اثبات الدعوي المدنية
بحث عن المبادئ الأساسية لقواعد الاثبات المدنى حيث يقوم الإثبات على مبادئ رئيسية ثلاثة فهو نظام قانونى أى تنظمه قواعد يقررها القانون ويكون القاضى فيه محايدا وهذا هو مبدأ حياد القاضى و أما الخصوم فيقومون فيه بالدور الإيجابى وهذا هو حق الخصم فى الإثبات .
محتويات المقال
المبادئ في الإثبات المدنى للدعوي
الواقع ـ كما سنرى ـ أن هناك تعاوناً وثيقاً فى الإثبات بين القانون والقاضى والخصوم . فالقانون يبين طرق اثبات ويحدد قيمة كل منها والقاضى يطبق القواعد التى يقررها القانون فى ذلك ويتمتع فى تطبيقها بشئ غير قليل من حرية التقدير . والخصوم هم الذين عليهم أن يقدموا الأدلة على صحة دعاواهم ، ذلك على الوجه الذى رسمه القانون، ولكل خصم الحق فى مناقشة الأدلة التى يقدمها خصمه وفى تنفيذها وفى إثبات عكسها ونستعرض الآن هذه المبادئ الثلاثة .
النظام القانونى للإثبات
الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية ـ العدالة والاستقرار
رأينا فيما تقدم أن الحقيقة القضائية قد تبتعد عن الحقيقة الواقعية ، بل قد تتعارض معها . ورأينا أن السبب فى ذلك أن الحقيقة القضائية لا تثبت إلا من طريق قضائى رسمه القانون .
وقد يكون القاضى من أشد الموقنين بالحقيقة الواقعية ، وقد يعرفها بنفسه معرفة لا يتطرق إليها الشك ، ولكن ينعدم أمامه الطريق القانونى لإثباتها فلا يجد بداً من إهدارها والأخذ بسبل القانون فى الإثبات
ومن ثم قد تتعارض الحقيقة القضائية مع الحقيقة الواقعية . والقانون فى تمسكه بالحقيقة القضائية دون الحقيقة الواقعية إنما يوازن بين اعتبارين
- اعتبار العدالة فى ذاتها ويدفعه إلى تلمس الحقيقة الواقعية بكل السبل ومن جميع الوجوه حتى تتفق معها الحقيقة القضائية
- واعتبار استقرار التعامل ويدفعه إلى تقييد القاضى فى الأدلة التى يأخذ بها وفى تقدير كل دليل
فيحدد له طرق الإثبات وقيمة كل طريق منها ، حتى يأمن جوره إذا مال إلى الجور ، أو فى القليل حتى يحد من تحكمه ، فلا تختلف القضاة فيما يقبلون من دليل وفى تقدير قيم الأدلة فى الأقضية المتماثلة .
ثلاث مذاهب فى الاثبات
ويمكن فى الموازنة ما بين الاعتبارين اللذين تقدم ذكرهما ـ اعتبار العدالة واعتبار استقرار التعامل ـ أن نتصور قيام مذاهب ثلاثة فى الإثبات :
- (1) مذهب يميل إلى اعتبار العدالة ولو بالتضحية فى استقرار التعامل ، وهذا هو المذهب الحر أو المطلق (systeme libre)
- (2) ومذهب يستمسك باستقرار التعامل ولو على حساب العدالة، فيقيد القانون الإثبات أشد التقييد حتى يستقر التعامل ، وهذا هو المذهب القانونى أو المذهب المقيد
- (3) ومذهب ثالث هو بين بين ، يزن ما بين الاعتبارين ، فيعتد بكل منهما ، ولا يضحى أحدهما لحساب الآخر ، وهذا هو المذهب المختلط
المذهب الحر أو المطلق في الاثبات
أما المذهب الحر أو المطلق ففيه ، كما قدمنا ، لا يرسم القانون طرقاً محددة للإثبات يقيد بها القاضى ، بل يترك الخصوم أحراراً يقدمون الأدلة التى يستطيعون إقناع القاضى بها ، ويترك القاضى حراً فى تكوين اعتقاده من أى دليل يقدم إليه .
وهذا المذهب يقرب كثيراً ما بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية لمصلحة العدالة . وقد اعتنقته بعض الشرائع فى بدء تطورها ، واعتنقه بعض رجال الفقه الإسلامى
ولا تزال الشرائع الجرمانية والشرائع الأنجلو سكسونية ( القانون الألماني والقانون السويسري والقانون الإنجليزي والقانون الأمريكي ) تأخذ به إلى حد كبير .
