الشهر، القيد لنقل ملكية العقارات

دراسة موجزة عن انتقال الملكية والحقوق العينية في المواد العقارية، سواء في نظام القيد بالسجل العيني، أو نظام الشهر الشخصي في الشهر العقاري، مع بيان قواعد كل من نظام الشهر ونظام الفيد.

نقل ملكية المواد العقارية

عدم انتقال الملكية أو الحقوق العينية الأخرى في المواد العقارية إلا بمراعاة الأحكام المبينة في قانون تنظيم الشهر العقاري :

تحيل 934 مدني في انتقال ملكية العقار إلى قانون تنظيم الشهر العقاري ، وهو القانون رقم 114 لسنة 1946 ويبين هذا القانون التصرفات والأحكام القضائية والسندات التي يجب شهرها ويقرر الأحكام المتعلقة بهذا الشهر .

نقل الملكية في العقارات أمر يهم كل مالك عقاري بسند عرفي، وفي مصر تحاول الحكومة جاهدة تعديل قوانين التسجيل فأصدرت القانون 9 لسنة 2022، الا أنه ما زال نظام التسجيل العقاري معيب وبطئ ومكلف ماديا، لا سيما أن المشرع لم يقترب من نظام القيد في قانون السجل العيني، المعيب بالاجراءات الصارمة الجامدة مثل وجوب اختصام المالك بالصحيفة العقارية وورثته وورثة ورثته بتسلسل مجهد ومستحيل في بعض الأحيان مع مرور الزمن الطويل علي وفاة المالك بالصحيفة العقارية .

نظم الشهر العقاري

ظهر  نظام الشهر العقاري كوسيلة لضبط   الملكية العقارية   ، وقد ارتبط بها ، فهو إذاً ، قديم قدم الملكية العقارية ذاتها ، عرفه المصريون القدماء ، فقد ثبت أن الملكية لم تكن تنتقل إلا بعد إشهار التصرفات الناقلة للملكية  ، حيث توجد سجلات خاصة معدة لهذا الغرض بها أسماء قطع الأرض وملاكها وما يحدث عليها من تصرفات ، وعرفه البابليون .

فقد رأى البعض ، أنهم أول من أقاموا نظاما لا يقل عن نظام التسجيل العقاري المعروف الآن ، فقد  تم في عهدهم حصر الأراضي الزراعية وأثبتت على صحائف ، ثم قاموا بتحديد الأرض بواسطة علامات من الحجر كتب على كل منها اسم صاحبها مع بيان مساحتها وجيرانها الملاصقين .

ووضع نظير منها في المعبد الذي هو في نفس الوقت قصر المحكمة ، وكان إذا حدث انتقال للعقار من يد الى يد نص على ذلك في الصحيفة ، واعتبر  سند الملكية هو نفس تلك الحجارة المحفوظة بالمعبد وعليها تعتمد الدولة في استخلاص المعالم . أيضا عرفه الليبيون القدماء ، فقد ثبت أنهم قاموا ببيع قطعة أرض لمؤسسة مدينة قرطاجه لتقيم مدينتها ، أى أنهم عرفوا العقود مما يقتضي وجود نظام لتوثيقها .

(إبراهيم أبو النجار ص 12 ، شفيق شحاته ، تاريخ القانون الخاص في مصر ص 42 وما بعدها ، محمود السقا ، محمد علي ، محمود شوقي ، الشهر العقاري علما وعملا ص 2)

ويهدف نظام الشهر كقاعدة ، الى تحقيق العلانية للتصرفات والحقوق المتعلقة بالعقارات ولذلك فهو يتضمن مجموعة من القواعد القصد منها تنظيم هوية كل عقار ،  بحيث توضح على وجه الدقة معالمه وحدوده وأوصافه ومالكه ، وكيف انتقل العقار إليه ، وما على العقار من حقوق وما له ، مع ذكر أسماء أصحاب الحقوق المترتبة على العقار .

(مأمون ، التحفظ العقاري في الحقوق العينية الأصلية والتبعية ص 9)

وتشترط الأنظمة الحديثة تسجيل الحقوق العينية المتعلقة بالعقار بوجه عام ، ويكون ذلك بإثبات التصرفات القانونية المنشئة لهذه الحقوق في سجلات معدة لذلك ، في ستطيع من يريد التعامل على العقار ، الحصول على البيانات المطلوبة وأخذ شهادات بها .

