الغش والتواطؤ في الدعوي البوليصية
دراسة قانونية عن معني الغش والتواطؤ في عدم نفاذ تصرف المدين الضار بدائنيه، وهو أحد أهم شروط الدعوي البوليصية ، وقد تحدثنا سابقا في بحث مفصل عن شرط اعسار المدين لقبول عدم النفاذ .
محتويات المقال
وفي هذا البحث الموجز نتحدث عن شرط الغش والتواط وسلطة محكمة الموضوع في استخلاص وجوده ، كذلك حكم الغش في التبرعات.
الغش والتواطؤ أهم شروط الدعوى البوليصية
ذكرنا فيما تقدم أن شروط الدعوى البوليصية التي ترجع الى المدين هى :
- الإعسار
- الغش والتواطؤ
الغش والتواطؤ من أهم شروط الدعوى البوليصية فلا يكفي أن يؤدي التصرف المطعون عليه الى إعسار المدين أو الى زيادة إعساره – بل يلزم أن تم التصرف معاوضة ألا بمقابل ، أن يكون مشوبا بالغش من جانب المدين فيقصد من تصرفه الى الإضرار بدائنة ليحول دونه والتنفيذ على العين محل التصرف ، ويتوفر الغش عندما ينصرف المدين في أمواله وهو يعلم أنه معسر أو أن هذا التصرف سيؤدي الى إعساره .
(أنور طلبة ص 445)
وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 238 من التقنين المدني ، كما رأينا ، على أنه ” إذا كان تصرف المدين بعوض ، اشترط لعدم نفاذه في حق الدائن أن يكون منطويا على غش من المدين ، وأن يكون من صدر لع التصرف على علم بهذا الغش ، ويكفي لاعتبار التصرف منطويا على الغش أن يكون قد صدر من المدين وهو عالم أنه معسر ، كما يعتبر من صدر له التصرف عالما بغش المدين إذا كان قد علم أن هذا المدين معسر ” .
ويتبين من هذا النص
أنه إذا كان التصرف الصادر من المدين معاوضة ، كبيع مثلا ، وجب أن يكون منطويا على غش من المدين ، وقد توخى التقنين المدني الجديد إقامة قرائن قانونية لتيسير الإثبات الذي يحمل عبئه الدائن ، فعلى الدائن أن يثبت أن المدين وقت أن صدر منه البيع كان يعلم أن هذا البيع بسبب إعساره أو يزيد في إعساره ، ويستطيع الدائن أن يستخلص من هذا العلم من بعض القرائن القضائية التي تقوم في الدعوى .
كما إذا كان المدين قد تصرف لولده أو لزوجته أو لأحد أقاربه الأقربين ولم يكن لمن تصرف له مال ظاهر يقوم معه احتمال جدي أن دفع الثمن ، فإذا أثبت الدائن علم المدين بإعساره ، كان هذا قرينة قانونية على غش المدين ، ولكن القرينة غير قاطعة ، فهى قابلة لإثبات العكس ، ويستطيع المدين أن ينقصها بأن يثبت من جانبه أنه بالرغم من علمه بإعساره إلا أنه لم يقصد إلحاق الضرر بالدائن .
بل كان الدافع له على الترف باعثا آخر كما لو أثبت أنه قصد بتصرفه توفير حاجياته الضرورية أو أن التصرف كان من التصرفات العادية التي تفتضيها مهنته ، وقد يتعاقد المدين تعاقدا يؤدي الى إعساره وهو عالم بذلك وإنما يقدم على التعاقد لا غشا وإضرارا بحقوق الدائن بل اعتقادا منه أن هذا التعاقد الذي أدى الى إعساره سيكون سببا في ترويج أعمال وعودته الى اليسار ، ففي مثل هذه الحالة ، إذا أثبت المدين ذلك لا يجوز للدائن الطعن في العقد لانعدام الغش
ولا يكفي مادام التصرف في معارضة ، أن يكون هذا التصرف منطويا على غش من المدين على النحو المتقدم ذكره بل يجب أيضا أن يكون من صدر له التصرف على علم بهذا الغش ويكفي لإثبات علم المتصرف إليه بالغش مجرد علم المتصرف إليه بإعسار المدين الى أن يثبت أنه مع علمه بإعسار المدين كان معذورا في اعتقاده أن المدين لم ينصرف بقصد الإضرار بدائنيه بل يقصد آخر لا احتيال فيه على القانون .
