التعويض الاتفاقي بين المتعاقدين
هذه الدراسة تتناول التعويض الاتفاقي بين المتعاقدين بالعقد، للاجابة علي تساؤل هل يجوز قانونا المطالبة بأكثر من قيمة التعويض الاتفاقي؟، ذلك أن العقود تتضمن ما يسمي بالشرط الجزائي وهو التعويض الاتفاقي يتفق بموجبه العاقدين علي التزام أحدهما أو كليهما بتعويض محدد منهما عند اخلال أحدهما بالتزاماته في مواعيدها .
محتويات المقال
هل يمكن تجاوز قيمة التعويض المتفق عليها قانونا؟
سواء من المتعاقدين أو من القاضى عند الحكم به لاخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته ، لا سيما أن الشرط الجزائي بتنفيذ التعويض الاتفاقي يرتبط بالالتزام الأصلى محل الاخلال .
في هذا البحث نتناول الاجابة علي هذا التساؤل علي ضوء نص المادة 223 من القانون المدنى المصري وأحكام محكمة النقض المصرية المرتبطة وذات الصلة بشروط وقاعد التعويض الاتفاقي.
الحد الأقصى للتعويض الاتفاقي
جواز المطالبة بأكثر من قيمة التعويض الاتفاقي
تنص المادة 223 مدني على أنه
يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد 215 الى 220 .
وجاء بمذكرة المشروع التمهيدي
ليس الشرط الجزائي في جوهره إلا مجرد تقدير اتفاقي للتعويض الواجب أداؤه ، فلا يعتبر بذاته مصدرا لوجوب هذا التعويض بل الوجوب مصدر آخر قد يكون التعاقد في بعض الصور وقد يكون العمل غير المشروع في صور أخرى فلابد لاستحقاق الجزاء المشروط إذن من اجتماع الشروط الواجب توافرها للحكم بالتعويض وهى الخطأ والضرر والإعذار .
فيشترط أولا توافر الخطأ: ويتفرع على ذلك أن الجزاء المشروط لا يجوز استيفاؤه متى أصبح الوفاء بالالتزام مستحيلا ، من جراء سبب أجنبي لابد للمدين فيه … بيد أن الاتفاق على مخالفة هذا الحكم يقع صحيحا … ويراعى من ناحية أخرى أن الجزاء المشروط لا يستحق إلا إذا كانت استحالة الوفاء عينا بالالتزام الأصيل راجعة الى خطأ المدين .
ومؤدى ذلك أن الشرط الجزائي ليس بمنزلة التزام بدلي أو تخييري ..
ويشترط توافر الضرر: فهو بذاته مناط تقدير الجزاء الواجب أداؤه أما إذا جاوزت قيمة الضرر مقدار الجزاء ، فليس للدائن أن يطالب بزيادة هذا المقدار إلا إذا أقام الدليل على أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما ذلك أن الشرط الجزائي يكون بمثابة اشتراط من اشتراطات الإعفاء من المسئولية تبطل فيما يتعلق بالغش والخطأ الجسيم كذلك يكون الحكم إذا قصد من المبالغة في تافهة مقدار الجزاء المشروط الى ستر حقيقة اشتراط من اشتراطات الإعفاء من المسئولية .
ويشترط أخيرا إعذار المدين: وبديهي أن هذا الحكم لا يسري إلا حيث يكون توجيه الإعذار ضروريا .. وهو يفترق عن الصلح أو التجديد إذ ينعقد كلاهما بعد أن يصبح التعويض مستحقا ويفترق عن العربون فالعربون لا يكون بمثابة تقدير للتعويض على وجه الإطلاق بل يكون وسيلة لإثبات خيار العدول أو مبلغا يعجل للإفصاح عن إتمام العقد نهائيا .
وينبغي الرجوع الى نية المتعاقدين لمعرفة ما إذا كانا قد أرادا بالعربون تحديد قيمة جزافية لا يجوز انتقاص منها ، أو تقرير اتفاقي يجوز انتقاصه ، ولاسيما إذا كان الجزاء المشروط فادحا .
العبرة بالالتزام الأصلي لللشرط الجزائي
الالتزام بالشرط الجزائي تابع للالتزام الأصلي فتكون العبرة بالالتزام الأصلي بالشرط الجزائي
لا يستطيع الدائن المطالبة بالشرط الجزائي مادام تنفيذ الالتزام الأصلي ممكنا ، كما لا يجوز للمدين أن يعرض على الدائن إلا الالتزام الأصلي ، كما يترتب على تبعية الشرط الجزائي للالتزام الأصلي أنه إذا كان هذا الالتزام باطلا أو قضى بإبطاله استتبع ذلك بطلان الشرط الجزائي زلكن العك غير صحيح .
