ضمان التعرض والاستحقاق بين المتقاسمين
دراسة أحكام ضمان التعرض والاستحقاق فى القسمة بين المتقاسمين، فكل متقاسم بعقد القسمة يضمن التعرض لباقي المتقاسمين سواء كان التعرض والاستحقاق منه شخصيا أو من الغير بسبب راجع اليه،
محتويات المقال
وقد درسنا في بحث سابق مسألة ضمان التعرض والاستحقاق فى عقد البيع [المادة 439 مدني وما بعدها]، وضمان التعرض في عقد الايجار [المادة 571 مدني]، وفي هذه الدراسة الموجزة نستعرض ضمان التعرض والاستحقاق في القسمة بقراءة ودراسة المادة 844 من القانون المدني.
ضمان التعرض المتقاسمين لبعضهم البعض
نص المادة 844 من القانون المدنى
- يضمن المتقاسمون بعضهم لبعض ما قد يقع من تعرض أو استحقاق لسبب سابق على القسمة، ويكون كل منهم ملزماً بنسبة حصته أن يعوّض مستحق الضمان على أن تكون العبرة في تقدير الشيء بقيمته وقت القسمة فإذا كان أحد المتقاسمين معسراً وزّع القدر الذي يلزمه على مستحق الضمان وجميع المتقاسمين غير المعسرين.
- غير أنه لا محل للضمان إذا كان هناك اتفاق صريح يقضي بالإعفاء منه في الحالة الخاصة التي نشأ عنها ويمتنع الضمان أيضاً إذا كان الاستحقاق راجعاً إلى خطأ المتقاسم نفسه.
ضمان القسمة بين المتقاسمين فى الأعمال التحضيرية
القسمة سواء كانت عقدا أو قسمة قضائية , وسواء كانت القسمة القضائية قسمة عينية أو قسمة تصفية يترتب عليها :
- (أ) يكون لها اثر رجعى , فيعتبر المتقاسم مالكا للحصة التى آلت إليه منذ ان تملك فى الشيوع , وانه لم يملك غيرها شيئا فى بقية الحصص (قارن م 555 من التقنين المختلط وهى تنص على ان القسمة منشئة كالبيع) . ومن اجل هذا الاثر الرجعى نتائج كثيرة معروفة , اهمها ان تصرفات الشريك فى جزء مفرز يوقف اثرها حتى تعرف نتيجة القسمة .
- (ب) يضمن المتقاسمون بعضهم لبعض ما يقع من تعرض أو استحقاق لنصيب سابق على القسمة . ويكون كل من الشركاء ملزما لمستحق الضمان بنسبة حصته (بما فى ذلك حصة مستحق الضمان نفسه ) . ويقدر الشئ بقيمته وقت القسمة , وتوزع حصة المعسر على جميع المتقاسمين الموسرين . ولا محل للضمان إذا كان هناك شرط صريح فى سند القسمة يقضى بالإعفاء من الضمان فى الحالة الخاصة التى نشأ عنها هذا الضمان . ويسقط الضمان كذلك إذا كان سببه راجعا الى خطأ المتقاسم كأن اهمل فى قطع التقدم .
(مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدنى – الجزء السادس – ص 128)
معنى ضمان المتقاسم في القسمة
إذا كانت القسمة تستهدف افراز نصيب مادى محدد من الشئ الشائع لكل متقاسم يستأثر وحده بملكيته الخالصة بحيث يأتي هذا النصيب المادى مطابقا لحصته المعنوية فى الشيوع ، فلا تخلو الحال من أن يظهر بعد القسمة تعرض لأحد المتقاسمين بسبب سابق على القسمة قد ينتهى إلى استحقاق نصيبه كله أو بعضه للغير .
فمن العدل ولابد للمتقاسم الذى استحق نصيبه فيما أصابه من استحقاق – أن يشترط باقى المقتسمين معه فى تحمل مثل هذا الخسران ومن أجل ذلك فرض المشرع على المتقاسمين التزاما بالضمان ( مادة 844 مدنى )
فأوجب على كل متقاسم أن بضمن للمتقاسمين لآخرين ما يقع بهم من تعرض أو استحقاق فى المال المفرز الذى وقع فى نصيبهم نتيجة للقسمة ولما كان ضمان التعرض والاستحقاق مفهوما فى البيع وقائما على أنه عقد ناقل للملكية فيجب على البائع أن يضمن للمشترى الملكية التى نقلها له .
