم بإثبات خطأ الناقل بل فقط إثبات حصول ضرر أثناء النقل الجوي ليفترض عندئذ هذا الخطأ في جانب الناقل

إلا أن هذا افتراض بحيث يبقى لهذا الناقل الحق في دفع المسؤولية عنه وذلك بنفي الخطأ عنه بمعنى إثبات أن الضرر الذي حصل للمسافر أو البضاعة أو الأمتعة لا يعزى إلى خطا عنه أو أحد تابعيه، بل إلى سبب آخر وأنه اتخذ خلال عملية النقل جميع الاحتياطات اللازمة لتفادي وقوع الضرر أو أنه استحال عليه اتخاذها

وهو ما يتضح من المادة 20 من معاهدة فرصوفيا التي قالت 

” لا يكون الناقل مسؤولا إذا أثبت أنه هو وتابعوه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي الضرر أو أنه كان من المستحيل عليهم اتخاذها” وهو ما جاءت به الفقرة الأولى من الفصل 193 من مرسوم الملاحة الجوية فإذا كان من السهل على المسافر أو صاحب البضاعة أو الأمتعة إثبات مسؤولية الناقل الجوي ما دام أنها قائمة على أساس الخطأ المفترض

ويكفي لهؤلاء إثبات أمرين أنه حصل ضرر وأن هذا الضرر قد حصل خلال النقل الجوي، فإن هذه السهولة في إثبات المسؤولية التي منحت لمستعملي الطائرة نجد أنه في المقابل قد منحت للناقل الجوي نفس التسهيلات في دفع المسؤولية عنه والتي من شأنها أن تجعل من تلك التسهيلات التي منحت لمستعملي الطائرة غير ذي جدوى وعديمة الأثر.

وفي هذا الإطار نرى في القانون الإنجليزي كان الناقل سواء انتسب إلى طائفة   Common  Carrier  أو طائفة  Private Carrier  يتمتع بحرية مطلقة في التعاقد، فكان له وفقا لهذا القانون، الحق ليس فقط في تحديد مسؤولية بمبلغ معين من النقود وكذلك في اشتراط الإعفاء منها إعفاءا مطلقا.

أما في فرنسا أباح تشريع الملاحة الجوية الصادر في 31 ماي1924 الشروط الخاصة بتحديد التعويض وبعض شروط الإعفاء من المسؤولية كشرط الإعفاء من المسؤولية بسبب المخاطر الجوية والأخطاء الملاحية،

ولكنه أبطل شروط الإعفاء من المسؤولية عن الأخطاء الشخصية للناقل الجوي.

ولهذا فمن خلال الموضوع المطروح علينا والذي يتعلق بالإعفاء القانوني  والاتفاقي لمسؤولية الناقل الجوي ستحاول دراسته من خلال فصلين اثنين وهما على الشكل التالي :

  • الإعفاء القانوني لمسؤولية الناقل الجوي.
  • الإعفاء الاتفاقي  لمسؤولية الناقل الجوي.
  • الإعفاء القانوني لمسؤولية الناقل الجوي

تقوم مسؤولية الناقل الجوي بمجرد عدم قيامه يتوصل المسافر سالما أو بتسليم البضاعة سليمة إلى المرسل إليه في الميعاد المحدد وهكذا اهتمت اتفاقية فارسوفيا بالالتزامات الملقاة على عاتق الناقل الجوي على أنه في حالة الإخلال بها يلتزم بتعويض الأضرار الناجمة عن هذا الإخلال

لكن لا يمكن الجزم بأن الأضرار التي تصيب الأشخاص أو البضائع تكون نتيجة خطأ صادر في الناقل مباشرة إذ قد تتدخل أحيانا عوامل شتى تكون سببا في هذه الأضرار وبالتالي التحلل منها إما كلية أو في جزء منها.

وتختلف وسائل دفع مسؤولية الناقل الجوي باختلاف الأساس الذي بنيت عليه هذه المسؤولية، وإذا رجعنا إلى كل من اتفاقية فارسوفيا والمرسوم المغربي الخاص بالملاحة الجوية الصادر سنة 1962 وكذا بروتوكول لاهاي  الصادر سنة 1955

والذي عدل اتفاقية فارسوفيا نجد أن الأساس الذي بنيت عليه المسؤولية هو الخطأ المفترض وعليه فإن الناقل الجوي يستطيع هدم هذه القرينة بإثبات اتخاذه التدابير الضرورية لمنع وقوع الضرر بإثبات السبب الأجنبي

إلا أن هناك حالات أخرى لا يستطيع فيها الناقل أن يثبت أنه لم يرتكب أي خطأ هو وتابعيه، وأن الضرر يعود إلى أسباب أخرى إذن ما هي هذه الأسباب التي يلتجئ إليها الناقل الجوي ليستطيع التحلل من مسؤولية؟

كما سنتعرض في هذا المبحث إلى أسباب دفع المسؤولية في بروتوكول جواتيمالا سيتي وعليه سنلقي الضوء علي 

  • الأول : إعفاء الناقل الجوي من المسؤولية بإثبات السبب الأجنبي.
  • الثاني : إعفاء الناقل الجوي من المسؤولية بإثبات عدم الخطأ.
  • الثالث : أسباب دفع المسؤولية في بروتوكول جواتيمالا سيتي 1971 وبروتوكول مونتريال الرابع 1975.

الاعفاء للسبب الأجنبي

السبب الأجنبي هو فعل أو حادث معين لا ينسب إلى المدعي عليه ويكون قد جعل منع وقوع الفعل الضار أمرا مستحيلا ولهذا قد يكون مرد الأضرار الحاصلة للركاب أو البضائع إلى أسباب أجنبية وخارجة عن نطاق نشاط الناقل الجوي مما أدى باتفاقية فارسوفيا والقانون المغربي إلى إجازة هدم قرينة الخطأ المفترض من قبل الناقل كلما نسب إليه الخطأ.

وهذه الأسباب الأجنبية التي تؤدي إلى إعفاء الناقل الجوي من المسؤولية هي القوة القاهرة والحادث الفجائي أو خطأ المضرور أو فعل الغير إذ من خلال هذا التعداد سنحاول أن نخصص لكل من هذه الأسباب مطلبا مستقلا وعلى النحو التالي:

  • المطلب الأول القوة القاهرة والحادث الفجائي
  • المطلب الثاني خطأ المضرور
  • المطلب الثالث فعل الغير.

