أحكام متناقضة و آليات التصحيح
تعتبر ظاهرة تناقض الأحكام النهائية الصادرة من جهة قضائية واحدة مشكلة تواجه النظم القانونية في العديد من الدول ومنها مصر بالطبع ولهذه الظاهرة أسباب عديدة منها اختلاف وتباين وجهات النظر القانونية بين القضاة وعدم تطوير التشريعات وتغيرها مع مرور الوقت وتأثير العوامل الاجتماعية والسياسية على القضاء وتؤدي هذه الظاهرة إلى زعزعة ثقة الأفراد في النظام القضائي وتشكيكهم في نزاهته وحيادته.
تناقض الأحكام في محكمة النقض
اصدرت محكمة النقض حكمين في عامي 2023 و 2019 تضمنا:
أنه إذا كان هناك تناقض بين حكمين نهائيين صادرين من جهة قضائية واحدة وحسما موضوع النزاع في جوانبه كلها أو بعضها وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا ويستحيل الأخذ بحجية أحدهما من دون الآخر فلا حجية لأيهما وللقاضي أن يفصل في الدعوى وفقًا للحكم القانوني الصحيح.
الطعن رقم 13723 لسنة 82 ق – بتاريخ 4 / 4 / 2023
الطعن رقم ۱۱۸٤۲ لسنة ۸۸ ق – جلسة ٥ / ۳ / ۲۰۱۹
ملاحظة هامة:
هذه المبادئ تطبق اذا كان الحكمان صادران من جهة قضائية واحدة اما اذا كان الحكمان صادران من جهتين قضائيتين مختلفتين الاول من القضاء العادي والثانى من القضاء الإداري فيكون ترجيح احدهما على الاخر او الاعتداد بأي منهما من اختصاص المحكمة الدستورية وذلك بدعوى تقام امام المحكمة الدستورية تسمى دعوى تنازع عملا بنص الفقرة الثالثة من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والتى تنص على انه :
على أن تختص المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، بما يأتي أولاً: …… ثانيًا: ………….ثالثًا: الفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى والآخر من جهة أخرى منها.
وفي مبحث خاص بهذا سنتبين ماهية دعوي التنازع التى ترفع أمام المحكمة الدستورية.
توحيد المبادئ بمحكمة النقض
هذه الدائرة بمحكمة النقض دورها توحيد المبدا عند صدور حكمين متناقضين عن مسألة قانونية واحدة من دوائر محكمة النقض ومثال هذا انتهاء عقد الايجار بوفاة الممتد له من المستأجر الأصلي :
- فقد قضت دائرة بحق الامتداد لورثة الممتد له المتوفي
- وقضت دائرة أخري بعدم الامتداد وبانتهاء عقد الايجار بوفاة الممتد له
وازاء هذا التناقض وحدت دائرة توحيد المبادئ بمحكمة النقض هذه المسألة القانونية وأرست مبدأ واحد وهو :
انتهاء عقد الايجار بوفاة الممتد له ولا يمتد منه الى ورثته ليكون متوافقا مع حكم المحكمة الدستورية العليا والنص القانوني
وننوه أن هذا المبدأ :
خاص بايجار المحلات في ظل قوانين ايجار الأماكن ولا يشمل ايجار المساكن ولا يشمل عقود ايجار المحلات المبرمة في ظل احكام عقد الايجار في القانون المدني بعد 31-1-1996 .
ومن ثم لأهمية دور دائرة توحيد المبادئ القضائية سواء بمحكمة النقض أو المحكمة الادارية العليا سنقدم مبحث خاص عنها في هذا البحث .
تناقض حكمين من جهة قضائية واحدة الأثر القانوني
يعد مبدأ وحدة القضاء واستقلال السلطة القضائية من أهم ركائز النظام القانوني وأساسًا لضمان العدالة والمساواة بين الأفراد. ويُفترض أن تكون الأحكام القضائية الصادرة من نفس الجهة القضائية متسقة ومنسجمة فيما بينها تعكس تفسيرا موحدا للقانون وتطبيقه على الوقائع المتشابهة .