فإن هذا الضمان فى القسمة ، والقسمة كاشفة لا ناقلة يقوم على أساس آخر و أن القسمة تقتضى المساواة لتامة فيما بين المتقاسمين ، فإذا وقع لأحدهم تعرض أو استحقاق فقد اختلت هذه المساواة ووجب الضمان، ويجب فيما لم يرد فيه نص فى ضمان التعرض والاستحقاق فى القسمة أن نرجع إلى أحكام ضمان التعرض الاستحقاق فى البيع ، ما لم تكن هذه الأحكام تتعارض مع وصف القسمة بأنها كاشفة أو مع تحقيق المساواة ما بين المتقاسمين .
وقد قضت محكمة النقض فى عهد التقنين المدنى الأسبق وكان هذا التقنين لا يشتمل على نص فى ضمان التعرض والاستحقاق فى القسمة بأن القواعد التى تحكم ضمان البائع هى التى تحكم ضمان المتقاسم .
(نقض مدنى 10 اكتوبر سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 97 ص192)
ويجب الضمان فى كل قسمة اتفاقية كانت أو قضائية عينية أو قسمة تصفية بمعدل أو بغير معدل صريحة أو فعلية ويمتد الضمان للتصرفات المعادلة للقسمة .
شروط تحقق الضمان والاستحقاق
الشروط الواجب توافرها لقيام ضمان التعرض والاستحقاق
هناك بعض الشروط التى يجب توافرها لقيام ضمان التعرض والاستحقاق وهى:
الشرط الأول : وقوع تعرض أو استحقاق
فيجب أن يقع تعرض أو استحقاق لتحريك الضمان فلا يكفى أن تكون هناك عيوب خفيفة ف المال المفرز الذى وقع فى نصيب المتقاسم والقانون لم يوجب فى القسمة ضماناً للعيوب الخفية كما أوجب فى البيع ويرجع ذلك إلى سببين :
السبب الأول: أن الأموال الشائعة إذا كانت فيها عين معيبة ، فلابد من دخول هذه العين فى القسمة ومن وقوعها فى نصيب أحد الشركاء ، فهذا لا يمكن التحرر منه ، ومن ثم لا يكون هناك ضمان خاص للعيوب الخفية فى القسمة ،
السبب الثانى: أنه يمكن فى القسمة الاتفاقية مواجهة العيوب الخفية بجزاء خاص القسمة وهو الجزء الخاص بالغبن ، فإذا وقعت عن معيبة فى نصيب أحد الشركاء ، وكان العيب بحيث يلحق بالمتقاسم بنا يزيد على الخمس فإن له أن ينقض القسمة للغبن إلا إذا أكمل ما نقص من حصته بسبب العيب . فإذا كان التعرض أو الاستحقاق صادراً من الغير طبق حكم المادة 844 مدنى سالفة الذكر .
أما إذا وقع التعرض من أحد المتقاسمين فإنه يجب تطبيق القواعد العامة وتطبيق هذه القواعد يقتضى أن المتقاسم يجب أن يمتنع عن التعرض المادى المتقاسم آخر فإذا كان فى الأموال الشائعة متجر وقع مفرزاً فى نصيب أحد المتقاسمين لم يجز لمتقاسم آخر أن يتعرض تعرضاً مادياً للمتقاسم الذى وقع فى نصيبه المتجر فيقيم متجراً آخر بنافسه ويعمل على جذب عملاء المتجر الأول ، وهذا ما يقتضيه مبدأ حسن النية فى تحديد مضمون العقد وتنفيذه ( مادة 148 مدنى ) .
أما إذا كان تعرض المتقاسم مبنيا على سبب قانونى كأن كان فى الأموال التى كانت محلا للقسمة عين مملوكة ملكا خاصا لأحد المتقاسمين وليست شائعة فوقعت ف نصيب متقاسم آخر كان متقاسم المالك لهذه العين أن يستردها منه ، ولا يمنعه من ذلك التزام بالضمان ، ذلك أن القسمة كاشفة عن الحق لا ناقلة له والمالك للعين لم ينقل ملكيتها بالقسمة للمتقاسم الآخر فليس عليه التزام بالضمان وإنما يجوز هنا إبطال القسمة للغلط .
كما يجوز بعد أن يسترد المالك العين المملوكة له أن يطلب المتقاسم الذى وقعت هذه العين فى نصيبه نقص القسمة للغبن إذا توافرت شروطه أو يرجع بضمان الاستحقاق على الوجه الذى سنبينه وهذه الأحكام عينها هى التى يجب تطبيقها حتى إذا وقعت الغبن فى نصيب المتقاسم نفسه الذى يملكه ملكاً خاصاً فإن لهذا المتقاسم أن يرجع بضمان الاستحقاق على المتقاسمين معه ، كما له أن يطلب إبطال القسمة للغلط أو نقضها للغبن.
