منظمة التجارة العالمية والعولمة الاقتصادية

دراسة اقتصادية عن منظمة التجارة العالمية والعولمة الاقتصادية حيث تمثل التجارة الدولية العصب المركزي لاقتصاديات دول العالم ومع هذه الأهمية فقد مرت النظرية الاقتصادية التي تعنى بدراسة التجارة الدولية بمراحل تطورت من خلالها

بدءاً بالنظريات التي كانت ترى الاكتفاء الذاتي لكل بلد أمراً ممكناً بل مرغوباً فيه من الناحية الاقتصادية وعليه فلا داعي للتجارة الدولية وهو ما يستدعي فرض قيود عليها ووصولاً إلى النظريات الحديثة التي ترى التوسع في التجارة البينية بين دول العالم ، وأنها تزيد من رفاه العالم والدول المشاركة فيها على حد سواء فلا بد من تحريرها من القيود .

التجارة الدولية والواقع السياسي والحربي لدول العالم

منظمة التجارة العالمية والعولمة

تاريخياً وبناءً على الواقع السياسي والحربي لدول العالم ، كانت التجارة الدولية تمر بموجات من المد والجزر في مجال الحمائية ( ويقصد بها وضع موانع غالباً ما تكون مصطنعة أمام انسياب السلع من خارج البلد مثل الجمارك والقيود الكمية والنوعية على الواردات )

فقد كانت الحروب ، ولا تزال ، تشكل العائق الأول أمام انسيابية التجارة الدولية بسبب فقدان الثقة بين البلدان المتحاربة . وكان يصاحب قيام الحروب وقف تصدير واستيراد الذهب والفضة على وجه الخصوص بسبب كونهما نقوداً مقبولة في أنحاء كثيرة من العالم لقرون طويلة ( أو غطاء إلزامياً للنقود الورقية إلى عهد قريب )

هذا هو السبب الأول الذي جعل أصحاب النظرية التجارية ينادون بالاكتفاء الذاتي وعدم القيام بعمليات تجارة عالمية حيث إن فقدان المعدنين الثمينين في أوقات السلم يجعل البلد عرضة للضعف الشديد حال الحرب . ولذلك تزيد الموجات الحمائية ( بفرض القيود المالية والكمية والنوعية ) على التجارة بين البلدان أثناء وبعد الحروب

ولما تغير الوضع في النقود وأصبحت لا تصرف بالمعدن الثمين ، خفَّت تلك الآثار من جهة ، وزادت من جهة أخرى فأصبحت الدول المتحاربة تتعامل بعملات قوية مصدرة في بلد غير مشمول بالحرب لكن النقد الخاص بالدول المتحاربة قد يتلاشى للصفر وآثار الحروب لا تتوقف على النقود ، بل كثير من الأدوات الاقتصادية التي تعتمد على الثقة تتأثر تأثراً كبيراً بالحرب  .

ولذلك كانت الحربان العالميتان ذواتي أثر كبير على التجارة العالمية بناءً على ما سبق . وقد استدعى ذلك من قادة العالم ( القادر على ذلك ) المبادرة لتصحيح مثل تلك الاختلالات في سوق التجارة العالمية حتى لا تتضرر البلدان وخاصة المتقدمة بعد الحروب .

وقد قامت جهود كثيرة من دول العالم المتقدم لتصحيح الخلل الناشئ من الحروب على التجارة الدولية بعد الحرب العالمية الأولى ، ولكنها لم تلق الدعم الكافي من بقية دول العالم وفتَّ في عضدها الكساد العظيم الذي ضرب أطنابه على الولايات المتحدة وأوروبا من عام 1929م حتى 1933م ، وقيام الحرب العالمية الثانية فيما بعد . وكانت الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مناسبة للولايات المتحدة الأمريكية ( البلد المنتصر في الحرب ) لفرض سياستها على العالم

وتشكيل ما تريد تشكيله من المؤسسات والمنظمات العالمية التي تحل بها كثيراً من المشكلات التي نشأت من الحروب ؛ بحيث تستفيد الاستفادة القصوى من تلك المنظمات . ومن هنا قامت منظمات دولية من أهمها ( منظمة الأمم المتحدة ) والهيئات والوكالات التابعة لها ، و ( صندوق النقد الدولي )

و ( البنك الدولي للإنشاء والتعمير ) . وكان الغرض منها ترتيب الشأن السياسي والاقتصادي والتمويلي في العالم . وفي تلك الحقبة نفسها ، تم اقتراح إنشاء منظمة تعنى بالتجارة الدولية تسمى ( منظمة التجارة العالمية ) . وبالفعل تم ذلك ، وبدأت اللجان المشكلة العمل بها منطلقة مما عرف فيما بعد بـ ( ميثاق هافانا ) الذي كان يراد منه تنشيط العلاقات التجارية العالمية . ولكن هذه المنظمة لم تقم على سوقها ، لاعتراض الكونجرس الأمريكي عليها نظراً لسحبها كثيراً من صلاحياته

نشأة منظمة التجارة العالمية

غير أن حاجة الدول لمنتدى دولي للتداول حول الشؤون التجارية المختلفة كان ملحاً على الرغم من رغبة الولايات المتحدة الأمريكية ، فكان أن قامت جهود منفردة بين مسؤولي القطاعات التجارية والاقتصادية التي لها علاقة بانسيابية حركة التجارة الخاصة بها ، ثم تبلورت تلك اللقاءات والاجتماعات عن أطر تلقى قبولاً عاماً بين الدول ، مستمدة من ( ميثاق هافانا ) ، شكلت فيما بعد الإطار النظري الذي بنيت عليه اتفاقية سميت :

( الاتفاقية العامة للرسوم الجمركية والتجارة ) ، واختصاراً من الحروف الإنجليزية الأولى لاسمها ، تدعى ( جات ) [GATT] . وكان الهاجس الأول فيها تحرير التجارة العالمية من القيود التي وضعت بعد الحرب ؛ وذلك بخفض الجمارك ، والحد من القيود الكمية والنوعية المفروضة على السلع من قبل الدول الأطراف في الاتفاقيات

وتولد عن تلك الاجتماعات اتفاقات بين دولتين أو أكثر ، وتغطي في الغالب سلعاً صناعية من المهم لأطراف الاتفاقية وضع ضوابط للتجارة فيها . ولحاجة كثير من دول العالم لمثل هذا النوع من الترتيبات التجارية ، زادت تلك الاتفاقات وتعددت أطرافها ، وتوسعت بعض الاتفاقيات في أعضائها والسلع الصناعية التي تشملها ، وأصبحت تلك الاتفاقيات مجالاً لإنضاج كثير من الأفكار الاقتصادية في مجال التجارة العالمية

ومع كل ذلك ، لم تكن ( الجات ) منظمة بالمعنى الفني الدقيق وإن كان لها أعضاء مشاركون مشاركة فاعلة في كثير من مجريات اتفاقياتها ، ولكنها قدمت للعالم وللفكر الاقتصادي كثيراً من الأفكار الناضجة في مجالها ؛ ومن ثم اكتسب كثير من ممارساتها عرفاً دولياً مهماً

وإن كان غير ملزم للأطراف فيها وتبلورت تلك في خفض كثير من الرسوم الجمركية على جملة السلع محل المفاوضات وكانت بعض الدول التي لا ترغب في الانضمام لهذا الملتقى الاقتصادي غير الرسمي تدخل طرفاً أو ” عضواً ” مراقباً فيه

مبادئ العمل التجاري العالمي

منظمة التجارة العالمية

وقد تبلور العمل التجاري العالمي المدار عن طريق اتفاقية ( الجات ) عن مبادئ مهمة ألخصها فيما يأتي  :

1- مبدأ عدم التمييز ( أو قاعدة المعاملة الوطنية ) :

والمقصود أن تتم معاملة كل دولة لسلع الدول الأخرى معاملة السلع الوطنية سواء فيما يتعلق بالضرائب المحلية أو الأنظمة المعمول بها . وفي هذا الإطار تعطى الدولة المشاركة في الاتفاقية وضع ” الدولة الأَوْلى بالرعاية ” ويقصد به حصول الدولة على كل المزايا الممنوحة من بلد آخر للبلدان الأخرى تلقائياً حتى لو لم يكن البلد طرفاً في اتفاقية محددة ، ويستثنى من ذلك البلدان الداخلة في ترتيبات تجارية إقليمية .

2- مبدأ حظر القيود الكمية :

والمقصود أن يتم امتناع كل الدول المشاركة في اتفاقية الجات عن استخدام القيد الكمي ( أي : تحديد الواردات بكمية معينة ) في أساليب التعامل التجاري مع البلدان العالمية . ومعنى ذلك أن الدول ليس لها إلا استخدام الرسوم الجمركية كآلية وحيدة لحماية الصناعة المحلية .

3- مبدأ تخفيض الرسوم الجمركية :

والمقصود أن تتعاون الدول الأعضاء في الاتفاقية بخفض رسومها الجمركية أمام الواردات الأجنبية تحفيزاً للتجارة

العالمية ، وتقليصاً للعوائق السعرية عليها ، أو على الأقل ربط تلك الرسوم بحيث لا تزيد .

4- التعهد بتجنب سياسة الإغراق :

والمقصود أن تحاول الدول الأعضاء عدم دعم السلع الموجهة للتصدير دعماً مالياً مباشراً ؛ بحيث إن الاتفاقية تريد ترسيخ قيم التنافس الحر بين الشركات والمنشآت التجارية بدون التدخل الحكومي .

ومن أهم أسباب التطورات التي حدثت في مسيرة ( الجات ) تلك الجولات من المفاوضات بين الدول الأعضاء التي كانت تعقد كل عشر سنين تقريباً ، وتسمى في البلد الذي تعقد فيه غالباً .

وكانت هذه الجولات مجالاً لإنضاج التجارب في الاتفاقيات المختلفة ، ولسماع الأطراف المختلفين ما عند الآخرين حول الاتفاقيات ، وللنظر في إدخال سلع أخرى لتشمل في الاتفاقيات القائمة .

وقد تم عقد ثماني جولات ، كانت الأولى في جنيف عام 1948م . ولكن أهم تلك الجولات هي الجولات الثلاثة الأخيرة جولة كندي ( 1964 – 1967م ) ، وجولة طوكيو ( 1973 – 1979م ) ، وجولة أوروجواي ( 1986 1993م) ، وكانت جولة أوروجواي أهم تلك الجولات على الإطلاق .

إرهاصات قيام منظمة التجارة العالمية

لقد تغير موقف الولايات المتحدة المعارض لإنشاء منظمة تعنى بالتجارة العالمية على نحو غير معهود . ولا شك أن لذلك أسباباً تشترك فيها مصالح الولايات المتحدة مع أوروبا ، وبقية البلدان الصناعية .

