حقوق الدائن على كفيل المدين
المادة 772 من القانون المدني تحدد طبيعة العلاقة القانونية بين الدائن و الكفيل، وتوضح حقوق كل طرف. تتناول هذه الدراسة شرح المادة 772 بشكل دقيق، وتسلط الضوء على حقوق الدائن تجاه الكفيل وفقا لأراء كبار شراح القانون المدني وأحكام ومبادئ محكمة النقض ذات الصلة بعقد الكفالة.
تهدف هذه الدراسة إلى:
- تقديم فهم واضح للمادة 772.
- التأكيد على حجم مسؤولية الكفيل تجاه الدائن في حالة عدم وفاء المدين الأصلي بالالتزام.
- حقوق الدائن في المطالبة بالوفاء من الكفيل.
وفاء الكفيل مسؤولية تضامنية أم منفصلة؟
المادة 772 من القانون المدني المصري تُثير جدلاً حول طبيعة مسؤولية الكفيل، فهل هي مسؤولية تضامنية مع المدين الأصلي أم منفصلة عنه؟ حيث يلتزم الكفيل بدفع الدين كاملاً حال عدم وفاء المدين الأصلي، ويرى البعض أن مسؤولية الكفيل محدودة بقيمة الضمان، وتُثير هذه المسألة جدلاً قانونياً حول طبيعة الالتزام و قد تُؤثر مادة 772 على علاقة الكفيل بالمدين الأصلي وعلى حقوق الدائن.
المادة رقم 772 من القانون المدني تنص علي
الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهّد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه.
الأعمال التحضيرية عن عقد الكفالة
عرف الاستاذان بودري وفال الكفالة بأنها :
عقد بمقتضاه يكفل شخص من الغير تنفيذ التزام بأن يعهد بالوفاء إذا لم يقم به المدين نفسه على أن يحفظ بحق الرجوع على هذا المدين .
ولاشك ان هذا التعريف يفضل التعارف الواردة بالتقنين المصرى أو التقنينات الأخرى أو بالمشروع الفرنسي الإيطالي لأنه تعريف واف يبرز عناصر الكفالة وخصائصها الأساسية وينفى على الأخص كل وجه للخلط بينها وبين التضامن إذ هو يبين أن الكفيل يضمن تنفيذ التزام أصل وأنه يرجع على المدين إذا قام بالوفاء ولذلك اتخذ المشروع من هذا التعرف أساساً للتعريف الوراد بالمادة.
مع ذلك أدخل عليه أربعة تعديلات
- (1) أضاف أن الكفيل يتعهد للدائن وذلك ليشعر بان الكفيل يلتزم مباشرة قبل الدائن وأن الكفالة تتم بمجرد توافق إرادتي الدائن والكفيل دون حاجة لرضاء المدين بها مقدما
- (2) حذف عبارة ” من الغير ” واكتفى بأن يقرر أن الكفيل شخص يضمن تنفيذ التزام وذلك منعاً لكل التباس لأنه إذا كان صحيحاً أن الكفيل هو من الغير بالنسبة للالتزام الأصلى القائم بين الدائن والمدين إلا أنه بالنسبة لعقد الكفالة هو طرف فيه
- (3) استبدل بعبارة ” الكفيل يقوم بالوفاء إذا لم يؤده المدين ” وهى العبارة ذاتها التى استعملها التقنين المصرى (م 195 /601 ) عبارة عامة تقرر ان الكفيل يضمن تنفيذ التزام بان يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه ” وطبقاً لهذه العبارة العامة يمكن ان ترد الكفالة كما قال بحق الاستاذ دوهلتس على أى التزام مهما كان نوعه مادام يمكن تقديره نقدا أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات .
- (4) حذف العبارة الأخيرة ” على ان يحتفظ بحق الرجوع على المدين ” لان حكمها مفهوم بداهة من سياق النصوص مادام المشرع يعرض لرجوع الكفيل على المدين ويحدد شروطه ومداه .
( مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني – الجزء 5 -ص 421 و 422 و 423)
عقد الكفالة حقوق الدائن وواجبات الكفيل (المادة 772)
تعريف عقد الكفالة:
يتضح من نص المادة سالفة الذكر أن الكفالة عقد بين الكفيل والدائن ، أما المدين الأصلي فليس طرفا في عقد الكفالة ، بل إن كفالة المدين تجوز بغير علم المدين ، وتجوز أيضا رغم معارضته ، والذي يهم في الكفالة هو التزام هذا المدين ، إذ أن هذا الالتزام هو الذي يضمنه الكفيل فيجب أن يكون مذكورا في وضوح ودقة في عقد الكفالة ، وهذا الالتزام المكفول أكثر ما يكون مبلغ من النقود ، وقد يكون إعطاء شيء غير النقود .
كما قد يكون عملا أو امتناعا عن عمل فإذا لم يكن الالتزام المكفول مبلغا من النقود ، ضمن الكفيل ما عسى أن يحكم على المدين الأصلي من تعويض من جزاء إخلاله بالالتزام بإعطاء شيء غير النقود ، أو من جراء إخلاله بالالتزام بعمل أو بالامتناع عن عمل .
فالكفالة إذن تفترض وجود التزام مكفول ، وهذا الالتزام يفترض وجود مدين أصلي به ودائن ، كما تفترض الكفالة وجود عقد بين الكفيل والدائن بالالتزام الأصلي المكفول بموجبه يفي الكفيل بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين الأصلي . فالكفالة ترتب التزاما شخصيا في ذمة الكفيل .
وقد قضت محكمة النقض بأن
مقتضى عقد الكفالة أن الكفيل يتعهد بأداء مبلغ للدائن إذا لم يوف به المدين .
(جلسة 28/2/1999 الطعنان رقما 348 ، 395 لسنة 61 ق)
وبأنه : النص في المادة 772 من القانون المدني على أن
الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه ” ، يدل على أن الكفالة ترتب التزاما شخصيا في ذمة الكفيل مما مؤداه أن التزام الكفيل لا ينقضي بموته وإنما يبقى هذا الالتزام في تركته وينتقل الى ورثته .
(جلسة 3/3/1987 الطعن رقم 10508 لسنة 50 ق)
عقد الكفالة: التزام الكفيل تجاه الدائن (المادة 772)
1- يؤخذ من التعريف الوراد بنص المادة 772 مدنى أن الكفالة عقد بين الكفيل والدائن أما المدين الأصلى فليس طرفاً فى عقد الكفالة بل أن كفالة المدين تجوز بغير علم المدين وبرغم معارضته إذ أن هذا الالتزام هو الذى يضمنه الكفيل .
فيجب ان يكون مذكوراً فى وضوح ودقة فى عقد الكفالة وهذا الالتزام المكفول أكثر ما يكون مبلغ من النقود وقد يكون إعطاء شئ غير النقود كما قد يكون عملاً أو امتناعا عن عمل فإذا لم يكن الالتزام المكفول مبلغا من النقود ضمن الكفيل ما عسى أن يكون على المدين الأصلى من تعويض من جراء إخلاله بالإلتزام بإعطاء شئ غير النقود أو من جراء إخلاله بالالتزام بعمل أو الامتناع عن عمل .
فالكفالة إذن تفترض وجود إلتزام مكفول وهذا الالتزام يفترض وجود مدين أصلى به ودائن كما تفترض الكفالة وجود عقد بين الكفيل والدائن بالإلتزام الأصلى المكفول بموجبه يفى الكفيل بهذا الإلتزام إذا لم يف به المدين الأصلى فالكفالة ترتب إلتزاماً شخصياً فى ذمة الكفيل والتزام الكفيل هذا تابع للإلتزام الأصلى .
ولا يعتبر عقد الكفالة :
- (1) عقد الإنابة ولو كانت غير كاملة فإن المناب يلتزم بدفع دين الغير إلتزاما أصلياً إلتزاماً تابعاً ولا يستطيع أن يحتج بالدفوع إلى يحتج بها المنيب على المناب لديه.
- (2) القابل لكمبيالة وموقعوها، وكلهم ملتزمون إلتزاماً أصلياً بدفع قيمة الكمبيالة ولذلك لا يعتبرون كفلاء .
