عمل الخبراء مادي وليس قانوني
تعرف على أثر تصدى الخبير لمسألة قانونية بطلان التقرير والحكم، وما لا يعد تصديا من الخبراء لمسألة قانونية، وفقا لطعن نقض مدنى تناول سلطة المحكمة فى تقدير أقوال الشهود، وتقارير الخبراء .
تصدى الخبير للمسائل القانونية
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن:
المطعون ضدها الثانية أقامت على الطاعن الدعوى رقم 5158 لسنة 1985 المنصورة الابتدائية بطلب إلزامه بتحرير عقد إيجار لها عن المحل المبين بالصحيفة والأوراق لقاء أجرة شهرية قدرها 20 جنيه بعد استهلاك مبلغ 400 جنيه قيمة التشطيبات التي أجرتها بالمحل المذكور.
وقالت في بيان دعواها :
إنها قد استأجرت منه محل النزاع اعتبارا من 1/1/1984 بأجرة شهرية قدرها 20 جنيه واستلمته منذ نوفمبر سنة 1983 وقامت بإجراء التشطيبات اللازمة له من مالها الخاص – بلغت قيمتها 400 جنيه .
على أن تخصم من الأجرة المستحقة وإذ امتنع عن تحرير عقد إيجار مكتوب لها بالأجرة المتفق عليها أقامت دعواها.
وبتاريخ 17/11/1985 أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق
كما أقام الطاعن على المطعون ضدهما الأول والثانية الدعوى رقم 7193 لسنة 1985 المنصورة الابتدائية بطلب الحكم بإخلاء ذات المحل المبين بالصحيفة وتسليمه له خاليا
على سند من:
أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 20/4/1984 استأجر منه المطعون ضده الأول محل النزاع بغرض استخدامه ورشة سباكة بأجرة شهرية 20 جنيه مضافا إليها رسم نظافة قدره 2%،
وإذ قام بتأجيره من الباطن للمطعون ضدها الثانية وتركه لها مخالفا لحظر الوارد في العقد والقانون .
كما تأخر في سداد الأجرة وملحقاتها عن الفترة من 1/9/1984 حتى 1/7/1985 وقدرها 200 مليم و220 جنيه رغم تكليفه بالوفاء بها في 17/8/1985 فأقام الدعوى.
ومحكمة أول درجة – بعد أن ضمت الدعويين – أحالت الدعوى إلى التحقيق وسمعت شهود الطرفين، ثم حكمت برفض دعوى المطعون ضدها الثانية وفي دعوى الطاعن بالإخلاء.
استأنفت المطعون ضدها الثانية هذا الحكم بالاستئناف رقم 985 لسنة 39 ق المنصورة. ندبت المحكمة خبيرا في الدعوى وقدم تقريره. وبتاريخ 29/11/1989 قضت:
بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعن بتحرير عقد إيجار للمطعون ضدها الثانية عن المحل موضوع المنازعة بأجرة شهرية عشرون جنيها بعد استهلاك مبلغ 393 جنيه قيمة التشطيبات التي أنفقتها وبرفض دعوى الطاعن.
طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيان ذلك يقول
إن المستشار….. عضو اليمين بالدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه سبق له أن نظر الدعوى رقم 5158 لسنة 1985 المنصورة الابتدائية وأصدر فيها بتاريخ 17/11/1985 حكما تمهيديا بإحالة الدعوى إلى التحقيق.
كما سبق له نظر الدعويين رقمي7193، 5158 لسنة 1985 بعد ضمهما أمام محكمة أول درجة وأصدر فيهما بتاريخ 27/4/1986 حكما تمهيديا آخر بإحالة الدعوى إلى التحقيق.
فأضحى بذلك غير صالح لنظر الدعوى في الاستئناف ممنوعا من سماعها وهو ما يعيب الحكم بالبطلان.
وحيث إن النعي مردود
ذلك أن النص في المادة 146 من قانون المرافعات على أن :
يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم في الأحوال الآتية:
5- إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكما أو كان قد أدى الشهادة فيها.