القوة القاهرة والحادث الفجائي

تمثل القوة القاهرة والحادث الفجائي وسيلة قانونية هامة تسمح للمدين في التزام عقدي أصبح مستحيل التنفيذ طبقا لها، بالتحلل من هذا الالتزام ، إضافة إلى أنها وسيلة قانونية تسمح له بالتخلص من مسؤوليته المدنية عموما

ولقد نظمت اتفاقية فارسوفيا وسائل دفع الناقل الجوي لمسؤوليته عن الأضرار التي تصيب المسافرين في الفقرة الأولى من المادة 20 حيث قررت أن :

“1ـ لا يكون الناقل مسؤولا إذا أثبت أنه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي الضرر أو كان من المستحيل عليه اتخاذها “، فإذا نظرنا إلى الفقرة الأخيرة من هذه المادة لوجدنا أنها تنص على إعفاء الناقل من المسؤولية إذا كان من المستحيل عليه هو أو على تابعيه اتخاذ التدابير اللازمة لتفادي الضرر

وهذا في حقيقة الأمر هو مما ينطبق على القوة القاهرة والحادث المفاجئ وتكون الاتفاقية قد اعتبرتها سببا لدفع المسؤولية وإن لم ترد بنص صريح ومن تم يتوجب الرجوع فيها إلى القواعد العامة في القوانين الوطنية،

والمشرع المغربي في الفصل 193 من مرسوم الملاحة الجوية نص على نفس الحكم المدني الذي جاء في المادة 20 من اتفاقية فارسوفيا

ولهذا تعتبر القوة القاهرة والحادث الفجائي مسوغا قانونيا يؤدي إلى انهيار القوة الملزمة للعقد متى توافرت شروطها.

أولا: مفهوم القوة القاهرة والحادث الفجائي في التشريع المغربي:

لقد نظم المشرع المغربي القوة القاهرة والحادث الفجائي في الفرع الثاني من القسم الرابع من قانون الالتزامات والعقود الذي خصص لآثار الالتزامات بوجه عام ما يتصل منها بتلك التي تجد مصدرها في العقد مباشرة أو تلك التي تجد مصدرها في غيره من مصادر الالتزام الأخرى  كالمسئولية التقصيرية أو الإثراء بلا سبب على سبيل المثال

ولهذا نرى أن المشرع المغربي قد عرفها في الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود  وتحت عنوان القوة القاهرة والحادث الفجائي بأنها ”  كل أمر لا يستطيع الانسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية ( الفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو، وفعل السلطة ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيل”.

ومن الملاحظ أن التعريف الذي جاء به المشرع المغربي في الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود لا يختلف كثيرا عن تعريف الفقيه الرماني البيان  Ulpun والذي عرف القوة القاهرة بأنها ” كلما لم يكن في وسع الآدمي أن يتوقعه وإذا أمكن توقعه فإنه لا يمكن مقاومته” (12).

ثانيا : شروط القوة القاهرة والحادث الفجائي :

إن اتفاقية فارسوفيا المعدلة في لاهاي والقوانين التي أخذت عنها كالقانون المغربي لم تتعرض مباشرة لفكرة القوة القاهرة لأنها اكتفت لدفع المسؤولية بإثبات انتفاء خطأ الناقل إلا أن ذلك يستخلص من الفقرة الأولى للمادة 20 من الاتفاقية والفصل 193 من المرسوم المغربي الذي ينص على:

” ….. أو أنه كان من المستحيل عليهم اتخاذها ذلك أن استحالة اتخاذ التدابير الضرورية من جانب الناقل الجوي وتابعيه لا تتحقق إلا في مواجهة الحادث غير الممكن توقعه ولا دفعه ويكون ناتجا عن حادث قادم من خارج دائرة نشاط الناقل “

إذن فمن خلال هذا النص القانوني نستخلص مجموعة من الشروط المكونة للقوة القاهرة والحادث الفجائي وهي كالتالي:

  • 1)  يجب أن يكون الحادث خارجي عن مقاولة النقل
  • 2)   يجب أن يكون غير قابل للدفع
  • 3) يجب أن يكون غير متوقع:
أ ـ يجب أن يكون غير متوقع:

يقصد به أن يكون الحادث قادما من خارج دائرة نشاط الناقل خارج دائرة مشروعه، وقد احتدم الجدل حول هذا العنصر، حيث يرى البعض أنه لا يمكن اعتبارها قوة قاهرة في النقل الجوي على أساس أن النقل الجوي مرتبط بالمحيط الذي نشأ فيه وبالتالي فهناك ارتباط بين الحوادث الجوية وعوامل الطبيعة،

ورغم وجاهة هذا الرأي لا يمكن تحميل الناقل مسؤولية بسبب أجنبي خارج عن إرادته. فمخاطر الطيران الناتجة عن العوامل الطبيعية تعتبر خارجة عن مجال نشاط الناقل وما ينطبق على النقل البحري والنقل البري ينطبق على النقل عبر الجو، فأصحاب هذا الرأي لم يفكروا في إنكارهم صفة الخارجية على عوامل الطبيعة في طرق النقل الأخرى كالنقل البحري، حيث تعتبر العاصفة القوية المفاجئة قوة قاهرة.

ب ـ يجب أن يكون غير قابل للدفع:

تفيد هذه الفكرة معنيين الأول يتمثل في عدم قدرة الشخص على منع نشوء الواقعة المكونة للقوة القاهرة، والثاني يتمثل في عدم تمكنه من التصدي للآثار المترتبة عنها وليس من قبيل القوة القاهرة والحادث الفجائي ما يمكن دفعه ولا يعتبر فيه تنفيذ النقل مستحيلا، بل يجب أن يكون الحادث من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام  مستحيلا استحالة مطلقة

يجب أن يتم تقدير هذا الشرط على ضوء التقدم الذي شهده اليوم وقوع الحادث في مجال الطيران، ففي البداية كان من الصعب مطالبة عوامل الطبيعة وكوارثها

أما الآن فقد وصل هذا المجال إلى مستوى عال من التقدم التكنولوجي وزودت الطائرة الحديثة الصنع بمعدات متطورة لقياس الضغط الجوي وأجهزة الرادارات التي تفيد في الحصول على معلومات بخصوص المتغيرات الجوية

وبالتالي أصبح بالإمكان تفادي خطر مفاجئ أثناء التحليق في الوقت المناسب، إلا أن إثبات ذلك في بعض الأحيان يكون عسيرا خاصة عند تهشم الطائرة نهائيا أو فقدانها في أعالي البحار.