(عزمي البكري ص 913)
فإذا باع المدين لزوجه عقارا ، ولم يمكن الزوج من أن يثبت من أين أتت له النقود التي دفع منها الثمن ولم يكن في حالة مالية تسمح باحتمال وقوع هذه الصفقة له ، فإذا إذا اقترنت هذه القرينة بقرائن أخرى تؤيدها كان هذا قرينة على العلم بإعسار المدين
(استئناف مختلط 1/12/1913)
وقد قضت محكمة النقض بأن
مفاد المادة 238/1 من القانون المدني أن المشرع اشترط لعدم نفاذ التصرف بعوض أن يثبت الدائن التواطؤ بين المدين وبين المتصرف إليه على الإضرار بحقوق الدائن لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام دعوى عدم نفاذ التصرف عليها ويكفي لاعتبار الغش متوافرا أن يثبت علم كل من المدين والمتصرف إليه بإعسار المدين وقت صدور التصرف المطعون فيه وتقدير الدليل على التواطؤ والعلم بإعسار المدين هو من المسائل الموضوعية التي تدخل في سلطة محكمة الموضوع وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
(الطعن رقم 1186 لسنة 50 ق جلسة 13/3/1985 ، الطعن رقم 2136 لسنة 50ق س35 ص1213 جلسة 8/5/1984، الطعن رقم 492 لسنة 46ق س29 ص1185 جلسة 8/5/1978 ، الطعن رقم 384 لسنة 36ق س22 ص565 جلسة 27/4/1971)
كان الحكم قد قرر أن عقد البيع موضوع النزاع هو عقد صحيح ، لم يشبه البطلان ، ولم يقصد منه الإضرار بالدائنين ، لعدم توافر شروط الدعوى البوليصية إذ لم يثبت إعسار المدين ولأن نشوء الدين كان لاحقا لعقد المبيع فإن هذا الذي أورده الحكم لا يقتصر على نفى شروط الدعوى البوليصية ، بل يفيد كذلك نفى مظنة الصورية على وجه الإطلاق
(الطعن رقم 119 لسنة 21ق جلسة 10/6/1954 ، الطعن رقم 140 لسنة 15ق جلسة 22/5/1946)
مفاد نص المادتين 237 ، 238 / 1 من القانون المدني أن الغش الواقع من المدين وحده في عقود المعاوضات لا يكفي لإبطال تصرفه ، بل يجب إثبات التواطؤ بينه وبين المتصرف له على الإضرار بحقوق الدائن ، لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام دعوى عدم نفاذ التصرفات عليها .
وأن يثبت أن الغش موجود وقت صدور التصرف المطعون فيه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت أن الطاعن اشترى العقار موضوع الدعوى وثبت في عقد البيع الصادر له من المطعون عليه الثاني أن العين المبيعة محملة برهن رسمي للمطعون عليها الأولى ضمانا لدينها قبل المطعون عليه الثاني (البائع) وأن هذا الرهن سابق في القيد على تسجيل عقد شراء الطاعن .
واستخلص الحكم من شهادة شاهدى المطعون عليها الأولى من هذا الخصوص ، ومما شهد به شاهد الطاعن من أنه احتجز جزءا من الثمن لوجود الرهن قيام التواطؤ بين المطعون عليه الثاني وبين الطاعن تأسيسا على أن هذا الأخير كان يعلم أن التصرف يؤدي الى إعسار المطعون عليه الثاني .