(السنهوري ، البيع والمقايضة ص 545)

انتقال الملكية والحقوق العينية

 ويرجع ذلك الى أن الحقوق العينية بطبيعتها  نافذة  في حق الكافة ، فوجب شهرها  أى إيجاد طريقة تيسر للمتعاملين عليها من العلم بوجودها ، حتى يعتد بها ويدخلها في حسابه عند التعامل  ، فإذا اشترى شخص ما عينا ، سهل عليه قبل أن يقدم على شرائها أن يعرف الحقوق العينية المتعلقة بهذه العين والتي هى نافذة في حقه ، فلو كانت العين مرهونة مثلا استنزل مقدار الدين المضمون بالرهن من الثمن وقد تكون مملوكة لشخص آخر غير البائع فلا يقدم على الشراء أصلا .

(السنهوري ، مرجع سابق ص 434)

وإذا كان المشرع قد تطلب شهر التصرفات التي ترد على العقار نظرا لأهميتها ، ولم يتطلب ذلك بالنسبة للمنقولات فإنه يجب إلغاء هذه التفرقة القديمة فلم يعد لها أساس خاصة وقد ظهرت منقولات تفوق في قيمتها وأهميتها العقارات ، لذلك تدخل المشرع وتطلب شهر السفن والطائرات والسيارات ، أما الوقائع المادية ، فهى لا تثبت كقاعدة عامة في محررات ، وعلى سبيل الاستثناء قد يتطلبه المشرع كما هو الحال في واقعة الموت ، فهو يرتب آثارا قانونية كالحق في الإرث ، ولذلك أخضعه المشرع القانوني للشهر العقاري .

 (السنهوري ، المرجع السبق ص 546)

ويتحقق شهر الحقوق العينية الواردة على عقار ، بإثبات التصرفات القانونية في سجلات ، فيستطيع كل من له مصلحة الإطلاع على البيانات المدونة وأخذ شهادات بها ، ويتم إثبات التصرفات إما بطريقة التسجيل وإما بطريقة القيد . ويتطلب التسجيل التدوين الكامل لنصوص المحررات التي يراد شهرها ، فهو إذاً ، إثبات حرفي للمحررات المشتملة على التصرفات حتى يتمكن من له مصلحة من الإطلاع عليها ، وقد أخذ بهذه الطريقة في الحقوق العينية الأصلية .

(الدكتور محمد سعد خليفة ، السجل العيني ص 14)

أما القيد  فيتطلب تدوين  أهم البيانات اللازمة التي يمكن بها تعيين الحق الوارد في المحرر فهو يقتصر إذاً على تدوين البيانات الجوهرية وقد أخذ به في الحقوق العينية التبعية .

نظم نقل الملكية العقارية

تعرف النظم الحديثة نظامين للشهر:

  • نظام الشهر الشخصي.
  • نظام الشهر العيني .

أولا : نظام الشهر الشخصي

 يتميز نظام الشهر الشخصي بأن التسجيل فيه يتم طبقا لأسماء الأشخاص من ملاك وأصحاب حقوق عينية وليس طبقا للعقار ، ومن هنا كانت تسمية هذا النظام  بنظام الشهر الشخصي . فالعقارات في هذا النظام لا تعرف بمواقعها وأرقامها ، وإنما تعرف بأسماء مالكيها ، وأصحاب الحقوق العينية عليها ، فقد يشتري شخص عقارا معينا ، فيسجل العقار باسمه في مكان معين من السجل .

فإذا باع العقار بعد ذلك من شخص آخر ، سجل العقار باسم مالكه الجديد في مكان آخر من السجل ، وقد نشئ هذا الأخير حقا عينيا على العقار لصالح شخص ثالث ، فيسجل الحق على اسم هذا الشخص في مكان جديد ، وعلى هذا النحو تتوزع الحقوق الجارية على العقار على أماكن مختلفة من السجل ، باختلاف أسماء أصحاب هذه الحقوق .

فإذا أراد شخص أن يكشف على عقار لمعرفة ما يترتب عليه من حقوق عينية ، وما جرى عليه من تصرفات ، كان عليه أن يعرف اسم مالكيه السابقين ، وإذا تعدد هؤلاء وأولئك وجب عليه أن يبحث عن أسمائهم جميعا ، فإذا أغفل واحدا منهم ، أو أخطأ في اسمه ، كان معرضا للحصول على بيانات غير دقيقة .

هذا فضلا عما قد يسببه تشابه الأسماء من مشاكل وأخطار حيث يحصل الخلط بين شخص وآخر يحملان  نفس الاسم ، فتضاف تصرفات هذا الى ذاك ، أو العكس ، ويكثر حصول مثل هذا الخطأ في الأشخاص ، في بلد تتعدد فيه الأسماء وتتشابه، كما في لبنان أو في مصر حيث يوجد العشرات أو المئات من الأشخاص يحملون نفس الاسم .