ج ـ يجب أن يكون غير متوقع:

يجب أن لا يكون في الإمكان توقع الحادث أي أن الحادث الطارئ بطبيعته غير ممكن توقعه عقلا وما لا يمكن في حدود المألوف توقعه

وعدم إمكان  التوقع يجب أن يكون المعيار فيه موضوعيا حسبما تمليه ظروف الحال فيقاس عدم التوقع بالناقل المعتاد مع مراعاة الظروف العامة والخارجية لكل حالة على حدة دون الاعتداد بشخص الناقل أو ظروفه الداخلية الخاصة به وعدم توقع الحادث الجوي هو ما لا يستطيع الناقل العادي توقعه.

ويجب أن يكون عدم التوقع هذا مطلقا لا نسبيا لذلك فتقصير الناقل فيما يجب توقعه لا يعفيه من المسؤولية.

ثالثا : صور القوة القاهرة والحادث الفجائي:

سنحاول استعراض أهم صور القوة القاهرة وهي : مخاطر الجو والإضراب ورمي البضاعة.

(1) مخاطر الجو:

باعتبار أن مجال هذا النوع من النقل هو الجو، لذا فإن هذه المخاطر الجوية تعتبر من أهم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث أضرار بمستعملي وسيلة النقل هذه، في غياب النصوص التشريعية حاول الفقه إعطاء مفهوم لهذه المخاطر الجوية وتبيان الحالات التي من شأنها أن تشكل قوة قاهرة.

وهكذا يقول ربير  Repert يجب أن يتاح للناقل الجوي إثبات أن الحادثة كانت نتيجة قوة قاهرة بما تضمنته هذه العبارة من مخاطر التي تحدث أثناء الرحلة والتي لا تعزى إلى الربان ولا إلى عيب في الطائرة.

وقد أحسن الفقيه شوفو Chauveau توضيح مفهوم خطر الجو حيث قال ” مخاطر الجو تشمل بطبيعة الحال كل الحوادث الفجائية التي يمكن أن تحدث أثناء الطيران الجوي وبالخصوص تلك التي مصدرها الحوادث الطبيعية”

ولا تكفي أن تشكل هذه المخاطر الجوية صعوبة أمام الناقل أثناء تنفيذ التزاماته  التعاقدية بل يجب أن تكون مستحيلة التوقع ومستحيلة الدفع، هذا وأن مفهوم هذه الاستحالة يتغير مع تطور تكنولوجيا الطيران(

بمعنى أوضح أن كثيرا من المخاطر الجوية التي كانت تشكل قوة قاهرة أصبحت أمورا عادية ومألوفة وبالتالي لا مجال للناقل الجوي من التمسك بها لدفع مسؤوليته.

2) الإضراب :

إن الناقل يسعى دائما للبحث عن الأسباب التي يقول له دفع مسؤوليته ومن بينها الإضراب الذي قد يحول دون تنفيذ التزامه بنقل المسافرين والبضائع إلا أنه يجب مراعاة شروط معينة حتى يكون ذلك الإضراب فعلا قوة قاهرة وهي على الشكل التالي:

  • أ ـ أن يكون الإضراب عاما.
  • ب ـ أن يكون الإضراب مفاجئا وغير متوقع.
  • ج ـ ألا يكون الإضراب نتيجة خطأ الناقل.
د ـ رمي البضاعة:

لم تشر إليها اتفاقية فارسوفيا والمرسوم المغربي واكتفى المشرع المغربي في الفصل 235 من مرسوم الملاحة الجوية بتحريم عملية الإلقاء التلقائي وغير الضروري للأشياء والمواد الخطرة.

والواقع أن عملية الإلقاء مستحدثة  من القانون البحري الذي يسمح لربان السفينة إذا ما وجد نفسه في حالة الضرورة القصوى أي كان لابد من إلقاء البضاعة لإنقاذ السفينة من الغرق ويشترط لإعفاء الناقل من المسؤولية عن رمي البضاعة:

  • 1)         أن يكون رمي البضاعة ضروري لإنقاذ الطائرة.
  • 2)         ألا تكون ضرورة رمي البضاعة قد تسبب فيها الناقل بخطئه أو خطأ تابعيه.
  • 3)         أن يتقيد في حالة ضرورة الإلقاء، برمي البضاعة ذات القيمة الزهيدة.

خطأ المضرور نفسه

قد ينجم الضرر عن خطأ المضرور نفسه، كأن يتعجل الهبوط قبل وقوف الطائرة نهائيا. فيسقط ويتعرض للضرر ، أو يقترب من إحدى مراوح الطائرة فيصاب بأذى أو يغادر مقعده أثناء عمليات الإقلاع والهبوط رغم تحذيرات الناقل بالتزام الأماكن، فيصاب بضرر،

وقد نصت اتفاقية فارسوفيا في مادتها 21 على خطأ المضرور حيث تقول

” إذا أثبت الناقل أن خطأ الشخص المصاب هو الذي تسبب في الضرر أو ساعد على وقوعه فللمحكمة بالتطبيق لأحكام قانونها الخاص، أن تستبعد مسؤولية الناقل أو تخفف منها”.

ونلاحظ أن المادة تضمنت قاعدة إسناد تحيل بمقتضاها الاتفاقية على قانون المحكمة المعروض عليها النزاع ذلك لعدم تمكن المؤتمرين في التوفيق بين مختلف الحلول التي تقررها التشريعات الوطنية بشأن خطأ المضرور.

وقد أضيف هذا العنصر في مؤتمر  فارسوفيا باقتراح من المندوب البريطاني وإعفاء الناقل في المسؤولية يكون بقدر خطأ المضرور إحداث الضرر على أن التحديد يكون من اختصاص قانون المحكمة المطروح عليها النزاع لتقدير أثر خطأ المضرور في المسؤولية.

وفي التشريع المغربي تطبق أحكام الفصل 193 من مرسوم الملاحة المغربية الصادر بتاريخ 10 يوليوز 1962 والذي نص على أنه

” يمكن استبعاد مسؤولية الناقل الجوي أو تخفيفها إذا أثبت أن الضرر يرجع إلى خطأ المضرور أو أنه ساهم في إحداثه”.