(السنهوري ص 916)
ويذهب بعض الفقهاء إلى ان المتقاسم يضمن تعرضه المبنى على سبب قانونى فلا يستطيع استرداد لعين المملوكة له ملكا خاصا ولا يبقى أمامه إلا إبطال القسمة للغلط
( بلانيول وريبير ومورى وفالتون 4 فقرة 686 ص 932 – بلانيول ويبير وبولاجيه 3 فقرة 3187 وفى نفس المعنى منصور مصطفى منصور ص 229 – أحمد سلامة ص 423)
الشرط الثانى : أن يكون التعرض أو الاستحقاق بسبب سابق على القسمة:
لا ضمان إذا كان السبب لاحقا على القسمة بشرط أن يكون لدى المتقاسم الوقت الكافى لدفع هذا التعرض وإلا اعتبر السبب فى حكم السبب السابق على القسمة مثال ذلك أن يكون هناك حائز للحصة التى وقعت فى نصيب المتقاسم ولا يبق على اكتساب الحائز لهذه الحصة إلا أيام وتكتمل مجدة التقادم وهى غير كافية للكشف عن هذا الغصب ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لقطع التقادم ، ففى هذا الفرض يرجع المتقاسم بالضمان على باقى المتقاسمين
( أنور طلبه ص 575)
وقد قضت محكمة النقض بأن
من المقرر وفقا لنص المادة 844 من القانون المدنى أن المتقاسمين يضمون بعضهم لبعض ما قد يقع من تعرض أو استحقاق سابق على القسمة ذلك لأن ضمان التعرض يقوم على أساس أن القسمة تقتضى المساواة التامة بين المتقاسمين فإذا وقع لأحدهم تعرض أو استحقاق فقد انتقلت هذه المساوة ووجب الضمان ومن المقرر أيضا أن تسجيل القسمة غير لازمة فى العلاقة بين المتقاسمين.
( جلسة 12/2/1985 الطعن رقم 849 لسنة 51 ق)
وبأنه: يضمن المتقاسمون بعضهم لبعض ما قد يقع من تعرض أو استحقاق إلا فيما كان منهما لسبب سابق على القسمة فيمتنع الضمان إذا كان التعرض أو الاستحقاق لسبب لاحق للقسمة.
(نقض مدنى 26 أبريل سنة 1962 مجموعة أحكام النقض 13 رقم 78 ص 506)
الشرط الثالث : عدم جوع الاستحقاق إلى خطأ المتقاسم
يشترط كذلك لإفادة المتقاسم من الضمان أن لا يكون هو المتسبب بخطئه فى استحقاق الغير نصيبه المفرز المقسوم له غذ يكون طبيعيا أن يتحمل وحده بهذا الخطأ دون أن يملك اجبار الباقين على مشاركته فى تحمله.
ولذلك تقضى المادة 844 / 2 بأنه
يمتنع الضمان …. إذا كان الاستحقاق راجعا إلى خطأ المتقاسم نفسه وعلى هذا فلا رجوع بالضمان للمتقاسم الذى يقصر فى الدفاع فلا يتمسك مثلا بالتقادم المكسب وأو يغفل – بوجه عام – عن اشراك باقى المتقاسمين معه فى الدعوى المرفوعة عليه رغم أنه كان فى امكانهم دفع الدعوى بدفع قاطع كان كفيلا برفضها
( حسن كيرة ص 234)
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا المعنى
ويسقط الضمان كذلك ذا كان سببه راجعا إلى خطأ المتقاسم كأن أهمل فى قطع التقادم .
(مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 128)
الشرط الرابع : عدم وجود شرط يعفى من الضمان
وتقول العبارة الأولى من الفقرة الثانية من المادة 844 مدنى سالفة الذكر ” غير أنه لا محل للضمان إذا كان هناك اتفاق صريح يقضى منه فى الحالة الخاصة التى نشأ عنها ” فإذا كان الضمان مقرراً لكل متقاسم قبل بقية المتقاسمين تحقيقا للمساواة بينهم ، فليس ما يمنعهم من النزول عن تطلب هذه المساواة بالاتفاق على الإعفاء منه .
ولأن المشرع لا يطلق لهم فى حرية عقد هذا الاتفاق، بل يقيده بأن يكون اتفاقا صريحاً لا ضمنيا حتى يستيقن من اتجاه إرادتهم إلى النزول عن حقهم فى اشراع ما تعرضه القسمة لهم من ضمان ويقيده كذلك بأن يحدد فى هذا الاتفاق الصريح سبب معين للاستحقاق المتفق على الإعفاء من ضمانه .