(حسين عبد اللطيف حمدان ،  أحكام الشهر العقاري ص 13)

لعل من أبرز عيوب  نظام الشهر الشخصي أنه يعتبر القيد أو التسجيل مجرد إجراء للشهر والعلانية ، وليس سببا لنشوء الحقوق العينية وانتقالها ، ولذلك فالتصرفات التي يتم شهرها في هذا النظام ، لا تخضع للتدقيق والبحث عن صحتها ، بل تشهر كما هى ، فإن كانت صحيحة ، بقيت صحيحة ، وإن كانت باطلة أو قابلة للإبطال ، بقيت على حالها باطلة أو قابلة للإبطال .

ذلك لأن الشهر في هذا النظام ليس من شأنه أن يطهر عيوب العقد . فالعقد المشهر يظل عرضة للطعن وطلب الإبطال لأى سبب من أسباب البطلان ، فإذا حكم بإبطال العقد المشهر ، وتم التأشير بهذا الحكم في هامش تسجيل العقد ، زال كل أثر لهذا التسجيل .

وإذا كان هذا المبدأ يستحيل لدواعي العدالة ، ووجوب حماية المالك الحقيق أو صاحب الحق الذي شاب رضاءه عيب ، أو وضع ضحية تزوير ، إلا أنه  يتنافى مع ما يجب أن يتوفر للتسجيل بعد تمامه من حجية مطلقة ، وتؤدي الى عدم استقرار المعاملات ، وزعزعة الثقة بالملكية العقارية .

ونظام الشهر الشخصي ، هو المتبع في فرنسا وفي معظم البلاد اللاتينية كبلجيكا وإيطاليا ، وهو المتبع كذلك في مصر ( رغم صدور القانون رقم 142 / 1964 القاضي بتقرير نظام الشهر العيني إذ أن هذا القانون لم يوضع موضع التنفيذ بعد) وفي دولة الكويت .

ثانيا : نظام الشهر العيني

في نظام الشهر العيني يتم شهر التصرفات وفقا للعقارات ، وليس وفقا لأسماء مالكيها أو أصحاب الحقوق العينية  عليها كما يحصل في نظام الشهر الشخصي ، ومن هنا كانت تسميته بنظام الشهر العيني فلكل عقار في هذا النظام صحيفة في السجل العقاري  يسجل فيها جميع ما يقع على هذا العقار من التصرفات وما يثقله من الحقوق ،

وتعرف هذه الصحيفة باسم الصحيفة العينية ، وهى تحمل رقم العقار وتتضمن بيان ماهيته وموقعه ومساحته واسم مالكه أو أسماء مالكيه – إذا تعددوا – وجميع الحقوق المترتبة له أو عليه ، بحيث يكفي لمن يريد التعامل في عقار أن يطلع على صحيفته العينية ، لكى يعرف بكل دقة ، كل ما يود معرفته عن هذا العقار ، كاسم مالك العقار ، والتصرفات التي وقعت منه في عقاره ، وما يثقل هذا العقار من الحقوق والأعباء .

فيقدم على التعامل وهو مطمئن ولا يتم التسجيل في الصحيفة العينية إلا بعد التحري عن صحة التصرفات المراد تسجيلها ، والتثبت من خلوها من كل ما يمنع تسجيلها ، فيتم التأكد من موقع العقار ورقمه ونوعه الشرعي وماهيته ومساحته ، ومن هوية المتصرف وأهليته ، ثم من ملكيته للعقار المتصرف به.

فإذا وجد أن التصرف صحيحا جرى تسجيله وإذا وجد معيبا امتنع هذا التسجيل ويشرف على السجل العقاري قاضي أو موظف آخر من حملة شهادة الحقوق ، وهو الذي يدقق في طلبات الشهر المقدمة ويأمر بعد الفحص والتحقيق بالتسجيل .

(حسين عبد اللطيف حمدان ، مرجع سابق ص 28)

بتمام التسجيل ينتقل الحق العيني من المتصرف الى المتصرف له فالتسجيل وليس العقد أو التصرف هو الذي ينقل الحق العيني وينتقل الحق العيني بالتسجيل حتى ولو كان التصرف معيبا لأن التسجيل يطهر عيوب  التصرف ولذلك تتمتع قيود السجل العقاري بحجية كاملة وإن من  يكتسب حقا عينيا بالاستناد الى هذه القيود يعتبر مالكا لهذا الحق على وجه نهائي فلا تجوز منازعته فيه .

وهذا أمر طبيعي طالما أن الموظف الذي يشرف على السجل لا يأمر بالتسجيل أو القيد إلا بعد أن يتحقق من صحة التصرف المطلوب شهره ، ونظام الشهر العيني هو المعتمد في لبنان وسوريا وفي بعض البلاد العربية الأخرى كتونس والمغرب وليبيا والعراق وهو المعتمد كذلك في بعض البلاد الأجنبية كألمانيا وأسبانيا واستراليا وغيرها .