مع أن الثابت من الحكم أن الطاعن أقبل على الشراء وهو على بينة من الديون ومن الرهن المقيد على العين المبيعة ضمانا لهذا الدين ، والذي يخول للمطعون عليها الأولى تتبع العقار في أى يد تكون ، ثم رتب الحكم على ذلك قضاءه بعدم نفاذ العقد الصادر من المطعون عليه الثاني للطاعن فإنه يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.
(نقض 27/4/1971 س 22 ص 565)
طلب إبطال التصرف الحاصل من المدين عملا بالمادة 143 من القانون المدني (قديم) يقتضي أن يثبت الدائن تواطؤ مدينه مع من تصرف إليه ، وأن يكون التصرف ذاته قد أدى الى إعسار المدين بحيث لم يعد لديه ما يوفى بحق الدائن المدعى ، هذا هو حكم القانون على إطلاقه ، إلا أنه يحب أن يلاحظ في تطبيقه أن لمن له دين ثابت .
الحق في أن يقتضي دينه من غريمه غير التاجر في أى وقت شاء ، وأن يتفق معه على طريقة الوفاء سواء أكان ذلك عنا أم بمقابل ولا يؤثر في ذلك علم هذا الدائن بما لغيره من دين بل إذا كان هناك مطعن فلا سبيل لتوجيهه إلا الى الحق الذي اتخذ أساس للاتفاق أو الى المحاباة التي قد تقع فيه .
فإذا كان المشتري قد تمسك بأن البيع الصادر إليه إنما كان تسوية لمعاملات سابقة بينه وبين البائع مستندا في ذلك الى عقود مسجلة وإلى مستندات أخرى قدمها لتأييد دعواه فلم تتناول المحكمة هذه الأوراق بالبحث والتحميص لكى تقول كلمتها فيها بل استخلصت من مجرد علم المشتري بدين غيره على مدينه دليلا على توطئة مع البائع وحكمت في الدعوى على هذا الأساس ، فإن حكمها يكون مشوبا بالقصور في أسبابه.
(نقض 1/4/1943 جـ 1 في 25 سنة ص 651)
الغش الواقع من المدين وحده في المعاوضات لا يكفي لإبطال تصرفه بل يجب إثبات التواطؤ بينه وبين المتصرف له على الإضرار بالدائن ، لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام الدعوى البوليصية عليها فالحكم الذي لا يأبه بعدم حصول التواطؤ بين المتعاقدين يكون حكما مخالفا للقانون متعينا نقضه
(نقض 27/5/1937 جـ 1 في 25 سنة ص 650)
المادة 143 من القانون المدني واضحة في أن المشرع قصد أن يفرق في الحكم بين تصرفات المدين في أمواله بمقابل وما يصدر عنه بطريق التبرع ، فإنه بدأ بذكر التصرفات عامة واشترط لإبطالها أن تون قد صدرت بقصد إلحاق الضرر بالدائن أى بطريق الغش ، ثم عاد فذكر التبرعات وحدها مكتفيا في إبطالها بثبوت وقوع الضرر عنها ، وهذه المادة واضحة كذلك في أن الغش الواقع من المدين وحده في المعاوضات لا يكفي لإبطال تصرفه .
بل يجب إثبات التواطؤ بينه وبين المتصرف له على الإضرار بالدائن ، لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام الدعوى البوليصية عليها ، فالحكم الذي لا يأبه بعدم حصول التواطؤ بين المتعاقدين يكون حكما مخالفا للقانون متعينا نقضه
(نقض 27/5/1937 طعن 87 س 6 ق)
النص في المادة 238 من التقنين المدني على أن المشرع اشترط لعدم نفاذ التصرف بعوض ان يثبت الدائن التواطؤ بين المدين وبين المتصرف إليه على الإضرار بحقوق الدائن لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيان دعوى عدم نفاذ التصرفات عليها ويكفي لاعتبار الغش متوافرا أن يثبت علم كل من المدين والمتصرف إليه بإعسار المدين وقت صدور التصرف المطعون فيه
(نقض 8/5/1978 طعن 492 س 46 ق)
مفاد نص المادتين 237 ، 238/1 من القانون المدني أن الغش الواقع من المدين وحده في عقود المعاوضات ، لا يكفي لعدم نفاذ تصرفه في حق الدائن ، بل يجب على الدائن ، إثبات التواطؤ بين المدين وبين المتصرف إليه على الإضرار بحقوق الدائن ، لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام دعوى عدم نفاذ التصرفات عليها ، وأن يثبت أن الغش موجود وقت صدور التصرف المطعون فيه.