كما أنه إذا انفسخ العقد الذي تضمن الشرط أو فسخ سقط الالتزام الأصلي والشرط الجزائي ويق تصر سند الدائن في المطالبة بالتعويض وفقا للقواعد العامة وعلى أساس المسئولية التقصيرية ودون نظر لما كان يتضمنه العقد من شرط جزائي.
ولذلك فإنه إذا استحال على المدين تنفيذ التزامه لغير سبب أجنبي لم ينفسخ العقد ويكون الدائن بالخيار بين أن يطلب التنفيذ بمقابل أى التعويض فيعمل الشرط الجزائي وبين أن يطلب الفسخ مع التعويض وفي هذه الحالة لا يعمل بالشرط الجزائي.
(السنهوري في الجزء الثاني في البنود 486 : 488 ، ومرقص بند 625)
وقد قضت محكمة النقض بأنه
الشرط الجزائي – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة التزام تابع للالتزام الأصلي إذ هو اتفاق على جزاء الإخلال بهذا الالتزام فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائي ولا يعتد بالتعويض المقدر بمقتضاه ، فإن استحق تعويض للدائن تولى القاضي تقديره وفقا للقواعد العامة التي تجعل عبء إثبات الضرر وتحققه ومقداره على عاتق الدائن .
(18/4/1978 – الطعن رقم 663 لسنة 44 ق)
وبأنه لا على الحكم إن هو لم يرد على ما تمسك به الطاعن من دفاع يتعلق بالشرط الوارد بعقد الصلح بأعمال المادتين 223 ، 224 من القانون المدني عليه باعتباره شرطا جزائيا متى كان الحكم قد قرر أن عقد الصلح ذاته المتضمن هذا الشرط قد فسخ وانتهى الحكم الى تطبيق القانون تطبيقا صحيحا في صدد الآثار القانونية المترتبة على هذا الفسخ .
(27/2/1968 – م نقض م – 19 – 381)
الخطأ والضرر والسببية أساس التعويض الاتفاقي
الحكم بالشرط الجزائي مرهون بثبوت وقوع الخطأ وقيام رابطة السببية بينه وبين الضرر
إن كان يكفي الدائن إثبات الخطأ فيفترض بموجب القرينة التي ينشها الشرط الجزائي وقوع الضرر وقيام رابطة السببية بينه وبين الخطأ ، ويقع على عاتق المدين نفى الضرر أو نفى السببية للتخلص من أعمال الشرط الجزائي .
(إسماعيل غانم بند 49 – مرقص بندى 627 ، 630 – السنهوري بندى 473 ، 475)
قضت محكمة النقض بأنه
لمحكمة الموضوع إذا نص في العقد على شرط جزائي عند عدم قيام المتعهد بما التزم به ، السلطة التامة في اعتباره مقصرا جسيما يتراءى لها من الأدلة المقدمة ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في هذا التقدير متى كان سائغا . لما كان ذلك ، وكان تخلف الطاعنين عن تنفيذ التزامهما يجعل الضرر واقعا في تقدير المتعاقدين ، فإن المطعون عليهم لا يكلفون بإثباته.
(28/12/1976 – م نقض م – 27 – 1820)
يتوقف الحكم بالشرط الجزائي على وقوع الضرر ولكن يفترض لصالح الدائن وقوع الضرر ويقع على عاتق المدين نفى وقوعه فإن نجح في ذلك امتنع الحكم بالشرط الجزائي .
قضت محكمة النقض بأنه
لا محل للحكم بما تضمنه الشرط الجزائي مادام قد ثبت أن كلا من المتعاقدين قد قصر في التزامه .
(19/12/1957 – م نقض م – 8 – 921)
إذا نص في العقد على شرط جزائي عند قيام المتعهد بما التزم به فلمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في اعتباره مقصرا أو غير مقصر جسيما يتراءى لها من الأدلة المقدمة ولا سلطة لمحكمة النقض عليها في هذا التقدير .
(17/12/1931 – م ق م – 44 – 265)
متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن أخل بالتزامه بتوريد باقي كمية .. المتعاقد عليها ، فيكون مسئولا عن التعويض ، وكان الطرفان قد اتفاق بالعقد على تقدير هذا التعويض فإن هذا الشرط الجزائي يقتضي أن يكون على الطاعن عبء إثبات أن مورث المطعون عليهم لم يصبه ضرر نتيجة عدم التوريد.
(12/12/1974 – 25 – 1427)
لا يكفي لاستحقاق التعويض الاتفاقي مجرد توافر ركن الخطأ في جانب المدين بالالتزام ، وإنما يشترط أيضا توافر ركن الضرر في جانب الدائن فإذا أثبت المدين انتفاء الضرر سقط الجزاء المشروط .
(14/11/1967 – م نقض م – 18 – 1668)
إذا اتفق في عقد بيع بضاعة على شرط جزائي ، وقرر الحكم أن كلا الطرفين قد قصر في التزامه وقضى لأحدهما بتعويض على أساس ما لحقه من خسارة وما فاته من ربح بسبب تقصير الطرف الآخر وحدد هذا التعويض على أساس ربح قدره بنسبة معينة من ثمن البضاعة .
فإن من مقتضى ما قرره الحكم من وقوع تقصير من المحكوم له أيضا أن يبين مقدار ما ضاع عليه من كسب وما حل به من خسارة بسبب تقصير المحكوم عليه وأن يحمله مقدار ما حل به من خسارة وما ضاع عليه من كسب بسبب تقصيره هو – فإذا كان الحكم لم يبين ذلك ولم يذكر العناصر الواقعية التي بنى عليها تحديد التعويض على أساس الربح الذي قدره – فإنه يكون مشوبا بالقصور .
(19/12/1957 – م نقض م – 8 – 921)
متى كان يبين من الحكم أن المحكمة لم تأخذ بشرط التعويض الجزائي المتفق عليه بالعقد وقدرت التعويض الذي طلبت المطعون عليها الحكم به على الطاعنين بمبلغ معين بناء على الاعتبارات التي استمدتها من واقع الأوراق المقدمة في الدعوى ورأت معها أنه تعويض عادل مناسب للضرر الذي لحق المطعون عليها .
فإن هذا الذي أخذت به المحكمة لا عيب فيه لدخوله في سلطتها الموضوعية واستقلالها بتقديره ولا تثريب عليها إذ هى لم تر وإن كانت المادة تجارية – موجبا لتكليف المطعون عليها تقديم دفاترها أو الأخذ بالمقارنات التي أوردها الطاعنان في مذكرتها اكتفاء بالاعتبارات التي استندت إليها في تقدير التعويض . إذ الأمر بتقديم الدفاتر في هذه الحالة جوازي لها .
(27/3/1952 – م ق م – 45 – 265)
تقيد القاضى بالشرط الجزائى والاستثناء
القاضي يتقيد بالشرط الجزائي فلا يجوز له نقصه إلا في حالات ثلاثة
- الأول: إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود وكان مقدار الشرط الجزائي يجاوز الحد الأقصى للفائدة الاتفاقية.
- الثانى: إذا ثبت أن المدين قام بتنفيذ التزامه تنفيذا جزئيا .
- الثالث: إذا أثبت المدين أن الشرط الجزائي مبالغ فيه مبالغة كبيرة بحيث يصبح شرطا تهديديا فحسب .
قضت محكمة النقض بأنه
تقضي المادة 224 من القانون المدني بأنه
لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر ، ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه الى درجة كبيرة أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه – ويقع باطلا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين ،
وإذ كان قانون المحاماة 96 لسنة 1957 الذي يحكم واقعة الدعوى لا يمنع من تطبيق هذا النص على التعويض المتفق عليه بين المحامي وموكله في حالة عزله عن الوكالة . لما كان ذلك ، فإن مبلغ الـ 5000 جنيه المتفق عليه بين مورث المطعون ضدهم وبين الطاعنة كشرط جزائي على إخلالها بالتزامها بعدم عزله قبل إتمام العمل دون سبب يدعو لذلك لا يكون مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يصبه ضرر.
وإذا لم يثبت ذلك وأصبح التعويض مستحقا فإنه يخضع لتقدير القضاء بالتخفيض إذا أثبت المدين مبرره المنصوص عليه في المادة 224 من القانون المدني وإذ قضى الحكم على الطاعنة بالمبلغ المذكور باعتباره أنه تعويض اتفاقي محدد لا يقبل المجادلة فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، وقد حجبه ذلك عن إخضاع هذا التعويض لتقدير المحكمة مما يوجب نقضه .