وأهم تلك المتغيرات  :

  •  استعار المنافسة بين الولايات ودول أوروبا على المصالح ، خاصة بعدما تبين لدول أوروبا أن الولايات المتحدة قد شكلت في السنوات الخمسين الماضية أكبر تحد لدول أوروبا في جميع المجالات ، خاصة التجارية والثقافية . ومن هنا ندرك أن تشكيل ( الاتحاد الأوروبي ) بين دول كانت متناحرة إلى عهد قريب لها لغات متعددة وثقافات متغايرة ومصالح متعارضة لم يأت اعتباطاً ولا ترفاً اقتصادياً أو سياسياً

بل هو حل غالي الثمن لمعضلات باهظة التكاليف ومن المهم في هذا السياق ربط الاندماجات الكبيرة التي حصلت بين الشركات العالمية والغربية على وجه الخصوص ، في كثير من المجالات ، مثل الصيرفة ، والخدمات المالية ، والاتصالات ، و التأمين ، والصناعات الأساسية وغيرها

ومن المهم الإشارة إلى أن مثل تلك الممارسات كانت إلى عهد قريب تعد مخالفة للقوانين الخاصة بمكافحة الاحتكار في بلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن الصورة القانونية تغيرت مع تغير ساحة الصراع الاقتصادي .

  • كثرة الدول التي كانت مستعمرات لدول أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية  مما يجعل تقديم الدول الأوروبية لمزايا تجارية لهذه المستعمرات غير مخالف للنمط التجاري المعروف والمألوف عالمياً

ولما كانت تلك المستعمرات السابقة قد أصبحت بعد التحرير مجالاً خصباً لنشاط الشركات متعددة الجنسيات ، فقد كانت الشركات حاملة الجنسية الأوروبية فيها مقدمة على غيرها من الجنسيات ، خاصة الأمريكية في المزايا التجارية .

وهذا يعني خسارة كبيرة لأسواق كبيرة بإمكان الولايات المتحدة دخولها . والعكس صحيح ، فهناك دول ترغب أوروبا أن تمارس فيها دوراً أكبر ، وهي تاريخياً مجال لصولات وجولات الشركات الأمريكية .

ومشكلة الموز التي ثارت بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أوضح مثال على كسب الولايات المتحدة السجال في المستعمرات  ، ومشكلة تسليح بعض دول الخليج مثال آخر على كسب أوروبا الجولة في بعض الأسواق التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية .

  • – عيوب اتفاقية ( الجات ) السابقة في النطاق وآليات الإلزام والتنفيذ . فمثلاً ، توجد ثغرات قانونية في اتفاقية ( الجات ) في مجالي الزراعة والمنسوجات ، جعلت تلك الثغرات الباب مشرعاً أمام الدول للتنصل من التزاماتها القانونية ، مؤدية لعرقلة انسيابية التجارة . وكمثال على هذا ، لم تستطع الولايات المتحدة إقناع اليابان ولا الصين في ظل اتفاقية الجات بفتح أسواقهما كاملة أمام السلع الأمريكية .

ويضاف لذلك عدم شمول اتفاقية ( الجات ) تجارة الخدمات التي أثبتت أهمية قصوى في التجارة العالمية ، وقد اشتكت كثير من المنظمات الصناعية والتجارية من اختلاف المعايير الوطنية لحماية حقوق الملكية الفكرية .

كذلك فإن كثرة النزاعات التجارية بين الدول في المجالات التجارية ، وعدم وجود الآلية الكافية والقوية والمتفق عليها حسب نظم القانون الدولي كانت تعوق حل تلك المشكلات .

ثم إن كثيراً من الممارسين للتجارة الدولية قد تبين لهم بوضوح أثر التغييرات والتعديلات التي تجريها دول العالم المختلفة على التنظيمات الخاصة بها والتي لها صلة بالتجارة على انسيابيها عالمياً .

يضاف إلى ذلك ازدياد أهمية الشفافية في التجارة الدولية وخاصة مع المعطيات الجديدة في النقود والأدوات المالية الائتمانية ، وزيادة أهمية القدرة على التنبؤ في كل تلك المتغيرات الاقتصادية .

  • خروج رؤوس أموال الشركات الكبرى من الدول الصناعية واستيطانها في دول نامية ؛ مما شكل عبئاً كبيراً على إيرادات تلك الدول من الضرائب المفروضة على تلك الشركات

أضف إلى ذلك أن الدول المتقدمة أصبحت تنوء بأعباء ثقيلة من جراء حماية أسواقها المحلية ، وخصوصاً دعم المنتجات الزراعية ومشكلات التنافس بينها حول تصريف فوائض الحاصلات الزراعية

وقد واكب ذلك شكاوى من بعض تلك الشركات بخصوص بعض الأوضاع غير المواتية من التصرفات والممارسات التجارية للدول النامية وغيرها ؛ مما يضيع مزيداً من الفرص لتلك الشركات

وبطبيعة وضع البلدان الغربية وتركيبتها من حيث الانتخاب السياسي والعلاقة بين الساسة ورجال المال وحاجة كل منهما للآخر ، كان لا بد من تدخل الحكومات الغربية لتعديل الأوضاع الدولية لصالح شركاتها .

  • التخوف من نجاحات ظهرت بوادرها في الأفق من دول نامية وآخذة في النمو ، مثل تجربة ( النمور السبعة ) وغيرها . يضاف إلى ذلك انهيار المعسكر الاشتراكي الذي لم تكن بلدانه من أنصار تحرير التجارة .

وكان انتهاء الحرب الباردة وإدخال إصلاحات اقتصادية مبنية على قوى السوق ( الأقرب للاقتصاد الرأسمالي ) فرصة مواتية لطبع تلك الاقتصادات الجديدة بالطابع الرأسمالي ثم الاستفادة من تلك الفرص التجارية الضخمة في تلك البلدان

يضاف إلى ذلك تغير السياسات التجارية في البلدان النامية وذلك بترك سياسة الاستعاضة عن الواردات واتباع سياسة تشجيع النمو الموجه نحو التصدير ، وما صاحب ذلك من تخصيص كثير من نشاطات القطاع العام في تلك الدول .

  • ثبوت نجاح المؤسسات والهيئات الدولية للدول الغربية لكونها أداة رخيصة الثمن مقابل المصالح التي تجنى منها ؛ لذلك ربطت منظمة التجارة العالمية بالبنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ربطاً إدارياً عضوياً .

فالمنظمات الدولية أثبتت أنها أداة قوية جداً لتثبيت أوضاع مناسبة للدول الصناعية ، ولتمرير حلول ومقترحات تصبُّ في مصلحة الدول الغربية ، ولحل كثير من المشكلات الاقتصادية التي تمهد لتوسع كبير في مبيعات الدول الصناعية .

وكل تلك المزايا بكلفة قليلة ( مثل المساهمة النقدية من الدول الصناعية في رؤوس أموال تلك المؤسسات ) ، مع مزية قبول الدول الأخرى للقرارات بسبب كونها من منظمات دولية

ومما يدل على استفادة الدول الكبرى الصراع الذي يدور بينها على تنصيب مسؤولي تلك المنظمات .

ما سبق وغيره من الأسباب جعل من قيام منظمة تعنى بالتجارة العالمية أمراً

ملحّاً جداً . وقد أدى ذلك إلى تغير قناعات دول كانت ترفض الفكرة من أساسها ، مثل الولايات المتحدة الأمريكية  .

منظمة التجارة العالمية

منظمة التجارة العالمية والعولمة

التعريف :

هي ” عبارة عن إطار قانوني ومؤسسي لنظام التجارة متعدد الأطراف . ويؤمن ذلك الإطار الالتزامات التعاقدية الأساسية التي تحدد للحكومات كيف يمكن صياغة وتنفيذ الأنظمة والضوابط التجارية المحلية

كما أن المنظمة منتدى يسعى إلى تنمية العلاقات التجارية بين الدول من خلال المناقشات والمفاوضات الجماعية والأحكام القضائية للمنازعات التجارية ” .

تاريخ التأسيس :

بعد ختام جولة أوروجواي في 15 ديسمبر 1993م ، والتي وقع بيانها الختامي في اجتماع مراكش أبريل 1994م ، تأسست منظمة التجارة العالمية رسمياً في أول يناير 1995م .

المحاور :

ستكون منظمة التجارة العالمية مكاناً عالمياً لتحديد القواعد والأعراف العالمية للسلوك التجاري العالمي ، ولتكون منتدى عالمياً لإجراء المفاوضات التجارية العالمية ، ولتقوم بمهام محكمة دولية للمنازعات ذات الصبغة التجارية .

الأهداف :

تهدف المنظمة إلى :

1- إيجاد بيئة آمنة وأجواء مستقرة للتجارة الدولية .

2 – استمرار تحرير التجارة من القيود ( والمقصود : النفاذ إلى الأسواق ) .

وفي سبيل ذلك تسلك سياستين مهمتين :

الأولى الحد من سياسات الدعم للمنتجات المحلية ، والثانية الحد من سياسات الدعم الموجهة للصادرات ( وتسمى الإغراق ) .

ومن الواضح أن هدف المنظمة من ذلك تكافؤ الفرص بين المصدِّرين في كل الدول الأعضاء ، وأن لا تكون المنافسة بين الحكومات بل بين المنشآت الخاصة والشركات لما سبق بيانه من الأسباب . ويستحق البلد العضو وضع ” الدولة الأَوْلى بالرعاية ” حين ينضم للمنظمة .

والمقصود حصول الدولة العضو على المزايا الخاصة بالتجارة المتاحة من عضو من المنظمة لأحد الأعضاء الآخرين دون قيد أو شرط وتلقائياً . ويستثنى من هذا تجمعات التكامل الاقتصادي التي تتم بين دول بينها

تجمع جمركي خاص ، ويستثنى كذلك بعض الترتيبات التفضيلية التي تقام بين الدول النامية تشجيعاً لها على الانضمام ، ثم يحصل العضو كذلك على أحقية معاملة سلعه المصدرة معاملة السلع الوطنية في البلد الأجنبي .

ولا شك بأهمية هاتين المزيتين للعمل التجاري عموماً ، مع أنهما في نفس الوقت التزام من كل عضو لكل الأعضاء بنفس ما حصل عليه من مزية .

الصكوك القانونية :

هناك صكوك واتفاقات قانونية ملزمة للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ، وهي :

1 – الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة ( جات ) GATT]] ، والاتفاقات المرتبطة به ( وهي تزيد عن 12 اتفاقية ، و 4 مذكرات ) ، وتطبق هذه الاتفاقات على السلع .

2 – الاتفاق العام للتجارة في الخدمات ( الجاتس ) [GATS] الذي يطبق على تجارة الخدمات .

3 – اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية ( تريبس ) [TRIPS] . أما الاتفاقات الملزمة للأعضاء الموقعين عليها فقط فهي الاتفاق الخاص بالتجارة في الطائرات المدنية ، والاتفاق الخاص بشأن المشتريات الحكومية ، والاتفاق الخاص بشأن منتجات الألبان ، والاتفاق الخاص بشأن لحوم البقر  .

النطاق :

لا شك أن من أهم عيوب اتفاقية ( الجات ) عدم شمولها قطاعات تجارية واقتصادية مهمة ، ولا شك أن التوسع في التجارة العالمية حتَّم دخول كثير من المجالات لمنظمة التجارة العالمية .

ومن هنا شمل نطاق منظمة التجارة العالمية التجارة في السلع الصناعية ومشتقاتها ، والتجارة في السلع الزراعية ، وتجارة الملابس والمنسوجات ، والتجارة في الخدمات .