وإذ كان يبين مما قرره الحكم المطعون فيه وأسس عليه قضاءه أنه استخلص من أقوال الشهود والقرائن التي أوردها أن المتصرف إليه – مشتري العقار – لم يكن يعلم أن التصرف يؤدي الى إعسار البائع ، ورتب على ذلك عدم توافر الغش في جانب المتصرف إليه بما ينتفي معه أحد أركان دعوى نفاذ التصرف فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا
(نقض 4/12/1973 طعن 183 س 39 ق)
سلطة قاضي الموضوع في تقدير التواطؤ والعلم بإعسار المدين
تقدير الدليل على التواطؤ والعلم بإعسار المدين هو من المسائل الموضوعية التي تدخل في سلطة محكمة الموضوع دون معقب متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصل ثابت في الأوراق وتؤدي الى النتيجة التي انتهت إليها .
(نقض 8/5/1978 طعن 492 س 46 ق)
وقد قضت محكمة النقض بأن
استنتاج انتفاء حصول التواطؤ بين البائع والمشتري من ظروف الدعوى ووقائعها هو مسألة موضوعية لا شأن لمحكمة النقض بها
(نقض 19/1/1933 طعن 71 ق س 2 ق)
مفاد نص المادة 238/1 من القانون المدني أن المشرع أقام قرينة قانونية على علم المتصرف إليه بغش المدين إذا كان يعلم أن التصرف بسبب إعسار المدين أو يزيد في إعساره واستخلاص توفر هذا العلم من ظروف الدعوى هو من الأمور الموضوعية التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع
(نقض 8/12/1975 س 26 ص 1580، 8/5/1978 س 29 ص 1185)
إذا كانت محكمة الاستئناف قد استخلصت من وقائع الدعوى ما استدلت منه على إعسار المدين المتصرف وسوء نيته هو والمتصرف له وتواطئهما على الإضرار بالدائن ثم طابقت بين ما استخلصته من ذلك وبين المعاني القانونية لأركان الدعوى البوليصية وهى كون دين رافع الدعوى سابقا على التصرف المطلوب إبطاله وكون هذا التصرف أعسر المدين وكون المدين والمتصرف له سيء النية متواطئين على الإضرار بالدائن ثم قضت بعد ذلك بإبطاله التصرف ، فذلك حسبها ليكون حكمها سديدا مستوفى الأسباب.
(نقض 16/4/1936 جـ 1 ف 25 س 652)
المقرر أن تقدير الدليل على التواطؤ والعلم بإعسار المدين هو من المسائل الموضوعية التي تدخل في سلطة محكمة الموضوع دون معقب عليها متى أقامت قضاءها على اسباب سائغة وإذ كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه بعدم نفاذ البيع المحرر عنه العقد الابتدائي المؤرخ 22/1/1952 على ما استخلصه من مستندات المطعون ضده الأول وأقوال شهوده التي اطمأن إليها من أن تاريخ نشأة دينه سابق على التصرف المطعون فيه .