- (3) المدين المتضامن مع مدينين آخرين فإنه يلتزم إلتزاما أصلياً بالتضامن مع سائر المدينين ولذلك لا يعتبر كفيلا لهم وهذا بخلاف الكفيل المتضامن مع المدين الأصلى فإنه يلتزم إلتزاما تابعاً لإلتزام المدين الأصلى وذلك يكون كفيلا له
- (4) الوكيل بالعمولة الذى يضمن يسار العميل، يلتزم إلتزاما أصلياً ولذلك لا يعتبر كفيلا للعمل
- (5) عقد التأمين يسار المدين لا يعتبر عقد كفالة فان المؤمن لا يضمن يسار المدين بل يلتزم إلتزاما أصلياً بموجب عقد التأمين لا بوفاء دين المدين ذاته بل تعويض الدائن عن الضرر الذى يلحقه من جراء إعسار المدين
- (6) عقد التعهد عن الغير لا يعتبر عقد كفالة إذ أن المتعهد عن الغير لا يكفل هذا الغير بل إلتزام إلتزاماً أصلياً بالحصول على موافقة الغير أن يلتزم فإذا ما وافق الغير على أن يلتزم فقد قام المتعهد بالتزامه ولا يكفل بعد ذلك يسار الغير ولذلك لا يعد كفيلاً له .
( الوسيط-10- للدكتور السنهوري – طبعة 1969- ص 18 وما بعدها )
2- يبرز التعريف الوارد بالمادة 772 مدنى عناصر الكفالة وخصائصها الأساسية مما ينفى كل وجه للخلط بينها وبين التضامن ويضح من هذا التعريف :
- (أ) ان الكفالة تتم بمجرد توافق إرادتي الدائن والكفيل دون حاجة لرضاء المدين بها
- (ب) أن محلها يمكن أن يكون أى إلتزام مهما كان نوعه فلا يشترط أن يكون ديناً من النقود مادام يمكن تقديره نقدا أو يترتب على عدم تنفيذه بالحكم بالتعويض
- (ج) ان الكفيل يضمن تنفيذ إلتزام اصل وانه يرجع على المدين إذا قام بالوفاء.
( التقنين المدني للدكتور محمد علي عرفة – ص 568)
3- من التعريف الوراد بنص المادة 772 مدنى يتضح أن الكفالة عقد ينعقد بين شخص يسمى الكفيل وشخص اخر له فى ذمة ثالث إلتزام فهي تفترض وجود إلتزام أيا كان محله يعبر عنه بالإلتزام الأصلى أو الإلتزام الكفولة وتنعقد بين الكفيل والدائن بهذا الإلتزام الأصلى ويعتبر عنه المشرع بالدائن أما المدين بالإلتزام الأصلى وهو الذى يعبر عنه بالمدين فلا يعتبر طرفاً فى عقد الكفالة .
ومحل الكفالة تعهد الكفيل الدائن بأن يفى بالإلتزام الأصلى إذا لم يف به المدين نفسه ولا تعنى عبارة:
(إذا لم يف به المدين نفسه )
أن الكفيل يتعهد بإلتزام معلق على شرط واقف هو عدم قيام المدين بالوفاء والرأي السائد ان الكفيل يتعهد بحسب الأصل إلتزام غير معلق على شرط ويرجع عدم إعتبارا إلتزام الكفيل إلتزاماً شرطياً إلى أن الشرط بمعناه الفنى لا يكون إلا أمراً عارضاً يمكن تصور قيام الإلتزام بدونه فى حين أن إلتزام الكفيل بتنفيذ الإلتزام الأصلى يكون حتماً معلقاً على عدم وفاء المدين نفسه بهذا الإلتزام فالكفيل يتعهد بإلتزام تابع لإلتزام المدين وصفة التبعية هذه هى التى تدل عليها عبارة :
( إذا لم يف به المدين نفسه )
( عقد الكفالة – الدكتور مصطفي منصور – طبعة 1960- ص 7 وما بعدها)
خصائص عقد الكفالة
يبين مما تقدم أن الكفالة تتميز عند النظر إليها على وجه الاستقلال بأنها عقد رضائي ، ملزم للجانبين ، وأنها تنشئ في ذمة الكفيل التزاما تابعا ، وأن الأصل فيها أن تكون تبرعا من الكفيل الى الدائن ولو أن الغالب فيها أن تكون مقابل ما يمنحه الدائن للمدين من قرض أو من أجل .
1- عقد الكفالة عقد رضائي
ينعقد بمجرد التراضي ما بين الكفيل والدائن ، فلا حاجة في انعقاده الى شكل خاص ، وإذ كانت المادة 773 مدني تنص على أنه ” لا تثبت الكفالة إلا بالكتابة ، فالكتابة ليست ضرورية إلا للإثبات ، فهي ليست ضرورية لانعقاد الكفالة ، بل تنعقد الكفالة بمجرد التراضي ، وتثبت بالكتابة أو بالإقرار أو باليمين ، ولو كانت الكفالة عقدا شكليا لا تنعقد إلا بالكتابة ، ولما انعقدت إذا لم توجد الكتابة ، ولما جاز إثباتها بالإقرار أو باليمين لأن غير المنعقد لا يجوز إثباته أصلا .
(السنهوري)
2- عقد الكفالة عقد ملزم لجانب واحد
فالأصل أن عقد الكفالة في جوهره من العقود الملزمة لجانب واحد وهو الكفيل فالكفيل وحده هو الذي يلتزم بعقد الكفالة بوفاء الدين للدائن إن لم يف به المدين الأصلي . أما الدائن فلا يلتزم عادة بشيء نحو الكفيل .
ولكن يذهب الأستاذ سليمان مرقص الى أن الكفالة أصبحت في التقنين المدني الجديد عقدا ملزما للجانبين ويستدل على ذلك بأن هذا التقنين فرض على الدائن أن يتخذ إجراءات مطالبة المدين بالدين في الوقت المناسب ولا نرى أن هذا التزام ترتب في ذمة الدائن من شأنه أن يجعل الكفالة ملزمة للجانبين وإلا لوجب القول أيضا بأن هناك التزاما في جانب الدائن بالمحافظة على التأمينات (مادة 754 مدني) وبالتقدم في تفليسة المدين (مادة 786 مدني) .
وإنما هذه شروط وضعها التقنين المدني وأوجب على الدائن مراعاتها حتى يستطيع استيفاء الدين كاملا من الكفيل ومعنى ذلك أن الكفالة تلزم بوفاء الدين إذا لم يوفه المدين ولكن بشرط أن يتخذ الدائن الاحتياطات اتخاذ إجراءات مطالبة المدين في الوقت المناسب والمحافظة على التأمينات والتقدم في تفليسة المدين .
وإذا كان الأصل أن الكفالة عقد ملزم لجانب واحد فليس ذلك معناه أن الكفالة إرادة منفردة تصدر من جانب واحد ، بل الكفالة عقد لا يتم إلا بتبادل إرادتين متطابقتين من الكفيل والدائن ولا يتم بإرادة الكفيل وحده ولو أن الكفالة لمصلحة الدائن فإذا أوجب الكفيل الكفالة وكان الإيجاب غير ملزم ، كان للكفيل أن يرجع في إيجابه قبل صدور القبول من الدائن .
(السنهوري ص 21)
3- عقد الكفالة عقد تابع
فالغرض من الكفالة هو ضمان الوفاء بدين من الديون ، أو بمعنى أدق هو ضمان التزام المدين ، ويعتبر التزام الكفيل تابعا لإلزام هذا الأخير الذي يعتبر هو الأصلي ، ويترتب على أن الكفالة عقد تابع أنها تتأثر بما يشوب العقد الأصلي وعليه فإن :
- أن التزام الكفيل يدور وجود وعدما مع التزام المدين الأصلي فلا تنعقد الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحا فيجوز للكفيل أن يتمسك بجميع الدفوع التي ترد على الدين الأصلي وينقضي التزامه بانقضاء هذا الدين .
- أن التزام الكفيل لا يجوز أن يتعدى التزام الأصيل ولا أن تكون شروطه أشد من شروط ذلك الالتزام ، ولكن يجوز أن يكون بشروط أخف (مادة 780) .
- إذا كان التزام من تعهد بسداد دين غيره التزاما أصليا ، أى ليس تابعا لالتزام غيره ، فإنه لا يعتبر كفالة ، وذلك كما في لالتزام بسداد دين القاصر .