ولكن حظ العدالة فى هذا المذهب ظاهري أكثر منه حقيقياً . فهو قد يقرب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية إلى مدى واسع ، ولكن بشرط أن يؤمن من القاضى الجور والتحكم . فاذا جار القاضى أو تحكم فى تعيين طرق الإثبات وتحديد قيمها
ابتعدت الحقيقة القضائية عن الحقيقة الواقعية أكثر من ابتعادها فى المذهب القانونى أو المقيد ز وننتقل الآن إلى هذا المذهب .
المذهب القانونى أو المقيد في الاثبات
ففى المذهب القانونى أو المقيد يرسم القانون طرقاً محددة تحديداً دقيقاً لإثبات المصادر المختلفة للروابط القانونية ، ويجعل لكل طريق قيمته ، ويتقيد بكل ذلك الخصوم والقاضى .
(( وهذا المذهب ـ كما جاء فى الموجزـ على ما فيه من دقة حسابية تكفل ثبات التعامل ، يباعد ما بين الحقائق الواقعة والحقائق القضائية ، فقد تكون الحقيقة الواقعة ملء السمع والبصر ، ولكنها لا تصبح حقيقة قضائية إلا إذا استطيع إثباتها بالطرق التى حددها القانون ))
وقد تغلب فى الفقه الإسلامى المذهب القانونى فى الإثبات . فيجب فى الإثبات بالبينة شهادة شاهدين ولا يكتفى بشاهد واحد إلا فى حالات استثنائية وإذا توافر نصاب الشهادة وجب الأخذ بها دون أن يكون للقاضى حرية فى التقدير ، ويتفاوت نصاب الشهادة من واقعة إلى أخرى فى حدود مقدرة تقديراً يكاد يكون حسابياً.
المذهب المختلط في الاثبات
والمذهب المختلط يجمع بين الإثبات المطلق والاثبات المقيد . (( وأشد ما يكون إطلاقاً ـ كما جاء فى الموجز ـ فى المسائل الجنائية ، ففيها يكون الاثبات حراً يتلمس القاضى وسائل الاقناع فيه من أى دليل يقدم إليه ، شهادة كانت أو قرينة أو كتابة أو أى دليل آخر . ثم يتقيد الاثبات بعض التقيد فى المسائل التجارية مع بقائه حراً فى الأصل
ويتقيد بعد ذلك إلى حد كبير فى المسائل المدنية فلا يسمح فيها إلا بطرق محددة للإثبات تضيق وتتسع متمشية فى ذلك مع الملابسات والظروف . وهذا المذهب الثالث هو خير المذاهب جميعاً
فهو يجمع بين ثبات التعامل بما احتوى عليه من قيود ، وبين اقتراب الحقيقة الواقعة من الحقيقة القضائية بما أفسخ فيه للقاضى من حرية التقدير . وقد أخذ القانون المصرى بهذا المذهب مقتفياً فى ذلك أثر الشرائع اللاتينية كالقانون الفرنسي والقانون الإيطالي والقانون البلجيكي )) .
ويلاحظ على هذا المذهب أمران
- (1) أن اقتراب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية فيه لا يصل إلى حد يجعل للأدلة قوة قطعية ، فلا تزال للأدلة فيه حجة ظنية ولا تزال الحقيقة القضائية هى مجرد احتمال راجح idée de probabilite وليست حقيقة قاطعة . ولابد من الناحية العملية الاكتفاء بالحجج الظنية ما دامت راجحة ، لأن اشتراط الحجج القاطعة يجعل باب الاثبات مقفلا أمام القاضى .