وبتوافر الغش لدى كل من الطاعنين ومورثهما المدين وعلمهما بإعسار الأخير وقت صدور التصرف لمعرفتهما بظروفه المالية لرابطة الروحية التي تسمخ لهما بذلك ، وأن مورثهما لم يقصد من تصرفه سوى الإضرار بحقوق دائنة ، وإذ كان ما أورده الحكم في هذا الصدد سائغا وله أصل ثابت في الأوراق ويؤدي الى النتيجة التي انتهى إليها ، فإن ما تثيره الطاعنتان في هذين السببين لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة المضوع وتنحسر عنه رقابة محكمة النقض
(الطعن رقم 2136 لسنة 50 ق جلسة 8/5/1984)
قضاء الحكم المطعون فيه بشهر إعسار الطاعن بصفته استنادا لمجرد قيام المطعون ضده باتخاذ إجراءات تنفيذ الحكم الصادر له ضد الطاعن الذي لم يثبت – كحارس قضائي على أموال نقابة المحامين – أن لدى النقابة أموالا كافية للوفاء بالدين دون استظهار أن ما تم الحجز عليه هو كل ما للطاعن بصفته من أموال أو إيراد الأسباب التي استند عليها الحكم في عدم ثبوت كفاية أموال النقابة للوفاء بهذا الدين وكشف ما إذا كانت المحكمة قد تنبهت لظروف عامة أو خاصة صاحبته أثرت في حالته المالية . خطأ
(الطعن رقم 3563 لسنة 69 ق جلسة 28/5/2000)
لقاضي الموضوع السلطة التامة في استخلاص عناصر الغش من وقائع الدعوى وتقدير ما يثبت وما لا يثبته دون رقابة عليه من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغا
(نقض 5/1/1976 س 27 ص 132 ، 19/1/1933 جـ 1 في 25 سنة 650)
يكفي لاعتبار الغش متوافرا أن يثبت علم كل من المدين والمتصرف إليه بإعسار المدين وقت صدور التصرف المطعون فيه
(نقض 8/5/1978 س 29 ص 1185)
عدم اشترط الغش في التبرعات
لا يشترط غش المدين ولا سوء نية من تصرف له المدين إذا كان التصرف تبرعا ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 238 من التقنين المدني ، على ما يأتي :
أما إذا كان التصرف تبرعا ، فإنه لا ينفذ في حق الدائن ، ولو كان من صدر له التبرع حسن النية ، ولو ثبت أن المدين لم يرتكب غشا” .
ويتبين من هذا النص أن المدين إذا صدر منه تبرع ، كهبة مثلا ، فليس من الضروري أن يثبت الدائن غش المدين المتبرع أى علمه بإعساره ، ومن باب أولى ليس من الضروري أن يثبت علم الموهوب له بإعسار المدين ، بل يكفي للنجاح في الدعوى البوليصية في حالة التبرع أن يثبت الدائن أن هذا التبرع قد سبب إعسار المدين أو زاد في إعساره ، سواء كان المدين يعلم بذلك أو لا يعلم ، وسواء كان الموهوب له يعلم هو أيضا أو لا يعلم ، ويبرر هذا الحكم أن الدائن يشكو من ضرر أصابه من جراء تبرع مدينه إذا بقى هذا التبرع قائما .
أما الموهوب له فلا يشكو إلا من فوات نفع عليه إذا أجزنا للدائن الطعن في التبرع ، والفرق واضح بين من يتوقى ضررا ومن ينبغي نفعا ، فالأول أى الدائن هو الأجدر بالرعاية ، أما في المعاوضات فالمفاضلة بين الدائن والمشتري غيرها بين الدائن والموهوب له إذ المشتري إنما يتوقى ضررا كالدائن ، فقد دفع مقابلا للمدين ، فإن كان حسن النية وجب أن يفضل على الدائن مادام هذا لم يحتط لنفسه فيحصل على ضمان لاستيفاء حقه ، وإن كان المشتري سيء النية فضل عليه الدائن.
(السنهوري ص 924)
وقد قضت محكمة النقض بأن
إن المادة 143 من القانون المدني واضحة في أن المشرع قصد أن يفرق في الحكم بين تصرفات المدين في أمواله بمقابل وما يصدر عنه بطريق التبرع . فإنه بدأ بذكر التصرفات عامة واشترط لإبطالها أن تكون قد صدرت بقصد إلحاق الضرر بالدائن أى بطريق الغش ثم عاد فذكر التبرعات وحدها مكتفيا في إبطالها بثبوت وقوع الضرر عنها .