من خلال هذا النص نستشف أن المشرع المغربي ، يشترط للحكم بانقضاء مسؤولية الناقل الجوي، أن يكون الضرر بأجمعه راجعا إلى خطأ المضرور وحده، أما إذا كان راجعا إلى المساهمة بين خطأ المضرور والناقل فإنه يجب توزيع المسؤولية بينهما بقدر المساهمة في الضرر

وهكذا إذا كانت المادة 21 من اتفاقية فارسوفيا قد أحالت على القانون الوطني الواجب التطبيق فإنه في ظل التشريع المغربي نراه يعترف بخطأ المضرور كسبب لإعفاء الناقل من المسؤولية وتمشيا مع تحقيق مصالح جميع أطراف عقد النقل الجوي سواء المساطر أو الناقل فقد يختلف الحكم حسب مساهمة كل منهما في إحداث الضرر على النحو التالي:

  • 1) إذا استطاع الناقل الجوي أن يثبت أن الضرر يعود إلى خطأ المضرور وحده وإن لم يرتكب أي خطأ ولم يكن بإمكانه أن يتوقع حدوث الضرر أو أن يدفعه (20) أي أنه اتخذ وتابعيه كل التدابير اللازمة لتفادي وقوع الضرر.
  • (2) أما إذا كان خطأ المضرور لم يكن هو السبب الوحيد للضرر ولكنه ساهم إلى جانب خطأ الناقل دون أن يستغرق أحدهما الآخر، فإن قواعد العدالة تأبى أن تلقي المسؤولية بكاملها على عاتق الناقل وهذا ما نهجه المشرع المغربي في الفصل  193 من مرسوم الملاحة الجوية بأن أعطى للقاضي تقدير الموقف والحكم إما بتعويض كامل أو إنقاص التعويض بقدر مساهمة كل منهما في إحداث الضرر.

أما إذا رجعنا إلى القانون الأمريكي على وجه الخصوص فإن الناقل الجوي يعفى تماما من أية مسؤولية متى كان هناك الخطأ للمضرور ولو وجد بجانب خطأ الناقل لأنها لا تعرف نظام التخفيف أو تجزئة المسؤولية،

فإما أن تكون مسؤولية كاملة أو لا مسؤولية، وذلك إعمالا لقاعدة الإهمال المشترك والتي تفيد أنه بإمكان الناقل أن يثبت أن المضرور كان يمكنه تفادي الضرر لو تصرف على نحو معقول.

فعل الغير

قد يحصل أن الراكب أو البضاعة يصاب بضرر من طرف شخص أجنبي من الناقل لا تربطه به أية علاقة تعاقدية أو تبعية أو إشراف لتنفيذ عملية النقل الجوي، مثلا كالموظفون الإداريون وسلطات المطار والجمارك والأمن.

لم يرد في نص الاتفاقية فعل الغير كوسيلة لدفع مسؤولية الناقل الجوي وكل ما فعلته هو النص على أن يثبت الناقل أنه وتابعيه قد اتخذوا كل الاحتياطات الضرورية لتفادي الضرر. ومرسوم الملاحة الجوية المغربي في الفصل 193 لم يتعرض للغير وإنما  حدى حدو اتفاقية فارسوفيا في النص على اتخاذ التدابير الضرورية أو كان يستحيل عليه وتابعيه اتخاذ تلك التدابير

وعليه يشترط في الغير ألا يكون من الأشخاص الذين يسأل عنهم الناقل أي من يستخدمهم في تنفيذ التزامه بحيث يجب أن يكون الغير أجنبيا تماما عن الناقل، ولا يرتبط بأية رابطة عقدية مع الناقل يكون فيها نائبا عنه أو مستخدما لديه

وهكذا حتى يستطيع الناقل الجوي أن يتحلل  من مسؤوليته عن الضرر الحاصل من الغير، أن يثبت أن هذا الخطأ غير متوقع وليس في إمكانه دفعه وأنه هو السبب الوحيد للضرر الذي وقع.

الاعفاء بإثبات عدم الخطأ

الإعفاءات القانونية والاتفاقية للناقل

إذا كان الناقل الجوي يستطيع أن يتحلل من مسؤوليته عن طريق إثبات السبب الأجنبي المتمثل في القوة القاهرة والحادث الفجائي وفعل الغير وخطأ المضرور، فإن هناك حالة لا يستطيع فيها الناقل أن يثبت أنه لم يرتكب أي خطأ هو وتابعيه وأن الضرر يعود إلى أسباب أخرى

إذن فالسؤال المطروح ما هي هذه الأسباب التي يركن إليها الناقل ليستطيع التحلل من مسؤوليته؟

وهذا ما سنحاول التعرف عليه من خلال المطلبين الإثنين.

اتخاذ التدابير الضرورية

لم تحدد اتفاقية فارسوفيا ولا المرسوم المغربي المقصود بالتدابير الضرورية وبالرجوع إلى الأعمال التحضيرية للفقرة الأولى من المادة 20 لا نجد توضيحا لمصطلح التدابير الضرورية سوى ما ذكره المندوب البريطاني بأنها التدابير المعقولة التي طالب إدراجها في مشروع الاتفاقية في مؤتمر باريس 1925 مما أدى بالفقه والقضاء التصدي لذلك.

أولا الفقه:

لقد تضاربت الآراء حول تحديد مفهوم التدابير الضرورية، فانصراف العبارة إلى المعنى الحرفي يؤدي لا محالة إلى ضرورة إثبات الناقل للسبب الأجنبي في أغلب الحالات هذا ما يخالف ما قصد إليه واضعوا الاتفاقية، لأن الإثبات المطلوب من الناقل ليس إثباتا سلبيا أي إثبات عدم ارتكابه خطأ بل هو إثبات إيجابي أي إتباب أنه اتخذ تدابير معينة لتفادي وقوع الضرر

وعلى ذلك قد أثارت عبارة التدابير الضرورية اختلاف في معناها يمكن حصرها في اتجاهين اثنين:

 الاتجاه الأول:

يذهب إلى تفسير العبارة بما يتفق ومضمون الالتزام الذي تفرضه الاتفاقية على عاتق الناقل وهو بذل عناية لا تحقيق غاية مع الأخذ في الاعتبار المجال الذي يستغل فيه المدعى عليه، وهو واقع الملاحة الجوية ومخاطرها، ولذلك فالتدابير الضرورية هي تلك التي تفرضها العناية العادية للنقل،