- (2) أن المذهب المختلط يتفاوت فى نظام قانونى عنه فى نظام آخر ، فهو يضع من القيود على حرية القاضى فى تلمس الدليل قليلا أو كثيراً على قدر متفاوت يختلف باختلاف النظم القانونية
فمن النظم ما يقلل من هذه القيود حتى يشتد التقارب ما بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية فيرجح حظ العدالة ، ومنها ما يزيد فى القيود ولو ابتعدت الحقيقة القضائية عن الحقيقة الواقعية حتى يستقر التعامل . وخير هذه النظم ما وازن بين الاعتبارين فى كفتى الميزان ، حتى لا ترجح كفة وتشيل أخرى
مبدأ حياد القاضى فى الاثبات المدني
موقف القاضى من الاثبات فى كل من المذاهب الثلاثة
ويتصل بما تقدم موقف القاضى من الاثبات . فهو فى المذهب الحر أو المطلق موقف إيجابى ، ينشط القاضى فيه إلى توجيه الخصوم ، واستكمال ما نقص فى الأدلة ، واستيضاح ما أبهم منها . وهو فى المذهب القانونى أو المقيد موقف سلبى محض ، لا يعدو القاضى فيه أن يتلقى أدلة الاثبات كما يقدمها الخصوم دون أى تدخل من جانبه ، ثم يقدر هذه الأدلة طبقاً للقيم التى حددها القانون
فإذا رأى الدليل ناقصاً أو مبهماً فليس له أن يطلب إكماله أو توضيحه ، بل يجب عليه أن يقدره كما هو فى الحالة التى قدمه فيها الخصوم . وهو فى المذهب المختلط ينبغى أن يكون موقفاً وسطاً بين الإيجابية والسلبية
ولكنه يجب أن يكون أقرب إلى الإيجابية منه إلى السلبية ، فيباح للقاضى شئ من الحرية فى تحريك الدعوى وفى توجيه الخصوم وفى استكمال الأدلة الناقصة وفى استيضاح ما أبهم من وقائع الدعوى . ولا يتعارض ذلك مع تقييد القاضى بأدلة قانونية معينة وبتحديد قيم هذه الأدلة
فإن هذا التقييد يجب أن تقابله حرية القاضى فى تقدير وزن كل دليل فى حدود قيمته القانونية ، حتى يستجلى الحقائق واضحة كاملة . أما منع القاضى من القضاء بعلمه فليس فرعاً عن مبدأ حياد القاضى ، بل هو النتيجة المترتبة على حق الخصوم فى مناقشة أى دليل يقدم فى القضية ، وسنرى ذلك فيما يلى .
مبدأ حياد القاضى فى القوانين اللاتينية والقانون المصرى :
قد رأينا أن القوانين اللاتينية ، والقانون المصرى معها ، قد اتخذت المذهب المختلط فى الاثبات . وهى مع ذلك لا توسع على القاضى فى حرية توجيهه للدعوى واستخلاص الحقائق من أدلتها القانونية إلا إلى مدى محدود ؛
فالقاضي يستطيع مثلا أن يحيل الدعوى على التحقيق من تلقاء نفسه ، كما يستطيع أن يعين خبيراً ، وله أن يطلب إحضار الخصوم شخصياً (Comparution Personnelle)
وأن يوجه إلى أحدهما اليمين المتممة (serment suppletif) وقد زاد تقنين المرافعات المصرى الجديد فى إيجابية موقف القاضى من الاثبات فخوله سلطة فى توجيه الدعوى فيما يتصل بالآثار التى تترتب على عدم قيد المدعى لدعواه ، وبشطب الدعوى عند تخلف الخصوم عن الحضور ، وبوقف الدعوى لمدة معينة عند اتفاق الخصوم على ذلك
وبسقوط الخصومة لانقطاعها بوفاة أحد الخصوم أو بزوال أهليته أو انتهاء صفته أو وقفها بفعل المدعى أو تقصيره ، ويتقادم الخصومة بخمس سنوات بدلا من خمس عشرة
وبإدخال القاضى$32 من تلقاء نفسه من لم يكن طرفاً فى الخصومة ليرد الدعوى إلى وضعها الطبيعي بعد أن انحرف بها عنت الخصوم أو إهمالهم ، وبإجراءات التحقيق فاذا أحيلت الدعوى على التحقيق أو عين فيها خبير أو طعن فيها بالتزوير لم يعد سير التحقيق أو السير فى نظر الموضوع موقوفاً على طلب تعجيل يتقدم به الخصم صاحب المصلحة .
مبدأ دور الخصوم الإيجابي والحق فى الاثبات
حق الخصوم فى مناقشة الأدلة التى تقدم فى الدعوى ولا يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه :
على أنه مهما يكن من قدر الحرية التى تطلق للقاضى فى الاثبات ، فلا جدال فى أن أى دليل يقدمه الخصم فى الدعوى يجب أن يعرض على الخصوم جميعاً لمناقشته ن ويدلى كل برأيه فيه ، يفنده أو يؤيده ، والدليل الذى لا يعرض على الخصوم لمناقشته لا يجوز الأخذ به.
ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بدليل نوقش فى قضية أخرى ما لم يناقش فى القضية القائمة
وهذا مبدأ جوهرى من مبادئ التقاضى ، حتى لا تبقى الخصومة مجهلة ، وحتى تتكافا فرص الخصوم فى الدعوى . ومن ثم كان للخصم حق طلب التأجيل للاطلاع على المستندات المقدمة من خصمه والرد عليها ( م 108 مرافعات ) .
ولا يجوز للقاضى أن يقوم بمعاينة مكان النزاع فى غيبة الخصوم ودون أن يدعوهم لحضور المعاينة ومن غير إصدار قرار بإجرائها . ولكن يكفى أن يعرض الدليل على الخصوم لمناقشته ، فإذا لم يريدوا مناقشته فعلا فقد نزلوا عن حقهم فى ذلك وصح الأخذ بالدليل كذلك لا يجوز للقاضى ان يأتى بأدلة من عنده لم تقدمها الخصوم ، إلا إذا تراضوا عليها وقبلوا مناقشته
ويترتب على حق الخصوم فى مناقشة الأدلة التى تقدم فى الدعوى أنه لا يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه . ذلك أن علم القاضى هنا يكون دليلا فى القضية ولما كان للخصوم حق مناقشة هذا الدليل اقتضى الأمر ان ينزل القاضى منزلة الخصوم ، فيكون خصما وحكماً ، وهذا لا يجوز
وقد رأينا فيما تقدم أن امتناع القاضى عن القضاء بعلمه لا يرجع إلى موقفه المحايد فى الاثبات ، فان حياد القاضى لا يتعارض ضرورة مع القضاء بعلمه ، وإنما يرجع إلى ما نذكره هنا من حق الخصوم فى مناقشة الدليل
وهذا الدور الإيجابي للخصوم فى الاثبات وما يستتبعه من حقهم فى مناقشة الأدلة تنظمه قواعد أربع
- (1) حق الخصم فى الاثبات
- (2) حق الخصم الآخر فى إثبات العكس
- (3) لا يجوز لأى خصم أن يصطنع دليلا لنفيه
- (4) ولا يجوز إجباره على تقديم دليل ضد نفسه . ونقول كلمة عن كل من هذه القواعد .
حق الخصم فى الاثبات
على الخصم أن يثبت ما يدعيه أما القضاء بالطرق التى بينها القانون . فموقفه فى الاثبات موقف إيجابى . وليس هذا واجباً عليه فحسب ، بل هو أيضاً حق له . فللخصم أن يقدم للقضاء جميع ما تحت يده أو ما يستطيع إبرازه من الأدلة التى يسمح بها القانون تأييداً لما يدعيه . فان لم يمكنه القاضى من ذلك كان هذا إخلالا بحقه ، وكان سبباً للطعن فى الحكم بالنقض .
يتقيد حق الخصم فى الاثبات بقيود ثلاثة
- (1) لا يجوز للخصم أن يثبت ما يدعيه إلا بالطرق التى حددها القانون . فلا يجوز له أن يثبت بالبينة مالا يجوز إثباته إلا بالكتابة ، ولا يجوز له أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه حيث يكون متعنتاً فى توجيهها . ويجب فيما يسمح له به القانون من طرق الاثبات أن يتقدم بما عنده من الأدلة طبقاً للأوضاع وللإجراءات التى رسمها له القانون .
- (2) كذلك لا يجوز للخصم أن يطلب إثبات واقعة لم تتوافر فيها الشروط الواجبة ، إذ يجب أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى منتجة فى دلالتها جائزة الاثبات قانوناً . وسنفصل هذه الشروط فيما يلى .
- (3) ويبقى للقاضى بعد كل ذلك حرية واسعة فى تقدير قيمة الأدلة التى تقدم بها الخصم ، فيرى ما إذا كانت شهادة الشهود مقنعة ، ويقدر إذا قدم الخصم ورقة ما يترتب على الكشط والمحو والتحشير وغير ذلك من العيوب المادية فى هذه الورقة من إسقاط قيمتها فى الاثبات أو إنقاصها ( م 260 مرافعات )
وإذا كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لاقتناعه بصحة الورقة التى تقدم بها الخصم الآخر أو بتزويرها فله أن يمتنع عن السير فى إجراءات التزوير التى طلبها الخصم الذى طعن بالتزوير فى هذه الورقة ( م 290 مرافعات )
بل له ولو لم يدع أمامه بالتزوير أن يحكم من تلقاء نفسه برد أية ورقة وبطلانها إذا ظهر له بجلاء من حالتها أو من ظروف الدعوى أنها مزورة ( م 290 مرافعات )
كما أن له أن يعدل عما أمر به من إجراءات الاثبات أو ألا يأخذ بنتيجة هذه الاجراءات ( م 165 مرافعات ) ، وإذا رأى أن الدعوى ليست فى حاجة إلى استجواب فإن له أن يرفض طلب الاستجواب الذى يتقدم به الخصم ( م 168 مرافعات ) .