وهذه المادة واضحة كذلك في أن الغش الواقع من المدين وحده في المعاوضات لا يكفي لإبطال تصرفه ، بل يجب إثبات التواطؤ بينه وبين المتصرف له على الإضرار بالدائن ، لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام الدعوى البوليصية عليها ، فالحكم الذي لا يأبه بعدم حصول التواطؤ بين المتعاقدين يكون حكما مخالفا للقانون متعينا نقضه
(الطعن رقم 75 لسنة 6 ق جلسة 27/5/1937)
تصرف الخلف في الشيء المنقول إليه من المدين لخلف آخر
إذا تصرف خلف المدين لخلف ثان تبرعا ، وكان خلف المدين قد تلقى الحق من المدين تبرعا أيضا ، فيقضي للدائن بعدم نفاذ تصرف المدين في حقه دون حاجة لإثبات غش من المدين أو علم الخلفين بإعساره ، بل يكفي أن يثبت أن هذا التصرف أدى الى إعسار المدين أو زاد في إعساره .
أما إذا كان الخلف الأول تلقى الحق من المدين معاوضة ، فيحب للقضاء بعدم نفاذ التصرف أن يثبت الدائن التواطؤ فيما بين هذا الخلف والمدين على نحو ما تقدم ، فإذا كان خلف المدين قد تصرف للخلف الثاني معاوضة ، وكان خلف المدين قد تلقى الحق من المدين تبرعا ، فلا يقضي للدائن بعدم نفاذ التصرف إلا إذا أثبت علم الخلف الثاني بإعسار المدين ، فإن انتفى هذا العلم توافر حسن النية وأصبح التصرف نافذا في حق الدائن وترفض دعواه .
أما إذا كان خلف المدين قد تصرف للخلف الثاني معاوضة ، وكان خلف المدين قد تلقى الحق من المدين معاوضة أيضا ، فيجب حتى يقضي للدائن بعدم نفاذ التصرف أن يثبت التواطؤ بين الأطراف الثلاثة فيثبت التواطؤ بين المدين والخلف الأول على نحو ما تقدم ليكون تصرفهما غير نافذ في حقه ثم ينتقل لجعل التصرف التالي غير نافذا أيضا في حقه بإثبات أن الخلف الثاني كان سيء النية بأن كان عالما بغش المدين وبعلم الخلف الأول بهذا الغش فإن عجز عن هذا الإثبات كان التصرف الصادر للخلف الثاني نافذا في حقه .
(أنور طلبة ص 450)
وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 238 مدني بقولها
إذا كان الخلف الذي انتقل إليه الشيء من المدين قد تصرف فيه بعوض الى خلف آخر ، فلا يصح للدائن أن يتمسك بعدم نفاذ التصرف إلا إذا كان الخلف الثاني يعلم غش المدين وعلم الخلف الأول بهذا الغش إن كان المدين قد تصرف بعوض ، أو كان هذا الخلف الثاني يعلم إعسار المدين وقت تصرفه للخلف الأول إن كان المدين قد تصرف له تبرعا .
وقد قضت محكمة النقض بأن
مفاد نص الفقرة الثالثة من المادة 238 من القانون المدني أن الخلف الذي تصرف له المدين بعقد معاوضة – إذا ما تصرف بدوره الى خلف آخر بعقد معاوضة ، فإن على الدائن الذي يطلب عدم نفاذ التصرف الأخير في حقه أن يثبت غش الخلف الثاني وألزمه القانون أن يثبت علم هذا الخلف الآخر بأمرين وقوع غش من المدين وهو أن التصرف منه ترتب عليه إعساره أو زيادة إعساره والثاني وهو علم الخلف الأول بغش المدين
(نقض 29/10/1968 س 19 ص 1282)
الغش يبطل التصرفات
قضت محكمة النقض بأن
قاعدة (الغش يبطل التصرفات) هى قاعدة قانونية سليمة ولو لم يجر بها نص خاص في القانون ، وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والاحتيال وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره في التعاقدات والتصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات.