الشك لمصلحة المدين
تعرف في هذا المقال الموجز، معني تفسير الشك لمصلحة المدين في القانون المدني، حينما يكون هناك غموض ببند من بنود العقد، تطبق قاعدة تفسير الشك لصالح المدين بالالتزام محل الغموض، ومن ثم ندرس معني القاعدة، ولماذا خص المشرع المدين دون الدائن بقاعدة تفسير الشك.
تفسير الشك والغموض في التعاقد
عبارة العقد إن كانت واضحة فلا يجوز اللجوء إلى تفسيرها لأن الواضح يؤخذ بوضوحه ولا يكون بحاجة إلى تفسير، وأن العبارة إن كانت غامضة تعين تفسيرها باللجوء إلى قواعد التفسير المقررة قانوناً، فإن أدى التفسير إلى إزالة ما اكتنف العقد من غموض وظهرت النية المشتركة للمتعاقدين بجلاء تعين الأخذ بها وإعمال حكمها ولو كانت في غير مصلحة المدين .
أما إن لم يؤد تفسير العبارة الغامضة إلى جلاء النية المشتركة للمتعاقدين، وإنما تعلق الشك بالمراد منها، تعين أن يفسر هذا الشك في مصلحة المدين، وإن خلص قاضي الموضوع إلى توافر الشك، كان ذلك من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض ذلك أن تحديد معنى الشك ذاته هو من تلك المسائل.
فلا يكتفي القاضي بالقول بوجود شك في عبارة العقد، وإنما يجب عليه أن يبين هذا الشك ببيان كافة المعاني التي يمكن أن تنصرف إليها العبارة وأنه لم يتمكن من تحديد أي منها إرادة المتعاقدان ثم يأخذ بالمعنى الأكثر فائدة للمدين طالما كان يحتمل أن يكون هو المراد من العاقدين، أما إن تبين أن النية المشتركة لم تتجه إلى أي من هذه المعاني، فإن العقد لا يكون قد تم .
(أنور طلبة – ص 89 – السنهوري بند 398)
قضت محكمة النقض بأن
للمحكمة أن تستعين بالبينة والقرائن في تفسير ما غمض من نصوص العقد، فإذا كانت المحكمة بعد أن أوردت عبارات العقد المتنازع على تكييفه أهو عقد قسمة أم عقد بدل واستعرضت أسانيد كل من الطرفين لوجهة نظره، قد اعتبرته عقد بدل بناء على ما ذكرته من أسباب مسوغة لذلك مستخلصة من عبارات العقد ومن ظروف الدعوى، فإنها تكون في حدود سلطتها وكل مجادلة لها في ذلك تكون مجادلة موضوعية لا شأن لمحكمة النقض بها
(الطعن رقم 66 لسنة 19 ق جلسة 7/6/1951)
وبأنه إن الاشتباه في الغرض المقصود من المشارطة التي يجب معه، بحكم المادة 140 من القانون المدني، تفسير المشارطة بما فيه الفائدة للمتعهد هو الاشتباه الذي يقوم في نفس القاضي لخلو الدعوى من دليل مقنع فإذا كان المستفاد من الحكم أن المحكمة قد استخلصت في اقتناع تام من أدلة الدعوى المرفوعة على المشتري بمطالبته بثمن القطن المبيع له أنه تسلم المبيع، ثم قضت بإلزامه بالثمن، فإن حكمها يكون سليماً ولا غبار عليه.
(الطعن رقم 21 لسنة 14 ق جلسة 14/12/1944)
نطاق تطبيق هذه القاعدة هو أن يكون هناك شك في التعرف على النية المشتركة للمتعاقدين
مجرد شك ، بأن يتراوح تفسير العقد بين وجوه متعددة كل وجه منها محتمل، ولا ترجيح لوجه على وجه، أما إذا استحال التفسير، ولم يستطع القاضي أن يتبين ولو وجهاً واحداً لتفسير العقد مهما كان جانب الشك فيه، فهذه قرينة على أنه ليست هناك نية مشتركة للمتعاقدين التقيا عندها، بل أراد كل منهما شيئاً لم يرده الآخر، فلم ينعقد العقد، ولابد من جهة أخرى، أن يكون الشك مما يتعذر جلاؤه، فإذا أمكن القاضي أن يكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين – مهما كان هذا عسيراً – واستطاع أن يزيح عنها الشك، وجب عليه تفسير العقد بمقتضى هذه النية المشتركة، ولو كان التفسير في غير مصلحة المدين.
(السنهوري بند 399 – الشرقاوي بند 80 مرقص بند 260)
قضت محكمة النقض بأن
لما كان الحكم المطعون فيه قد وقف في تفسيره لعقد البيع موضوع النزاع عند البند العاشر منه الذي حظر على الطاعنة ممارسة نشاط يؤثر على سلامة المبنى أو الإضرار به كلياً أو جزئياً ورتب على ذلك قضاءه بالفسخ والتسليم استناداً إلى تدخلها المباشر في الإضرار بالأعمدة الخرسانية بالعين .