من قبل ناقل جوي عادي ويؤخذ في تحديد العناية بمعيار موضوعي هو الناقل الجوي العادي إذا مر في نفس الظروف التي يوجد فيها الناقل المسؤول، وآخذا من هذا الرأي على الناقل الجوي إذا أراد التحلل من المسؤولية أن يقيم الدليل على انتفاء خطئه أي أنه وتابعيه قد بذلوا العناية العادية في تنفيذ عقد النقل

أي بذلوا العناية المطلوبة، أي اتخاذ التدابير المعقولة. إلا أنه في حالة ما إذا كان سبب الحادث مجهولا وهذا حال أغلب الحوادث الجوية فالناقل لا يتحمل تبعة هذا الحادث ويتحرر من المسؤولية ما دام قد أثبت أنه قد بدل العناية المطلوبة من مثله من الناقلين الجويين  منذ بدء الرحلة وحتى الحادث

الاتجاه الثاني :

يذهب أنصاره إلى أن التطور الذي لحق صناعة الطيران وعرفه ميدان النقل الجوي والأرصاد الجوية ، يدعو إلى فهم عبارة التدابير الضرورية في ضوء سبب الحادث الذي أدى إلى الضرر

وبطلب من الناقل أن يثبت أمرين، لكي ينتج الدفع أثره في انتقاء مسؤوليته وهما:

  • 1) إقامة الدليل على أن سبب الحادث هو سبب أجنبي لا يد فيه.
  • 2) إقامة الدليل على أن السبب لا يرجع إلى خطئه أو خطأ تابعيه، بإثبات أنهم قد اتخذوا كل التدابير المعقولة لتفادي الضرر.

فإذا ما أثبت الناقل هذين الأمرين، استطاع أن يتحلل من المسؤولية أما دون ذلك فمسؤوليته تبقى قائمة.

أما إذا ظل سبب الحادث مجهولا، فالناقل يتحمل تبعية السبب المجهول، وتبقى قرينة الخطأ المقررة في المادة 17 من اتفاقية فارسوفيا سارية ضده.

فاتجاهان لا يختلفان عن بعضهما في تحديد التدابير الضرورية إلا في حالة بقاء سبب الحادث مجهولا

ثانيا القضاء :

لقد أدى هذا الخلاف الفقهي حول تفسير نص الفقرة الأولى من المادة العشرين (26) إلى اختلاف في الاجتهاد القضائي في العديد من الدول.

فالقضاء الأمريكي أخذ في البداية بالتفسير الضيق للنص

إذ استلزم من الناقل اتخاذ التدابير الضرورية الممكنة، أو أن يكون قد بذل أقصى ما في استطاعته من التدابير الضرورية، لذلك لا يعفى الناقل من المسؤولية إذا كان هناك إجراء أو تدبير كان يمكن أن يمنع وقوع الضرر ولم يتم باتخاذه، إلا أن القضاء الأمريكي بدأ يتحول موقعه المتشدد هذا ضد الناقل

حيث قرر ت محكمة جنوب نيويورك  في أحد أحكامها أن عبارة التدابير الضرورية ينبغي صرفها إلى معنى التدابير المعقولة، بحيث لا يتطلب من الناقل الجوي أقصى درجات الحرص بل فقد درجة الحرص المناسبة تبعا لظروف كل حالة على حدة.

أما القضاء الفرنسي فلم يتخذ موقفا موحدا من تفسير عبارة التدابير الضرورية

مما أدى إلى تضارب في الأحكام، فبعضها أخذ بمعيار الناقل الحريص حيث طلبت المحكمة من الناقل إثبات بذل العناية المعقولة التي يقوم بها ناقل حريص في تسيير شؤون مؤسسته وقد سارت بعض المحاكم في هذا الاتجاه نفسه إلا أن هناك محاكم أخرى لم تقبل بهذا التفسير

فاستلزمت من الناقل وتابعيه اتخاذ كافة التدابير الضرورية لمنع وقوع الضرر قبل وقوع الحادث، كما أن هناك أحكام أخرى أخذت بالتفسير الضيق للنص حيث طلبت أن يثبت الناقل أن الضرر الناجم عن سبب خارجي وأنه وتابعوه لم يتسببوا في حدوث الضرر.

ويمكننا استخلاص اتجاه القضاء المغربي رغم ندرة الأحكام الخاصة بمسؤولية الناقل الجوي من خلال حكم المحكمة الابتدائية بالرباط في قضية الحاج عمر بن سعيد والذي توفي إثر سقوطه من سلم الطائرة حيث جاء في حيثيات الحكم

” وحيث أن الناقل قد ارتكب خطأ يكاد أن يكون منعدما وحيث كان على المستخدمين التابعين للطائرة أن يرافقوا المسافرين ويمكنوهم من إرشاداتهم اللازمة… وحيث كان من الممكن تفادي وقوع الحادثة لو أن الناقل اتخذ جميع الاحتياطات الضرورية لسلامة المسافرين مما يجعل مسؤولية الحادثة تقع بكاملها على عاتقه”.

على الرغم من أن المحكمة في هذه القضية قد استبعدت تطبيق أحكام اتفاقية فارسوفيا لم تستند في حكمها إلى الفصل 193 من مرسوم الملاحة الجوية

بل اعتمدت في حكمها على العلاقة التعاقدية التي تثبتها بطاقة ركوب المسافر وعليه فإن ما ذهبت إليه المحكمة يتماشى مع روح نص المادة 20/1 ونص الفصل 113 من المرسوم الذي يتطلب من الناقل اتخاذ التدابير المعقولة لتفادي وقوع الحادث وتقدير ذلك يرجع إلى قاضي الموضوع في المحكمة المعروض عليها النزاع

العيب الخفي والذاتي في الطائرة

رغم الاحتياطات التي يتخذها الناقل الجوي وتابعوه، فإنه يحدث أن تسقط الطائرة وتتحطم لعيب ذاتي فيها لا يعلمه الناقل ولم يكن بإمكانه أن يعلمه إلا بالصيانة الدورية لطائرته إذن فالسؤال المطروح هو هل يبقى الناقل مسؤولا رغم أن الضرر كان بسبب عيب داتي وخفي في الطائرة أن يتحلل من مسؤوليته استنادا إلى هذا السبب؟

كان مشروع اتفاقية فارسوفيا يحمل نصا يحدد فيه مسؤولية الناقل الجوي عن العيب الذاتي في الطائرة

“… مالم يكن الضرر راجعا إلى عيب ذاتي في الطائرة” لكن مندوب فرنسا، رفض هذا النص بعلة أن ذلك يفتح الباب أمام الدعاوى الكيدية التي تضر بمصالح الناقل وأيده المندوب الإنجليزي، فألغى النص رغم اعتراض المندوب السويسري، الذي كان يقف إلى جانب الشخص المنقول خاصة وأن الناقل دعوى الرجوع إلى الصانع.