قواعد نظام السجل العيني

يمكن إيجاز قواعد نظام السجل العيني في الآتي:

إعداد سجلات مخصصة لغرض تقييد البيانات اللازمة للعقار تقسم على أساس الوحدة العقارية

وبناء على هذه البيانات تصدر سندات جديدة للعقار تتضمن الحقوق التي ظهرت أثناء  التسجيل

علانية الإجراءات التي تتم لتلك القيود وكذلك للقيود اللاحقة على التسجيل الأول

وذلك باتخاذ عملية إشهار واسعة النطاق تمكين الغير من العلم بها والمنازعة فيها .

(الدكتور محمد خليفة ، مرجع سابق)

ضرورة المراقبة المسبقة لكل العقود الخاضعة للتسجيل للتأكد من مشروعيتها قبل قيدها في السجل

إضفاء الحجية على البيانات الواردة في السجل حتى تكون بمأمن من الاستيلاء  على العقار بوضع اليد أو عرضه لأى منازعة حول الحقوق التي تنص عليها ، إلا في حالات خاصة محددة ، وعلى المتضرر أن يلجأ للتعويض

تسهيل  إجراءات نقل الملكية والحقوق العينية الأخرى

حتى يمكن تداول الملكية العقارية ، وأن التسجيل في هذا النظام يكون اختياريا للأفراد وإجباريا للدولة .

 (محمود العنابي ، قانون التسجيل التونسي علما وعملا ص 9 وما بعدها)
ومع ذلك يرى البعض أن

نظم السجل العيني لم يكن ابتكارا أصيلا لتونس فقد عرف في فرنسا قبل الثورة ، ويرى البعض الآخر أن العرب قد عرفوه في وقت معاصر لظهور نظام تونس ، كما أن الدولة العثمانية عندما بدأت في الإصلاح القانوني والإداري – في آخر عهدها – حاولت وضع نظام للملكية العقارية ، عرف بنظام الطابو .

 ( منصور وجيه ، إبراهيم أبو النجا ، محمد عبد الجواد)

وقد أخذت  بهذا النظام ألمانيا ، بقانون 5 مايو سنة 1872 وتأكد بالقانون الصادر في سنة 1900 ، كما أخذت به سويسرا ، وأدخله الفرنسيون في تونس سنة 1885 ثم أدخل عليه بعض التعديلات خاصة بمرسوم 20 فبراير سنة 1964وأخذ به في سوريا ولبنان والعراق ، والمغرب ، وليبيا ، وقد أخذت به مصر أيضا بالقانون 142 لسنة 1964 .

 (محمد خيري ، مرجع سابق ص 51 وما بعدها)
وقد أخذ على هذا النظام

حاجته الى نفقات بالغة ، لأن الأخذ به يقتضي عمل مسح شامل لجميع الأراضي وإجراء تحقيق لإثبات صحة الحقوق العينية المتعلقة بكل عقار تمهيدا لإثباتها في السجل العقاري ، كما أنه يصعب تطبيقه في البلاد التي تتفتت فيها الملكية العقارية ، فضلا عن أنه يضحى بمصلحة المالك الحقيقي لصالح مكتسب العقار وذلك لما يتمتع به من قوة ثبوت مطلقة .

 (قائد سعيد ، السنهوري ، إبراهيم أبو النجا ، المرجع المشار إليها سابقا)

أهم مزايا هذا النظام

  1. أنه يوفر الطمأنينة لكل من يتعامل على العقار وفق القيود والبيانات المدونة في السجل العقاري ، بما يضفيه على هذه القيود والبيانات من حجية كاملة
  2. أنه يتجنب العيوب والأخطار التي قد تنجم عن تشابه الأسماء ، باعتماده العقار أساسا للتسجيل في السجل العقاري ، وليس اسم المالك أو صاحب الحق العيني
  3. أنه يصون الحقوق العينية العقارية من خطر اكتسابها بمرور الزمن (التقادم) لأن مرور الزمن لا يسري على الحقوق المسجلة في السجل العقاري
  4. أنه يؤدي إلى تثبيت مساحة العقار ، ويضمن عدم التعدي عليه أو الاستيلاء على أى جزء منه ، كما يضع حدا للمنازعات التي يمكن أن تثور بين الجيران بشأن الحدود ، ذلك لأن هذا النظام يوجب مسح العقارات وتحديدها ورسم خريطة شاملة لها يتم التسجيل على أساسها
  5. أنه يؤدي إلى استقرار الملكية ، وتوفير الثقة بها ، مما يشجع على التعامل في العقارات ويعزز الائتمان العقاري ، ولا يخفى ما لذلك من أثر في إنماء وازدهار الثروة العقارية .