إلا أنه في بعض الحالات قد يواجه النظام القضائي ظاهرة تناقض الأحكام النهائية الصادرة من نفس الجهة القضائية في قضايا متشابهة، مما يثير تساؤلات حول عدالة النظام القضائي ومدى التزامه بمبدأ المساواة.
توحيد المبادئ القانونية الصادرة من محكمة النقض في رأى نائب رئيس محكمة النقض
قال المستشار محمد وليد الجارحي نائب رئيس محكمة النقض في مؤلفه النقض المدني :
إن القانون ليست له إلا كلمة واحدة في المسألة القانونية الواحدة وأنه بغير ذلك لا يتحقق مبدأ المساواة بين المخاطبين بأحكامه ومن ثم لا يقع عليهم واجب الطاعة له والانصياع لأحكامه.
إنه إذا كان القانون ظاهر المعنى تعين على القاضي تطبيقه على معناه الظاهر ، أما إذا غمض المعنى وجب على القاضي أن يجتهد في التعرف على قصد المشرع والاجتهاد نوع من استثارة الظن بالنظر والتأمل فى نصوص القانون ، والظن يتطرق إليه احتمال الخطأ
ومنعا من تضارب الأحكام الصادرة فى المسألة الواحدة واختلافها باختلاف من يقضى ، أنشئت محكمة عليا هي محكمة النقض ، وجعلت مهمتها الأساسية جمع القضاة على فهم واحد لا يتغير، وحرص المشرع على أن تكون هذه المحكمة محكمة واحدة لا تتعدد تحقيقا للغرض ذاته وهو وحدة القضاء فيما يتماثل من المسائل ، وحتى لا تختلف المبادئ القانونية الصادرة من المحكمة إذا تعددت.
والأمر لم يكن يثير أية مشكلات عند إنشاء محكمة النقض حيث لم تكن مشكلة إلا من دائرتين اثنتين إحداهما جنائية والأخرى مدنية ، أما وقد زاد عدد الدوائر بالمحكمة – وبلغ ثلاثين دائرة تبعا للزيادة المطردة فى عدد الطعون، فقد صار لازما أن يبحث عن وسائل لتلافى صدور أحكام تقرر مبادئ قانونية متعارضة من الدوائر المختلفة المتعددة .
ومن ثم فقد نصت المادة الخامسة من القانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية على أن يكون بمحكمة النقض مكتب فنى للمبادئ القانونية ، من بين ما يختص به :
استخلاص المبادئ القانونية التي تقررها المحكمة فيما تصدره من أحكام ، وتبويبها ، ومراقبة نشرها بعد عرضها على رئيس الدائرة التي أصدرتها والإشراف على جدول المحكمة وعرض الطعون المتماثلة والمرتبطة ، أو التي يحتاج الفصل فيها إلى تقرير مبدأ قانونى واحد على رئيس المحكمة لنظرها أمام دائرة واحدة وما من شك في أن استخلاص المبادئ القانونية التى تقررها محكمة النقض فيما تصدره من أحكام وتبويبها ونشرها في مجموعات، وعرض الطعون المرتبطة أو المتماثلة على دائرة واحدة من شأنه الحيلولة دون وقوع مخالفة مقصودة لما سبق تقريره من مبادئ قانونية
أما عن انصراف القصد إلى المخالفة فقد نصت المادة الرابعة من القانون ذاته على أن :
تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر مستشارا برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه . إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدا قانونى قررته احكام سابقة ، أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة بالمحكمة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانونى قررته احكام سابقة صادرة من دوائر اخرى، أحالت الدعوى إلى الهيئتين مجتمعتين للفصل فيها . وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضوا على الأقل .