فضلاً عما تحدثه آلات الطباعة من قلق واهتزازات دون أن يأخذ في اعتباره ما ورد بالبند الرابع منه من أن الغرض من شراء المحل هو لاستخدامه كمطبعة أو يسترشد بالمعايير التي حددها القانون لمباشرة هذا النشاط والذي يستوجب استعمال آلات ذات مواصفات معينة والحصول على ترخيص يحدد نوعية الآلات المستخدمة في العمل وهو ما تحصلت الطاعنة من أجله على الترخيص رقم 120112 نفاذاً للقانون رقم 48/1967 .
فإنه يكون قد مسخ نصوص العقد وخالف قواعد التفسير مما حجبه عن الوقوف على حقيقة الإخلال الذي وقعت فيه الطاعنة ومداه وما إذا كان من شأن تكسير الأعمدة الخرسانية وفق منطوق الحكم أن يؤدي إلى الإضرار بالعقار الكائن به عين النزاع بعد استبعاد النشاط العادي للمطبعة وهو ما لم يستظهره الحكم المطعون فيه مما يعيبه
(الطعن رقم 3268 لسنة 67 ق جلسة 27/6/1998)
وبأنه أن محكمة الموضوع إذ تفسر غامض السند موضوع النزاع طبقاً لمقاصد العاقدين، مسترشدة في ذلك بظروف الدعوى وملابساتها، وإذ تأخذ بما ترجحه من وجوه التفسير، معتمدة على اعتبارات معقولة مقبولة، لا تخضع لرقابة محكمة النقض على ما يجري به قضاؤها .
فإذا اختلف طرفا الدعوى على تفسير ورقة قال المدعي أن المبلغ الوارد بها هو قرض واجب الأداء، وقال المدعى عليه أنه لم يكن قرضاً اقترضه من المدعي وإنما هو جزء من ثمن قطن تسلمه المدعي من زراعته بصفته وكيلاً عنه وباعه وقبض ثمنه، ورشح المدعي عليه لهذا الادعاء بعبارة الورقة المطالب بقيمتها وبأوراق أخرى قدمها.
فحكمت محكمة الاستئناف تمهيدياً باستجواب الخصمين وحققت ما ادعاه كل منهما، وحصلت مما استظهرته من القرائن ومن جميع ظروف الدعوى أن دعوى المدعى عليه أرجح من دعوى المدعى، أو أن هذه القرائن – على أقل تقدير – موجبة للشك في سبب الدين المدعى به، فرفضت الدعوى، فهذا الحكم صحيح
(نقض 7/12/1933 جـ 2 في 25 سنة السابق ص 845)
وبأنه وأن القانون إذ بين نتائج البيع من جهة التزامات كل من المتعاقدين لم يقصد إلزام المتعاقدين بعدم الخروج عن تلك النتائج ولكنه وضعها على اعتبار أنها فكرة المتعاقدين وما يقصدانه غالباً وقت البيع.
فإذا لم يذكر في عقد البيع التزامات صريحة خاصة بالضمان فإن القانون يفرض أن المتعاقدين أرادا ما بينه في مواده. ولهذا يجب على من يريد مخالفة ما فرضه القانون من الضمان – إذا هو أراد تشديد الضمان على البائع – أن يبين في العقد الشرط الذي يفهم منه صراحة تشديد الضمان ومخالفة ما نص عليه القانون .
أما اشتمال العقد على ما قرره القانون بعبارات عامة ، فإنه لا يدل على أن البائع تعهد بضمان أشد مما فرضه القانون، ويكون من المتعين في هذه الحالة تطبيق الضمان القانوني دون زيادة عليه ، لأنه في حالة الاشتباه يكون التفسير بما فيه الفائدة للمتعهد”
(الطعن رقم 43 لسنة 1ق جلسة 3/3/1932)
الاستثناء القاعدة المنصوص عليها في الفقرة الثانية
أما الاستثناء الذي يرد على القاعدة فهو ما ور دفي الفقرة الثانية من المادة 151 من أنه لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن.
فيجب إذن أن يكون التفسير لمصلحته دائماً، ولو كان دائناً، على خلاف القاعدة التي نحن بصددها من أن التفسير عند الشك لا يكون لمصلحة المتعاقد إلا إذا كان مديناً.
(الشرقاوي بند 80 – مرقص بند 260 – السنهوري بند 399)
قضت محكمة النقض بأن
التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بعدم جواز تفسير وثيقة التأمين بما يضر مصلحة الطرف المذعن طبقاً للمادة 151 من القانون المدني غير مقبول ذلك أنه يتضمن دفاعاً جديداً لم يسبق طرحه أو التمسك به أمام محكمة الموضوع.