(سليمان مرقص ص 15 وما بعدها)
وقد قضت محكمة النقض بأن
التزام الكفيل – متضامنا أو غير متضامن – يعتبر التزاما تابعا لالتزام المدين الأصلي ، فلا يسوغ النظر في إعمال أحكام الكفالة على التزام الكفيل قبل البت في التزام المدين الأصلي
(جلسة 4/1/1984 الطعن رقم 1717 لسنة 49 ق س 35 ص 134 ، جلسة 18/2/1980 الطعن رقم 860 لسنة 43 ق س 31 ص 534 ، جلسة 15/3/1976 الطعن رقم 690 لسنة 40 ق س 27 ص 637)
وبأنه : مفاد نص المادة 772 من القانون المدني أن الكفالة عقد بين الكفيل والدائن يلتزم فيه الكفيل شخصيا بوفاء الدين عند حلول أجله إذ لم يوفه المدين ، ولازم ذلك أن التزام الكفيل متضامنا أو غير متضامن ليس التزاما اصليا وإنما التزام تابع للالتزام المكفول بحيث إذا التزام المسئول عن دين الغير التزاما أصليا فإنه لا يكون كفيلا بل مدينا أصليا التزامه مستقل عن التزام المدين
(الطعن رقم 163 لسنة 72 ق جلسة 26/12/2002)
4- الكفالة من عقود التبرع
فالكفيل يتبرع عادة بكفالته للدين ، أما بالنسبة الى الدائن المكفول فالكفالة عقد معاوضة لأن الدائن حصل على كفالة في مقابل إعطاء الدين ، وإذا كان الدائن قد أعطى الدين للمدين لا للكفيل والمدين ليس طرفا في عقد الكفالة ، فإنه ليس من الضروري في عقود المعاوضة أن يكون العوض قد أعطى لأحد المتعاقدين .
بل يكفي إعطاؤه للغير وهو هنا المدين ، والعقد الواحد قد يكون معاوضة بالنسبة الى أحد المتعاقدين وتبرها بالنسبة الى المتعاقد الآخر ، كما أن التبرع لا يشترط فيه أن يكون المتبرع قد تبرع للمتعاقد الآخر ، وعقد الكفالة هو المثل على ذلك ، فهو عادة عقد تبرع بالنسبة الى الكفيل ، والكفيل لم يتبرع للطرف الآخر أى للدائن ، بل تبرع للغير وهو المدين .
وهو عقد معاوضة بالنسبة الى الدائن ، والدائن لم يعط الدين للطرف الآخر وهو الكفيل ، بل أعطاه للغير وهو المدين . هذا وقد تكون الكفالة عقد معاوضة بالنسبة الى الكفيل نفسه ، فيأخذ هذا مقابلا لكفالته الدين .
وهذا المقابل إما أن يأخذه من الدائن المتعاقد معه فيكون العوض مأخوذا من المتعاقد الآخر وهو الدائن ، أو يأخذه من المدين فيكون العوض مأخوذا من الغير وهو المدين . ولكن الضرورة المألوفة للكفالة على أن تكون عقدا تبرعا بالنسبة الى الكفيل ، لأن هذا لا يأخذ عادة مقابلا لكفالته الدين لا من الدائن ولا من المدين .
(السنهوري ص 22)
ولما كان عقد الكفالة من عقود التبرع الملزمة لجانب واحد ، فيجب لصحة هذا العقد أن تتوافر في الكفيل أهلية التبرع سواء أبرم العقد بنفسه أو وكل غيره في إبرامه وتفويض الكفيل غيره في إبرام الكفالة يجب أن يتم بموجب توكيل خاص يتضمن تفويض الوكيل في إبرام عقد الكفالة مع الدائن ويحدد سند الوكالة سعة هذا التفويض بتحديد الدائن الذي يتم التعاقد معه سواء مرة واحدة أو أكثر ومقدار الدين المكفول فإن كان الدين دوريا كالإيجار فتحدد مدة الكفالة ، فإن لم تحدد شملت مدة الإيجار كلها ولا تجوز الكفالة إذا كانت الوكالة عامة إذ تنحصر هذه الوكالة في أعمال الإدارة .
(أنور طلبة ص 639)
وقد قضت محكمة النقض بأن
الكفالة عقد ينطوي على تبرع فلا يسوغ إجراؤه بطريق الوكالة إلا بعد إثبات توكيل خاص به (مادة 516 مدني) فالتوقيع على عقد الكفالة ، بناء على توكيل مرخص فيه للوكيل بالإقرار والصلح ، لا يصح والتوكيل العام في جنس عمل وإن كان معتبرا بدون نص على موضوع العمل لا يسري على التبرعات (مادة 517 مدني) .
(نقض 25/3/1948 طعن 20 س 17 ق)
وبأنه : الكفالة من عقود التبرع فيجب عملا بالمادتين 516 ، 517 مدني أن يكون بيد الوكيل الذي يكفل الغير نيابة عن موكله تفويض خاص بذلك ، فإذا نص التوكيل على تخويل الوكيل أن يرهن ما يرى رهنه من أموال الموكل ويفترض مقابل الرهن فإنه يكون مقصورا على الاستدانة ورهن ما يفي بالدين من أملاك الموكل ولا يجوز الاعتماد عليه في أن يكفل الوكيل باسم موكله مدينا وأن يرهن أطيان الموكل تأمينا للوفاء بالدين.
(نقض 1/4/1937 طعن 3 س 7 ق)
وبأنه : إذا تعاقد الشريك المتضامن غير المدير باسم الشركة مع الغير في غير أغراضها ، فإن تعاقده وإن لم يكن ملزما للشركة إلا أنه يلزمه شخصيا قبل الغير الذي تعاقد معه ، وعلى ذلك فإذا كان الحكم قد قرر مسئولية ذلك الشريك شخصيا عن كفالة عقدها منتحلا فيها صفة غير صحيحة وهى أنه مدير للشركة حالة كونه غير مدير لها وليس من أغراض الشركة ضمان الغير ، فإن الحكم يكون قد أصاب الصحيح في القانون.
( نقض 27/6/1957 طعن 22 س 23 ق)
5- الكفالة عقد من عقود الضمان الشخصية
فالكفالة التزام شخصي للكفيل يضاف الى التزام المدين أى أنها تمنح الدائن ضمانا شخصيا بالتزام الكفيل بالوفاء بما التزم به المدين عند عدم وفاء هذا الأخير بالتزامه .
وقد قضت محكمة النقض بأن
متى كان خطاب الهيئة العليا للأدوية يتضمن ضمان المؤسسة العامة لتجارة وتوزيع الأدوية لدين البنك – الطاعن – المترتب في ذمة المطعون ضده – المستورد للأدوية – بسبب الاعتماد المستندي المفتوح له من البنك المذكور فإن هذا الخطاب يكون قد تضمن كفالة شخصية من هذه المؤسسة لدين البنك وهذه الكفالة لا ينقضي بها الدين المكفول
(الطعن رقم 83 لسنة 34 ق جلسة 22/6/1967)
وبأنه : النص في المادة 772 من القانون المدني على أنه ” الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه ” ، يدل على أن الكفالة ترتب التزاما شخصيا في ذمة الكفيل مما مؤداه أن التزام الكفيل لا ينقضي بموته وإنما يبقى هذا الالتزام في تركته وينتقل الى ورثته .
(الطعن رقم 1508 لسنة 50 ق جلسة 2/3/1987)
أنواع عقد الكفالة في القانون المدني
تتنوع الكفالة أو تتنوع مصادرها الى ثلاثة أنواع هى :
(1) كفالة اتفاقية :
وهى التي يتفق فيها الدائن مع المدين على أن يقدم له كفيلا . مثال ذلك اتفاق المقرض مع المقترض على تقديم ضامن يكفله فهنا تكون الكفالة اتفاقية لأن المدين يلتزم بتقديمها بناء على الاتفاق .
(2) كفالة قانونية :
والكفالة القانونية هى التي تقدم تنفيذا لنص في القانون ، ومن الأمثلة على ذلك ما قضت به النصوص الآتية :
المادة 992 مدني التي تقضي بأنه إذا كان المال المقرر عليه حق الانتفاع منقولا وجب جرده ولزم المنتفع تقديم كفالة به .
والمادة 457 مدني التي تلزم البائع بتقديم كفيل إذا أراد أن يتقاضى ثمن المبيع بالرغم من حصول تعرض المشتري أو وجود ما يجعل المشتري يخشى نزع المبيع من يده .
والمادة 459 مدني التي تجيز للمشتري إذا أعسر أو أفلس قبل أن يحل أجل الثمن أن يطالب البائع بتسليم المبيع في مقابل تقديم كفالة للثمن .
والمادة 605 فقرة ثانية مدني التي تلزم المؤجر أو من انتقلت إليه ملكية العين المؤجرة بتقديم تأمين للمستأجر إذا أريد إخلاؤه قبل أن ينقضي التعويض المستحق له.
والمادة 1010 مدني التي تلزم المحكر في حالة فسخ الحك أو انتهائه أن يقدم للمحتكر كفالة لضمان الوفاء بما يستحق في ذمته إذا أمهلته المحكمة في وفائه لظروف استثنائية تبرر ذلك .
(3) كفالة قضائية :
وهى التي يكون فيها مصدر التزام المدين بتقديم كفيل هو حكم القاضي . ومثل ذلك حكم القاضي بالتنفيذ لمؤقت بشرط تقديم كفالة في الأحوال التي يكون فيها الكم بتقديم الكفالة جوازيا للمحكمة (المادتان 469 ، 470 مرافعات) والحكم القاضي بالإفراج عن متهم بشرط أن يقدم كفيلا .