وحق الخصم فى الإثبات يقابله واجب يلقى على عاتق الخصم الآخر ، بل على عاتق الغير ، فى ألا يعطل هذا الحق بعنت منه أو سوء نية . ويصل هذا الواجب إلى مدى بعيد
فيفرض فى بعض الحالات على الخصم الآخر أو الغير أن يتقدم مستندات فى حوزته لتمكين المدعى من إثبات حقه ، وسنعود إلى هذا الواجب بالتفصيل فيما يلى .
حق الخصم الآخر فى إثبات العكس
وكل دليل يتقدم به الخصم لإثبات دعواه يكون للخصم الآخر الحق فى نقضه وإثبات عكس ما يدعيه الخصم .
وتطبيقاً لهذه القاعدة نصت المادة 192 من تقنين المرافعات على أن
(( الاذن لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود يقتضى دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق فى نفيها بهذه الطريق )) .
وإذا كان الدليل الذى قدمه الخصم ورقة مكتوبة ، فان كانت ورقة عرفية كان للخصم الآخر أن ينكر خطه أو إمضاءه أو أن يطعن فى الورقة بالتزوير، وإن كانت ورقة رسمية كان للخصم الآخر أن يطعن فيها بالتزوير . وفى جميع الأحوال يجوز للخصم الآخر ـ فيما لا يتحتم فيه الطعن بالتزوير ـ أن يثبت عكس ما هو ثابت ضده بالكتابة على أن يكون إثبات العكس بكتابة مماثلة وفقاً للأحكام التى قررها القانون
وإذا كان الدليل المقدم قرينة قضائية ، فللخصم الآخر أن يدحض هذه القرينة بقرينة مثلها أو بأى طريق آخر . وكذلك الحال فى القرينة القانونية ، فان الأصل فيها جواز إثبات العكس
أما القرائن القانونية التى لا تقبل إثبات العكس فنادرة ولابد فى منع إثبات العكس فيها من نص فى القانون .
وحتى الاقرار واليمين يتصور فيهما تطبيق هذه القاعدة . فاذا تمسك الخصم بالإقرار الصادر من الخصم الآخر
جاز لهذا الخصم الآخر أن يتمسك ببطلان هذا الاقرار لعدم الأهلية أو لغير ذلك من العيوب . وإذا وجه الخصم اليمين الحاسمة للخصم الآخر ، جاز لهذا الخصم الآخر أن يرد على خصمه اليمين .
ويتبين من كل ذلك أن الأصل فى الدليل الذى يقدمه الخصم تمكين الخصم الآخر من نقضه ، وأن حق الخصم فى إثبات ما يدعيه يقابله حق الخصم الآخر فى إثبات العكس .
قاعدة لا يجوز لأى خصم أن يصطنع دليلا لنفسه للإثبات
الأصل أن الدليل الذى يقدم ضد الخصم يكون صادراً منه حتى يكون دليلا عليه . فالورقة المكتوبة حتى تكون دليلا على الخصم يجب أن تكون بخطه أو بإمضائه . وإذا كانت الورقة ليست دليلا كاملا واقتصر أمرها على أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ،
فانه يجب كذلك أن تكون صادرة من الخصم الذى يراد الاثبات ضده على التفصيل الذى سنبينه فيما بعد . ومن ثم لا يجوز أن يكون الدليل الذى يتمسك به الخصم صادرا منه هو أو أن يكون من صنعه ، فمن البداهة أن الشخص لا يستطيع أن يصطنع دليلا بنفسه لنفسه . ((ولو يعطى الناس بدعواهم ـ كما جاء فى الحديث الشريف ـ لادعى أناس دماء رجال وأموالهم))
. فلا يجوز إذن أن يكون الدليل يقدمه الخصم على صحة دعواه مجرد أقواله وادعاءاته ، او أن يكون ورقة صادرة منه ، أو مذكرات دونها بنفسه . وتطبيقاً لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 972 من التقنين المدنى على أنه
((ليس لأحد ان يكسب بالتقادم على خلاف سنده ، فلا يستطيع أحد أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته ولا الأصل الذى تقوم عليه هذه الحيازة)) .