يدل على
أن المعول عليه في إبداء الرأي الموجب لعدم صلاحية القاضي إفتاء كان أو مرافعة أو قضاء أو شهادة هو أن يقوم القاضي بعمل يجعل له رأيا في الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوى حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم وزنا مجردا .
مخافة أن يتشبث برأيه الذي يشف عن عمله المتقدم حتى ولو خالف مجرى العدالة وضنا بأحكام القضاء من أن يعلق بها استرابة من جهة شخص القاضي لدواع يزعن لها عادة أغلب الخلق.
ولما كان الثابت من الاطلاع على الحكمين التمهيدين بإحالة الدعوى إلى التحقيق اللذين أصدرهما المستشار …… بتاريخي 17/5/1985، 27/4/1986 إبان عمله بمحكمة المنصورة الابتدائية أن كلا منها بدون أسباب عملا بالرخصة المخولة لمحكمة الموضوع بموجب المادة الخامسة من قانون الإثبات .
إذ جاء بمنطوق الحكم الأول أن المحكمة أحالت الدعوى إلى التحقيق “لتثبت المدعية (المطعون ضدها الثانية) أنها تستأجر العين محل التداعي نظير إيجار شهري قدره 20 جنيه وأنها قامت بتشطيبها على نفقتها بمبلغ 400 جنيه بالاتفاق مع المدعى عليه (الطاعن) قبل استلامها تلك العين .
وأن الأخير لم يحرر لها عقد إيجار وصرحت للأخير بنفي ذلك بذات الطريق وندبت لإجرائه عضو اليسار” وجاء بمنطوق الحكم الثاني أن المحكمة أحالت الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي (الطاعن) أنه:
أجر العين محل التداعي للمدعى عليه الأول بعقد الإيجار المبرم بينهما بتاريخ 20/4/1984 بإيجار شهري قدره 20 جنيه.
وأن الأخير لم يوفيه بالقيمة الإيجارية المدعى بها من 1/9/1984 حتى 1/7/1985 .
وأنه قد قام بتأجير العين محل التداعي من الباطن المدعى عليها الثانية (المطعون ضدها الثانية) دون إذن كتابي منه كما أنه تنازل عنها نهائيا دون إذن كتابي منه وللمدعى عليهما نفي ذلك بذات الطريق.
وندبت لإجرائه عضو اليسار” مما يدل على أن المحكمة لجأت إلى هذا العمل القضائي لإثبات ونفي واقعة تأجير المطعون ضدها الثانية عين النزاع بالأجرة المتفق عليها وقيامها بتشطيبها بالمبلغ الذي حددته في طلباتها .
وكذا إثبات ونفي واقعة عدم سداد الأجرة المستحقة على المطعون ضده الأول وتأجيره وتنازله عن العين للمطعون ضدها الثانية دون إذن الطاعن.
ولا يبين من ذلك أن رئيس المحكمة ذكون رأيا في موضوع النزاع أو فصل في شق منه أو أظهر ما يشف عن تكوين عقيدة المحكمة في الدعوى المنظورة أمامه.
ومن ثم فلا يفقد القاضي الذي أصدرهما صلاحية نظر الاستئناف المرفوع عن الحكم القطعي الصادر من المحكمة الابتدائية بهيئة أخرى في تلك الدعوى، ويضحى النعي على قضاء الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفساد الاستدلال من خمسة أوجه
وقال في بيانها، أن دفاعه جرى أمام محكمة ثاني درجة وأمام الخبير الذي ندبته بانتفاء العلاقة الإيجارية بينه وبين المطعون ضدها الثانية .
وأنه أجر محل النزاع لشقيقها المطعون ضده الأول بموجب عقد إيجار مؤرخ 20/4/1984 وقامت هي بتشطيبه لحساب الأخير بمناسبة سفره للخارج.