فلا يجوز فى القسمة ما يجوز فى البيع من الاتفاق على الإعفاء إعفاء عاما من الضمان دون تحديد أو تعيين لسبب الاستحقاق ، والا شاع تضمين عقود القسمة مثل هذا الإعفاء العام مما يقلب القسمة إلى عقد احتمال وهو ما يتنافر مع طبيعتها وما تفرضه فى الأصل من تحقيق المساواة التامة بين المتقاسمين .
(حسن كيرة ص 235)
وقد قضت محكمة النقض بأن
مفاد نص المادة 844 / 2 من القانون المدنى أنه لا محل للضمان فى القسمة إذ وجد شرط صريح فى العقد يقضى بالإعفاء من الضمان وذكر فى هذا الشرط بسبب الاستحقاق بالذات المراد الإعفاء فى ضمانه.
(جلسة 1/4/1975 الطعن رقم 51 لسنة 40 ق س 26 ص 728)
الآثار المترتبة على تحقق ضمان القسمة
إذا توافرت شروط الضمان على النحو السابق ، فيلتزم المتقاسمون – فى حالة التعرض – بالاشتراك مع المتقاسم المتعرض له فى دفعه بحيث يكون لهذا المتقاسم أن يدخلهم فى الدعوى المرفوعة عليه من الغير أو يخطرهم برفعها ليتدخلوا فيها فإذا وقع الاستحقاق فينحصر التزامهم بالضمان فى مجرد تعويض المتقاسم المستحق منه ذلك أن المشرع لا يريد أن يجعل من الاستحقاق سببا لنقض القسمة وإعادتها من جديد إلا أنه ليس ثم ما يعيب القسمة فى ذاتها .
وإذا كان قد وقع من بعد – بسبب سابق على القسمة – استحقاق كلى أو جزئي للنصيب المفرز لأحد المتقاسمين ، فيكفى فى إعادة ما احتل من المساواة بعد القسمة نتيجة ذلك تعويض المتقاسم المستحق منه بمبلغ نقدى دون حاجة إلى بدء قسمة جديدة وقلقلة ما استقر من أوضاع أو ترتب من حقوق على الأنصبة المفرزة لباقى المتقاسمين .
وإذا كان الضمان منحصراً على هذا النحو فى التعويض ، فبديهي أن المتقاسمين جميعاً – بما فيهم المتقاسم المضمون يتحملون مما عواقب الاستحقاق باعتبار أنه – وهو يرتد إلى سبب سابق على القسمة – ينتقص مما أن يجب أن تنصب عليه القسمة من أموال فيوزع التعويض عليهم جميعا بحيث يكون كل من المتقاسمين الضامنين ملتزما بنسبة حصته أن يعوض مستحق الضمان .
ويتحمل مستحق الضمان كذلك بنسبة حصته فإذا وجد بين المتقاسمين معسر ، وزع القدر الذى يلزمه فى التعويض على مستحق الضمان وجميع المتقاسمين غير المعسرين (مادة 844 / 1 مدنى) .
(حسن كيرة ص 235)
ويجب فى هذا الموضع أن تميز بين ثلاثة فروض
الأول أن يكون الاستحقاق استحقاقا كليا
فيجب على المتقاسمين الآخرين دفع تعويض كامل للمتقاسم الدائن بالضمان .
الثانى أن يكون الاستحقاق استحقاً جزئيا
فيجب على المتقاسمين الآخرين أن يدفعوا للمتقاسم الدائن بالضمان تعويضاً بقدر الضرر الذى أصابه .
الثالث أن يكون المتقاسم الدائن بالضمان قد دفع للمتعرض شيئا فى مقابل حقه صلحا أو إقرارا بهذا الحق
فيجب للمتقاسمين الآخرين إذا أرادوا أن يتخلصوا من ضمان الاستحقاق أن يردوا للمتقاسم الدائن بالضمان ما أداه للمتعرض .
(السنهوري ص 921)
وقد قطع المشرع المصرى كل خلاف حول الوقت الذى يتخذ أساسا لتقدير التعويض
بنصه على أن تكون العبرة فى تقدير الشئ بقيمته وقت القسمة ( مادة 844 / 1 ) لا وقت الاستحقاق كما هو الحال فى البيع.