تطور الشهر العقاري التاريخي

عرف الإنسان فكرة الشهر العقاري منذ أقدم العصور . ففي كل عصر من عصور التاريخ كان التصرف بالأرض يخضع لإجراءات شهر معينة ترمى الى  تثبيت الملكية لأصحابها ، وحماية التعامل بها من الغش والخداع .

ففي العصور القديمة

يوم كانت الأرض موزعة بين الأسر لم تكن الأرض قابلة للانتقال إلا بموافقة جميع أفراد الأسرة ، وكان لكل واحد من هؤلاء حق الاعتراض (الفيتو) على عملية الانتقال ، وكان الانتقال يتم – بعد الموافقة عليه – بصورة علنية على  مرأى ومسمع جميع أهل القبيلة أو العائلة .

ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في سفر التكوين ، من أن إبراهيم عندما أراد دفن زوجته سارة التي توفيت في الغربة ، في قرية حبرون التابعة للكنعانيين خاطب بني حق قائلا  :

أنا غريب ونزيل عندكم ، أعطوني ملك قبر عندكم فأدفن ميتي من أمامي ، فأجاب بنى حث قائلين :

إنما أنت زعيم الله فيما بيننا في خيار قبورنا ، ادفن ميتك فليس أحد منا يمنع منك قبره لتدفن فيه ميتك ، فقام إبراهيم وكلمهم قائلا :

إن طالت نفوسكم أن أدفن ميتي من أمامي ، فاسألوا لي عفرون بن صوحر أن يعيني مغارة المكفيلة التي له في طرف حقله بثمن كامل … فأجاب عفرون ألحني إبراهيم على مسامع بني حث أمام جميع الداخلين باب مدينته قائلا : لا يا سيدي . اسمعني ، الحقل وهبتك إياه والمغارة التي فيه ، لدى عيون بني شعبي ، فادفن ميتك . فسجد إبراهيم أمام شعب الأرض وكلم عفرون على مسامعهم قائلا :

أسألك أن تسمع  لي ، أعطيك ثمن الحقل فخذه مني وأدفن ميتي هناك . فأجاب عفرون إبراهيم وقال له : يا سيدي اسمع لي أرض تساوي أربعمائة مثقال فضة ، ما عسى أن تكون بين وبينك ، ادفن ميتك فيها ، فلما سمع إبراهيم ذلك منه ، وزن له الفضة التي ذكرها على مسامع بني حث أربعمائة مثقال فضة . فوجب حقل عفرون .. والمغارة التي فيه ، وجميع ما فيه من الشجر ، بجميع حدوده المحيطة به ، ملكا إبراهيم بمشهد بني حث وجميع من دخل باب مدينته . ( فؤاد الصغير ، نظام الشهر العقاري  ، أدوارد عيد ، الأنظمة العقارية)

وفي عهد الرومان

كان انتقال الملكية يتم بطرق ثلاث هى : الإشهاد والدعوى  الصورية  والتسليم فالإشهاد هو عملية رسمية لنقل الملكية تتمثل في احتفال يحضره المتصرف والمتصرف إليه وحامل الميزان ، وخمسة شهود من المواطنين الرومان البالغين ، وتبدأ إجراءات الإشهاد بان يقوم المتصرف إليه بإمساك ما يرمز الى العقار موضوع التصرف بين يديه ،  ثم يضرب الميزان بقطعة البرونز ، ويسلمها الى المتصرف باعتبارها ثمنا للمبيع . أما المتصرف  نفسه فقد كان يقف موقفا سلبيا . وبإتمام هذه الإجراءات ، تنتقل الملكية الى المتصرف إليه

حتى ولو كان المتصرف الذي يستند إليه باطلا  أى أن هذه الإجراءات الشكلية هى التي كانت تنقل الملكية وليس التصرف . أما الدعوى الصورية  فهى طريقة أخرى لنقل الملكية الرومانية ، وبمقتضاها يتفق البائع والمشتري على أن يقيم المشتري ضد البائع دعوى صورية يدعى فيها بملكية العقار المبيع . فيوفقه البائع على ذلك .

ويصدر حكم القاضي بإثبات الملكية للمدعى ، وبذلك تنتقل الملكية الى هذا الأخير . وأما انتقال الملكية بالتسليم فلم يكن يتم بإجراءات شكلية رسمية كما هو الشأن في الإشهاد والدعوى الصورية ، بل كان يتم بمجرد تسليم العقار المبيع الى المشتري وكان التسليم في البداية يقتضي أن يصطحب الناقل من يريد اكتساب الملكية ويمر به في جميع أجزاء العقار ، وبذلك كان يتحقق التسليم الفعلي .