وهكذا أصبح العيب الخفي في الطائرة يخضع لأحكام المادة 20 من الاتفاقية ويعفى الناقل من المسؤولية إذا أثبت، أنه وتابعيه قد اتخذوا كل الاحتياطات الضرورية لتلافي الضرر

أو كان يستحيل عليه اتخاذها وهو في هذه الحالة أخذ تطبيقات القوة القاهرة، ويجب عليه أن يتوافر فيه عنصرا عدم إمكان التوقع بأن كان العيب خفيا لا يمكن كشفه ببذل العناية العادية والفحص الفني الذي يقوم به المختصون، وعدم إمكان التلافي بأنه لم يكن في مقدور الناقل وتابعيه تفادي وقوع الضرر فور ظهور العيب.

وذهب الدكتور تروت الأسيوطي في رسالته مسؤولية الناقل الجوي إلى أن

الاتفاقية أعفت الناقل من تابعة العيب الخفي في الطائرة لأنه يستطيع أن يقدم شهادة صلاحية للطائرة، وأنها كانت موضع فحص دقيق منتظم وأنه ليس بالإمكان الكشف عن هذا العيب ويستطيع إن لم يكن بإمكانه منح حدوث الضرر ولكن هذا الرأي محل نظر لأن الاتفاقية بعد حذف المادة المتعلقة بالعيب الخفي لم تميز بين الناقل والمسافر بل جعلت الفرص متكافئة بينهما

لأن الناقل عند حصول الحادث الجوي لسبب عيب خفي في الطائرة يظل مسؤولا ما لم يثبت أن العيب كان حقيقيا ويستحيل عليه توقعه، وكذلك استحالة دفعه ويظل مسؤولا كذلك إذا ظل الحادث مجهولا.

أسباب دفع مسئولية الناقل وفقا لبروتوكول جواتيمالا ومونت ريال الرابع

سنحاول من خلال هذا المبحث التطرق إلى كل من بروتوكول جواتيمالا سيتي لسنة 1971 وكذا إلى بروتوكول مونت ريال الرابع لسنة 1975.

أسباب دفع مسئولية الناقل في بروتوكول جواتيمالا

إن مسؤولية الناقل في بروتوكول جواتيمالا سنة 1971 هي مسؤولية موضوعية مبناها فكرة المخاطر وتحمل التبعية عن الأضرار التي تلحق بالمسافرين أو أمتعتهم وذلك فيما يتعلق بالوفاة أو الإصابة أو فقد أو تلف الأمتعة أما بالنسبة لتأخير المسافرين أو أمتعتهم أو تلف أو هلاك أو تأخير البضاعة، فقد ظلت المسؤولية عقدية أساسها الخطأ المفترض

وتنص الفقرة الأولى من المادة 4 من البروتوكول على أنه

“… ومع ذلك فلا يعتبر الناقل مسؤولا إذا كانت الوفاة أو الأذى البدني قد نتج عن حالة الراكب الصحية فقط “. كما تقرر الجملة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة المذكورة عد م مسؤولية الناقل إذا كان الضرر ناجما فقط من طبيعة الأمتعة أو العيب الذاتي فيها(30).

إذن فالناقل الجوي يستطيع تفادي المسؤولية إذا بين الأسباب التالية:

1 ) الحالة الصحية للراكب كأن يكون مريضا مرضا شديدا ومصابا بجرح خطير أو شيخا طاعنا في السن.

2 ) خطأ المصاب يؤدي هذا الخطأ إلى إعفاء الناقلين من المسؤولين كليا أو جزئيا حسبما إذا كان خطأ المصاب هو السبب الوحيد في إحداث الضرر أو إذا كان قد ساهم مع فعل الناقل الجوي في إحداث الضرر.

وإذا رفعت دعوى التعويض من ورثة المضرور، فأنه وفقا للمادة 6/7 حق للناقل الجوي التمسك اتجاههم بخطأ المضرور.

3) إذا كان الضرر لاحقا بالحقائب أو الأمتعة يرجع إلى طبيعة الحقائب أو عيب ذاتي بها.

أسباب دفع مسئولية الناقل في بروتوكول مونتريال الرابع

تقضي المادة8/3 معدلة في هذا البروتوكول على إعفاء الناقل من المسؤولية في نقل البضائع إذا أثبت أن هلاك البضاعة وفقدها أو تلفها قد نشأ فقط من  واحد أو أكثر من الأسباب المذكورة على سبيل الحصر وهي :

ـ1 ـ طبيعة البضاعة أو العيب الذاتي فيها

ـ2 ـ التغليف السيء للبضاعة بواسطة شخص آخر غير الناقل أو تابعيه.

ـ3 ـ فعل الحرب أو نزاع مسلح.

ـ4 ـ عمل صادر من السلطة العامة متعلق بدخول البضاعة إقليم الدولة أو خروجها أو مرورها العابر به

فالناقل إذن يستطيع دفع مسؤوليته عن الأضرار الناشئة عن فقد البضاعة أو تلفها أو هلاكها بوسيلة واحدة أو أكثر من الوسائل الأربعة المذكورة في النص على سبيل الحصر على شرط أن تكون هي السبب الوحيد في حدوث الضرر.

بناء على ذلك فإن الناقل الجوي يتحمل تبعية القوة القاهرة وفعل الغير وخطئه وخطأ تابعيه متى كانت سببا لإحداث الضرر للبضاعة، كما يتحمل التبعية كاملة متى ساهم أي من هذه الأسباب مع واحدة أو أكثر من الوسائل الأربعة المشار إليها بالنص في إحداث الضرر، وهذا الحكم مستفاد من النص الذي اشترط لكي تستنتج هذه الوسائل أثرها بإعفاء الناقل من المسؤولية أن تكون هي السبب الوحيد في إحداث الضرر.