وإذ باشر الخبير مأموريته وسلب سلطة المحكمة – وفصل في مسألة قانونية حين تصدى لصورية العقد الذي ركن إليه وقدم تقريرا باطلا نحى فيه منحى مغايرا لما استخلصته محكمة أول درجة من أقوال شهود المطعون ضدها الثانية.
ومرددا لما جاء بها رغم أنها سماعية ملقنة إليهم منها، وانتهى – مجردا من دليله – إلى أن المطعون ضدها الثانية قد حازت محل النزاع بتاريخ 24/11/1983 بموجب اتفاق شفهي بينهما تسلمت بموجبه المحل دون تشطيب.
فأجرت التشطيبات اللازمة له من مالها الخاص بموجب عقد المقاولة الذي اصطنعته خصيصا لهذا الغرض بذات التاريخ.
وأن عقد الإيجار المؤرخ 20/4/1984 – سند الطاعن هو عقد صوري الغرض منه إخلاء المطعون ضدها الثانية من المحل.
ومن ثم دفع الطاعن أمام محكمة ثاني درجة ببطلان التقرير .
كما طلب ندب خبير آخر في الدعوى لتحقيق دفاعه.
وإذ لم تأبه المحكمة المطعون في حكمها لهذا الدفاع .
وعولت على ما انتهى إليه تقرير الخبير حسبما سلف البيان رغم ما شابه من بطلان وأخذت بأقوال شاهدي المطعون ضدها الثانية برغم أنها سماعية ولا تصلح دليلا في الدعوى.
ورغم أن محضر التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة قد خلا من توقيع القاضي الذي باشره ومما يفيد أن الأقوال قد تليت على الشهود.
وانتهت إلى إلزام الطاعن بتحرير عقد إيجار للمطعون ضدها الثانية عن محل النزاع بأجرة شهرية قدرها 20 جنيه مستندة في ذلك إلى الأجرة المحددة في العقد الذي انتهت إلى صوريته.
دون أن تتحقق من قانونية تلك الأجرة والتأكد من تاريخ ترخيص بناء المحل لبيان القانون الواجب التطبيق عليها توصلا لها، مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود
ذلك أن المشرع قد أجاز في المادة 24 من القانون 49 لسنة 1977 للمستأجر إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة طرق الإثبات في حالة عدم وجود عقد مكتوب أو إذا انطوت شروط التعاقد المكتوب على تحايل على القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام.
ولما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها وموازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه وهو غير ملزم بالرد على كل ما يقدمه الخصوم من مستندات.
وحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق وتكفي لحمله ولا عليه أن يتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم .
ويرد استقلالا على كل قول أو حجة أو دليل أو طلب أثاروه ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات.
ومن المقرر أيضا في قضاء هذه المحكمة أن سلطة تقدير أقوال الشهود و القرائن متروك لمحكمة الموضوع تستخلص ما تقتنع به منها متى كان استخلاصها سائغا ولا مخالفة فيه للثابت في الأوراق.
وأن سلطتها في تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدانها إذ لها أن تأخذ بأقوال شاهد دون آخر حسبما ترتاح إليه وتثق به ولا سلطان لأحد عليها إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدى إليه مدلولها.
ولمحكمة الاستئناف أن تخالف محكمة أول درجة في استخلاصها لأقوال الشهود دون لزوم بيان أسباب ذلك ما دام استخلاصها سائغا، وأن الشهادة السماعية جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية وتخضع مثلها لتقدير قاضي الموضوع.
كما أن المقرر في قضاء هذه المحكمة كذلك أن لمحكمة الموضوع متى رأت في حدود سلطتها التقديرية الأخذ بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه .
فإنها لا تكون ملزمة بعد ذلك بالرد استقلالا على الطعون التي توجه إليه لأن في أخذها به محمولا على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنته.
كما أنها غير ملزمة بندب خبير آخر في الدعوى أو إعادة المأمورية إلى الخبير السابق ندبه متى اقتنعت بكفاية الأبحاث التي أجراها وسلامة الأسس التي بنى عليها رأيه.