ثم تطورت هذه الطريقة ، فأصبح يكفي لتمام التسليم ، أن يقف البائع أو المتصرف بالعقار في مكان مرتفع ويشير للمشتري الى حدود العقار ، وبهذا الإجراء تنتقل إليه الملكية دون حاجة الى المرور في العقار ، كما كان الحال من قبل ، ويطلق على هذه الطريقة في التسليم اسم (التسليم باليد الطويلة) .

ويلاحظ أن جميع هذه الطرق لنقل الملكية وبخاصة الإشهاد والدعوى الصورية كانت تتم  بإجراءات شكلية فيها من العلانية ما يكفل تثبيت الملكية ، ومنع الغش والتحايل في التعامل .

 ( د/ توفيق حسن فرج ، القانون الروماني ص 293  وما بعدها)
وفي الإسلام

لم يرد ما يوجب شهر العقود أو التصرفات القانونية على النحو الذي يحصل في نظام الشهر الشخصي أو نظام الشهر العيني  . لا بل أن الشريعة الإسلامية جعلت العقود تتم بمجرد التراضي ولم تشترط لتمامها أن تتم في شكل معين ، وعلى هذا النحو كانت ملكية المنقول وغير المنقول في الشرع الإسلامي تنتقل  بمجرد وقوع البيع ، ودون حاجة الى إجراء أية معاملة أخرى ، ولكن الشريعة الإسلامية الغراء وإن لم تشترط الشكلية في العقود والتصرفات .

إلا أنها حثت على توثيقها بالكتابة عند التداين ، لقوله تعالي “يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه ، وليكتب بينكم كاتب بالعدل …” (الآية 282 من سورة البقرة)

وإذا كانت الكتابة في الأصل ، هى وسيلة لإثبات التصرف ، فإن حفظ ما يكتب ، وتنظيم الرجوع إليه لمعرفة ما تم إثباته ، هو مما يدخل في مدلول الكتابة وما ترمي إليه ، وعلى هذا النحو يمكن اعتبار حفظ المحررات وشهرها نوعا من التنظيم العملي لما تهدف إليه الآية الكريمة من حفظ أموال الناس وتنظيم المعاملات بينهم ،  بما يوفر الحماية للحقوق ، والاستقرار في التعامل .

( سالم خليفة ، بحث ، حول نظام السجل العيني ص 260)

وفي العصور الوسطى : لم يتغير الوضع كثيرا عما كان عليه من قبل . فبعد أن كانت الأرض موزعة بين الأسر والعشائر ، أصبحت موزعة بين الأسياد والإقطاعيين ، وبعد أن كان الأرض مجرد مصدر للرزق في الأسرة ، أصبحت مظهرا من مظاهر السلطة والجبروت في النظام الإقطاعي ، فكما كانت أراضي الزعيم أو السيد واسعة كلما زادت سطوته واتسع سلطانه ، ولذلك كان الزعماء الإقطاعيون يتشددون في المحافظة على الأرض الخاضعة لسلطانهم .

وكان انتقالها من شخص الى آخر موقوفا على موافقتهم منعا لتسريها الى الغرباء ، وكانت هذه الموافقة تتم في إطار إجراءات صعبة ، تحولت مع الزمن الى وسيلة الى شهر الانتقال وإعلانه وحماية المشتري من الغش والاحتيال .

(حسين عبد اللطيف حمدان ، مرجع سابق)
في العصور الحديثة

وبعد أن زالت سلطة الأسياد والإقطاعيين ، وأصبحت الأرض قابلة للتملك من الكافة ، وخضعت تبعا لذلك القانون العرض والطلب ، فقد تحرر انتقال الملكية من القيود والإجراءات الشكلية السابقة ، وأصبحت الملكية تنتقل بمجرد الاتفاق والتراضي ، وكلن هذا الوضع خلق حالة جديدة من عدم الاستقرار .

وأصبحت الملكية العقارية عرضة للمنازعات المختلفة ، فقد يقدم المالك على بيع أرضه أكثر من مرة دون أن يتمكن المشتري من العلم بالبيوع السابقة على عقده ، وقد يكون البائع مجرد مالك ظاهري يتصرف بالأرض بصفته مزارعا أو مستأجرا أو شريكا يعمل لحسابه وحساب شركائه ، ولا يكون لدى المشتري وسيلة يقف بواسطتها على حقيقة يده على الأرض .

ولذلك كان المشتري مضطرا لأن يجري تحقيقا دقيقا قبل إقدامه على  شراء الأرض ، وغالبا ما كان يضطر لأن يستند الى ظاهر الحال ، ولكنه كثيرا ما كان يحجم عن إدخال أى تحسين على الأرض خوفا من أن يفاجأ بظهور المالك الحقيقي للأرض ، فتنزع يده ، وتضيع جهوده ، ويخسر ما يكون قد أنفقه على التحسين .