ولإكمال الإطار القانوني للتجارة السلعية ، فقد أدرجت الموضوعات التالية إما كمواد أو كاتفاقيات مستقلة ، وهي الوقاية من الإغراق ، القيود على الدعم والإجراءات التعويضية ، الحماية الطارئة من الواردات على الصناعة المحلية ، الضوابط الفنية والمواصفات ، تراخيص الاستيراد ، وقواعد تسعير السلع على الحدود ، وقواعد الفحص قبل الشحن ، وإجراءات شهادات المنشأ .

وقد نص الاتفاق العام بشأن تجارة الخدمات ( جات ) على مجالات كثيرة مثل التعليم ، والأعمال المصرفية ، والتأمين ، والمعلومات ، والاتصالات السلكية واللاسلكية ، ووسائل الترفيه .

وحددت منظمة التجارة العالمية ما يزيد على 150 قطاعاً فرعياً للخدمات ، وقد نص على قاعدة ” التغطية الشاملة ” بخصوص الخدمات ، والمقصود شمول جميع الخدمات المتاجر بها دولياً في الاتفاق ، بغضِّ النظر عن طريقة توصيل الخدمة .

وقد عرفت الاتفاقية أربع طرق للتوصيل :

  • 1 – الخدمات المعروضة من دولة عضو إلى أخرى ( مثل مكالمات الهاتف الدولية ) .
  • 2 – الخدمات المعروضة من أراضي عضو للمستهلكين ( مثل السياحة ) .
  • 3 – الخدمات المقدمة عبر وحدة تجارية ( مثل البنوك ) .
  • 4 – الخدمات المقدمة من أشخاص ( مثل الاستشارات ) .

والوسيلة الرئيسة المتبعة لحماية المنتجات المحلية هي الأنظمة الوطنية حيث لا يمكن وضع الرسوم الجمركية على الخدمات ؛ ولذلك تتبين أهمية الإفصاح والشفافية للمنظمة وللمجتمع الدولي وعليه فتحرير التجارة في الخدمات يتم عبر تقديم الدول تعهدات من خلال المفاوضات لتعديل أنظمتها المحلية تدريجياً

وحيثما أمكن نهائياً لتكون متوافقة مع مبادئ منظمة التجارة العالمية . وليست معاملة الخدمات المقدمة من الأجانب معاملة مماثلة للخدمات المقدمة من المواطنين ملزمة في الخدمات مثلها في السلع ، بل يكتفى بتقديم تعهدات لتعديل الأنظمة المحلية  .

كذلك تشمل المنظمة التجارة في الحقوق الفكرية والأدبية : فقد نص اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ( تريبس ) التي تنصب على إبداع العقل البشري ، على أن يشمل الاتفاق حفظ :

  • 1 -حقوق التأليف ( الكتب والأعمال الفنية الأخرى ) .
  • 2 -حقوق براءات الاختراع ( حقوق المخترعين ) .
  • 3 – حقوق النماذج الصناعية ( أشكال الرسوم الزخرفية )

ويعتبر هذا الاتفاق مكملاً للاتفاقات التي وضعتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) WIPO] ] ، ويحدد الاتفاق الحد الأدنى لمعايير الحماية ومددها التي يتعين توفيرها لحقوق الملكية الفكرية على اختلاف أنواعها .

وتطالب الاتفاقية بمعاملة المنتج الأجنبي معاملة مماثلة للمنتج الوطني ، ومراقبة تطبيق التشريعات على المستوى الوطني . وتتعهد الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بتنفيذ إجراءات حماية الملكية الفكرية من خلال تشريعاتها المحلية ، وتطبيق الإجراءات الرادعة لانتهاك هذه الحقوق ،

بما في ذلك الإجراءات المدنية والإجراءات الجنائية ، وطبقاً للاتفاق ، فإن الحد الأدنى لمدة حقوق الملكية الفكرية هو 50 سنة في حالة حقوق الطبع ، و 20 سنة في حالة براءات الاختراع ، و 7 سنوات في حالة العلامات التجارية ، “

وإثر إبرام اتفاق تعاون مع منظمة التجارة العالمية سنة 1996م ، بسطت (الويبو) الدور المنوط بها ، وأثبتت مدى أهمية حقوق الملكية الفكرية في إدارة التجارة في عهد العولمة ” .

كذلك تطرقت المنظمة لترتيب إجراءات الاستثمار المتعلقة بالتجارة حيث إن كثيراً من ممارسات الدول بخصوصها مشابه للدعم الذي تقدمه الدول لصادراتها ؛ ومن ثم فإنه يجب إلغاء معظم هذه الإجراءات حيث إنها تؤدي إلى تغيير مسار التجارة الدولية وتشجيع الإنتاج غير الكفء ، وتصبح بهذا إجراءات مخالفة لقواعد المنظمة ؛ لذلك سعت المنظمة لتخفيف القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية .

ويحدد الاتفاق إجراءات الاستثمار ذات الأثر في التجارة ( ترمز ) [TRIMS] ومعنى هذه الإجراءات بأنها الشروط التي تضعها السلطات المحلية على الاستثمارات الأجنبية التي ترغب في العمل في نطاق إقليمها

والتي تنطوي على تقييد وتشويه للتجارة الدولية . وبمقتضى الاتفاق ( المادة 15 ) يتعين على كل دولة عضو في منظمة التجارة العالمية إلغاء الإجراءات المحظورة خلال سنتين من قيام المنظمة إذا كانت من الدول المتقدمة . أما إذا كانت من الدول النامية فثمة معاملة تفضيلية تتمثل في إطالة الفترة المذكورة إلى 5 سنوات للدول النامية

و7 سنوات للدول الأقل نمواً . ويتم إلغاء مثل هذه القيود بعد ذلك عن المشروعات الجديدة والمشروعات القائمة في الوقت نفسه

والشروط المحظور فرضها هي :

  • 1 – شرط المكون المحلي أو شرط استخدام المستثمر الأجنبي لنسبة محددة
  • من المكون المحلي في المنتج النهائي .
  • 2 – شرط إحداث توازن بين صادرات المستثمر الأجنبي ووارداته .
  • 3 – شرط بيع نسبة معينة من الإنتاج في السوق المحلية .
  • 4 – شرط الربط بين النقد الأجنبي الذي يتاح للاستيراد والنقد الأجنبي العائد من التصدير  .

هذه المجالات هي المجالات الموجودة الآن ، ولا بد من تقرير أن نظام المنظمة يتيح لها إدخال كثير من المجالات التجارية الأخرى التي لم تكن مجالاً لمثل تلك الترتيبات العالمية من قبل .

قواعد الجات 1993م التي تطبق عند الحدود

1 – تحديد القيم الخاضعة للرسوم الجمركية ( تحدد الرسوم حسب سعر البيع ، وللسلطات الجمركية إن شكت أن ترفض القيمة المعلنة ، وتعطي الفرصة للتسويغ .

فإن لم تسوغ ، فللسلطات الجمركية التقدير حسب المعايير القانونية الخمسة المقررة ) .

2 – تطبيق المعايير الإلزامية (وهي معايير الصحة والسلامة للمواطنين ، ولا يجوز وضعها بطريقة تسبب وضع حواجز أمام التجارة ؛ ولذلك يدعى لتطبيق المعايير الدولية ، فإن لم توجد فتوضع على أساس المعلومات العلمية) .

3 – تطبيق أنظمة الصحة ، والصحة النباتية ( كسابقتها ) .

4 -إجراءات الترخيص بالاستيراد(وهي تعنى بإرشادات إصدار التراخيص).

قواعد دعم المنتجات الوطنية :

الدعم الحكومي للمنتجات الوطنية على نوعين :

أولاً : دعم محظور ، وهو نوعان :

أ – دعم التصدير ، ويسمى : ( الإغراق ) .

ب – الدعم الذي يستهدف تشجيع استعمال السلع المحلية بدلاً من المستوردة.

ثانياً : الدعم المسموح ، وهو على نوعين أيضاً :

أ – دعم يسوِّغ التقاضي .

ب – ودعم لا يسوِّغ التقاضي : فيجوز في حال وجود دعم يسوِّغ التقاضي لجوء البلدان المستوردة المضرورة إلى تدابير تصحيحية مثل الرسوم التعويضية إذا ألحقت المستوردات المدعومة ضرراً بالصناعة المحلية . ولا يجوز ذلك في الذي لا يسوِّغ التقاضي  .

التدابير التي يمكن للدول المستوردة أن تتخذها بناء على طلب الصناعة المحلية :

1 – الإجراءات الوقائية : وذلك بزيادة التعرفة أو فرض قيد كمي لمدة لا تزيد عن 8 سنوات بشرط أن الزيادة المفاجئة في الواردات قد تم التحقق من أنها تضر ضرراً جسيماً بأكثر من شركتين محليتين تنتجان الجزء الأكبر من الإنتاج المحلي لمنتوج شبيه .

2 – يحق فرض رسم تعويضي على المنتجات المستوردة حين يمارس المورِّدون ممارسات تجارية غير مشروعة ، وهي :

أ – الإغراق ؛ وذلك حين يكون سعر التصدير أقل من سعر البيع في السوق

المحلية للمصدر .

ب – بيع الشركات منتوجاتها بأقل بسبب تلقي دعم حكومي ، بشرط ثبوت ضرر كبير لمنتجين محليين ينتجون 25% من إجمالي الناتج المحلي .

الهيكل الإداري للمنظمة:

يتكون الهيكل الإداري للمنظمة من المجلس الوزاري الذي يمثل فيه كل الدول الأعضاء ، سواء كان العضو دولة منفردة أم اتحاداً جمركياً . ويلتقي المجلس الوزاري كل سنتين على الأقل ، وتتخذ فيه القرارات الكبرى الخاصة بالمنظمة ، من مثل الموافقة على دخول عضو جديد. وتكون القرارات بالإجماع أو التصويت بالأغلبية حسب نوع القرار . ويتفرع من المجلس الوزاري مجلس عمومي ، وهو للعمل اليومي للمنظمة .

وهو مثل سابقه ممثل فيه كل الأعضاء ، ويرفع قراراته وما يتم النظر فيه للمجلس الوزاري . ويقوم المجلس العمومي بعملين مهمين :

متابعة حسم النزاعات التجارية ، ومراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء . ويفوض في ذلك ثلاثة مجالس :

مجلس التجارة في السلع ، ومجلس التجارة في الخدمات ، والمجلس الخاص بحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة . وهناك لجنتان مشكَّلتان من المجلس الوزاري :

الأولى : ” لجنة التجارة والتنمية ” وتعنى بحل مشكلات الدول النامية ،

والثانية : ” لجنة ميزان المدفوعات ” وهي للتشاور في شأن الدول التي تضع إجراءات تقييدية على وارداتها لمواجهة صعوبة ميزان المدفوعات ، وترفع هاتان اللجنتان توصياتهما للمجلس العمومي .