وبالإضافة إلى تصنيف الكفالة إلى اتفاقية وقانونية وقضائية نجد الأستاذ سليمان مرقص يصنفها إلى كفالة مدنية وكفالة تجارية فيقول أن الكفالة نوعان : مدنية و تجارية
وأن الأصل فيها أن تكون مدنية ، وأنها لا تكون تجارية أبدا بطريق التبعية بل بصفة أصلية فقط ، إذا طابقت نصا يقضي بذلك . كما في ضمان الأوراق التجارية ضمانا احتياطيا أو في تظهير هذه الأوراق .
(سليمان مرقص ص 19)
أركان وشروط وفاء الكفيل في عقد الكفالة
الكفالة كعقد من العقود الرضائية تتم بإيجاب وقبول ، ويتجه رضا الكفيل فيها الى التزامه بضمان الدين المكفول ، ويكون سبب رضائه بذلك غالبا الحصول من الدائن على قرض للمدين أو على مد أجل دين سابق ثابت في ذمة المدين ، فلابد من أن تتوافر في الكفالة أركان العقد بوجه عام وهى ثلاثة :
- الرضا
- المحل
- السبب
الركن الأول : الرضا :
طرفا الكفالة هما الدائن والكفيل ، فتنعقد الكفالة بمجرد توافق إرادتيهما عليها ، ودون حاجة الى رضا المدين لأنه ليس طرفا فيها ، لكن لابد في انعقادها من ترتضي طرفيها ، فلا يكفي رضا الكفيل وحده ، بل لابد فيه من رضا الدائن أيضا ولو رضاء ضمنيا ، ويعتبر اتخاذ الدائن الإجراءات ضد الكفيل متضمنا رضاه بالكفالة .
ويجوز كفالة شخص واحد بتنفيذ الالتزامات المترتبة على عقد معين في ذمة عاقديه كليهما ، فينعقد عقد الكفالة في هذه الحالة بين الكفيل من جهة وكل من طرفي ذلك العقد بوصف كل منهما دائنا للآخر بمقتضى العقد المذكور المبرم بينهما ، وإذا عقدت الكفالة لمصلحة المدين .
كما هو الغالب فيها ، فإن ذلك لا يجعل المدين طرفا فيها ، وغاية الأمر أنه يجعله في مركز المنتفع من اشتراط لمصلحة الغير ، ففي جميع الأحوال لا يحتاج في انعقاد الكفالة الى رضاء المدين .
(سليمان مرقص ص 31 وما بعدها)
شروط الرضاء :
(1) التعبير عن الإرادة
يشترط في رضاء الطرفين في عقد الكفالة ما يشترط في سائر العقود وبوجه خاص أن يتم تبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين سليمتين . والمقصود بالإرادة السليمة هى الخالية من العيوب كالإكراه و التدليس والغلط. فإذا أثبت الكفيل أن رضاه صدر عن غلط في صفة جوهرية في الالتزام المكفول كأن يكون قد اعتقد أن الدين المكفول ثمن بيع عقار مضمون بامتياز البائع فإذا به دين عادي جاز له أن يبطل الكفالة .
كما تكون الكفالة قابلة للإبطال إذا شاب رضاء الكفيل تدلسي ، كأن أوهمه الدائن غشا ملاءة المدين الأصلي فإذا به غير ملئ ، أو أدهمه بوجود ضمانات أخرى للدين اعتمد عليها الكفيل فإذا هذه الضمانات غير موجودة أو باطلة .
ويمكن القول بأن الكفالة قد عقدن بالإكراه ، فتكون قابلة للإبطال ، إذا حمل الزوج زوجته بماله من شوكة عليها أن تكفله في دين كبير وهى تعلم أن زودها لا يستطيع وفاء هذا الدين ، وذلك إذا كان الدائن الذي أبرم الكفالة مع الزوجة يعلم أو يستطيع أن يعلم بما شاب رضاء الزوجة من إكراه نتيجة لضغط زوجها.
(السنهوري ص 69)
(2) أهلية الطرفين في الكفالة
ولما كان الكفيل يلتزم عادة متبرعا ، فإنه يجب أن يكون متوافرا فيه أهلية المتبرع ، فالكفيل المتبرع كالمقرض المتبرع الذي لا يتقاضى فائدة على القرض ، كلاهما يجب أن تتوافر فيه أهلية التبرع.
وعلى ذلك لا يجوز للقاصر ولا للمحجور عليه أن يكفل الغير متبرعا ، وإذا كفل كانت الكفالة باطلة ، بل لا يجوز للولي أو الوصى أو القيم أن يعقد باسم القاصر أو المحجور عليه كفالة تبرعيه ، حتى بإذن المحكمة ، لأنه يمتنع التبرع بمال القاصر أو المحجور عليه ولو بإذن المحكمة ، إلا لواجب إنساني أو عائلي فلابد إذن للكفيل المتبرع أن يكون بالغا سن الرشد ، غير محجور عليه .
أما إذا كانت الكفالة بمقابل ، سواء كان المقابل من المدين أو الدائن ، وهذا نادر ، فتجب في الكفيل أهلية التصرف لا أهلية التبرع ، وذلك قياس على المفترض بفائدة وعلى ذلك لا يجوز للقاصر ولا للمحجور عليه أم يكفل لأنه لا يملك أهلية التصرف ، وقد يملك أهلية الإدارة ولكن الكفالة من أعمال التصرف لا من أعمال الإدارة .
وإذا كفل كانت الكفالة قابلة للإبطال الى أن تجاز ، ولكن يجوز للولي أو الوصى أو القيم أن يعقد كفالة بمقابل باسم القاصر أو المحجور عليه ، على أن يكون ذلك بالنسبة الى الجد أو الى الوصى أو القيم بإذن المحكمة ، وغني عن البيان أن الإنسان إذا بلغ سن الرشد غير محجور عليه ، فإنه يملك الكفالة بمقابل ، لأنه يملك الكفالة التبرعية فأولى أن يملك الكفالة بمقابل.
وتجوز الكفالة باسم شخص المعنوي من المفوض له بذلك ، سواء كانت الكفالة بمقابل أو بغير مقابل ، ويجوز للشريك كامل الأهلية أن يكفل الشركة التي هو شريك فيها ، كما يجوز للشركة أن تكفله . وإذا أعطى الكفيل توكيلا لشخص بكفالته ، وجب أن يكون التوكيل خاصا ومحددا أى مذكورا فيه التوكيل في الكفالة إذا كانت الكفالة تبرعيه ، أو وجب أن يكون التوكيل خاصا إذا أخذ الكفيل مقابلا لكفالته .
والتوكيل في الكفالة المدنية لا تتضمن التوكيل في كفالة تجارية كالضمان الاحتياطي ، كما أن التوكيل في كفالة تجارية لا تتضمن التوكيل في كفالة مدنية . أما الدائن ، وهو الطرف الآخر في الكفالة ، فلا تشترط فيه إلا أهلية التعاقد ، فيكفي أن يكون مميزا إذا كانت الكفالة تبرعيه بالنسبة إليه لأنها تتمحض لمصلحته . فإذا دفع مقابلا للكفيل من أجل كفالته ، وجبت فيه أهلية التصرف .
(السنهوري ص 69)
(3) أن يكون رضا الكفيل صريحا
الأصل في التعبير عن الإرادة أنه يجوز أن يكون صريحا أو ضمنيا (م90 مدني) غير أن القانون الفرنسي نص في المادة 2015 منه على أن ” الكفالة لا تفترض ويجب أن تكون صريحة ” ، وقد فسر الفقه والقضاء هذا النص بأن المقصود به إنما هو رضا الكفيل بالكفالة ،
فلا يصح أن يفترض ويجب أن يعتبر عنه تعبيرا صريحا ، وذلك لخطورة الالتزام الذي تنشئه الكفالة في ذمة الكفيل . أما الدائن فلا ضرر عليه من الكفالة ، وإذن فلا حاجة إلى أن يكون التعبير عن قبوله الكفالة صريحا . ولم يرد في التقنين المصري الملغي نص يقابل نص المادة 2015 مدني فرنسي .
ولكن الفقه والقضاء جريا عندنا أيضا على اشتراط أن يكون رضا الكفيل صريحا ، ولم ير المشرع الحديث داعيا إلى النص على ذلك في التقنين الحالي اكتفاء منه ببيان قصده في المذكرة الإيضاحية حيث ذكر أن التزام الكفيل هو أساس من الالتزامات التبرعية فيجب أن يستند إلى رضاء صريح قاطع .