(حسين عبد اللطيف حمدان ، المرجع السابق)

ويضاف الى ذلك أن المؤسسات المالية كانت بسبب عدم استقرار الملكية العقارية تحجم عن الإقراض لقاء تأمينات عقارية ، الأمر الذي كان يدفع بالمالك الى الاستلاف من المرابين بفوائد فاحشة ، أو الى صرف النظر عن تحسين الأرض ، وفي الحالتين كانت الخسارة فادحة .

وفي سبيل القضاء على حالة عدم الاستقرار هذه ، وتوطيد الملكية على أسس ثابتة تعزز الثقة فيها ، وتشجع عمليات التسليف العقاري وتنشط تجارة العقارات ، تبنت غالبية الدول نظام الشهر العقاري أو السجل العقاري الذي حقق الإعلان عن جميع المعاملات العقارية .

وأحاط الملكية والحقوق العينية الأخرى بالضمانات اللازمة لتثبيتها  وتعزيز الثقة بها ، وقد ظهرت  طلائع هذا النظام في أواخر القرن الثامن عشر ، ولكنه لم يستو نظاما له أهدافه وكيانه إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وكانت بروسيا أول دولة تأخذ به .

ففي كانون الأول سنة 1783 أصدر ملكها فردريك الثاني ، إرادة سنية أنشأ بموجبها سجلات عقارية ذات صحائف متعددة ، يخصص فيها لكل عقار صفحة  تقيد فيها جميع القيود والمعاملات المتعلقة به ، ولم يكن لتلك القيود في بادئ الأمر سوى مفعول إعلاني .

ولم تكتسب تلك القيود القوة الثبوتية التي لها اليوم ، إلا بعد صدور قانون 5 أيار سنة 1872 الذي أعطى قيود السجل العقاري قوة ثبوتية تامة بحيث أن عقود البيع والتصرفات الرضائية الأخرى لم تكن تعتبر صحيحة ونافذة حتى بين المتعاقدين إلا من تاريخ قيدها في الصحيفة العينية للعقار وقد أوجب القانون الروسي أيضا لأجل إتمام معاملة الشهر أن يمثل المتعاقدون أمام القاضي العقاري للتصريح أمامه علما وبصوت جهودي عن إرادتهما المتبادلة بالبيع والشراء ، فيصدر القاضي قرارا بتدوين هذا التصريح .

(إدوارد عيد ، مرجع سابق ، فؤاد الصغير ، مرجع سابق)
في فرنسا

أقر المشرع  نظام الشهر العقاري بموجب القانون الصادر بتاريخ 28 آذار سنة 1855 ، ويقضي هذا القانون بوجوب تسجيل العقود العقارية لمجرد الاحتجاج بها على الغير ، دون أن يعطي للعقد المسجل قوة وعلى هذا النحو يبقى العقد الناقل للملكية عرضة لطلب الإلغاء أو الإبطال ، لأى سبب من الأسباب  المفضية الى ذلك ، وتبقى الملكية بسبب ذلك تعاني من عدم الثقة والاستقرار .

(إدوارد عيد ، مرجع سابق ص 17)

وكان المشرع الفرنسي قد حاول تنظيم الملكية العقارية وتركيزها على أسس متينة ،  فشكلت لهذا الغرض لجنة من خارج البرلمان ، وذلك بموجب مرسوم تاريخ 30 أيار سنة 1891 ، وقد أوصت اللجنة بعد دراسة استمرت حتى سنة 1905 باعتماد نظام السجل العيني غير أن الدولة لم تأخذ بهذه التوصية نظرا لما يتطلبه تطبيق هذا النظام من نفقات باهظة .

وبسبب معارضة الكتاب العدول الذين كانوا يهيمنون على الملكية العقارية ، والذين من شأن هذا المشروع أن يحرمهم من امتيازات يتمتعون بها ، ذلك أنهم يحكم اطلاعهم على أسرار الملكية العقارية ومصادرها ، كانوا يفرضون وساطتهم على الأفراد ، بحيث لم يكن باستطاعة أحد أن يجري أى معاملة عقارية بدون وساطتهم ، وذلك تحت طائلة فقدان حقه . (إدوارد عيد ، مرجع سابق ص4)

 وقد أخذت بعد ذلك  بنظام الشهر الشخصي بقانون أول آذار سنة 1918 ، ثم بقانون 24 تموز سنة 1921 اللذان أقرا مبدأ الشهر الشخصي إما بالنسبة لعقود التأمين أو بالنسبة للعقود العقارية الأخرى ، كما أصدرت بتاريخ 30 تشرين الأول سنة 1935 مرسوما تشريعيا قضى بإخضاع التصرفات الكاشفة أو المقررة للملكية وكذلك الانتقال بسبب الوفاة ، والتي ظلت خارج نطاق قانون 28 آذار سنة 1855 لمعاملة التسجيل حتى يمكن الاحتجاج بها على الغير .