والواقع أن اتخاذ وقت القسمة أساساً للتقدير هو المتفق مع حقيقية الضمان فى القسمة وكونه إعادة للمساواة التى حققتها القسمة واختلت بعدها نتيجة الاستحقاق فلا تتأتى هذه الإعادة إلا بالنظر إلى وقت تحقق هذه المساواة أصلا وهو وقت القسمة ، دون اعتداد بما يكون قد طرأ بعد القسمة من زيادة أو نقص فى الأنصبة المقسومة .
(حسن كيرة ص 236)
وقد قضت محكمة النقض بأن
أحكام ضمان التعرض الواردة فى التقنين المدنى ضمن النصوص المنظمة لعقود البيع ليست قاصرة عليه بل هى تسرى على كل عقد ناقل للملكية أو الحيازة أو الانتفاع وإذ كانت قسمة المال الشائع – وعلى ما جرى به نص المادة 843 من القانون المدنى – من شأنا زوال حالة الشيوع وانفراد كل متقاسم بملكية الجزء الذى انتجته له القسمة دون باقى الأجزاء التى آلت إلى باقى المتقاسمين والتى كان يملك – قبل القسمة حصته شائعة فيها مقابل زوال ما كان يملكه باقى المتقاسمين من قدر شائع فى الجزء الذى آل إليه .
فإن عقد قسمة المال الشائع يخضع لذات أحكام ضمان التعرض المقررة لعقد البيع وبالقدر الذى لا يتعارض مع ما للقسمة من أثر كاشف فيمتنع على كل متقاسم أبداً التعرض لأى ن المتقاسمين معه فى الانتفاع بالجزء الذى آل إليه بموجب عقد القسمة أو منازعته فيه ، لما كان ذلك وكان ما دفع به الطاعنون من سقوط عقد القسمة بالتقادم هو منهم تعرض للمتقاسمين معهم يمتنع قانوناً عليهم ، فإن هذا الدفع يكون غير مقبول
( نقض 8/3/1984 طعن 1130 س 50 ق )
وبأنه: القواعد التى تحكم ضمان البائع هى التى تحكم ضمان المتقاسم وعلى ذلك فالمتقاسم الذى يعلم وقت القسمة أن ما اختص به فيها مهدد بخطر الاستحقاق بسبب أحيط به علما من طريق من تقاسم معه او من طريق آخر لا يسوغ له فى حالة الإستحقاق أن يرجع على قسيمة إلا بقيمة ما استحق وقت القسمة لأن قيمة الأموال المستحقة فى عقد القسمة يقابل تعيين الثمن فى عقد البيع .
والمقرر فى أحكام عقد البيع ، والمقرر فى أحكام عقد البيع ، على ما يستفاد من نص المادة 265 من القانون المدنى ” القديم ” أن البائع لا يضمن سوى الثمن متى كان المشترى عالما وقت الشراء بسبب الاستحقاق وأنه مع هذا العلم لا حاجة إلى شرط عدم الضمان ليمتنع على المشترى الرجوع على البائع بأى تعويض فى حالة الاستحقاق.
( نقض 10/10/1946 ج 2 فى 25 سنة ص 884)
وبأنه: ومن المقرر وفقاً لنص المادة 884 من القانون المدنى أن المتقاسمين يضمون بعضهم لبعض ما قد يقع من تعرض أو استحقاق لسبب سابق على القسمة ذلك لأن ضمان التعرض يقوم على أساس أن القسمة تقتضى المساواة التامة بين المتقاسمين فإذا وقع لأحدهم تعرض أو استحقاق فقد انتفت هذه المساواة ووجب الضمان ومن المقرر أيضا أن تسجيل القسمة غير لازم فى العلاقة بين المتقاسمين.
( نقض 12/3/1985 طعن 849 س 51 ق)
عدم تعلق الضمان في القسمة بالنظام العام
لا تتعلق أحكام الضمان فى القسمة أو البيع بالنظام العام وبالتالى يجوز الاتفاق على تعديلها بالزيادة أو النقص أو الإسقاط .
فقد نصت المادة 445 مدنى فيما يتعلق بضمان الاستحقاق فى البيع على أن :
يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص أن يزيدا ضمان الاستحقاق أو أن ينقصا منه ، أو يسقطا هذا الضمان ، ويفترض فى حق الارتفاق أن البائع قد اشترط عدم الضمان إذا كان هذا الحق ظاهراً أو كان البائع قد أيان عنه للمشترى ويقع باطلا كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه إذا كان البائع قد تعمد إخفاء حق الأجنبى ومثل الاتفاق على زيادة الضمان اشتراط ضمان نزع ملكية العين بعد القسمة واشتراط ضمان يسار المدين عند الوفاء .