وبناء على ذلك لا يجوز استنباط إرادة الكفيل استنباطا إذا لم تكن واضحة صريحة فإذا وضع شخص إمضاءه إلى جانب إمضاء المدين ، فلا يصح أن يستخلص من ذلك ـنه قصد الكفالة لأن مجرد وضع إمضائه على الورقة لا يعتبر صريحا عن نية الكفالة ويحتمل أن يكون قد قصد به مجرد الشهادة .
فبمجرد توصية شخص للدائن بأن يثق بمدينه لأن هذا المدين ملئ ولأنه يبادر الى تنفيذ التزاماته ، ولو كانت هذه التوصية قد أتت بعد سؤال الدائن هذا الشخص عن حالة المدين ، لا يعد رضاء بكفالة المدين إذ لابد من أن يرضى هذا الشخص بكفالة المدين رضاء واضحا وأن يعقد مع الدائن عقد كفالة.
وقد قضت محكمة النقض بأن
إذا تعهد شخص كتابة لوزارة الأوقاف بأن يضمن أخاه وآخر سماه في استئجار أرض معينة ثم لم يستأجر ذلك الأخ شيئا من هذه الأرض واستأجر أرض معينة ثم لم يستأجر ذلك الأخ شيئا من هذه الأرض واستأجر بعضها الشخص الآخر ، فإن الضامن يكون غير ملزم بالقيام بما تعهد به من الضمان ويبح في حل من عدم القيام بالتزامه لأن صفقة الإيجار لم تتم حسب اشتراطه.
(نقض مدني 23 نوفمبر 1939 المجموعة الرسمية 41-151-59)
ولا يقضي اشتراط التعبير الصريح استعمال ألفاظ معينة كلفظ الكفالة والضمان ، بل يكفي استعمال أى لفظ يدل دلالة صريحة على استعداد الشخص لأى يفي الدين إذا لم يف به المدين . وقاضي الموضوع هو الذي يقدر توافر التعبير الصريح عن نية الكفالة أو عدم توافره .
(سليمان مرقص ص 34)
استخلاص الكفالة
قد ترد الكفالة في صيغة واضحة جلية لا لبس فيها ولا إبهام ، كما لو تضمنها عقد أفرد لها ، أو وردت في العقد المبرم بين الدائن والمدين في صيغة واضحة جلية ، كتوقيع الكفيل على عقد البيع بصفته متضامنا لالتزامات البائع ، فإن ذلك يقطع في قيام الكفالة
أما إذا لم يوضح الكفيل الطرف الذي يضمنه ، دل ذلك على انصراف الكفالة لالتزامات البائع والمشتري ما لم يقم الدليل على انصراف قصده وقصدهما الى كفالة أحدهما فقط ، وحينئذ يتعين على المحكمة استخلاص الكفالة ونطاقها . ولما كانت الكتابة لازمة لإثبات الكفالة ، فإن الكفالة يجب أن تكون ثابتة في محرر ، أو صدر بها إقرار من الكفيل يكون للمحكمة أن تستخلص منه ما إذا كان قد تضمن كفالة من عدمه ، وقد رد الإقرار في محضر جلسة أو محضر شرطة ، ويعتبر الأول إقرارا قضائيا والثاني غير قضائي .
(أنور طلبة ص 644)
وقد قضت محكمة النقض بأن
لمحكمة الموضوع أن تستخلص مما ورد في محضر جلسة أخرى الدعاوى – وفي حدود سلطتها الموضوعية في تفسير الأوراق – التزام الكفيل بكفالة المدين في الريع المطالب به ، على أساس أن هذا الالتزام صادر منه ، لحصوله من محاميه في حضوره ، وأن في عدم اعتراضه عليه إجازة منه لهذا الالتزام
(نقض 9/5/1972 طعن 323 س 37 ق)
وبأنه : متى كان الطاعن – الكفيل المتضامن – قد دفع لدى محكمة الموضوع بانعدام الكفالة لعدم نشوء الدين في ذمة المدين وأنه وقع على السند قبل حصول نجله – المدين – على المبلغ الثابت به ، ورفض الحكم المطعون فيه الأخذ بدفاعه استنادا الى أن المستأنف عليه – الطاعن – بوصفه محاميا على دراية واسعة بالقانون لا يقبل منه هذا الدفاع ، ولا يمكن أن يتبادر الى الذهن إلا أنه وقع على السند بعد أن قبض نجله الدين الثابت به .
فضلا عن أنه ليس للمستأنف عليه أن يتحدى بأنه وقع على السند باعتباره ضامنا لنجله في دين مستقل بعد أن وعده المستأنف بأنه سيقوم بدفع هذا المبلغ لنجله المذكور ، لأن هذه الأقوال المرسلة لا تكفي لهدم ما ثبت في سند المديونية من أن الدين تم قبضه من المدين الأصلي فإن هذا الرأى قرره الحكم لا يصلح ردا على دفاع الطاعن .
لأن توقيع الطاعن بصفته ضامنا متضامنا على السند المطالب بقيمته والذي خلا من توقيع المدين لا بدل بذاته على وجود الدين المكفول في ذمة هذا الأخير ، كما أن القول بدراية الطاعن الواسعة بالقانون في خصوص إثبات الدين ، فإنه يكون مشوبا بالفساد في الاستدلال والخطأ في القانون “
(نقض 28/12/1972 طعن 227 س 37 ق)
وبأنه : الكفالة في عقد فتح الاعتماد ، لا تضمن إلا التزامات العميل الناشئة من تنفيذ هذا العقد وحده ، ولا تمتد الى الالتزامات التي تنشأ في ذمته قبل الاعتماد أو بعده أو مخالفة لشروطه
(نقض 29/2/1972 طعن 208 س 37 ق)
تفسير الكفالة
قد يكون التعبير عن الإرادة صريحا وثابتا بالكتابة ولكنه مع ذلك يحتج الى تفسير كما إذا وردت في الكتابة عبارات متعارضة في ظاهرها بعضها صريح في معنى الكفالة والبعض الآخر لا يستقيم مع هذا المعنى ، ففي هذه الحالة تطبق المادة 151 مدني التي تقضي بأن يفسر الشك لمصلحة المدين .
فيفسر الشك لمصلحة الكفيل بأن يستعبد معنى الكفالة ويغلب انعدامها . وإذا كانت العبارات المتعارضة بعضها يفيد التزام الشخص كمدين أصلي أو كشريك في الدين والبعض الآخر يفيد التزامه على سبيل الكفالة .
فإن تطبيق القاعدة المتقدمة يقضي بتغليب معنى الكفالة على معني الالتزام الأصلي لأن ذلك هو الأصلح للملتزم . ومتى ثبت قيام الكفالة ، فقد يحتاج الأمر الى تفسير عباراتها لتعيين مداها ، وعندئذ يتعين تفسيرها بكل دقة ودون توسع لأن الأصل في الكفيل أنه يؤدي خدمة الى غيره فيفرض فيه أنه قصد أن يلتزم بالأقل لا بالأكثر .
(سليمان مرقص ص 38)
كفالة الكفيل
قد لا يكتفي الدائن بكفالة واحدة لدينه ، فيتطلب بعد إبرام الكفالة الأولى كفالة ثانية فيبرم مع الكفيل الثاني عقد كفالة للكفيل الأول ، ويسمى هذا الكفيل الثاني كفيل الكفيل أو المصدق ، وقد نصت على ذلك المادة 797 مدني بقولها أنه تجوز كفالة الكفيل ، وفي هذه الحالة لا يجوز للدائن أن يرجع على كفيل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل.
إلا إذا كان كفيل الكفيل متضامنا مع الكفيل ـ ويضمن كفيل الكفيل التزام الكفيل الذي كفله ، ولكنه يضمن أيضا بطريقة غير مباشرة التزام المدين .
ولذلك فإنه يملك أن يتمسك قبل الدائن بكافة الدفوع ، سواء ما يثبت له شخصيا من عقد كفالته أو ما يثبته منها للمدين أو للكفيل الأصلي ، وقد يبرم عقد الكفالة الثاني بين الكفيل الأول والكفيل الثاني لكى يرجع بها الكفيل الأول بعد وفائه الدين للدائن على الكفيل الثاني بما لم يستطع تحصيله من المدين الأصلي ، وهى تختلف في ذلك عن كفالة الرجوع .
(سليمان مرقص ص 29)
وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن
في حالة ما إذا كفل بائعا كفيل متضامن على عقد البيع وكفل هذا الكفيل كفيل آخر ، متضامن معه أيضا بورقة على حدة ، كان للمشتري الذي أعطيت له ورقة الضمان أن يدخل مع البائع وكفيله
(1) كفيل الكفيل في التعبير عن الإرادة :
يشترط في رضاء الطرفين في عقد الكفالة ما يشترط في سائر العقود وبوجه خاص أن يتم تبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين سليمتين .