(31/12/1975 – م نقض م – 26 – 1757)
إذ كان الثابت من الأوراق أن الطرفين قد اتفاق في شروط المزايدة على أن لوزارة التموين – الطاعنة – أن تصادر التأمين المؤقت المدفوع من المطعون عليه الأول إذا لم يكمله عند قبول عطائه أو اعتماد رسو المزاد عليه وإعادة البيع على ذمته أو إذا تأخر التخزين والمصاريف الإدارية والفوائد بواقع 7% سنويا وكان هذا الذي حدداه جزاء لإخلال المطعون عليه بالتزاماته إنما هو شرط جزائي يتضمن تقديرا اتفاقيا للتعويض فمن ثم يجوز للقاضي عملا بالمادة 224 من القانون المدني أن يخفضه إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه الى درجة كبيرة أو أن الالتزام الأصلي نفذ في جزء منه .
(30/4/1970 – م نقض م – 21 – 768)
كما قضت أيضا بأنه
متى كانت المحكمة قد اعتبرت في حدود سلطتها الموضوعية وبالأدلة السائغة التي أوردتها أن الشرط الوارد في العقد هو شرط تمهيدي ، فإن مقتضى ذلك أن يكون لها أن لا تعمل هذا الشرط وأن تقدر التعويض طبقا للقواعد العامة .
(17/2/1955 – م ق م – 47 – 265)
إذا كان الثابت من وقائع النزاع أن المدين (البائع) قد نفذ بعض الأعمال التي التزم بها وتخلف عن توريد باقي الأقطان المتفق عليها للمشتري فإن تقصيره في هذا الشأن يكون تقصيرا جزئيا يبيح للقاضي – على ما جرى به قضاء محكمة النقض – أن يخفض التعويض المتفق عليه الى الحد الذي يتناسب مع مقداره الضرر الحقيقي الذي لحق الدائن مما يدخل تقديره في سلطان محكمة الموضوع .
(27/12/1962 – م نقض م – 13 – 1237 – ونفس المعنى في 17/2/1955 – م ق م – 46 – 265)
كما أن القاضي يتقيد بالشرط الجزائي فلا يجوز له زيادته ولو ثبت له أن الضرر الذي لحق الدائن تزيد قيمته على قيمة التعويض المتفق عليه ، ولا يستثنى من ذلك إلا حالة ما إذا كان عدم وفاء المدين راجعا الى الغش أو الخطأ الجسيم .
سقوط الشرط الجزائي
يسقط الشرط الجزائي بعدول الطرفين عنه كالشأن فيما لو أغفلا النص عليه في العقد النهائي بعد إن كان منصوصا عليه في العقد الابتدائي
قضت محكمة النقض بأنه
العقد النهائي – دون العقد الابتدائي – هو الذي تستقر به العلاقة بين الطرفين ويصبح قانون المتعاقدين ، ومن ثم فإذا تبين أن عقد البيع النهائي قد خلا من النص على الشرط الجزائي الوارد في عقد البيع الابتدائي أو الإحالة إليه فإن هذا يدل على أن الطرفين قد تخليا عن هذا الشرط وانصرفت نيتهما في عدم التمسك به أو تطبيقه .
(9/1/1958 – م نقض م – 9 – 62 – وراجع 19/11/1942 – م ق م – 49 – 265)
المطالبة بتعويض تكميلي مع التعويض الاتفاقي
جواز المطالبة بتعويض تكميلي يضاف الى الفوائد القانونية أو الاتفاقية وجواز تخفيضها أو عدم الحكم بها إطلاقا :
ينص القانون المدني على ما يلي :
يجوز أن يطالب بتعويض تكميلي يضاف الى الفوائد القانونية أو الاتفاقية إذا ثبت أن الضرر الذي يجاوز الفوائد قد تسبب فيه المدين بغش منه أو بخطأ جسيم .
كما نص كذلك
أما إذا تسبب الدائن وهو يطالب بحقه في إطالة أمد النزاع بخطئه فللمحكمة أن تخفض الفوائد قانونية كانت أو اتفاقية أو ألا تقضي بها إطلاقا عن المدة التي طال النزاع فيها بلا مبرر (مادة 229 مدني)
وقد جاء بمذكرة المشروع التمهيدي
بيد أن اثر هذا التخفيض أو ذاك الإسقاط لا ينسحب إلا على الفترة التي يطول فيها أحد النزاع ، دون مبرر ، من جراء خطأ الدائن ، ولا يستلزم أعمال هذا النص رفع خصومة الى القضاء ، بل يكفي أن يلجأ الدائن في المطالبة بحقه الى إجراءات لا طائل في بطئها على أن انتفاع المدين بحكم هذه المادة مشروط بإقامة الدليل على وقوع خطأ من الدائن .