ومثل الاتفاق على انقاص الضمان اشتراط عدم ضمان حقوق الارتفاق ويقع باطلا كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه إذا كان المتقاسمون قد تعمدوا إخفاء حق الارتفاق ذلك أنهم يكونون قد ارتكبوا غشا واشترطوا عدم مسئوليتهم عنه ، ولا يجوز طبقا للقواعد العامة اشتراط عدم المسئولية أن الغش حتى ولو كانت المسئولية عقدية.
(السنهوري ص920 ، إسماعيل غانم ص 240)
ويفترض فى حق الارتفاق أن المتقاسمين قد اشترطوا عدم الضمان إذا كان هذا الحق ظاهراً ، أو كان المتقاسمون قد أبانوا عنه للمتقاسم الدائن بالضمان فيكفى إذن أن يكون المتقاسم عالما بحق ارتفاق قائم على العقار ويكون علمه آتيا من طريق هذا الحق أو الإبانة عنه حتى يكون هذا العلم بمثابة شرط بعدم الضمان ، وكان الأصل أن هذا العلم وحده لا يكفى .
(السنهوري ص 921 ، عزمي البكري ص 338)
تقادم التزام ضمان القسمة
لم يرد فى التقنين المدنى نص بين مدة خاصة لتقادم الالتزام بالضمان الناشئ من القسمة بين المتقاسمين فكان لابد من الرجوع إلى القواعد العامة وهى تقضى بتقادم الالتزام بمضى خمس عشرة سنة (مادة 377 مدنى)
ذهب البعض إلى ان هذه المدة تبدأ فى السريان من وقت وقوع القسمة
(محمد على عرفة ص 453 ، محمد كامل مرسى ص 240)
بينما ذهب البعض الآخر إلى أن هذه المدة تبدأ السريان من الوقت الذى يثبت فيه الاستحقاق .
الرأى الشخصي للأستاذ عبدالعزيز عمار المحام بالنقض:
أرى الأصح سريان التقادم من وقت ثبوت الاستحقاق فلا معني لسريان التقادم من وقت القسمة طالما أنه لم يحدث تعرض من تاريخ ابرام القسمة فلا مصلحة لرفع دعوى ضمان واستحقاق ، وانما ان حدث التعرض بالفعل فانه من ذلك الوقت تتحق المصلحة في رفع الدعوى من المتقاسم المتعرض له في حصته .
(عبد المنعم البدراوي فقرة 165)
أراءفقهاء القانون المدنى فى ضمان القسمة
بمقتضى المواد 844 مدنى مصرى والمواد العربية المقابلة (مادة 798 مدنى سوري و 848 مدنى ليبي و 1076 / 1 مدنى عراقي و 948 لبناني و 721 مدنى سوداني) .
يضمن المتقاسمون بعضهم لبعض ما قد يقع لأحدهم من تعرض أو استحقاق فى شأن نصيبه بسبب سابق على القسمة . وهذا الضمان يتقرر عادة فى خصوص التصرف الناقل للحق كما هو شأن البيع ومع ذلك فان هذا الضمان له ما يبرره خلفا للأخرين .
ذلك انه يقوم فى القسمة على مبدأ هام وضروري وهو تحقيق المساواة بين المتقاسمين فلو ان المتقاسم اختص بعين معينة ثم حكم لأجنبى بملكية هذه العين كلها أو بعضها أو بحق عينى عليها كان معنى ذلك ان المتقاسم لم يحصل على نصيبه أو انه قد حصل على جزء منه فحسب بينما حصل المتقاسمون الاخرون على اكثر من انصبائهم التى يستحقونها .
ويشمل الضمان التعرض والاستحقاق ويتحقق التعرض إذا ادعى اجنبي ملكية العين التى آلت الى المتقاسم كلها أو بعضها أو ادعى حقا عينيا آخر عليها و اما الإستحقاق فيتم إذا حكم لهذا الأجنبى بما يدعيه .
ولا يشمل الضمان العيوب الخفية ذلك ان وجود عيب خفى معناه ان النصيب الذى آل الى المتقاسم قد قوم بأكثر من قيمته , وهذا يكفى فى شأنه ما هو مقرر من جواز نقض القسمة الاتفاقية بسبب الغبن . غير ان هذا المحل لا يصدق الا فى القانون المصرى والقانون السوري والقانون الليبي .
اما فى القانون اللبناني فيشمل الضمان العيوب الخفية فضلا عن التعرض والاستحقاق , وذلك لأن النص جاء عاما لا تخصيص فيه لنوع من الضمان دون غيره .