(فؤاد الصغير ، مرجع سابق ، إدوارد عيد ، مرجع سابق)
في استراليا

دعا السيد روبرت ريشا تورينس الذي كان يشغل وظيفة  مراقب في مصلحة الجمارك ، ثم أمينا عاما للعقود فيها ، الى اعتماد طريقة للتسجيل العقاري تقوم على تخصيص كل مدينة أو قرية تكون مركزا للتسجيل العقاري بسجل خاص يعرف بالسجل العقاري ، وتخصص في هذا السجل لكل عقار صفحتان تحتويان على رقم العقار ووصفه مع بيان الحقوق المترتبة له أو عليه ، وتؤلف هاتان الصفحتان ما يعرف (  بالصحيفة العينية العقارية  ) .

ويتضمن هذا السند جميع البيانات الواردة في الصحيفة العينية للعقار ، وبالإضافة الى هذه البيانات يحمل سند الملكية خريطة للعقار مطبوعة على ظهره ، بحيث أن المرء يستطيع أن يقف على الوضع القانوني للعقار وعلى موقعه ومساحته وشكله بمجرد أن يلقى نظرة على سند ملكيته.

أما بالنسبة لسائر الحقوق العينية الواقعة على العقار ، كحق التأمين مثلا ، فإن أصحابها يعطون إفادات عن القيود المتعلقة بها ، ويتم تسجيل العقار في سجله المخصوص بعد مسحه بطريقة فنية بواسطة مهندس مساح ، وإعطائه رقما خاصا به ، ويجري ذلك بناء على طلب صاحب العقار .

لأن تورينس اعتمد مبدأ التسجيل الاختياري ، بعد أن جوبه مبدأ التسجيل الجبري الذي كان يفكر به بمعارضة شديدة ، وكل تبديل أو تعديل يطرأ على حالة العقار بعد ذلك ، يجب أن يسجل في الصحيفة العينية ،  وأن ينقل الى سند الملكية لكى يبقى سند الملكية المرآة التي تعكس الوضع الحقيقي للعقار ، ولكى تكون لتلك التعديلات أو التبديلات القوة القانونية بالنسبة الى الغير .

(زهدي يكن ، مرجع سابق ص 68)

وتتميز طريقة تورينس هذه ، بأنها سهلت إجراءات نقل الملكية وسائر الحقوق العينية العقارية ، فإذا أراد المالك أن يتفرغ عن الملكية لشخص  آخر  مثلا ، وجب عليه وعلى المتفرغ له أن يملأ نموذجا مطبوعا ، وأن يوقعا هذا النموذج بحضور أمين السجل العقاري الذي يقوم بعد التثبت من صحة الإمضاء ، وأهلية الفريقين ، بتسجيل الملكية على اسم المتفرغ له في الصحيفة العينية للعقار وفقا لمضمون العقد ، ثم  ينقله على سند الملكية بعد أن يلغى القيود السابقة المعارضة للقيد الجديد .

وتتمتع قيود الصحيفة العينية  بقوة ثبوتية تامة . فباستثناء   دعوى إبطال التسجيل  الحاصل بنتيجة الخداع الذي رافق عملية تحديد العقار وتحريره وباستثناء دعوى الاسترداد التي يقيمها من يحمل سندا سبق تسجيله ، يصبح صاحب الحق بمأمن من كل دعوى أو منازعة .

( زهدي يكن ، مرجع سابق ص 70)

هذه هى طريقة تورينس  العملية التي نفذت منذ شهر تموز سنة 1858  وقد طبقت هذه الطريقة في مدغشقر عام 1879  ، وفي الكونغو الفرنسية عام 1899 ، وفي السنغال وساحل العاج وداهومي  عام 1900 ، وفي  غينيا عام  1901  ، وفي إفريقيا الفرنسية عام 1906  وقد طبقت فرنسا هذه الطريقة في تونس عام 1885 .

(زهدي يكن ، مرجع سابق ص70)
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية وطعون النقض ليسانس الحقوق 1997- احجز موعد 01285743047

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أوافق على سياسة الخصوصية 

body{-webkit-user-select:none;-moz-user-select:none;-ms-user-select:none;user-select:none} .separator a,.post-body img{-webkit-touch-callout:none;-webkit-user-select:none;-khtml-user-select:none;-moz-user-select:none;-ms-user-select:none;user-select:none;pointer-events:none} pre,kbd,blockquote,table{-webkit-user-select:text;-khtml-user-select:text;-moz-user-select:text;-ms-user-select:text;user-select:text}