والمقصود بالإرادة السليمة هى الخالية من العيوب كالإكراه والتدليس والغلط. فإذا أثبت الكفيل أن رضاه صدر عن غلط في صفة جوهرية في الالتزام المكفول كأن يكون قد اعتقد أن الدين المكفول ثمن بيع عقار مضمون بامتياز البائع فإذا به دين عادي جاز له أن يبطل الكفالة .
كما تكون الكفالة قابلة للإبطال إذا شاب رضاء الكفيل تدلسي ، كأن أوهمه الدائن غشا ملاءة المدين الأصلي فإذا به غير ملئ ، أو أدهمه بوجود ضمانات أخرى للدين اعتمد عليها الكفيل فإذا هذه الضمانات غير موجودة أو باطلة .
ويمكن القول بأن الكفالة قد عقدن بالإكراه ، فتكون قابلة للإبطال ، إذا حمل الزوج زوجته بماله من شوكة عليها أن تكفله في دين كبير وهى تعلم أن زودها لا يستطيع وفاء هذا الدين ، وذلك إذا كان الدائن الذي أبرم الكفالة مع الزوجة يعلم أو يستطيع أن يعلم بما شاب رضاء الزوجة من إكراه نتيجة لضغط زوجها.
(السنهوري ص 69)
(2) أهلية الطرفين في الكفالة :
ولما كان الكفيل يلتزم عادة متبرعا ، فإنه يجب أن يكون متوافرا فيه أهلية المتبرع ، فالكفيل المتبرع كالمقرض المتبرع الذي لا يتقاضى فائدة على القرض ، كلاهما يجب أن تتوافر فيه أهلية التبرع .
وعلى ذلك لا يجوز للقاصر ولا للمحجور عليه أن يكفل الغير متبرعا ، وإذا كفل كانت الكفالة باطلة ، بل لا يجوز للولي أو الوصى أو القيم أن يعقد باسم القاصر أو المحجور عليه كفالة تبرعيه ، حتى بإذن المحكمة ، لأنه يمتنع التبرع بمال القاصر أو المحجور عليه ولو بإذن المحكمة ، إلا لواجب إنساني أو عائلي فلابد إذن للكفيل المتبرع أن يكون بالغا سن الرشد ، غير محجور عليه . أما إذا كانت الكفالة بمقابل ، سواء كان المقابل من المدين أو الدائن ، وهذا نادر ، فتجب في الكفيل أهلية التصرف لا أهلية التبرع ، وذلك قياس على المفترض بفائدة .
وعلى ذلك لا يجوز للقاصر ولا للمحجور عليه أم يكفل لأنه لا يملك أهلية التصرف ، وقد يملك أهلية الإدارة ولكن الكفالة من أعمال التصرف لا من أعمال الإدارة ، وإذا كفل كانت الكفالة قابلة للإبطال الى أن تجاز ، ولكن يجوز للولي أو الوصى أو القيم أن يعقد كفالة بمقابل باسم القاصر أو المحجور عليه ، على أن يكون ذلك بالنسبة الى الجد أو الى الوصى أو القيم بإذن المحكمة .
وغني عن البيان أن الإنسان إذا بلغ سن الرشد غير محجور عليه ، فإنه يملك الكفالة بمقابل ، لأنه يملك الكفالة التبرعية فأولى أن يملك الكفالة بمقابل .
وتجوز الكفالة باسم شخص المعنوي من المفوض له بذلك ، سواء كانت الكفالة بمقابل أو بغير مقابل ، ويجوز للشريك كامل الأهلية أن يكفل الشركة التي هو شريك فيها ، كما يجوز للشركة أن تكفله . وإذا أعطى الكفيل توكيلا لشخص بكفالته ، وجب أن يكون التوكيل خاصا ومحددا أى مذكورا فيه التوكيل في الكفالة إذا كانت الكفالة تبرعيه ، أو وجب أن يكون التوكيل خاصا إذا أخذ الكفيل مقابلا لكفالته .
والتوكيل في الكفالة المدنية لا تتضمن التوكيل في كفالة تجارية كالضمان الاحتياطي ، كما أن التوكيل في كفالة تجارية لا تتضمن التوكيل في كفالة مدنية .
أما الدائن ، وهو الطرف الآخر في الكفالة ، فلا تشترط فيه إلا أهلية التعاقد ، فيكفي أن يكون مميزا إذا كانت الكفالة تبرعيه بالنسبة إليه لأنها تتمحض لمصلحته . فإذا دفع مقابلا للكفيل من أجل كفالته ، وجبت فيه أهلية التصرف .
(السنهوري ص 69)
(3) أن يكون رضا الكفيل صريحاً :
الأصل في التعبير عن الإرادة أنه يجوز أن يكون صريحا أو ضمنيا (مادة 90 مدني) غير أن القانون الفرنسي نص في المادة 2015 منه على أن ” الكفالة لا تفترض ويجب أن تكون صريحة ” ، وقد فسر الفقه والقضاء هذا النص بأن المقصود به إنما هو رضا الكفيل بالكفالة ، فلا يصح أن يفترض ويجب أن يعتبر عنه تعبيرا صريحا ، وذلك لخطورة الالتزام الذي تنشئه الكفالة في ذمة الكفيل . أما الدائن فلا ضرر عليه من الكفالة .
وإذن فلا حاجة إلى أن يكون التعبير عن قبوله الكفالة صريحا . ولم يرد في التقنين المصري الملغي نص يقابل نص المادة 2015 مدني فرنسي ، ولكن الفقه والقضاء جريا عندنا أيضا على اشتراط أن يكون رضا الكفيل صريحا ، ولم ير المشرع الحديث داعيا إلى النص على ذلك في التقنين الحالي اكتفاء منه ببيان قصده في المذكرة الإيضاحية حيث ذكر أن التزام الكفيل هو أساس من الالتزامات التبرعية فيجب أن يستند إلى رضاء صريح قاطع .
وبناء على ذلك لا يجوز استنباط إرادة الكفيل استنباطا إذا لم تكن واضحة صريحة . فإذا وضع شخص إمضاءه إلى جانب إمضاء المدين ، فلا يصح أن يستخلص من ذلك ـنه قصد الكفالة لأن مجرد وضع إمضائه على الورقة لا يعتبر صريحا عن نية الكفالة ويحتمل أن يكون قد قصد به مجرد الشهادة .
فبمجرد توصية شخص للدائن بأن يثق بمدينه لأن هذا المدين ملئ ولأنه يبادر الى تنفيذ التزاماته ، ولو كانت هذه التوصية قد أتت بعد سؤال الدائن هذا الشخص عن حالة المدين ، لا يعد رضاء بكفالة المدين إذ لابد من أن يرضى هذا الشخص بكفالة المدين رضاء واضحا وأن يعقد مع الدائن عقد كفالة .
وقد قضت محكمة النقض بأن
إذا تعهد شخص كتابة لوزارة الأوقاف بأن يضمن أخاه وآخر سماه في استئجار أرض معينة ثم لم يستأجر ذلك الأخ شيئا من هذه الأرض واستأجر أرض معينة ثم لم يستأجر ذلك الأخ شيئا من هذه الأرض واستأجر بعضها الشخص الآخر ، فإن الضامن يكون غير ملزم بالقيام بما تعهد به من الضمان ويبح في حل من عدم القيام بالتزامه لأن صفقة الإيجار لم تتم حسب اشتراطه
(نقض مدني 23 نوفمبر 1939 المجموعة الرسمية 41-151-59)
ولا يقضي اشتراط التعبير الصريح استعمال ألفاظ معينة كلفظ الكفالة والضمان ، بل يكفي استعمال أى لفظ يدل دلالة صريحة على استعداد الشخص لأى يفي الدين إذا لم يف به المدين . وقاضي الموضوع هو الذي يقدر توافر التعبير الصريح عن نية الكفالة أو عدم توافره .
(سليمان مرقص ص 34)
الوعد بالكفالة
الوعد بالكفالة ، بمثابة كفالة تامة إذا توافرت شروط المادة 102 من القانون المدني ، وبالتالي إذا وعد شخص بأن يكفل التزام المدين في مبلغ محدد بفائدة محددة على أن يتم الوفاء في ميعاد معين ، وحدد هذا الشخص مدة لقبول الدائن هذا الوعد ، فإنه يترتب على قبول الدائن الوعد وإعلان رغبته وموافقته عليه خلال المدة المحددة بالوعد ، انعقاد الكفالة ، بحيث إذا قام الدائن بتسليم المدين مبلغ القرض ، وحل أجل الوفاء وأخل الأخير به ، ر جع الدائن على الكفيل ، وإذا نقضت مدة الوعد بالكفالة ، سقط التزام الكفيل ، فلا ينتج قبول الدائن أثرا طالما أعلن بعد المدة المحددة لذلك .