وإذا انفرد فريق من الشركاء باقتسام المال الشائع كله فيما بينهم , فاغفلوا بذلك نصيب شريك آخر أو اكثر , فان المسألة فى هذه الحالة لا تكون مسألة ضمان يلتزم به الشركاء المتقاسمون نحو الشريك الذى اغفل نصيبه , وانما تكون القسمة حينئذ باطلة بطلانا مطلقا .
(الملكية في قوانين البلاد العربية – 2 الملكية الشائعة – للدكتور عبد المنعم فرج الصدة – المرجع السابق – ص 84 وما بعدها)
يحصل كل من الشركاء المشتاعين على حصة مفرزة بموجب القسمة , وهذا هو الغرض من القسمة . ويجب ان يكون هذا الجزء معادلا لنصيبه , فان قل عن ذلك عوض هذا الشريك بمعدل نقدى .
فإذا تعرض متقاسم لآخر بعد القسمة . أو تعرض الغير لأحد المتقاسمين لسبب سابق على القسمة وترتب على هذا التعرض استحقاق جزء مما آل الى أحد الشركاء المتقاسمين بطريق القسمة . ففى هذا اخلال بمبدأ المساواة التى يجب ان يسود بين الشركاء المتقاسمين .
وإذا حدث لأحد الشركاء تعرضا واستحقت الحصة التى آلت إليه بطريق القسمة , ولم يستطع باقى الشركاء دفع التعرض عنه , فان هؤلاء الشركاء يكونون قد اخلوا بالتزاماتهم بضمان التعرض ويتعين عليهم تعويض المتقاسم الذى استحق نصيبه .
(الحقوق العينية الأصلية – للدكتور محمد على عمران – المرجع السابق – ص 335 وما بعدها)
يضمن المتقاسمون لبعضهم البعض ما قد يقع من تصرف أو إستحقاق ويفسر الضمان بين المتقاسمين على أساس ضرورة تحقيق المساواة فيما بينهم من حيث استلزام حصول كل منهم على ما يوازى الحصة التى كانت له فى الشيوع , فإذا ثبت ان شخصا من الغير تعرض لأحد المتقاسمين وحكم له بملكية العين التى وقعت فى نصيب هذا المتقاسم كلها أو بعضها , كان معنى ذلك ان المتقاسم لم يتلق شيئا أو تلقى حقه ناقصا .
ومن هنا يقع الضمان على الباقين اذ ليس من العدالة ان يأخذ باقى المتقاسمين حقوقهم كاملة ويحرم احدهم من كل حقه أو بعضه ويقتصر ضمان التعرض على التعرض القانونى وعلى الإستحقاق فلا يشمل العيوب الخفية كما هو الشأن فى حالة البيع ولهذا ما يبرره اذ فى حالة البيع لا يجبر المشترى على قبول مبيع معيب.
اما فى حالة القسمة فانه إذا كان الشئ معيبا ووقع فى نصيب المتقاسم فلا يكون له ان يرجع بالضمان لأنه لا محالة من وقوعه فى نصيب أحد الشركاء ومع ذلك إذا اكتشف المتقاسم العيب فيما آل من نصيب , فان هذا يدل على غبن لحقه وبالتالى تطبق أحكام الغبن إذا توافرت شروطه طبقا لما يقضى به القانون فى شأن القسمة .
ويشترط لقيام الضمان ان يكون التعرض أو الإستحقاق لسبب سابق على القسمة , كما إذا استحقت العين التى آلت الى أحد المتقاسمين على أساس اكتساب الغير بالتقادم الذى توافرت شروطه قبل القسمة , أو إذا كان الغير قد اشترها قبل القسمة بعقد صحيح .
فإذا ما تحقق هذا إلتزام المتقاسمون الاخرون بالضمان , ويكون كل منهم ملزما بنسبة حصته قبل مستحق الضمان , والعبرة فى تقدير الشئ بحسب قيمته وقت القسمة .
فإذا كان أحد المتقاسمين معسرا وزع القدر الذى يلزمه على مستحق الضمان وجميع المتقاسمين غير المعسرين وذلك بمقدار نصيب كل منهم .
وفى القانون المصرى يتقرر لمستحق الضمان حق امتياز على انصبة المتقاسمين الاخرين طبقا لأحكام المادة 1149 مدنى التى تجعل للشركاء الذين اقتسموا عقارا حق إمتياز لما تخوله القسمة من حق رجوع كل منهم على الاخرين ومع ذلك لا محل للضمان فى حالتين هما حالة الإتفاق وحالة ما إذا كان الإستحقاق راجعا الى خطأ المتقاسم نفسه .