أهم الفروق بين اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية:

مع أن الفروق الآن قد باتت واضحة بين اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية ، إلا أن بيان أهم الفروق قد يفيد في هذه العجالة . ف ( جات 1947م ) ليست منظمة بالمعنى الكامل للمنظمات الدولية

ومن ثم فليس لها سكرتارية دائمة ، ولا مبنى مستقل . وأما منظمة التجارة العالمية فهي منظمة عالمية بالمعني القانوني الشامل لها ، مقرها جنيف ، ويعمل فيها ما يزيد على 450 موظفاً ، بميزانية تقارب مائة مليون دولار .

ومع كل ما سبق ، ترتبط المنظمة ارتباطاً وثيقاً جداً وعضوياً مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . ثم إن التزامات الدول في اتفاقية الجات مشروطة ومرتبطة بالاتفاقيات الثنائية الموقعة وذات أجل قصير

وأما التزامات منظمة التجارة العالمية فدائمة ونهائية وملزمة للأعضاء  ، وكانت اتفاقية الجات تغطي بعض السلع الصناعية وشيئاً من السلع الزراعية فقط ، وأما منظمة التجارة العالمية فتغطي كل التزامات الجات السابقة وما تمت الإشارة إليه في النطاق أعلاه .

ثم إن اتفاقية الجات تخلو من نظام متكامل وفعال لفض المنازعات ، بعكس منظمة التجارة العالمية التي كان من أساس بنائها الإداري وجود مثل ذلك النظام ، بل اعتني به ليكون فعالاً وسريعاً يتواكب مع إيقاع التجارة العالمية في العصر الراهن .

ثم إن اتفاقية الجات ليست لها علاقة بالمنشآت الفردية ولا الأفراد من باب أوْلى .

أما منظمة التجارة العالمية فيمكن للأفراد والمنشآت الفردية والشركات فضلاً عن الحكومات الاستفادة منها ومن أجهزتها المختلفة ، وخاصة حين حدوث ممارسات تخالف منطلقات المنظمة ، وفي حال النزاع القانوني حولها .

كيف تنضم الدول الجديدة للمنظمة

من المهم التذكير أن معظم أعضاء المنظمة الحاليين هم الدول الأعضاء في اتفاقية الجات الموقعين على جولة أوروجواي ، كما نصت على ذلك المادة الحادية عشرة/أ من نظام المنظمة [34] ، أما الدول الأخرى فلا بد أن تتقدم للمنظمة للحصول على العضوية . ولأي دولة أو إقليم جمركي حق العضوية ، حسب المفاوضات التي يتفق عليها مع المنظمة .

وفي حال رغبة دولة جديدة الدخول “تقدم الدولة الراغبة في العضوية مذكرة تغطي جميع السياسات التجارية والاقتصادية التي لها صلة بمنظمة التجارة العالمية . وتصبح المذكرة الأساس للفحص الشامل من قبل فريق العمل .

ويعرض موضوع انضمام العضو الجديد على أعضاء المنظمة ؛ بحيث يطلب من الأعضاء الذين لهم مصلحة في انضمام العضو الدخول في مفاوضات الانضمام . وعليه ، تدخل حكومة البلد الجديد في مفاوضات ثنائية مع حكومات الدول الأعضاء الذين لهم مصلحة لتأسيس الالتزامات والتنازلات الخاصة بالسلع والخاصة بالخدمات .

وهذه العملية الثنائية تحدد ، من بين أشياء أخرى ، المنافع التي سيحصل عليها أعضاء منظمة التجارة العالمية من السماح للدولة الراغبة في الانضمام من الدخول في منظمة التجارة الدولية . وبعد اكتمال فحص النظام التجاري ومفاوضات الوصول إلى الأسواق ، يحدد فريق العمل الشروط الأساسية للانضمام .

ترفع مداولات فريق العمل المضمنة في تقرير ، ومسودة بروتوكول الانضمام ، مع الجدول المتفق عليها من المفاوضات الثنائية إلى المجلس العمومي أو المؤتمر الوزاري لتبنيها ”  ، ولا بد أن يوافق ثلثا الأعضاء على الأقل على قبول انضمام الدولة الجديدة .

دور منظمة التجارة العالمية في صنع السياسة الاقتصادية العالمية

نصت المادة الثالثة / فقرة 5 على ما يأتي :

” بغية تحقيق قدر أكبر من التناسق في وضع السياسة الاقتصادية العالمية ؛ تتعاون المنظمة على النحو المناسب مع صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ، والوكالات التابعة له ”  .

ويشكل هذا القرار أساساً مهماً للوصول إلى ” انسجام أكبر في صنع السياسة الاقتصادية العالمية ” … ” كما أدرك القرار مساهمة تحرير التجارة في نمو وتنمية الاقتصادات الوطنية . فمن الملاحظ أن ذلك التحرير يمثل أهمية خاصة لنجاح برامج التكيف الاقتصادي التي ينفذها عدد من أعضاء منظمة التجارة العالمية ،

وإن كانت تنطوي عادة على تكلفة تحول اجتماعي باهظة” ومن المهم ربط ذلك بما ترسله الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي من معلومات مهمة ودورية عن جميع بيانات وإحصاءات الشؤون الاقتصادية .

مراقبة السياسات التجارية الوطنية :

” يحتل نشاط متابعة السياسات التجارية الوطنية أهمية أساسية في عمل منظمة التجارة العالمية . ويرتكز هذا العمل على آلية مراجعة السياسة التجارية ” .

و” تتمثل أهداف آلية مراقبة السياسة التجارية من خلال المتابعة العادية بزيادة وضوح ( شفافية ) وتفهُّم السياسات والممارسات التجارية ، وتحسين نوعية المناقشات بين الأجهزة الحكومية والعامة على المشاكل ، وإيجاد التقييم المتعدد الأطراف لآثار السياسات على النظام التجاري العالمي .

وتتم المراجعة على أساس معتاد ودوري ويجري فحص أكبر أربع دول تجارية في العالم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وكندا مرة كل سنتين تقريباً . أما الدول الست عشرة التالية على أساس حصتها في التجارة العالمية ، فيتم فحصها كل أربع سنوات ، وبقية الدول كل ست سنوات مع إمكانية تمديد الفترة التحضيرية للدول الأقل نمواً .

ويتولى المراجعة جهاز مراجعة السياسة التجارية المؤسس على مستوى مماثل لمستوى المجلس العمومي على أساس وثيقتين :

  • وثيقة السياسة المقدمة من الحكومة محل المراجعة
  • ووثيقة مفصلة معدة بشكل مستقل من سكرتارية منظمة التجارة الدولية “

وإلى جانب جهاز مراجعة السياسة التجارية ، تحتوي معظم اتفاقات منظمة التجارة العالمية على إلزام للحكومات الأعضاء بإبلاغ سكرتارية منظمة التجارة العالمية بالإجراءات الجديدة أو المعدلة . على سبيل المثال : يجب إبلاغ الجهاز المختص في منظمة التجارة العالمية عن تفاصيل أي تشريع جديد لمكافحة الإغراق والتعويض

والمواصفات الجديدة التي تؤثر على التجارة ، وتعديلات التشريع الذي يؤثر على تجارة الخدمات ، والقوانين والتشريعات الخاصة باتفاقية مظاهر التجارة ذات العلاقة بحقوق الملكية الفكرية . كما يتم تأسيس مجموعات خاصة لفحص الترتيبات الجديدة لمناطق التجارة الحرة والسياسات التجارية للدول المنضمة ”  .

فض المنازعات التجارية والاستئناف والتنفيذ

منظمة التجارة العالمية

ينص التفاهم على القواعد والإجراءات التي تحكم فض المنازعات التجارية على أن

” نظام فض المنازعات التجارية لمنظمة التجارة العالمية يشكل عنصراً أساسياً لتأمين الثقة والقابلية للتنبؤ للنظام التجاري متعدد الأطراف . ويلتزم أعضاء منظمة التجارة العالمية بعدم اتخاذ أي إجراء من طرف واحد ضد التصور بالإخلال في قواعد التجارة ، بل اللجوء إلى نظام فض المنازعات متعدد الأطراف وبقبول قواعده ونتائجه . ويجتمع المجلس العمومي للمنظمة بصفته جهاز فض المنازعات للبت في الخلافات التي تنشأ من أي اتفاقية في الوثيقة الختامية لجولة أوروجواي..

وتهدف آلية فض المنازعات لـ ” التحقق من الحل الإيجابي للخلاف ” . وأنه حل مُرْضٍ منسجم مع شروط منظمة التجارة العالمية ، من خلال المشاورات بين البلدين المتنازعين . وفي حال إخفاق المشاورات ، ترفع للأمين العام لبذل المساعي الحميدة للتوفيق بين وجهات النظر . وإذا لم تنجح المشاورات في الوصول إلى حل بعد 60 يوماً

يستطيع المدعي أن يطلب من جهاز فض المنازعات تأسيس هيئة لفحص الحالة ، وتحديد اختصاصها وأعضائها ، على أن تعطي الهيئة تقريرها النهائي بعد 6 أشهر ، يمكن تخفيضها إلى 3 أشهر ، ويمكن الاستئناف ضد حكم صادر ، ولكنه مقيد بالقضايا المتعلقة بالقانون المستخدم في تقرير هيئة الفحص والتفسيرات القانونية المقدمة منها

وجهاز الاستئناف معد من قبل جهاز فض المنازعات ، من سبعة أشخاص ، يخدمون 4 سنوات ، لهم سمعة مميزة في القانون والتجارة الدولية وغير مرتبطين بأية حكومة .

ويتبنى جهاز حسم المنازعات تقرير جهاز الاستئناف بعد ثلاثين يوماً من إصداره ، ويقبل من أطراف النزاع بدون شرط ، إلا مع الإجماع ضده . ويجب على الطرف المعني إظهار عزمه على تنفيذ التوصيات المتواصل إليها من جهاز فض المنازعات ، ويمكن إعطاؤه فترة معقولة من الزمن تحدد من جهاز فض المنازعات للقيام بذلك .

وفي حال إخفاق العضو في تنفيذ ما تقرر ، يتفاوض على حل تعويضي للمدعي ، كتخفيضات جمركية في بعض الجوانب المهمة للمدعي . وفي حال الإخفاق ، يطلب المدعي من جهاز فض المنازعات سحب الامتيازات والالتزامات من الطرف الآخر ، في نفس القطاع الذي تخوصم فيه ، إلا إن كان غير عملي أو غير فعال ، فيمكن سحب الامتيازات من قطاعات أخرى . وعلى أية حال

فإن جهاز فض المنازعات سيتابع تنفيذ التوصيات والقرارات المتبناة ، وستبقى أية حالة معلقة على جدول أعماله حتى تحل المشكلة . ولا شك أن آليات فض المنازعات قد تم التوسع فيه مقارنة بالآليات الخاصة بـ ( جات 1947م ) .