(أنور طلبة ، مرجع سابق)
وقد تصدر الكفالة من الكفيل للمدين بأن يعد هذا الأخير الأول بأن يضمن دينه بينه وبين دائن معين أو سوف يتم تعيينه فيما بعد فإذا قبل المدين هذا الوعد وتم الاتفاق بينهما اعتبر مثل هذا الاتفاق متضمنا اشتراطا لمصلحة الغير وهو الدائن فيجوز له التمسك بالوعد وإجبار الكفيل على تنفيذ ما التزم به في وعده . ولما كان عقد الكفالة لا يثبت إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها ، فتسري هذه القاعدة على الوعد بالكفالة ، فلا يثبت إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها .
الركن الثاني : المحل
ويشترط في محل الكفالة ما يشترط في محل سائر العقود أى أنه يجب أن يكون موجودا وصحيحا وأن يكون معينا ، فلا يجوز أن ترد الكفالة على التزام معدوم أو باطل أو غير معين .
الشرط الأول : وجود الالتزام المكفول
يشترط في الكفالة وجود التزام يتعهد الكفيل بضمان الوفاء به إذا لم يف به المدين ، ولا يشترط في هذا الالتزام أن يكون محله إعطاء مبلغ من النقود كما هو الغالب في الالتزامات التي تعقد الكفالة لضمانها ، بل يجوز أن يكون محله إعطاء شيء آخر غير النقود أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل فيضمن الكفيل للدائن أن المدين سوف يقوم بتنفيذ التزامه الذي تضمنه العقد المبرم بين الدائن والمدين .
أيا ما كانت طبيعة هذا الالتزام ، بحيث إذا أخل المدين به ، التزم الكفيل بالتنفيذ الذي كان المدين يقوم به ، فإن تعلق بالوفاء بمبلغ نقدي ، جاز للدائن تنفيذ هذا الالتزام جبرا على الكفيل باستصدار سند تنفيذي واتخاذ إجراءات الحجز على أمواله ، وهو ما كان يجوز بالنسبة للمدين .
وإن تعلق الالتزام بالقيام بعمل كرسم لوحة أو إحياء حفلة ، وهو ما لا يجوز إجبار المدين على القيام به ، ويتم تنفيذ التزامه حينئذ بطريق التعويض ، فإن هذا التنفيذ هو الذي يتعين اللجوء إليه عند الرجوع على الكفيل ، ومثل ذلك الالتزام بالامتناع عن القيام بعمل ، كالالتزام بعدم منافسة الدائن في تجارته في منطقة معينة ، وهو التزام لا يجوز تنفيذه جبرا ، وإنما ينفذ بطريق التعويض ، ضد المدين أو الكفيل .
(أنور طلبة ص 653)
ومتى وجد الالتزام ، جازت كفالته ، مهما كان مصدره ، وأيا كانت أوصافه ، أى سواء كان الالتزام المكفول ناشئا من عقد أو من فعل ضار أو من فعل نافع أو من نص في القانون ، فتجوز كفالة دين النفقة كما تجوز كفالة القروض وكفالة التعويضات أو المبالغ الواجب ردها نتيجة للإثراء دون سبب ، وسواء كان الالتزام منجزا ، أو معلقا على شرط واقف أو فاسخ ، أو مقترنا بأجل . (مادة 778) .
فإذا لم يوجد الالتزام المكفول أصلا أو وجد على وده غير الذي اتجهت إرادة الكفيل الى ضمانه ، أو وجد وانقضى قبل أن ترد عليه الكفالة ، امتنع انعقاد الكفالة لانعدام محلها . غير أنه إذا كان الالتزام المكفول غير موجود وقت الكفالة ولكنه مزمع وجوده بعدها ، فإنه يصلح محلا للكفالة باعتباره التزاما مستقبلا كما في كفالة رصيد حساب جار أو عقد فتح اعتماد في تاريخ معين ، وقد نص القانون صراحة على ذلك.
(سليمان مرقص ص 42)
الشرط الثاني : صحة الالتزام المكفول
لا يعتبر للالتزام المكفول وجود حقيقي إلا إذا كان صحيحا . فإذا نشأ الالتزام من عقد باطل ، كالهبة بغير عقد رسمي ودين القمار والربا الفاحش والتعهد بدين في مقابل علاقات غير مشروعة . فإنه يكون باطلا لا جود له ولا يصلح محلا للكفالة . أما إذا كان الالتزام ناشئا من عقد قابل للإبطال .
فإنه يكون له وجود صحيح ويصلح محلا للكفالة الى أن يتمسك ذو الشأن في إبطال العقد بإبطاله ويتقرر بطلانه فينعدم بأثر رجعي ويعتبر كأن لم يكن فلا يعود يصلح محلا للكفالة وتبطل الكفالة التي عقدت بشأنه قبل أن يتقرر بطلانه ، وذلك سواء كانت قابلية العقد للإبطال بسبب نقص في أهلية أحد العاقدين أو بسب عيب في رضاه كالغلط والتدليس و الإكراه أو الاستغلال ، وقد نصت المادة 776 مدني على أن” لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحا.
(سليمان مرقص ض 43)
الشرط الثالث : تعيين الالتزام المكفول :
لم يرد في القانون نص صريح على ضرورة تعيين الالتزام المكفول بجميع أركانه ، ولكن القواعد العامة تقتضي أن يكون محل الكفالة معينا . فلا يكفي أن يضمن الكفيل مدينا معينا لدى دائن معين بل لابد من تعيين نطاق هذا الضمان لبيان ما يشمله من الديون المستحقة لهذا الدائن في ذمة ذلك المدين .
على أن هذا التعيين يكفي فيه وقت عقد الكفالة بيان حدوده التي تؤدي الى حصر الديون المكفولة عند مطالبة الكفيل بها ، فتكون الكفالة من هذه الناحية نوعين كفالة محددة وهى التي يعين فيها من وقت العقد مقدار الدين المكفول ومصدره .
وكفالة غير محددة وهى التي يعين فيها الدين المكفول بمصدره دون مقداره كما في كفالة حساب جار أو كفالة تعويض الأضرار التي تنشأ من حادث معين ، أو التي يعين فيها مقدار الدين المكفول دون مصدره كما في كفالة الديون التي تستحق في ذمة مدين معين لدائن معين في حدود مبلغ كذا أو في خلال مدة معينة .
(سليمان مرقص ص 44)
ويجوز قصر الكفالة على مدة معينة ، فتنقضي الكفالة بانقضاء تلك المدة إذا لم يتم الدائن باتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري على أموال المدين عقب انتهاء المدة المذكور مباشرة ، أو قام بها ولم يعلن الكفيل عقب انتهاء تلك الإجراءات بأنه سيرجع عليه بما لم يستطع تحصيله من المدين ، وإذا كان محل الكفالة المقصورة على مدة معينة دينا مستقبلا ولم يتحقق وجود هذا الدين في المدة المعينة انقضت الكفالة بانتهاء تلك المدة.
(عبد الودود يحيى ص 12)
وقررت محكمة النقض جواز ورود الكفالة على أى التزام متى كان صحيحا وأيا كان نوعه أو مصدره مادام يمكن تقديره نقدا أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات .
فقد قضت بأن
الكفالة يمكن أن ترد على أى التزام متى كان صحيحا وأيا كان نوعه أو مصدره مادام يمكن تقديره نقدا أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات ، وليس في أحكام الكفالة ما يمنع من أن يكفل شخص واحد تنفيذ الالتزامات المترتبة على عقد في ذمة عاقديه كليهما بأن يتعهد لكل منهما بأن يفي له بالتزام المتعاقد الآخر في حالة تخلف هذا المدين عن الوفاء به ، وفي هذه الحالة ينعقد عقد الكفالة بين الكفيل وبين كل من المتعاقدين بوصف كل منهما دائنا للآخر بالالتزامات المترتبة له في ذمته بمقتضى العقد الأصلي المبرم بينهما
(نقض 17/4/1969 س 20 ص 616)
الركن الثالث : السبب :
والسبب في الكفالة هو الباعث الدافع للتعاقد لا مجرد الغرض المباشر المقصود في العقد . ويجب أن يكون الباعث الذي دفع أحد المتعاقدين للتعاقد مشروع فإذا كان غير مشروع كان العقد باطلا متى كان المتعاقد الآخر يعلم به .
أما إذا كان الباعث غير المشروع الذي دفع الى التعاقد غير مذكور في العقد ولم يكن الطرف الآخر يعلم به فإن العقد يكون صحيحا .