والمستفاد من هذا النص أن:
الهيئة العامة سواء الجنائية أو المدنية لا تعدو أن تكون دائرة كبرى مكونة من أحد عشر مستشارا، وأنه إذا رأت إحدى الدوائر الجنائية العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة منها أو من دائرة جنائية أخرى تعين عليها إحالة الطعن إلى الدائرة الجنائية الكبرى لتفصل فيه بأغلبية سبعة من أعضائها وإذا رأت إحدى الدوائر المدنية – وما في حكمها – العدول عن مبدأ قانونى قررته احكام سابقة صدرت منها أو من دائرة مدنية أخرى ، وجب عليها إحالة الطعن إلى ، الدائرة المدنية الكبرى لتفصل فيه بأغلبية سبعة من أعضائها.
أما إذا رأت دائرة مدنية العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صدرت من الدوائر الجنائية ، أو رأت دائرة جنائية العدول عن مبدأ قانونى قررته احكام سابقة صدرت من الدوائر المدنية ، فإنه يجب إحالة الطعن إلى الهيئتين ( الدائرتين الكبريين ) مجتمعتين للفصل فيه بأغلبية لا تقل عن أربعة عشر عضوا من أعضائها الاثنين والعشرين.
وقد أثارت عبارة « أحكام سابقة ، الواردة فى النص المشار إليه كثيرا من اللبس:
فقد ذهب رأى إلى القول بأن: مخالفة مبدأ قانونى قرره حكم واحد سابق – نقتضى إحالة الطعن إلى الهيئة المختصة أو إلى الهيئتين مجتمعتين .
وذهب رأى آخر إلى القول بأن: المبدأ لا يصح اعتباره كذلك إلا إذا صدر به أكثر من حكمين
والذي نراه – المستشار محمد وليد الجارحي – نائب رئيس محكمة النقض :
أن الأخذ بظاهر النص والعمل بأي من المذهبين سالفي الذكر يتجافى مع الغرض الذي تغياه المشرع وهو توحيد المبادئ القانونية التي تصدر بتقريرها أحكام محكمة النقض
ولعل المشرع – حسما لذلك الخلاف – يعيد صياغة النص باستبدال عبارة مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة ، بعبارة « مبدأ قانونى تقرر في حكم سابق وعلى ايه .
فإن الحكم الصادر من إحدى الهيئتين المشار إليهما أو منهما مجتمعتين لا يتميز عن الحكم الصادر من إحدى دوائر المحكمة فهو نسبى الأثر ، ولا تلتزم به إلا محكمة الإحالة إذا ما قضت الهيئة – بعد النقض بالإحالة
كذلك فإن الهيئة لا تتصدى لترجيح أحد المبدأين إلا إذا كانت المسألة المختلف فيها لازمة للفصل فى الطعن ، فإذا كان هناك من أسباب الطعن ما يمكن الفصل في الطعن على أساسه ، فلا يكون ثمة محل لعرض الطعن على الهيئة ، كإمكان نقض الحكم المطعون فيه لقصور في التسبيب .
- انتهي البحث القانوني ويمكن لحضراتكم التعليق في صندوق التعليقات بالأسفل لأى استفسار قانوني.
- زيارتكم لموقعنا تشرفنا ويمكن الاطلاع علي المزيد من المقالات والأبحاث القانونية المنشورة للأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض في القانون المدني والملكية العقارية من خلال أجندة المقالات .
- كما يمكنكم التواصل مع الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الواتس اب شمال الصفحة بالأسفل.
- كما يمكنكم حجز موعد بمكتب الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الهاتف ( 01285743047 ) وزيارتنا بمكتبنا الكائن مقره مدينة الزقازيق 29 شارع النقراشي – جوار شوادر الخشب – بعد كوبري الممر – برج المنار – الدور الخامس زيارة مكتبنا بالعنوان الموجود على الموقع.
- يمكن تحميل الأبحاث من أيقونة التحميل pdf في نهاية كل مقال وكل بحث ، ونعتذر لغلق امكانية النسخ بسبب بعض الأشخاص الذين يستحلون جهد الغير في اعداد الأبحاث وتنسيقها ويقومون بنشرها علي مواقعهم الالكترونية ونسبتها اليهم وحذف مصدر البحث والموقع الأصلي للبحث المنشور ، مما يؤثر علي ترتيب موقعنا في سيرش جوجل ، أعانهم الله علي أنفسهم .