يمكن القول بأن بروتوكول مونتريال الرابع لم يضف أي جديد على الرغم من أنه حاول حصر أسباب دفع مسؤولية الناقل في أربعة طرق والتي تعتبر كلها قبل هذا التعديل من الأسباب العامة لدفع المسؤولية إلى جانب الوسائل الأخرى

الاعفاء الاتفاقي لمسئولية الناقل الجوي

الإعفاءات القانونية والاتفاقية للناقل

لقد منح التشريع الدولي والوطني للنقال الجوي عدة وسائل قانونية يدفع بها مسؤوليته عن الأضرار التي تلحق بالراكب. إلا أن الناقل لا يكتفي بهذه الوسائل رغم كثرتها مما نراه قد يسلك طريقا آخرا من أجل إدراج شروط أو اتفاقات تهدر مسؤوليته المفترضة وتخول لها التنصل من المسؤولية الملقاة على عاتقه.

إذن هل تعتبر هذه الاتفاقات صحيحة أم باطلة؟

وهذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذه المباحث الثلاثة:

  • المبحث الأول: المقصود باتفاقات المسؤولية.
  • المبحث الثاني : نطاق اتفاقات الإعفاء من المسؤولية.
  • المبحث الثالث : نطاق بطلان اتفاقات الإعفاء من المسؤولية.

ماهية اتفاقات المسؤولية

اتفاقات المسؤولية هي اتفاقات يقصد بها تنظيم آثار المسؤولية على غير الوجه الذي نظمت عليه في القانون، ويقصد تعديل أحكام المسؤولية الناشئة عن الإخلال بالعقد أو المتولدة عن إتيان فعل غير مشروع

إما أن يرفع المسؤولية عن المدين فيمتنع أن تترتب آثارها في ذمته رغم توافر جميع عناصرها بحيث لا يلتزم هذا الأخير بدفع تعويض إلى الدائن، وإما بتخفيف المسؤولية مع بقائها على عاتق المدين، فيتضاءل أثرها تجاهه

وبحيث لا يلتزم بالتالي إلا بدفع تعويض جزئي إما بإنقاص المدة التي يجوز خلالها للدائن رفع دعواه تجاه المدين.

واتفاقات المسؤولية تتميز عن اتفاقات تحديد مضمون العقد بحذف التزام ناشئ عنه أو بتخفيفه. فموضوع اتفاقات المسؤولية ليس إعفاء المدين من التزام أو تخفيف عنه، بل يظل المدين مثقلا بالالتزام ويجب عليه الوفاء به كل ما هنالك أن المدين إذا لم ينفذ التزامه لا يكون مسؤولا تجاه الدائن عن الإخلال بالالتزام

وبالتالي لا يلتزم بدفع تعويض عن الضرر الذي يلحق الدائن من جراء عدم التنفيذ إما في اتفاقات التحديد مضمون العقد بحذف التزام منه أو بتخفيفه، فإن المدين لا يكون ملتزما على الإطلاق بالالتزام المحذوف أو فيما جاوز الالتزام المخفف ومن تم لا تنعقد مسؤوليته أصلا أو تقوم مخففة ابتداء

بطلان اتفاقيات اعفاء الناقل الجوي من المسئولية

لقد كان النقل الجوي في السابق في مرحلة التطور والنمو مما جعل بعض التشريعات إجازة شرطا خطيرا يمس مصلحة الركاب وهو الاتفاق على إعفاء الناقل الجوي من مسؤوليته وذلك من أجل مساندة الناقلين الجويين.

ومن بين التشريعات نذكر على سبيل المثال لا الحصر قانون الملاحة الجوية الفرنسي الصادر بتاريخ 31 ماي 1924 حيث أباح شروط الإعفاء من المسؤولية من مخاطر الجو والخطأ في قيادة الطائرة وقيد نفاذ هذه الشروط بتوافر أمور معينة نصت عليها المادة 42 وهي:

(1) أن تكون الطائرة صالحة للملاحة الجوية وقت إقلاع الطائرة.

(2) أن يتوافر أعضاء الطاقم على الشهادات والتراخيص الإدارية اللازمة.

كما تبنى المشرع المغربي هذا الشرط بمقتضى ظهير فاتح أكتوبر 1928 بحيث نصت المادة 28 من هذا الظهير على ما يلي: ” يمكن للناقل بشرط صحيح أن يتحلل من المسؤولية الملقاة على عاتقه نتيجة مخاطر الجو والأخطاء المرتكبة من طرف كل شخص يعمل على متن أو في قيادة الطائرة سواء تعلق الأمر بأشخاص أو ببضائع”.

ولقد تعرضت هذه التشريعات لانتقاضات مما جعلها تعدل عنها ومن بينها المشرع المغربي الذي نص في الفصل 195 من مرسوم الملاحة الجوية الصادر في 1962 على بطلان كل شرط يهدف إلى إعفاء الناقل الجوي من المسؤولية أو التخفيف منها

 كما سلكت اتفاقية فارسوفيا نفس المسلك الأخير بحيث قررت بطلان كل الاتفاقيات على إعفاء الناقل الجوي من المسؤولية وذلك حماية للركاب والشاحنين وحرصا على الحفاظ على التوازن الذي أقامته بين مصلحة مستعملي الطائرة ومصلحة الناقل الجوي

ولذلك نصت في مادتها 22 على أن ” كل شرط يهدف إلى إعفاء الناقل من مسؤوليته أو إلى تقرير حد أدنى من الحد المعين في هذه الاتفاقية يكون باطلا وكأن لم يكن على أن بطلان هذا الشرط لا يترتب عليه بطلان العقد الذي يظل خاضعا لأحكام هذه الاتفاقية”

وقد استثنى بروتوكول لاهاي من حكم هذا البطلان الشروط المتعلقة بالضياع أو الضرر الناتج من طبيعة البضاعة أو من عيب ذاتي فيها

نطاق بطلان الاعفاء من المسئولية

إذا كان المبدأ في الاتفاقية والمرسوم المغربي هو بطلان شروط الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها، فلا يقتصر هذا البطلان على الشروط التي تهدف إلى ذلك بطريق مباشر، بل يمتد أيضا ليلحق كل شرط يهدف بطريق غير مباشر إلى مثل هذا الإعفاء أو التخفيف،

وهو بالانتقاص مما تقرر للمضرور من حقوق في سبيل تعويض ما يلحق من ضرر وعلى هذا النحو يجب أن تعتبر باطلة شروط تقصير مواعيد الاحتجاج أو مدة سقوط أو تقادم الدعوى وشروط نقل عبء الإثبات بوضعه على عاتق الراكب أو المرسل بدلا من الناقل إذ يحمل ذلك معنى التحايل على ما تقرره الاتفاقية والمرسوم من بطلان شروط الإعفاء من المسؤولية نظرا لتعذر قيام الراكب أو المرسل بمثل هذا الإثبات.