ملحوظات

1 – هناك نظر في المنطلقات التي قامت عليها المنظمة . فمثلاً تدعي المنظمة أنها تقوم على تحرير التجارة ، ولكن ليس من المتوقع تحرير تجارات الدول الغربية ولا فتح أسواقها كما تطلب من الدول الأخرى ، ولا تمكين العمال من كل دول العالم لدخولها . ثم يقال إنها منظمة ترغب في منافسة عادلة بين المنتجين وليس بين الحكومات . وليس من العدالة ترك قوى السوق ( والآليات الرأسمالية ) تصطرع بين خصمين :

قوي جداً وضعيف جداً  . ثم يقال إنها تريد ترسيخ مبادئ قانونية وأعراف دولية في المجالات التجارية . ولكن السؤال : مَنْ وضع تلك القوانين ، ومَنْ أقر تلك الأعراف ؟ إنها الدول الكبرى ، ولا يراد للدول النامية إلا الإذعان لها وفتح أسواقها للمنتجات الغربية . ثم يقال إنها منتدى للحوار بين الدول .

وكيف تتحاور دول ضعيفة مع أخرى متمكنة وقوية ؟ بل كيف السبيل إلى ذلك بين الشركات ، فضلاً عن الحكومات ؟ فميزانية بعض الشركات الكبرى الأمريكية مثلاً تفوق ميزانية دول نامية مجتمعة ! ومن الأمثلة الواضحة عدم جدية الدول الصناعية في الوصول لعقد اتفاقيات تكامل لأسواق العمل .

ثم من يضمن حياد المنظمة في التحكيم بين الدول المتنازعة ، وفي مجال فهم وتفسير الاتفاقات الموقعة ، وفي مجال الرقابة الدورية على التجارة المحلية وقوانينها المستجدة ، ومن يضمن حياد الخبراء الذين يقومون بتلك الأعمال ، وجلهم بل كلهم من الغربيين ! وهذا لا يعني عدم حيادية الأسس التي قامت عليها المنظمة ، ولكن القوي سيستفيد من حيادية الأسس أكثر من الضعيف .

2 – الأهمية القصوى لمنظمة التجارة العالمية في صياغة منظومة التجارة العالمية ، وخاصة مع التنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . وفي المقابل ، نجد اهتماماً بارداً من الدول الإسلامية ، سواء المنضمة لها أو التي على وشك الانضمام . ولذلك ، تستفرد المنظمة والدول الفاعلة فيها بحياكة مصالحها داخل المنظمة ، ومع الدول الراغبة في العضوية بشكل قوي بل ومقزز أحياناً .

والموضوع له أبعاد كثيرة ، فهو ليس موضوعاً اقتصادياً بحتاً ، بل فيه الجانب العقدي والاجتماعي والاستراتيجي والسياسي والفكري والأمني والحضاري .

والخلاصة هو أمر أمة لا بد من القيام نحوه بما يستحقه . ويستوي في الأهمية النظر للدول الإسلامية والعربية الأعضاء أو المتوقع دخولهم ، وإن كان للأخيرين أهم قليلاً في المدى القصير نظراً لظروف المفاوضات المسبقة للانضمام .

وقد مر قيام منظمات دولية كثيرة في غيبة من ذوي الرأي والحجا والدين ، بل كانت فيه الدول العربية والإسلامية مستعمرات في الغالب ، ولكن ذلك الوضع قد تغير كثيراً الآن . فلا بد من التنسيق على أعلى المستويات بين الدول الإسلامية والنامية حيال الموضوع وعلى جميع الأصعدة ، سواء داخل المنظمة أم خارجها .

ولا بد من سياسات إعلامية مناسبة ، تصب في خانة توضيح عمل المنظمة لكل الأطراف المتأثرين بها ، وهم كل ساكني الدول ، وعلى وجه الخصوص مسؤولي المجالات التجارية والاقتصادية في الدول ، وقطاع رجال الأعمال . ولا بد كذلك من رصِّ الصف تجاه المنظمة والشركات التي توجهها ، وتجميع أوراق الضغط على الدول القوية كاملة ، سواء في المجال التجاري أم غير التجاري .

ولا بد من أن تنسق الدول النامية والإسلامية منها على وجه الخصوص كثيراً من خططها ورؤاها المستقبلية عبر منظمة التجارة العالمية ، وأن تجعل منها إطاراً للفوز بمكاسب في التجارة العالمية ، ومن أهم تلك المكاسب المتوقعة إدخال السلع والمواد الأولية التي لم تكن مجالاً لعمل المنظمة التي انطلقت من مصالح الغرب الصناعي .

ولعل في هذه النقطة مجالاً للتعاون بين الدول الإسلامية لم يكن أصلاً موجوداً في الأجندة السياسية ، خاصة مع كون منظمة التجارة العالمية قابلة للتوسع في المجالات التي تشملها .

3 – من أهم مساوئ قيام المنظمة بكامل عملها المنصوص عليه أن يتم الدمج الكامل للاقتصاد الإسرائيلي في اقتصاديات باقي الدول العربية والإسلامية .

ولا شك أن بعض الدول العربية لم تكن عضواً كاملاً في الجات بسبب المقاطعة العربية الإسرائيلية . ومع سير تلك المقاطعة نحو التلاشي ، والتقارب العربي الإسرائيلي ، لم يبق إلا وضع النقاط على حروف العلاقات التجارية .

ولا شك أن الدول العربية مجتمعة ، والدول الإسلامية ، قد تعاني من تفوق الإسرائيليين في بعض الجوانب التجارية . ولكن العبرة ليست في الجانب التجاري ، ولكنه في الجانب الاستراتيجي العقدي والفكري في صراع المسلمين مع يهود .

4 – تثور بعض الأسئلة التي تتفاوت درجة إلحاح الجواب عليها من بلد إلى آخر

فإلى أي مدى تتحمل الدول النامية التغيرات الكبيرة التي ستنقص كثيراً من الصلاحيات ( السياسية والتنظيمية والمالية والتجارية ) غير المحدودة التي تتمتع بها ؟

وهل في مقدور تلك الدول تحمل النفقات الناتجة عن تخفيف الجمارك التي تشكل مصدراً لدخل كثير منها  ؟

وهل بديل الرسوم الجمركية وهي الضرائب (أو زيادتها ) بديل عملي وبدون تكلفة اجتماعية [ومن ثم سياسية] عالية ؟

وهل تمت دراسة أثر العوامل السلبية الناتجة من تفعيل منظمة التجارة العالمية لكل أدواتها واتفاقياتها على اللحمة السياسية والاجتماعية والمالية والاقتصادية للدول النامية ؟

خاصة أن الاتفاقية نصت على سموها على النظم المحلية  .

وهل تحررت فائدة الانضمام بالنسبة للدول التي يغلب على اقتصادياتها الجانب الاستهلاكي ؟

وما موقف الدول المنضمة لمنظمات تعنى بمنتوجاتها ، مثل أوبك ، أو غيرها من المنظمات التي قد ينظر لها على أنها تكتلات تجارية ( كارتل ) تمنع انسيابية التجارة العالمية ؟

5 – حرص الدول الغربية على مصالحها التجارية وحتى مع النزاعات الكبيرة التي بينها ، يجد المراقب بعداً استراتيجياً في التعاون بينها لمصالحها ، والتنسيق في المواقف بينها .

ولولا النزاعات التي تند عن التنسيق لم يعرف المتابع كثيراً من خفايا دهاليز السياسات التنسيقية ! وقد انعكس ذلك جلياً في الضغوط الموجهة للدول التي تريد الانضمام ، كالصين و تايوان و السعودية و ماليزيا وغيرها . وقد كان لكثير من الضغوط بعد غير تجاري

كما صرح بذلك بعض مسؤولي تلك الدول ، كالبعد الثقافي والديني والسيادي لتلك الدول . وقد تبين من لقاء المنظمة السابق في سياتل ( واللقاءات الدولية الأخرى للمنظمات العالمية ) وجود الخلافات العميقة بين الدول الغربية ، ومقدار التعامل الحضاري بينها في تفويت المفاسد الكبرى للحصول على المصالح المرجوة

ومقدار المرونة مع الشارع السياسي لصالح الشارع التجاري ( ولو كان تمثيلاً ) . والدول الإسلامية والنامية أولى بذلك بدون شك . وقد تبين كذلك بوضوح مقدار ما تكنه تلك الدول الغربية للدول النامية من احتقار وتسفيه حيث لم تأبه لها ولم تترك مجالاً لمندوبيها للكلام ، بل إن بعضهم لا يدعى لحضور بعض الجلسات كما صرح بعضهم بذلك لوسائل الإعلام . وقد تبين من حجم المعارضة الشعبية الغربية للمنظمة مدى نضج الفرد الغربي مقارناً ببقية العالم ،

فحيث مست بعض مصالحه مسا يسيراً فقد قام وسعى ضد من مسها ، ولم نر المثل لا من حكومات الدول النامية والإسلامية ولا من شعوبها .

بل قد شملت المعارضة المنظمات التي لها سنوات طويلة من العمل العالمي ، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير . وأرى أنه لا بد من استغلال تلك التجمعات الشعبية المعارضة لصالح العمل العربي والإسلامي في فضح الممارسات الشائنة للمنظمات العالمية .

6 – لا ينكر أن للمنظمة والانضمام إليها فوائد . ومما ذكر منها على سبيل الإجمال :

خفض تكاليف المعيشة بسبب خفض الضرائب الجمركية ، وزيادة نفاذ صادرات الدول النامية إلى الأسواق المتقدمة ، والتعامل الحاسم والبناء مع الخلافات التجارية العالمية ، مع إمكانية ذلك لكل من الأفراد والمؤسسات التجارية فضلاً عن الحكومات ، وتقليل الأعباء المالية على التجار بسبب توحيد الإجراءات التجارية

وحيادية آليات المنظمة يجعلها صالحة لجميع الدول بدون استثناء ، والاعتماد على قوى السوق وترك السياسات التعويضية المكلفة لكل من الدول والأفراد ، وتقليص المفاجآت في النظم التجارية في دول العالم حيث لا بد من إخبار المنظمة عن ذلك مسبقاً ، ثم إن أحكام بعض الاتفاقات خاضعة للمراجعة والتعديل بعد التفاوض عليها ، ثم إنه قد ثبت أن جعل بعض الصلاحيات في يد منظمات عالمية يقلل الفساد الإداري في الدول التي يوجد فيها التسلط الفردي والمحسوبية .

عيوب منظمة التجارة العالمية

منظمة التجارة العالمية والعولمة

وفي المقابل ، ذكرت بعض السلبيات في عمل المنظمة ، منها :

ارتفاع الأسعار بعد تطبيق نظم حقوق الملكية الفكرية التي تزيد من الاحتكار وتحميه ، وخفض الموارد المالية للدول التي تعتمد على الرسوم الجمركية ، والحد من نقل التقنية للدول النامية ، وتوقع إفلاس عدد كبير من الأعمال في الدول النامية بعد دخول الشركات الكبرى ومنافسة الصناعات المحلية

وما يترتب على ذلك من البطالة ، ومن ثم التغييرات السياسية والاجتماعية ، خاصة أن آليات المنظمة هي آليات السوق وهي لا ترحم الضعفاء ولا عديمي الخبرة . أضف إلى ذلك قضية التحاكم إلى محكمة دولية لا تحكم بشرع الله سبحانه وتعالى .

7 – قرر أحد الكتاب القانونيين المختصين بالمنظمات العالمية أن أهم جانب يمكن للدول النامية الإفادة منه تأخر تطبيق كثير من مبادئ وآليات التنظيمات

الدولية . فليس من المستغرب أن يعرف أن بعضاً من استثناءات صندوق النقد الدولي سارية المفعول بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على إقرارها.

يضاف إلى ذلك فضفاضيه بعض المصطلحات والحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات . مثال ذلك : التفريق في الدعم المسموح بين نوعين : الأول يسوغ التقاضي ، وهو ما أحدث آثاراً سلبية على الصناعة المحلية للدولة المستوردة .

ولا شك أن مثل تلك الآثار مما يطول النقاش حوله . وخاصة أن المنظمة مع ما يقال عن قوتها وتسلطها قد عانت من إخفاق ذريع في دورة سياتل . وقد يكون لحوادث التفجيرات في الولايات المتحدة الأمريكية أثر كبير في إعاقة سير عولمة المنظمة .

والغاية هي الإفادة من تلك الثغرات والفرص في إعادة ترتيب الصف العربي والإسلامي نحو المنظمة .

8 – ختاماً : هل ما سبق يعني عدم الانضمام للمنظمة ؟

لا ، بل أرى أن الانضمام بأقل التكاليف وبأسرع وقت ، وبأكثر قدر من الضغط المعاكس على الدول المفاوضة حين الانضمام ، وبأكبر قدر من التنسيق بين الدول الأعضاء الحاليين الذين لهم مصلحة في دخول الدولة الجديدة ، وبلعب كافة الأوراق الأخرى التي قد لا يكون لها دخل كبير بالعمليات التجارية أو بمتطلبات الانضمام ،

كل ذلك أوْلى من الانتظار . والذي يظهر والله أعلم أن الانضمام للمنظمات الدولية من المصالح المرسلة ، التي يجب الموازنة فيها بين المصالح والمفاسد إجمالاً ، ثم لكل دولة على حدة

آثار العولمة على البلدان النامية

في ضوء ما سبق والعولمة الاقتصادية في الدول النامية، فإن النظرة المتأنية الموضوعية لواقع عالمنا في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، تؤكد أن معظم شعوب هذا الكوكب ودوله في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، ما زالت تعيش اليوم تحت تأثير صدمة انهيار الثنائية القطبية التي أدت الى انهيار كل أشكال التوازنات الدولية التي سادت إبان المرحلة السابقة من ناحية، وما تلاه من انهيار البنية السياسية – الاقتصادية في تلك الدول ،

بعد ان استولت الشرائح الكومبرادورية والبيروقراطية المدنية والعسكرية على مقدراتها الداخلية من ناحية ثانية، وهي تحولات عززت أحادية الهيمنة الامريكية – الأوروبية على هذا الكوكب، بعيدا عن ميثاق الأمم المتحدة،

أو مرحلة الحرب الباردة التي فرضت على الجميع آنذاك الاحتكام الى نصوص وقواعد ميثاق الأمم المتحدة الذي أقرته شعوب العالم كله على أثر الحرب العالمية الثانية ، والذي نص في ديباجته “إن شعوب العالم قد قررت ضرورة إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب

والعمل على إيجاد نظام أمن جماعي يحفظ السلم العالمي، ويؤسس لتنظيم دولي أكثر إحكاما وأكثر عدالة في المستقبل ، وأن ذلك يتحقق عن طريق تحريم استخدام القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة” .

لقد شكل مبدأ تحريم استخدام القوة أحد أهم إنجازات القانون الدولي في القرن العشرين ، حسب النص الصريح لميثاق الأمم المتحدة-الفقرة الرابعة من المادة الثانية التي أكدت على “تحريم استخدام القوة، أو التهديد بها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة” .

إن التحولات الجديدة في العلاقات الدولية التي جاءت على أثر الفراغ السياسي والعسكري والأيديولوجي الذي تركه انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة ، أدت الى استكمال مقومات هيمنة النظام الرأسمالي العالمي على مقدرات شعوب العالم، في إطار ظاهرة العولمة الراهنة التي جعلت من كوكبنا كله مجتمعا عالميا ، تسيطر عليه إرادة القوة العسكرية المسخرة لخدمة قوة الاقتصاد ورأس المال

وهي تحولات تعبر عن عملية الاستقطاب الملازم للتوسع العالمي للرأسمالية الذي رافقها على مدى القرون الخمسة الماضية من تاريخها ، وسيلازمها -كما يقول سمير أمين- في أفق مستقبلها المنظور كله ما دام العالم سيظل مرتكزا على مبادئ الرأسمالية ، إذ أن هذا الاستقطاب يتفاقم من مرحلة الى أخرى

وهو يشكل اليوم -في ظل العولمة- ذلك البعد المتفجر الأكثر ثقلا في تاريخ تطور الرأسمالية ، بحيث يبدو وكأنه حدها التاريخي الأكثر مأساوية ، خاصة وأن العولمة قد “تعمقت في السنوات الأخيرة عن طريق الاختراقات المتبادلة في اقتصاديات المراكز أساسا ، بصورة همشت المناطق الطرفية التي أصبحت عالما رابعا”  .

فمنذ عام 1990 ، شهد العالم متغيرات نوعية متسارعة ، انتقلت البشرية فيها  من مرحلة الاستقرار العام  المحكوم بقوانين وتوازنات الحرب الباردة ، الى مرحلة جديدة اتسمت بتوسع وانفلات الهيمنة الأمريكية للسيطرة على مقدرات البشرية ، وإخضاع الشعوب الفقيرة منها ، لمزيد من التبعية والحرمان والفقر والتخلف والتهميش،

كما جرى في العديد من بلدان اسيا وافريقيا وفي بلدان وطننا العربي عموما والعراق وفلسطين ولبنان خصوصا ، فقد تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية ، بدءا من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى ، وصولا الى تفريغ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي من مضامينهما الموضوعية الحيادية، يشهد على ذلك عجز “الأمم المتحدة” عن وقف العدوان والتدمير الأمريكي الصهيوني في العراق وفلسطين ولبنان

في مقابل تواطؤ وخضوع الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان للهيمنة والتفرد الأمريكي في رسم وإدارة سياسات ومصالح العولمة الرأسمالية في معظم أرجاء هذا الكوكب، وفي بلداننا العربية والإقليم الشرق أوسطي خصوصاً، في محاولة يائسة لإعادة ترتيب المنطقة الشرق أوسطية وتفكيكها وإخضاعها بصورة غير مسبوقة للسيطرة الأمريكية

عبر دور متجدد تقوم به دولة العدو الإسرائيلي في محاولتها لضرب وتصفية قوى المقاومة في فلسطين ولبنان بصورة بربرية، لم تستطع معها إسقاط رايات المقاومة التي استطاعت إثبات وجودها وصمودها وتوجيه ضرباتها إلى قلب دولة العدو الإسرائيلي، وتهديد منشآته ومدنه لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني

  ما يشير إلى بداية عهد جديد في هذا الصراع عبر متغيرات نوعية في الأوضاع العربية لصالح قوى التغيير الديمقراطي والمقاومة من ناحية، ومتغيرات نوعية بالنسبة لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي الذي تؤكد المعطيات انه صراع وجودي لا تجدي معه مفاوضات أو حلول “سلمية” من ناحية ثانية.

لقد أدى إفراغ ميثاق الأمم المتحدة من مضامينه التي أجمعت عليها دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية على أثر هزيمة النازية ، إلى أن أصبحت الأمم المتحدة -اليوم- غير قادرة على ممارسة دورها السابق الذي تراجع بصورة حادة لحساب التواطؤ مع المصالح الأمريكية ورؤيتها السياسية ، يشهد على ذلك مواقف لكوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، من معظم القضايا المطروحة في المحافل الدولية

خاصة ما يتعلق بدول العالم الثالث عموما والقضية الفلسطينية والعراق ولبنان خصوصا، وليس لذلك في تقديرنا سوى تفسير واحد ، هو مدى تحكم الولايات المتحدة في إدارة المنظمة الدولية وأمينها العام من جهة ، ومدى خضوع الأنظمة الحاكمة – عبر المصالح الطبقية – للسياسات الامريكية في المشهد العالمي الراهن الذي بات يجسد التعبير الأمثل عن تحول مسار العلاقات الدولية بعيدا عن قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ،

الى قواعد استخدام القوة العسكرية لتطبيق شروط وسياسات النظام الرأسمالي المعولم ، واستفراده في الظروف والمتغيرات الراهنة ، التي حولت -وستحول- أقاليم عديدة في العالم الى مسارح مضطربة مفتوحة على كل الاحتمالات ، أدخلت العلاقات الدولية في حالة من الفوضى المنظمة ، بحيث أصبحت هذه العلاقات محكومة لظاهرة الهيمنة الأمريكية المعولمة، أو لهذا الفراغ أو الانهيار في التوازن الدولي الذي أدى الى بروز معطيات جديدة في هذا الكوكب من أهمها :-

1-تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية ، حيث دخلت هذه العلاقات تحت الإشراف المباشر وغير المباشر للولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الأحادية .

2-تحولت أقاليم عديدة في هذا الكوكب الى مسارح استراتيجية مضطربة ، بدأت ، أو أنها في انتظار دورها على البرنامج ، وهي مسارح أو أزمات مفتوحة على جميع الاحتمالات وفي جميع القارات كما جرى في يوغسلافيا أو البلقان وألبانيا والشيشان ، وما أصاب هذه البلدان من تفكك وخراب أعادها سنوات طويلة الى الوراء، وكذلك الأمر في إندونيسيا وأزمة بلدان آسيا الاقتصادية والسياسية ، وفي الباكستان والهند وبنغلادش وسيريلانكا .

 وفي أفريقيا : الصومال وجيبوتي وموريتانيا والكونغو وغيرها ، وصولا الى بلدان أمريكا اللاتينية وتزايد الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فيها، بدءاً من المكسيك الى كوبا الى الأرجنتين وكولومبيا والبرازيل . كما تتفاقم هذه الأزمات في منطقتنا العربية ، حيث يتفجر الصراع الوجودي بيننا وبين العدو الصهيوني من جهة ، و تتفجر الأزمات الداخلية في الجزائر و السودان و مصر و اليمن ، إلى جانب الاحتلال الإمبريالي لفلسطين وللعراق الشقيق من جهة أخرى.

3-إضعاف وتهميش دول عدم الانحياز ، و منظمة الدول الأفريقية ، و الجامعة العربية ، و منظمة الدول الإسلامية ، و كافة المنظمات الإقليمية التي نشأت إبان مرحلة الحرب الباردة والتي تكاد اليوم ان تفقد بوصلتها ودورها .

4-يبدو أنه تم إسقاط المنطقة العربية و دورها ككتلة سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي ، و تجريدها من أي دور سوى الخضوع السياسي و استمرار تأمين المواد الخام ، و إقامة القواعد و الأحلاف العسكرية وفق ما حددته التوجهات و المخططات الأمريكية لمنطقتنا العربية ، و نكتفي هنا بالإشارة إلى المجالات الرئيسية لهذه التوجهات طالما بقي الوضع العربي على حاله الراهن :

أ-استمرار عملية التسوية و التطبيع مع إسرائيل و الدول العربية ، وفق الشروط الإسرائيلية -الأمريكية من ” واي بلانتيشن” الى “خارطة الطريق” وصولا الى “خطة شارون – أولمرت” الهادفة إلى إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بعد تحطيم ثوابت و أركانه الأساسية و مقوماته التاريخية و الشرعية الدولية .

ب-احتلال العراق الشقيق لضمان السيطرة على ثروته النفطية، وإخضاعه للسياسات الجديدة وتعريضه لمحاولات التفتت الداخلي، علاوة على إخضاع وتكريس تبعية معظم الدول العربية الأخرى للنظام الأمريكي وحليفه الصهيوني المسيطر في بلادنا.

ج-استمرار الهيمنة أو السيطرة المباشرة على الخليج و الجزيرة العربية (السعودية) كمنطقة نفوذ أمريكية بصورة شاملة و كلية .

د-الوقوف في وجه أي إمكانية لأي شكل من التحالفات أو التكتلات العربية الاقتصادية و السياسية إذا حملت في طياتها حداً أدنى من التعارض مع مشروع الهيمنة الأمريكي .

هـ-فرض السياسات الاقتصادية وفق مقتضيات الخصخصة و أيديولوجية الليبرالية الجديدة عبر مركزية دور القطاع الخاص في إطار تحالفه العضوي مع البيروقراطية العليا أو النظام الحاكم المعبر عن الطبقة السائدة في بلادنا، خاصة وأن القطاع الخاص في بلادنا العربية قد تحول- الى حد كبير- الى جهاز كومبرادوري كبير في خدمة النظام السائد ونظام العولمة الإمبريالي في آن واحد

بعد أن ألغى هذا القطاع ( الخاص ) – في معظمه – كل علاقة له بالمشروع التنموي الوطني أو القومي، واصبح همه الوحيد الحصول على الربح ولو على حساب مصالح وتطور مجتمعاتنا العربية واستقلاله الاقتصادي.

و- دعم دولة العدو الإسرائيلي كركيزة إمبريالية صغرى متقدمة في المنطقة تضمن استمرار حماية المصالح الأمريكية المعولمة في بلدان وطننا العربي.

لقد بات واضحاً أن تطبيق مبدأ “القوة الأمريكية” ساهم بصورة مباشرة في تقويض النظام الدولي في عالمنا المعاصر ، خاصة و أن حالة القبول أو التكيف السلبي ، بل و المشاركة أحياناً من البلدان الأوروبية و اليابان و روسيا الاتحادية شجعت على تطبيق ذلك المبدأ ، بعد أن فقدت دول العالم الثالث عموماً -عبر أنظمة الخضوع والتبعية- إرادتها الذاتية و سيادتها ووعيها الوطني

و كان استسلام معظم هذه الدول أو رضوخها لقواعد و منطق القوة الأمريكية ، مسوغاً و مبرراً “لشرعية” هذه القواعد من جهة ، و الصمت المطبق على ممارساتها العدوانية في كثير من بقاع العالم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جهة أخرى ، كما يجري اليوم في بلادنا عبر تحكُّم العدو الصهيوني في مستقبل قضيتنا الوطنية، ومحاولته المشاركة في السيطرة  على مقدرات شعوبنا العربية كلها

بعد أن أصبح النظام العربي في معظمه مهمشاً وفق شروط الهيمنة الأمريكية المتجددة التي جعلت دور الدولة في بلادنا -كما في بلدان العالم الثالث أيضاً- يقتصر على الجانب الأمني و القمعي لحماية المصالح الرأسمالية الخارجية و الداخلية المتشابكة ، بعد أن نجحت هذه الشروط في تصفية دور الدولة الإنتاجي و الخدماتي الذي كان مخصصاً في المرحلة السابقة لتغطية بعض احتياجات الجماهير الشعبية فيها

و بتراجع دور الدولة الوطني و الاجتماعي ترعرعت المصالح الشخصية البيروقراطية و الكومبرادورية و الطفيلية ، باسم الخصخصة و الانفتاح ، مما أدى إلى تفكك الروابط الوطنية و القومية و الإقليمية ، إلى جانب عوامل التفكك و شبه الانهيار المجتمعي الداخلي المعبر عنه بإعادة إنتاج و تجديد مظاهر التخلف بكل مظاهره الطائفية و الاثنية و العائلية و الدينية …الخ ، التي ترافقت مع تعمق الفجوات الاجتماعية ومظاهر الفقر المدقع بصورة غير مسبوقة فيها .

و في ظل هذه الأوضاع المتدهورة الناتجة عن أزمة التطور الاجتماعي وأزمة القيادة في بلدان العالم الثالث عموماً التي أدت بها إلى مزيد من الإلحاق و التبعية في علاقتها بالشروط الرأسمالية الجديدة ، كان لا بد لاستراتيجية رأس المال المعولم ، انسجاماً مع نزوعه الدائم نحو التوسع والامتداد

أن تسعى الى إخضاع الجميع لمقتضيات مشروع الهيمنة الأمريكي المعولم ، وهي استراتيجية تستهدف هدفين اثنين متكاملين هما “تعميق العولمة الاقتصادية ، أي سيادة السوق عالميا ، وتدمير قدرة الدول والقوميات والشعوب على المقاومة السياسية” ، هذا هو جوهر الإمبريالية في طورها المعولم في القرن الحادي والعشرين

وبالتالي فإننا  نرى أن الوضع الراهن ليس نظاما دوليا جديدا ، وإنما هو امتداد لجوهر العملية الرأسمالية القائم على التوسع والامتداد بدواعي القوة والاكراه ، وهو أيضا استمرار للصراع في ظروف دولية لم يعد لتوازن القوى فيها أي دور أو مكانة ، ولذلك كان من الطبيعي أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ، باعتبارها القوة الوحيدة المهيمنة في هذه الحقبة ، بملء الفراغ الناجم عن انهيار التوازنات الدولية السابقة .

وبنشوء هذا الفراغ السياسي والاقتصادي والأيديولوجي ، أصبحت الطريق ممهدة أمام التوسع الرأسمالي صوب المزيد من السيطرة عبر طوره الإمبريالي المعولم، كشكل أخير من تطور النظام الرأسمالي ، مما دفع به الى الكشف عن مخططاته المبيتة أو الكامنة للوصول بالتوترات والتناقضات الدولية الى أقصاها ، عبر المواجهة المباشرة

مستخدما كافة أساليب الضغط والإكراه بالقوة العسكرية أو بالإخضاع والمزيد من التبعية والإلحاق لضمان استمرار سيطرته على كافة الموارد المادية الأساسية ، من احتياطات النفط والماء الى الأسواق والمنتجات الصناعية والزراعية،

ووضع الحدود والضوابط الإكراهية لحركتها ، بما يضمن مصالح الشرائح العليا البيروقراطية والطفيلية والكومبرادورية في أنظمة البلدان الفقيرة التابعة من جهة ، وبما يؤدي الى إعاقة نمو هذه البلدان وتدمير اقتصادها وانتشار المزيد من أشكال التخلف والفقر والجهل، وتعمق الأزمات السياسية والطائفية والدينية فيها من جهة أخرى

ففي ضوء وضوح هذه المخططات خلال العقود الثلاثة الماضية تتكشف الطبيعة المتوحشة للرأسمالية المعولمة اليوم على حقيقتها عبر ممارساتها البشعة ضد شعوب العالم الفقيرة ، وضد القيم الإنسانية الكبرى في العدالة الاجتماعية والمساواة ، كما في الثقافة والفكر والحضارة

وذلك بالاستناد الى المؤسسات الدولية التي تكرست لخدمة النظام الرأسمالي في طوره الإمبريالي الراهن ، وهي :-

1- صندوق النقد الدولي الذي يشرف على إدارة النظام النقدي العالمي ويقوم بوضع سياساته وقواعده الأساسية ، وذلك بالتنسيق الكامل مع البنك الدولي ، سواء في تطبيق برامج الخصخصة والتكيف الهيكلي أو في إدارة القروض والفوائد والإشراف على فتح أسواق البلدان النامية أمام حركة بضائع ورؤوس أموال بلدان المراكز الصناعية .

2- منظمة التجارة العالمية WTO التي تقوم الآن بالإشراف على إدارة النظام التجاري العالمي الهادف الى تحرير التجارة الدولية وإزالة العوائق الجمركية ، وتأمين حرية السوق وتنقل البضائع في مدى زمني لا يتجاوز نهاية عام 2006.

3- الشركات المتعددة الجنسية التي باتت تملك أصولاً رأسمالية تزيد عن ( 36 ) ترليون دولار وهو ما يقارب إجمالي الناتج المحلي لجميع دول العالم في كوكبنا، وفي هذا الجانب نشير الى أن السلطة الاقتصادية لهذه الشركات العالمية تتركز بصورة كبيرة في مؤسسات أمريكية وأوروبية كما تؤكد المعلومات المستقاه من جريدة فايننشال تايمز في يناير 1999 إنه من ضمن 500 من أكبر الشركات 244 منها من أمريكا الشمالية و 173 أوروبية و46 يابانية.

أي بعبارة أخرى 83% من أهم المنشآت التي تتحكم في التجارة والإنتاج العالمي هي أمريكية شمالية وأوروبية. ويغدو تركز السلطة مذهلاً إذا تأملنا الـ25 شركة الأكبر في العالم  تلك التي يفوق رأسمالها 86 ألف مليون دولار أكثر من 70 % منها أمريكية شمالية و26% أوروبية و4% يابانية .

ما يعني انه اذا كانت الشركات المتعددة الجنسية تتحكم في الاقتصاد العالمي فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة المسيطرة راهنا . ما يؤكد على أن مقولة او فكرة أن العولمة تخلق عالماً مترابطاً خاطئة إلى ابعد الحدود .

حركة التجارة الدولية في ظل العولمة وانعكاسها على الدول النامية

وفي ضوء هذه السياسات والشروط المحددة من قبل الصندوق والبنك الدّوليّين من جهة ، ومنظمة التجارة الدولية والشركات المتعددة الجنسية من جهة ثانية ، أصبحت السياسة التجارية للدول المستقلة ، ولأول مرة في التاريخ الاقتصادي للأمم شأنا دوليا أو معولماً

وليس عملا من أعمال السيادة الوطنية أو القومية الخالصة … فعلى النقيض من كل ما كتبه مفكرو العولمة ، المدافعون عن إجراءات الخصخصة والليبرالية وتحرير التجارة العالمية ، وآثارها الإيجابية على الدول النامية ، فإن النتائج الناجمة عن اندماج البلدان النامية في هذه الإجراءات  تشير الى عدد من الحقائق :-

1- بالرغم من ارتفاع حجم التجارة الدولية الى 9.2 تريليون دولار عام 2003  (وهي اليوم في منتصف عام 2006 تقدر بحوالي 10 تريليون دولار سنويا) ، فقد ظل نصيب مجموعة البلاد النامية من التجارة العالمية ثابتا خلال العقود الثلاثة الماضية حول 18% بما في ذلك نصيب الدول المصدرة للنفط ، رغم أن سكان هذه المجموعة من البلاد يشكلون 75% من إجمالي سكان العالم .