وأن لمحكمة الموضوع مطلق السلطة في تقدير الأدلة التي تأخذ بها في ثبوت الصورية ونفيها .
وأن لها أن تقيم قضاءها بالصورية على ما يكفي لتكوين عقيدتها من تلك الأدلة المطروحة عليها .
غير ملزمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق. لما كان ذلك وكانت المحكمة المطعون في حكمها .
بما لها من سلطة فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير الأدلة والقرائن والمستندات وأقوال الشهود وتقارير الخبراء فيها – قد واجهت عناصر النزاع الواقعية والقانونية على حد سواء.
ثم عولت في حدود تلك السلطة التقديرية على ما جاء بتقرير الخبير المندوب من قبلها لسلامة الأسس التي بنى عليها رأيه،
وإلى ما اطمأنت إليه من أقوال شاهدي المطعون ضدها الثانية أمام محكمة أول درجة وبما لا يخرج عن مضمون تلك الشهادة وذهبت إلى أن أقوالهما تتفق مع ما جاء بتقرير الخبير .
وانتهت إلى ثبوت العلاقة الإيجارية بين المطعون ضدها الثانية والطاعن عن محل النزاع اعتبارا من 24/11/1983 تاريخ استلامها له دون تشطيب .
وقيامها بإجراء التشطيبات اللازمة من مالها الخاص وأن عقد الإيجار المؤرخ 20/4/1984 هو عقد صوري قصد به إخلاء المطعون ضدها الثانية منه.
إذ لم يوضح به محله أو رقمه أو مكانه وكانت أسبابها في هذا الخصوص سائغة ولها أصلها الثابت في الأوراق وتكفي لحمل قضائها وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها وتتضمن الرد الضمني المسقط لكل حجج الطاعن وأوجه دفاعه ومستنداته في هذا الخصوص.
وكان لا عليها إن هي التفتت عن طلب ندب خبير آخر في الدعوى.
ولا يجدي الطاعن النعي على تقرير الخبير بالبطلان لتصديه لصورية عقد الإيجار المؤرخ 20/4/1984.
وهي من مسائل القانون التي تستقل بها محكمة الموضوع إذ يكفي الحكم دعامته المستندة لأقوال الشهود في هذا الشأن.
هذا إلى أن الثابت من الواقع المطروح في الدعوى – حسبما حصلته المحكمة المطعون في حكمها – أن استئجار المطعون ضدها الثانية لمحل النزاع قد توافرت شروطه اعتبارا من 24/11/1983 .
وهو تاريخ سابق على تاريخ عقد إيجار المطعون ضده الأول المؤرخ 20/4/1984.
ومن ثم فإن هذا العقد الأخير على فرض عدم صوريته يقع باطلا ولا يعول عليه عند التزاحم بين المستأجرين وهي مسألة متعلقة بالنظام العام عملا بالمادتين 24 من القانون 49 لسنة 1977، 25 من القانون رقم 136 لسنة 1981.
ويضحى النعي في مجمله جدلا موضوعيا في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الدليل فيها لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وغير صحيح ما أورده الطاعن بأن محضر التحقيق الذي أجراه القاضي أمام محكمة أول درجة قد خلا من توقيعه.
كما أن النعي في شقه الأخير بخصوص الأجرة مردود بأنه دفاع قانوني خالطه واقع لم يسبق للطاعن طرحه على محكمة الموضوع.
هذا إلى أن الطاعن اعتد بتلك الأجرة المحكوم بها في عقدة الصادر إلى المطعون ضده ومن ثم لا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض، ويكون النعي بالسبب الثاني برمته على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
الطعن رقم 778 لسنة 60 بتاريخ 16/06/1994
ختاما، تعرفنا على أثر تصدى الخبير لمسألة قانونية ، كذلك سلطة المحكمة فى تقدير أقوال الشهود، وتقارير الخبراء ، وما يترتب عليه بطلان الحكم.