- (ا) ففى حالة الإتفاق ينص القانون المدنى على انه لا محل للضمان إذا كان هناك إتفاق صريح يقضى بالإعفاء منه فى الحالة الخاصة التى نشأ عنها فيلزم فى هذه الحالة ان يكون الإتفاق صريحا وهذا بخلاف الإتفاق على الاعفاء من الضمان فى حالة البيع اذ يكون الإتفاق صريحا أو يستنتج من الظروف .
ومن ناحية اخرى يلزم ان يكون شرط الاعفاء خاصا يتفق فيه على الاعفاء من ضمان سبب معين من اسباب الإستحقاق , وبذلك يقتصر الاعفاء عليه فقط . وهذا بخلاف البيع اذ الإتفاق على عدم الضمان يجوز للبائع ان يسقط الضمان عن نفسه بشرط عام .
- (ب) وينص القانون كذلك على ان يمتنع الضمان ايضا إذا كان الإستحقاق راجعا الى خطأ المتقاسم نفسه , من ذلك مثلا حالة ما إذا اهمل المتقاسم فى قطع التقادم أو إذا ادعى الغير بحق سابق على القسمة , فأقر له المتقاسم بما يدعيه رغم عدم صحة دعواه .
(الحقوق العينية الأصلية – للدكتور العميد توفيق حسن فرج – المرجع السابق – ص 269 وما بعدها)
قد تنتهى القسمة وينال كل شريك نصيبه منها ثم يعرض ان يظهر مستحق لحصة أحد الشركاء , وذلك يقع فى الحصص العينية فيأخذه فتفرغ يد هذا الشريك من الحق الذى له فى الملك المقسوم .
وعلاجا لحالة الإستحقاق هذه وضع المشرع العراقي نص المادة 1076 مدنى فجعل بها للشريك الذى استحقت حصته حق الرجوع على الشركاء الاخرين بما يصيبهم بحسب حصصهم من قيمة الحصة المستحقة التى تقدر بقيمتها وقت القسمة ومثل ذلك يقال إذا كان من استحقت حصته اكثر من وأحد .
وعلى هذا يكون القانون قد قرر للشريك ضمانا لحصته على حصص الشركاء الاخرين فحصته مضمونة بحصصهم على الوجه العادل بحيث يقال ان ما تقع عليه القسمة هو الملك المشاع الباقى بعد الإستحقاق .
وإذا ترتب للشريك ضمان على شركائه بسبب الإستحقاق وكان احدهم معسرا قسم ما يصيب هذا من الضمان على جميع الشركاء الاخرين ومنهم المستحقة حصته, فيدفعون ما يصيب هذا اضافة الى ما يصيب حصصهم من المساهمة فى الضمان .
فكأن الشركاء ضامن بعضهم لبعض ضمانا مضاعفا هو ضمان الحصة المستحقة ثم ضمان ما يصيب المعسر منهم من هذا الضمان ولهم الرجوع عليه بما ضمنوا عنه إذا أيسر .
ويشترط لاستحقاق الشريك ضمان حصته المستحقة ما يشترط فى ضمان الإستحقاق العادى , ومن ذلك ان يكون سبب الإستحقاق قد نشأ زمن الشيوع لا بعد القسمة اى ان الإستحقاق لم يقع على ملكية الشريك للحصة التى إصابته بالقسمة وان يكون الإستحقاق ثابتا بالبينة المقبولة قانونا .
لهذا لا يكون للشريك ضمان على حصص الشركاء الاخرين إذا كان قد سلم بمجرد الادعاء بالاستحقاق أو كان سبب الزامه هو الإقرار على ما هو مفصل فى دعوى الإستحقاق وعليه الى جانب ذلك ان يخطرهم بالاستحقاق والدخول فى الدعوى ولكنهم يتخلصون من الضمان إذا أثبتوا ان دعوى الإستحقاق كانت تواطؤا أو غشا من الشريك أو كان هناك شرط صريح بإسقاط حق الضمان إذا كانت القسمة رضائية .
وللشريك الذى استحقت حصته إمتياز على حصص شركائه الضامنة لحصته وعلى معدل القسمة فكأن هذه الحصص والمعدل ان وجد رهن لضمان الإستحقاق.
(الملكية العقارية في العراق – للأستاذ حامد مصطفى – جزء 1 – ص 134 وما بعدها)
ختاما: تعرفنا على أحكام ضمان كل متقاسم في عقد القسمة للمتقاسمين الأخرين وفقا لنص المادة 844 مدنى واستعرضنا شروط تحقق الضمان والاستحقاق فيما بينهم مع التعرف كذلك على مدة تقادم دعوى ضمان واستحقاق القسمة.