تدارك الخطأ في حكم النقض
تعرف علي عما اذا كان يجوز طلب إلغاء حكم النقض و تدارك الخطأ في حكم النقض وفقا لقانون المرافعات وأحكام قضاء النقض فقاضي النقض شأنه مثل أى قاضي قد يخطئ وقد يسهو عليه.
محتويات المقال
طلب الالغاء وطلب التصحيح
في هذا البحث نتعرض لمسألتين :
- المسألة الأولي : تدارك الأخطاء المادية في حكم النقض وتصحيحها
- المسألة الثانية : طلب الغاء حكم النقض وسببه
فبالرغم من أن محكمة النقض اضطلعت بمهامها الجليلة على أحسن وجه وأصدرت في مختلف الطعون أحكاما لا يبلغها الحصر جليلة القدر تشهد بسعة العلم ودقة الملاحظة وسلامة التقدير وسداد الرأى إلا أن قضاة هذه المحكمة شأنهم في ذلك شأن سائر القضاة لا تسلم أحكامهم من شائبة الخطأ
ومن ثم فقد أجاز المشرع للمحكمة نفسها أن تصحح ما قد تتردى فيه من أخطاء مادية وحسابية بحتة وأن تفسر ما قد يشوب منطوق حكمها من غموض أو إبهام، وأن تستدرك ما غفلت عن الفصل فيه من الطلبات المطروحة عليها
وفي هذا البحث الموجز يتعرض لمسألة أحقية صاحب المصلحة من الخصوم في الطعن بالنقض طلب إلغاء الحكم الصادر فيه إذا قام بأحد أعضاء الدائرة التي أصدرته سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها حصرا في المادة ١٤٦ من قانون المرافعات
ولما كانت محكمة النقض هي نهاية المطاف فيما يعرض على القضاء من منازعات فإنه منعا من تأبيد هذه المنازعات نص المشرع فى المادة ۲۷۲ من القانون المشار إليه على عدم جواز الطعن فى أحكام تلك المحكمة بأي طريق من طرق الطعن.
تصحيح وتفسير وعلاج الاغفال من محكمة النقض
سوف نتعرف في هذا المبحث علي كيفية تصحيح أحكام النقض وتفسيرها وعلاج ما غفلت عن الفصل فيه
اولا : تصحيح الخطأ المادي
تنص الفقرة الأولى من المادة ۱۹۱ من قانون المرافعات على أن :
تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية ، وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة ويجرى كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة
وليس فى هذا النص ما يتعارض مع النصوص الخاصة بالطعن بالنقض
ومن ثم فإنه يجوز لمحكمة النقض سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب صاحب المصلحة من الخصوم في الطعن أن تصحح ما قد تشتمل عليه نسخة حكمها الأصلية من أخطاء مادية بحتة كتابية كانت هذه الأخطاء أم حسابية لأنها لا تعبر عن إرادتها ولا تؤثر في جوهر الحكم ولا تفقده ذاتية إذ تبدو واضحة بمجرد مقارنتها بما دون في ورقة الحكم من بيانات صحيحة
ويجرى التصحيح على النحو المبين بالنص بتدوين التصحيح على نسخة الحكم الأصلية مشفوعا بتوقيع رئيس الدائرة أو من يكون قد حل محله عند قيام مانع برئيس الدائرة التي أصدرت الحكم
أما ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة ذاتها من
جواز الطعن في القرار الصادر بالتصحيح إذا تجاوزت المحكمة حقها المنصوص عليه فى الفقرة الأولى فإنه يتعارض مع ما نصت عليه المادة ۲۷۲ مرافعات من عدم جواز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن
ثانيا : تفسير الحكم
النص في صدر المادة ۱۹۲ من قانون المرافعات على أن :
يجوز للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض أو إبهام
لا يتعارض هو الآخر مع النصوص الخاصة بالطعن بالنقض
أما ما تلا ذلك من النص على أن يقدم الطلب بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى وعلى أن يسرى على الحكم الصادر بالتفسير ما يسرى على الحكم المفسر من القواعد الخاصة بطرق الطعن فإنه يتعارض مع نص المادة ۲۷۲ من القانون ذاته
وعلى ذلك
فإنه في الحالات التي قد يصعب فيها فهم منطوق الحكم الصادر من محكمة النقض – سواء تعلق هذا المنطوق بالحكم فى الطعن نفسه كالحالة التي لا يعرف فيها ما إذا كان النقض كليا أم جزئيا أو بالحكم فى الموضوع إذا كانت المحكمة قد تصدت للفصل فيه
فإنه يجوز لأى من الخصوم فى الطعن أن يطلب إليها تفسير ما اكتنف منطوق حكمها من غموض ، ليس بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى ولكن بصحيفة تودع قلم كتاب محكمة النقض توقع من محام مقبول للمرافعة أمام هذه المحكمة حيث تحدد جلسة لنظر الطلب يعلن بها الخصوم
ثم يتم نظر الطلب والحكم فيه دون التقيد بالمواعيد أو بباقي الإجراءات الخاصة بالطعن بالنقض لأن طلب التفسير ليس طعنا في الحكم وإنما هو استيضاح لما انتهى إليه قضاؤه .
فإذا تبين أن منطوق الحكم كان من الغموض بحيث يستأهل التفسير رفعت المحكمة بحكمها المفسر هذا الغموض دون مساس بالمراكز القانونية للخصوم إذ تستقر هذه المراكز على مقتضى الحكم الذي طلب تفسيره
أما إذا اتضح للمحكمة أن منطوق الحكم واضح وليس فى حاجة إلى تفسير فإنها تقضى بعدم قبول الطلب أو برفضه وحكمها بقبول طلب التفسير أو برفضه كغيره من أحكام محكمة النقض لا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن
ثالثا علاج الغفلة عن التعرض لبعض أجزاء الحكم المطعون عليه :
تنص المادة ۱۹۳ من قانون المرافعات على أن :
إذا أغفلت المحكمة الحكم في بعض الطلبات الموضوعية جاز لصاحب الشأن أن يعلن خصمه بصحيفة للحضور أمامها لنظر هذا الطلب والحكم فيه
وقد ذهب رأى فى الفقه إلى أن
هذا النص لا يسرى على الأحكام الصادرة في الطعن بالنقض لأن مناط تطبيقه أن تكون هناك طلبات موضوعية قد طرحت على المحكمة وغفلت عن الفصل فيها ومثل هذه الطلبات الموضوعية لا تكون مطروحة في الطعن بالنقض وإنما بعد نقض الحكم والتصدي للفصل في موضوع الدعوى
وذهبت أحكام المحكمة النقض إلى أن الطلب الأساسي الذي يتقدم به الطاعن إلى محكمة النقض هو نقض الحكم المطعون فيه ، وأنها تقضى دائماً بقبول هذا الطلب أو برفضه صراحة أو ضمنا وبهذا المعنى فهو يختلف عن الأسباب التي يبنى عليها الطعن ، ويقصد بها تعييب الحكم وبيان أوجه مخالفته للقانون
ومن ثم فهي لا تعدو أن تكون أوجه دفاع ورفض الطعن دون بحثها لا يجيز إعادة عرضه على المحكمة استنادا إلى أنها غفلت عن التعرض لها والذي نراه أن الأمر لا يدق ولا يثير أية مشكلات إذا ما قبلت محكمة النقض الطعن
ونقضت الحكم المطعون فيه نقضا كليا إذ بحسبها في هذه الحالة أن تبحث سببا واحدا من أسباب الطعن أو وجها من سبب وتبنى عليه حكمها الناقض دون أن تجد بها حاجة لبحث باقى الأسباب
ولا تكون للطاعن أية مصلحة فى اللجوء إليها لبحث ما لم تر محلا لبحثه من أسباب طعنه وقد أجيب إلى طلب نقض الحكم كله
ولكن الأمر يدق ويثير عديدا من المشكلات
إذا كان الحكم المطعون فيه متعدد الأجزاء ويستقل بعض هذه الأجزاء عن البعض الآخر وكانت محكمة النقض لم تتطرق إلى ما تعلق من أسباب الطعن بكل جزء منها وقضت برفض الطعن أو بنقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا
إذ يثور التساؤل
عن مآل أجزاء الحكم التي لم يقض لا بقبولها ولا برفضها والقاعدة – كما قلنا – هي أن ما لم تبحثه المحكمة وتدلى برأيها فيه لا يصلح أن يكون محلا لحكم يحوز أية حجية
صحيح أن أسباب الطعن
كما قالت محكمة النقض لا تعدو أن تكون وسائل دفاع ولكن طلب نقض الحكم المشتمل على أجزاء مستقلة متمايزة وإن صيغ في عبارة واحدة
إلا أنه في الحقيقة
يتعدد بتعدد أجزاء الحكم المطعون فيه كله ويصبح طلبات متعددة في طعن واحد إذا غفلت محكمة النقض عن الحكم في إحداها سهوا بغير عمد
فإن علاج هذه الغفلة
إنما يكون بالرجوع إليها طبقا للمادة ۱۹۳ من قانون المرافعات لتستدرك ما فاتها الفصل فيه وبقى معلقا أمامها ولما كان فصل محكمة النقض فيما غفلت عن الفصل فيه – على النحو سالف الذكر – يعتبر مكملا لحكمها السابق فيما لم تستنفذ ولايتها بالحكم فيه
فإنه يكفى لقبول هذا الطلب
أن يكون موقعا من محام مقبول للمرافعة أمام محكمة النقض وأن يودع قلم كتاب هذه المحكمة دون التقيد بميعاد وبغير اتخاذ باقي الإجراءات المنصوص عليها في المادة ٢٥٣ من قانون المرافعات وما بعدها لأنه يفترض وقد سبق الفصل فى طلب من الطلبات المتعددة في ذلك الطعن الواحد برفضه أو بنقض الحكم في خصوصه نقضا جزئيا أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية ومر بكل المراحل التي يتعين أن يمر بها إلى أن تم نظره فى الجلسة وغفلت المحكمة عن الفصل في طلب من الطلبات المطروحة فيه طرحا صحيحا
قارن نقض ۱/۱۸/ ١٩٨٠ – الطعن ١٤٢١ لسنة ٤٧ ق
طلب إلغاء حكم النقض
أوردت المادة ١٤٦ من قانون المرافعات – على سبيل الحصر – الحالات التي يكون القاضى فيها غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم وهي :
- (1) أن يكون قريبا أو صهرا لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة
- (يرجع إلى المواد من ٣٤ إلى ۳۷ مدنى لمعرفة درجة القرابة)
- (٢) أن تكون له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته
- (۳) إذا كان وكيلا لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية ، أو وصيا عليه ، أو قيماً ، أو مظنونة وراثته له ، أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي الخصوم ، أو بالقيم عليه ، أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها ، وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى .
- (٤) إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب ( عمود النسب هو الصلة بين الأصول والفروع بين من تجمعهم وحدة الدم في القرابة المباشرة ) أو لمن يكون هو كيلا عنه أو وصيا أو قيما عليه مصلحة في الدعوى القائمة
- (٥) إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء ، أو كان قد سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكماً ، أو كان قد أدى شهادة فيها
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون المرافعات السابق في هذا الصدد :
أن المتأمل في تلك الأسباب يجد من بينها قيام علاقات للقاضى بالدعوى المطروحة عليه أو بأحد الخصوم فيها ومثل هذه العلاقات مما يقتضى بذاته وبغير حاجة إلى طلب من أحد الخصوم تنحية القاضى عن نظر الدعوى استيفاء لمظهر الحيدة الذي يجب أن يظهر به أمام الخصوم والجمهور وضمانا بأحكامه من أن تعلق بها الاسترابة من جهة شخصه لدواع يذعن لها عادة أغلب الخلق … والمعنى الجامع في هذه الأسباب هو كونها مما تضعف له النفس في الأعم الأغلب وكونها معلومة للقاضي ويبعد أن يجهلها
ونصت المادة ١٤٧ مرافعات على أن :
يقع باطلا عمل القاضى أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو باتفاق الخصوم وإذا وقع هذا البطلان فى حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى
وجاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون السابق تعليقا على نص المادة ٣١٤ ـ المطابق لهذا النص – أن
عمل القاضى فى الأحوال المتقدمة ولو باتفاق الخصوم يقع باطلا بحيث يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة . وزيادة فى الاطمئنان والتحوط ولسمعة القضاء نص على أنه إذا وقع هذا البطلان فى حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن وهذا استثناء من الأصل العام الذي يجعل أحكام محكمة النقض بمنجي من الطعن
ورغم أن الموانع المنصوص عليها في المادة ١٤٦ مرافعات
موانع مطلقة تتعلق بالنظام العام وليست موانع نسبية كأسباب الرد المنصوص عليها في المادة ١٤٨ من القانون ذاته والتي لا تحدث أثرها إلا إذا طلب أحد الخصوم منع القاضى من سماع الدعوى
إلا أن المشرع بما نص عليه في الفقرة الثانية من المادة ١٤٧
من أنه يجوز للخصم أن يطلب من المحكمة إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى
ارتأى أن يجعل للخصم نفسه الذي أضر به حكم النقض أن يطلب إلغاء هذا الحكم ، ولم يجز ذلك لغيره من الخصوم ، ولا للنيابة العامة ولا للمحكمة ولو اتصل علم أي منهم بقيام المانع وعلى ذلك فإن له أن يستعمل هذا الحق وله أن ينزل عنه صراحة أو ضمنا
فإذا رغب في استعماله فليس عليه إلا أن يودع قلم كتاب محكمة النقض صحيفة موقعة من محام مقبول للمرافعة أمامها تشتمل على كافة البيانات المنصوص عليها في المادة ٦٣ مرافعات يتم إعلانها لمن صدر حكم النقض لمصلحته من الخصوم في الطعن
ولا تراعى عند نظر طلب الإلغاء المواعيد ولا الإجراءات المقررة للطعن بالنقض عدا ما هو مقرر من عدم جواز ظهور الخصوم أمام محكمة النقض إلا في صحبة محامين مقبولين للمرافعة أمامها
الحكم في طلب الغاء حكم النقض
الحكم في طلب الإلغاء يكون إما برفضه أو بعدم قبوله إذا تبين عدم صحة ما ادعاه طالب الإلغاء من قيام المانع من الحكم في الطعن
وإما بقبوله عند ثبوت قيام المانع وفى هذه الحالة تتبع المحكمة حكم الإلغاء بإحالة الطعن إلى دائرة أخرى غير تلك التي أصدرت الحكم الذي ألغى حيث يعاد نظره أمام هذه الدائرة الأخيرة من جديد وكأن حكما لم يصدر فيه على الإطلاق .
هل يجوز رفع دعوي أصلية ببطلان حكم النقض ؟
انقسم الفقه حول مدى جواز رفع دعوى بطلان أصلية في الحكم الصادر من محكمة النقض ما بين مؤيد ومعارض بينما ذهبت محكمة النقض إلى عدم جواز ذلك
ونحن – المستشار محمد وليد الجارحي – نائب رئيس محكمة النقض
نميل إلى هذا الرأى الأخير لأنه لا يجوز أن تتسلط محكمة من مرتبة أدنى في النظام القضائي على محكمة أخرى من طبقة أعلى
فضلا عن أن دعوى البطلان الأصلية يجوز أن تثار فيها كافة الأسباب التي تبطل الحكم المطلوب إبطاله في حين أن المشرع كما سلف القول قصر طلب إبطال حكم النقض على سبب وحيد هو قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية المتقدم ذكرها بأحد القضاة الذين أصدروا هذا الحكم بالإضافة إلى أن تخلف هذه الضمانة رغم اشتراط المشرع لها – يؤثر في صحة الحكم ولا يعدمه حتى يسوغ رفع دعوى أصلية بطلب انعدامه.