2- بالرغم من أن دعاة العولمة والتحرير المالي والتجاري كانوا يزعمون أن البلاد النامية سوف تستفيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، إلا أن ذلك لم يحدث

فقد تبين في العقدين الماضيين أن أكثر من 90% من حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة تذهب أساسا الى البلدان المتقدمة (الولايات المتحدة-أوروبا-اليابان والصين) .

أما بقية البلاد النامية فقد حصلت على أقل من 10% من تلك الحركة ، وفي هذا السياق تشير البيانات الخاصة بالاستثمارات العالمية إلى أنها بلغت عام 2000 ( 1393 ) مليار دولار وقد تراجعت بنسبة 40% عام 2001 على أثر أحداث 11 سبتمبر

وهذه الاستثمارات تركزت بنسبة 90% منها في الدول الصناعية، حيث لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت الى الدول النامية 162.1 مليار دولار عام  2002 لم تزد عن حدود هذا الرقم حتى عام 2005 .

3- “ارتفع إجمالي رصيد ديون البلدان النامية بشكل دراماتيكي في العقد الماضي من 603.3 مليار دولار عام 1980 ، الى 2172 مليار دولار عام 1997، ووصلت الى ما يقارب من 2.5 تريليون دولار عام 2004، ومع نمو حجم هذه الديون ارتفعت أسعار الفائدة ومعدل خدمة الدين الذي وصل في بعض هذه البلدان الى ما يزيد عن 100%”  .

4-إن عولمة الأسواق المالية وما انطوت عليه من إجراءات للتحرير المالي، كانت ذات آثار هامة وخطيرة على البلاد النامية ، فقد أدت الى إلغاء الحظر على المعاملات التي يشملها حساب رأس المال والحسابات المالية لميزان المدفوعات … وكذلك فإن هذه الإجراءات عرضت الجهاز المصرفي للأزمات، ولتدفق الأموال القذرة (غسيل الأموال) ، وتعرض البلد لهجمات المضاربين، والى إضعاف السيادة الوطنية في مجال السياسة المالية والنقدية ، وشجعت على هروب واسع لرؤوس الأموال الوطنية للخارج .

5- تراجعت مساهمة الدول النامية ( 146 دولة ) في الناتج المحلي العالمي (البالغ  كما في نهاية 2004 [36] تريليون دولار)  الى 29 % في مقابل 71% للدول المتقدمة (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان)، أما فيما يتعلق في مساهمة دول الشرق الأوسط قد شاركت بحوالي 2% من إجمالي الناتج المحلي العالمي . (انظر جدول الناتج المحلي العالمي) .

يتضح فيما تقدم أن

“البلاد النامية تعاني من وضع غير متكافئ لها في الاقتصاد العالمي، وأن هذا الوضع يتدهور فترة بعد أخرى تحت تأثير سرعة اندفاع قطار العولمة والتحرر المتسارع لاقتصاديات هذه البلاد وإدماجها في الاقتصاد العالمي وإن هذا الدمج والتحول المفاجئ والالتزام المبكر بقواعد العولمة والليبرالية والتحرير الاقتصادي كانت له نتائج سلبية

وأحيانا مدمرة على اقتصاد البلدان النامية، حيث وضعت الكثير من العقبات في وجه تنميتها، وأفقدتها القدرة على حماية صناعاتها الوطنية ، وأدت الى ارتفاع تكلفة المعرفة والتكنولوجيا ، وتعرضها الى المنافسة غير المتكافئة مع الواردات الأجنبية

واحتمال استيلاء الشركات العملاقة المتعددة الجنسية على المشروعات الوطنية والمجالات الأساسية، مما سيدفع، وذلك هو الأخطر، الى تقليص قدرة البلاد النامية على صياغة وتصميم سياساتها التنموية والتجارية (وغيرها من السياسات) بعد أن انتقلت عملية صنع الكثير من القرارات من مستواها الوطني الى منظمة التجارة العالمية”   .

إن هذه التطورات والتراكمات السالبة ، ستؤدي في تقديرنا ، الى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ، وتزايد مساحات الفقر والبطالة والتناقضات الداخلية بكل أنواعها ، في كل بلدان العالم عموما ، وفي البلدان الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية خصوصا ، وبوتائر عالية لم تشهدها هذه البلدان من قبل

حيث ستتعاظم الثروات في مقابل تعاظم الفقر واتساعه ، وما ستنتجه هذه الفجوات العميقة من شعور عام لدى هذه الشعوب الفقيرة ، من خوف كبير على مستقبلها ، نتيجة فقدانها القدرة على التحكم والسيطرة على مقدراتها في الظروف الراهنة ، بعد أن فقدت كل مكتسباتها -ضمن الحد الأدنى- التي حصلت عليها تلك الشعوب عبر نضالها في مرحلة الاستقلال وحتى نهاية الستينيات من القرن الماضي

مما سيدفع بها -دفاعا عن مصالحها الوطنية والمطلبية معا – الى الانتقال من الطابع العفوي لرفضها ، نحو الطابع المنظم ، لكي تمارس عملية التغيير والتجاوز لأنظمتها ، وكسر حلقات التبعية والتخلف في بلادها ، مقدمة لتغيير جوهري في البنية الداخلية لمجتمعاتها ، ستدفع بدورها الى تغيير جوهري أيضا في بنية العلاقات الإقليمية والدولية مؤذنة بعصر جديد من الثنائية أو التعددية في هذا الكوكب

إذ أن توحش الرأسمالية المعولمة وآثارها على البلدان النامية عبر ممارساتها البشعة ضد مصالح شعوب هذه البلدان ، سيدفع بهذه الشعوب عبر طلائعها المنظمة من المثقفين والرواد والجماهير الشعبية ، الى الإعلان بكل صراحة ووضوح ، بأنه لو لم تكن هناك اشتراكية

فسيحرص الجميع على السعي لإيجادها والإيمان بنظريتها وبلورة نظامها من أجل العدالة  الاجتماعية والديمقراطية ، وتثبيته وحمايته كنتيجة منطقية لظروف الحرمان والذل والاضطهاد والفقر والمرض والمعاناة بكل ألوانها التي تتعرض لها شعوب العالم الفقيرة في ظل العولمة وأدواتها الإمبريالية .

وفي هذا السياق ، فإننا ندرك ، أيضا ، أن عملية التغيير لتجاوز وكسر السيطرة الأمريكية الأحادية لن تتوقف فحسب على بلدان العالم الثالث ، رغم اعتبارنا لهذه البلدان الحلقة المركزية في العملية التغييرية المطلوبة على الصعيد الإقليمي والعالمي ، بل ستمتد عبر أشكال متعددة ، الى البلدان الصناعية المتقدمة في أوروبا واليابان وروسيا ، وبلدان اسكندنافيا والصين وبلدان ما يسمى بالنمور الآسيوية

وذلك عبر تحولات لن تأخذ طابعا راديكاليا شعبيا أو طبقيا ضد الرأسمالية من حيث المبدأ ، ولكنها بالضرورة ستتخذ موقفا معارضا لجوهر الليبرالية الجديدة وممارساتها الضارة بل والمتوحشة ، سواء على صعيد المكتسبات الداخلية للشرائح الشعبية الفقيرة في هذه البلدان من جهة ، أو على الصعيد الاقتصادي والسياسي الدولي العام، في مواجهة العنجهية والتفرد الأمريكي بمقدرات العالم الذي لا يأخذ بالاعتبار الدور الأوروبي والآسيوي، كشريك حقيقي في العلاقات الدولية الراهنة

ولذلك لم يكن مستغربا ذلك التحول البسيط لدى الناخب الأوروبي الذي أطاح بالأحزاب اليمينية في ألمانيا ، وبريطانيا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، وإسبانيا ، وغيرها من الدول الأوروبية ، ليحل محلها في الحكم ، الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية ، وهو تحول له مدلولاته بالرغم من عدم جذريته

يؤكد على ذلك عودة بعض الأحزاب اليمينية إلى السلطة كما جرى في ألمانيا نهاية عام 2005،وفي إيطاليا قبل أربعة أعوام، ثم سقوط “بر لسكوني” وصعود الاشتراكيين في نيسان 2006 ، فهو اذن ليس تحولا جوهريا ، ولكنه تعبير عن عدم الرضا عن سياسات الليبرالية الجديدة التي دعت الى إلغاء دور الدولة في الاقتصاد ، وإلغاء القطاع العام ، وتخفيض بعض أوجه الدعم المخصصة للشرائح الفقيرة .

إننا ندرك، انتهازية هذه الأحزاب بالنسبة للموقف الجوهري من الاشتراكية -الديمقراطية ، كما ندرك مواقفها اليمينية تجاه القضايا الأساسية التحررية الوطنية والقومية لشعوب العالم عموما ، ولشعبنا العربي الفلسطيني خصوصا ، في صراعنا مع العدو الصهيوني ، حيث لم يرتَقِ الموقف الأوروبي الى مستوى التعارض الجدي مع السياسة الأمريكية-الإسرائيلية في هذا الجانب

بالرغم من عدم تطابق الموقفين والاختلاف النسبي بينهما ، وهي أشكال تعارضيه تعبر عن حجم الخلاف غير الجوهري -في معظمه- بين السياستين الأوروبية والأمريكية ، ولكنها بالمقابل ليست تعارضات شكلية أو بعيدة عن الواقع الأوروبي الذي يتطلع الى دور ذاتي محدد يهدف الوصول بالاتحاد الأوروبي الى شكل أرقى تحت مظلة المجموعة الإقليمية الموحدة

سعيا منه للحصول على دور أكبر في المصالح والسياسات الاقتصادية والتبادل التجاري من جهة ، ودور سياسي أكثر تأثيرا في العلاقات الدولية الراهنة ، وهو أمر نعتقد أن أغلبية الدول الأوروبية تتطلع دائما الى إبرازه للمشاركة في قيادة العالم بصورة ندية على حساب الأحادية الأمريكية

ودون أي تناقض رئيسي ومباشر معها ، وهو تطلع مشروع وممكن ومطلوب -أوروبيا- في آن واحد ، خاصة وأن دول الاتحاد الأوروبي تدرك أهمية دورها ، خاصة بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة ، بغض النظر عن خضوعها أو معارضتها الشكلية أو توافقها بهذه الدرجة أو تلك مع السياسات الأمريكية راهنا

وهو دور لن يتحقق بدون مشاركتها الفعلية في إدارة العالم وصنع العلاقات الدولية الجديدة ، تأمينا لمصالحها ودورها المستقبلي كشريك امبريالي الطابع

طالما بقيت أقطار العالم الثالث على ما هي عليه من تبعية وخضوع، دون أن تتجاوز السياسات “المعتدلة” للأحزاب “الاشتراكية الديمقراطية”، كما عبر عنها المفكر البريطاني “انتوني جيد نجز” في كتابه الطريق الثالث كحل وسط بين “التطرف الليبرالي وتوحش العولمة من جهة والتطرف الاشتراكي” من جهة أخرى .

Print Friendly, PDF & Email
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية ودعاوى الإيجارات ودعاوى الموظفين قطاع حكومى وخاص وطعون مجلس الدولة والنقض ليسانس الحقوق 1997

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا يمكنك نسخ محتوى هذه الصفحة