وبناء على ذلك يتعين البحث عن الباعث الدافع الى الكفيل على التبرع بالكفالة للدائن . فإذا كفل شخص لزوجه دينا لها على آخر دون أن يحصل منها على أية مزية لمصلحة المدين ، بل لمجرد بعث الطمأنينة الى نفسها وتطييب خاطرها ، كان سبب الكفالة نية التبرع والباعث إليها مشروعا فتصح الكفالة .
أما إذا كفل شخص لخليلته دينا لها على آخر دون أن يحصل منها على أية مزية لمصلحة المدين ، بل لمجرد كسب رضاها بمعاشرته ، كان سبب الكفالة نية التبرع والباعث إليها غير مشروع ، فتبطل الكفالة .
(سليمان مرقص ص 66)
وهناك من الفقهاء من يعتبر الكفالة تصرفا مجردا تقع صحيحا بغض النظر عن سببه أى يكون صحيحا ولو لم يكن له سبب أو كان سببه غير مشروع ، ومن الواضح أن هذا الرأى لا يستند الى أساس من نصوص القانون ، ومن ثم لا يمكن التسليم إليه أو الأخذ به .
(محمد علي إمام ص 74 وما بعدها ، عبد الفتاح عبد الباقي ص 66)
التزام الكفيل متضامناً أو غير متضامن. ماهيته. التزام تابع لالتزام المدين الأصلي
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم ……. لسنة 1996 مدني محكمة جنوب القاهرة الابتدائية على الطاعنة بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 19/ 8/ 1978 المتضمن بيع الطاعنة له الشقة محل التداعي .
وقال بياناً لذلك إنه بموجب هذا العقد باع له …….. بصفته وكيلاً عن الطاعنة عين النزاع لقاء ثمن مقداره 12680 جنيه سدد منه مبلغ 4000 جنيه على أن يقوم بسداد مبلغ 1000 جنيه خلال سنة من تاريخ التسجيل ويسدد باقي الثمن على أقساط شهرية بواقع 80 جنيه شهرياً, وإذ لم تقم البائعة باتخاذ ما يلزم من إجراءات نقل الملكية فقد أقام الدعوى. حكمت المحكمة برفضها. استأنف المطعون ضده هذا القضاء بالاستئنافين رقمي … , …. لسنة 114 ق.
وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت بتاريخ 2/ 4/ 1998 بإلغاء الحكم المستأنف وبالطلبات, طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض, وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن, وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة, حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي والمرافعة وبعد المداولة وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال, وفي بيان ذلك تقول
إن الحكم المطعون فيه اعتبر العقد وعداً بالبيع انقلب عقداً تاماً على سند من أن هذا الوعد بالبيع قد انقلب إلى عقد بيع تام بعد فسخ عقد البيع الأول المحرر فيما بين الطاعنة ……. في حين أن عقد الوعد بالبيع المشار إليه قد تضمن النص على أنه يتعين إتمام العقد خلال سنة من تاريخ فسخ العقد المذكور وتحرير عقد بيع تام جديد وإن لم يتم الفسخ ردت الطاعنة ما تسلمته منه وهو أربعة آلاف جنيه.
وإذ خلت الأوراق من ثمة ما يدل على تحقق الشرط وإبداء الرغبة خلال المدة المتفق عليها. ولم يبد المطعون ضده رغبته في إتمام البيع إلا بعد أكثر من عشرين سنة ومن ثم فإن البيع على هذه الصورة لم يصبح باتاً لتخلف الشروط المتفق عليها, وإذ لم يفطن الحكم إلى ذلك ولم يورد الأدلة السائغة على أن البيع صار باتاً وأنه ليس معلقاً على شرط فاسخ لم يتحقق فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله
ذلك أن من المقرر طبقاً للقواعد العامة في الأوصاف المعدلة للالتزام أنه إذا كان الالتزام قد علق على شرط واقف هو أن يقع أمر خلال فترة معينة, فإن الشرط يعتبر قد تخلف إذا لم تتحقق الواقعة التي اشترط الطرفان وقوعها خلال فترة معينة, ويترتب على ذلك زوال الالتزام واعتباره كأن لم يكن.
أما إذا وقعت الواقعة المشروطة خلال الفترة المتفق عليها فإن الشرط يكون قد تحقق وصار الحق نافذاً والحق المعلق على شرط واقف هو ما ينظمه القانون ويحميه وهذا الحق لا يعد نافذاً إلا إذا تحقق الشرط, وكانت المادة 148/ 1 من القانون المدني توجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية.
لما كان ذلك
وكان البين من الأوراق وعلى ما حصله الحكم المطعون فيه أن اتفاق الطرفين بإتمام البيع الموعود به قد علق على شرط واقف هو حصول فسخ العقد الذي سبق أن أبرمته الطاعنة مع آخر يدعى ……. خلال مدة معينة حددها الطرفان بمدة سنة من تاريخ الوعد بالبيع, كما اشتمل العقد على أنه يتعين على المطعون ضده أن يعلن رغبته في إتمام البيع خلال تلك المدة.
وأن يتم تحرير عقد نهائي ينظم العلاقة بين الطرفين, وإلا أصبح العقد لاغياً وكأن لم يكن, ومن مقتضى ما اشتمل عليه العقد وما انصرفت إليه إرادة المتعاقدين أن يتحقق الحكم المطعون فيه من وقوع الواقعة المشروطة خلال هذه الفترة وإبداء الموعود رغبته في إتمام العقد النهائي خلال الأجل وتنفيذ العقد بشروطه سالفة البيان.
إلا أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وانتهى في عبارة مجملة إلى أن العقد صار بيعاً باتاً وأن الواقعة المشروطة قد تحققت وأن الموعود أبدى رغبته في إتمام العقد, دون أن يبين كيف تحقق من ذلك والمصدر الذي استقى منه ما انتهى إليه, ولم يفطن إلى أن من المتفق عليه بين العاقدين أن تتحقق الواقعة المشروطة خلال مدة سنة من تاريخ الوعد وأن يتم إبداء الموعود رغبته في إتمام البيع خلال تلك السنة وإلا سقط الوعد بالبيع.
وإذ خلط الحكم بين إبداء الرغبة في إتمام التعاقد وبين صرف الطاعنة شيكاً ووصفه بأنه جزءاً من الثمن رغم أن ذلك تم بعد مرور مدة طويلة تقدر بحوالي عشر سنوات من تاريخ الوعد بالبيع , وإذ لم يورد الحكم المطعون فيه الاعتبارات المقبولة والأسباب المبررة للعدول عن المعنى الظاهر لعبارات المحرر في ضوء مقصود المتعاقدين وظروف التعاقد فإنه يكون فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه لهذا الوجه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
أحكام النقض المدني الطعن رقم 2370 لسنة 68 بتاريخ 4 / 4 / 2012 – مكتب فني 63 – صـ 566
ختاما: هذه المادة تقابل من نصوص القوانين العربية ، المادة 738 من التقنين المدني السوري ، المادة 781 من التقنين المدني الليبي ، المادة 1008 من التقنين المدني العراقي ، المادة 1053 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني ،وقد ورد هذا النص في المادة 1133 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 841 في المشروع النهائي ، ووافق عليه مجلس النواب تحت رقم 840 ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 772.
- انتهي البحث القانوني ( شرح المادة 772 من القانون المدني: حقوق الدائن تجاه الكفيل ) ويمكن لحضراتكم التعليق في صندوق التعليقات بالأسفل لأى استفسار قانوني.
- زيارتكم لموقعنا تشرفنا ويمكن الاطلاع علي المزيد من المقالات والأبحاث القانونية المنشورة للأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض في القانون المدني والملكية العقارية من خلال أجندة المقالات .
- كما يمكنكم التواصل مع الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الواتس اب شمال الصفحة بالأسفل ، أو الاتصال بنا من خلال ( طلب استشارة مجانية )
- كما يمكنكم حجز موعد بمكتب الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الهاتف ( 01285743047 ) وزيارتنا بمكتبنا الكائن مقره مدينة الزقازيق 29 شارع النقراشي – جوار شوادر الخشب – بعد كوبري الممر – برج المنار – الدور الخامس زيارة مكتبنا بالعنوان الموجود على الموقع.
- يمكن تحميل الأبحاث من أيقونة التحميل pdf في نهاية كل مقال وكل بحث ، ونعتذر لغلق امكانية النسخ بسبب بعض الأشخاص الذين يستحلون جهد الغير في اعداد الأبحاث وتنسيقها ويقومون بنشرها علي مواقعهم الالكترونية ونسبتها اليهم وحذف مصدر البحث والموقع الأصلي للبحث المنشور ، مما يؤثر علي ترتيب موقعنا في سيرش جوجل ، أعانهم الله علي أنفسهم .