 ولكن يخرج عن نطاق البطلان المقرر في الاتفاقية الشروط الاتفاقية التي تهدف إلى تشديد مسؤولية الناقل الجوي عن طريق وضع حدود التعويض أعلى من الحدود الواردة في المادة 22 وذلك لأن مثل هذه الشروط لا تتناقض مع المبادئ الواردة في نص المادة 23 ولكن تقدير صحة هذه الشروط يترك للقانون الوطني الواجب التطبيق.

كما نضيف أن الإعفاء من المسؤولية أو النزول بحدها من الحد الأقصى المحدد في المادة 22 فهي بدورها تخرج عن نطاق البطلان، لأن هذا الأخير المنصوص عليه في الاتفاقية لا يشمل إلا الاتفاقات السابقة على وقوع الضرر. ويستفاد ذلك من نص المادة 32 من الاتفاقية التي تقضي بأن

” تكون باطلة جميع شروط عقد النقل وجميع الاتفاقات الخاصة السابقة على وقوع الضرر إذا خالف الأطراف المتعاقدون بمقتضاها قواعد هذه الاتفاقية، إما بتعيين القانون الواجب التطبيق أم بتعديل قواعد الاختصاص”

غير أن هذه الاتفاقيات المعقودة بعد وقوع الضرر تخضع من حيث تقديرها إلى حكم القانون الوطني الواجب التطبيق

مصادر البحث

 (2) Faute présumée

(3) مختار بكور : مسؤولية الناقل الجوي في القانون المغربي ، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة 1989 ، ص 103.

(4) الشخص الذي يتعهد لقاء مقابل تلبية جميع طلبات النقل التي تقدم له دون تمييز بين بعضها والبعض الآخر.

(5) هو من يتولى نقل الأشخاص والبضائع بناء على اتفاق خاص في كل حالة على حدة دون وجود أدنى التزام عليه.

(6) الدكتور عبد الفضيل محمد أحمد: القانون البحري والجوي، مكتبة الجلاء الجديدة المنصورة 1989، ص 490.

(7) وقعت هذه الاتفاقية في أكتوبر 1929 ودخلت حيز التنفيذ في 13 فبراير 1933 وانضم إليها المغرب في 5 يناير 1958 بمقتضى ظهير 8 يناير1958.

(8) انضم المغرب إلى هذا البروتوكول بتاريخ 17 نونبر 1975 بمقتضى ظهير 16 فبراير1977.

(9) الدكتور سلمان مرقس: الوافي في شرح القانون المدني الجزء الثاني القاهرة 1988 ص 477.

(10) الدكتور محمد الكشبور : نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة الطبعة الأولى 1993 ص 21.

(11) محمد حمزة عبد الرحمان: التزامات الناقل الجوي بسلامة المسافرين. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا 1993 ص248 و249.

(12) الدكتور محمد الكشبور: نفس المرجع السابق ص من 25 إلى 27.

(13) الدكتور محمد الكشبور: نفس المرجع السابق ص 33.

(14) الفقرة الأولى والثانية من الفصل 269 ق.ع المغربي.

(15) عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الأول القاهرة1964 ص 996 و 997.

(16) مختار بكور: نفس المرجع السابق ص 131.

(17) F. Raoult . les Clauses de non responsabilité dans le Contrat de

                          Transport arien (thèse 1934) p.19.

(18) R. Saint Alary. Progrès aéronautique, protection de la victime      et responsabilité du transporteur aérien mélange j. Maury T2, Dalloz et Sirey 1960 P.540

(19) محمد حمزة عبد الرحمان: نفس المرجع السابق ، ص.264.

(20) مختار بكور : مسؤولية الناقل الجوي نفس المرجع السابق. 147.

(21) محمد حمزة عبد الرحمان التزام الناقل الجوي بسلامة المسافرين المرجع السابق، ص.258.

(22) دكتور عبد الفضيل محمد أحمد: القانون البحري الجوي المرجع السابق، ص.492.

(23) سعيد بنحماني: مسؤولية الناقل الجوي دراسة مقارنة في ضوء اتفاقية فارسوفيا المعدلة والقانونين المغربي والعراقي رسالة 1989 ص. 65 و66.

(24) محمد حمزة عبد الرحمان: التزام الناقل الجوي بسلامة المسافرين المرجع السابق ص. 268 و269.

(25) محمد حمزة عبد الرحمان: المرجع السابق، ص. 270.

(26) ” إذا أثبت أنه وتابعوه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي الضرر وأنه كان من المستحيل عليه اتخاذها”.

(27) سعيد بنحماني: المرجع السابق، ص من 67 إلى70.

(28) لم يدخل هذين البروتوكولين حيز التنفيذ بعد.

(29) عبد الفضيل محمد أحمد المرجع السابق ص 493.

(30) تنص الفقرة الأخيرة من المادة 4 من البروتوكول جواتيمالا سيتي على ما يلي” ومع ذلك فلا يعتبر الناقل مسؤولا إذا كان الضرر ناتجا فقط عن طبيعة البضاعة أو عيب ذاتي فيها”.

(31) المادة 4 من بروتوكول مونتريال الرابع 1975.

(32) سعيد بنحماني: مسؤولية الناقل الجوي المرجع السابق ص 106 و107.

(33) الدكتور عبد الفضيل محمد أحمد: القانون البحري والجوي المرجع السابق ص.502 و503.

(34) عائشة فضيل: مسؤولية الناقل الجوي بين التشريع المغربي والاتفاقية الدولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص. السنة الجامعية 1997 ـ 1998 ص 118 و119.

(35) الدكتور محمد فريد العريني: القانون الجوي  الدار الجامعية 1986 ص 155.

(36) مادة 12 من البروتوكول للمادة 23 من الاتفاقية.

(37) الدكتور محمد فريد العريني : القانون الجوي المرجع السابق ص 156.

Print Friendly, PDF & Email
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية ودعاوى الإيجارات ودعاوى الموظفين قطاع حكومى وخاص وطعون مجلس الدولة والنقض ليسانس الحقوق 1997

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا يمكنك نسخ محتوى هذه الصفحة