وهذه القاعدة فرع عن مبدأ أعم وأشمل ، هو أن الشخص لا يستطيع أن يخلق بنفسه لنفسه سبباً لحق يكسبه ، ومن استعجل الشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه . فالوارث الذى يقتل مورثه يحرم من إرثه ، وإذا كان التأمين على حياة شخص غير المؤمن له برئت ذمة المؤمن من التزاماته متى تسبب المؤمن له عمداً فى وفاة ذلك الشخص أو وقعت الوفاة بناء على تحريض منه
وإذا كان التأمين على الحياة لصالح شخص غير المؤمن له فلا يستفيد هذا الشخص من التأمين إذا تسبب عمداً فى وفاة الشخص المؤمن على حياته أو وقعت الوفاة بناء على تحريض منه (م 757 مدنى) .
ويعتبر الشرط قد تحقق إذا كان الطرف الذى له مصلحة فى أن يتخلف قد حال بطريق الغش دون تحققه ، وكذلك لا أثر للشرط الذى تحقق إذا كان تحققه قد وقع بغش الطرف الذى له مصلحة فى أن يتحقق ( م 388 من مشروع التقنين المدنى الجديد ) . على أن القانون نص فى بعض الحالات ، لمبررات قدرها المشرع ، على جواز أن يتمسك الشخص بدليل صدر منه هو .
من ذلك ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 397 من التقنين المدنى من أن ((دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار ، غير أن البيانات المثبتة فيها عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز للقاضى أن يوجه اليمين المتممة إلى أى من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة )) . ومن ذلك ما نص عليه التقنين التجارى من أن دفتر التاجر قد يكون حجة له على التاجر
إذ تقضى المادة 17 من هذا التقنين بأنه ((يجوز للقضاة قبول الدفاتر التجارية لأجل الاثبات فى دعاوى التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر مستوفية للشروط المقررة قانوناً )) .
ومن ذلك أخيراً ما نصت عليه المادة $38 257 من تقين المرافعات ـ فى حالة امتناع الخصم من تقديم ورقة يلزمه القانون بتقديمها ـ من أنه ((إذا لم يقم الخصم بتقديم الورقة فى الموعد الذى حددته المحكمة . . اعتبرت صورة الورقة التى قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها ، فان لم يكن خصمه قد قدم صورة من الورقة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها)
قاعدة لا يجوز اجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه الا فى حالات معين
قدمنا أن لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلا لنفسه . ويقابل ذلك أنه لا يجوز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه (Nemo tenetur edere contra se) .
فكما أن الخصم لا يستفيد من دليل صنعه لنفسه ، كذلك هو لا يضار بتقديم دليل ضد نفسه
غير أن بداهة القاعدة الأولى تفوق وضوح القاعدة الثانية . فقد رأينا أن حق الخصم فى الاثبات قد يصل فى بعض الحالات إلى حد إجبار خصمه أو الغير على تقديم دليل فى حوزته . لذلك كانت هذه القاعدة الثانية فى حاجة إلى إمعان فى النظر .
فمن الممكن القول إن من امتنع من الخصوم دون حق أن يستجيب لطالبات خصمه من تقديم مستندات فى حوزته ، أو جعل بفعله اثبات الدعوى مستحيلا بأن امتنع مثلا عن تقديم دليل تحت يده لا يمنع القانون من تقديمه ، جاز أن يخسر دعواه ، وذلك بطريق القياس على من جعل بفعله تحقق الشرط الذى علق عليه التزامه مستحيلا فان القانون يفترض أن الشرط قد تحقق
بل إن الغير أيضا ـ لا الخصم وحده ـ قد يلقى عليه واجب المعاونة فى الاثبات . فيطلب شاهداً فى الدعوى ويجب عليه الادلاء بشهادته فاذا تخلف عن الشهادة جاز الحكم عليه بالغرامة ، وإذا كانت تحت يده مستندات جازت مطالبته بإبرازها بين يدى القضاء
. وقد تصل بعض الشرائع إلى حد أن نفرض بنص خاص التزاماً قانونياً على من يجوز أو يحرز شيئاً أو مستنداً يكون للغير مصلحة فى عرضه لإثبات أمر يدعيه أن يعرض هذا الشئ أو يقدم هذا المستند للقضاء للكشف عما يمكن أن يتضمنه من وجوه إثبات الأمر المدعى به . ويرفع بهذا الالتزام القانونى دعوى تسمى بدعوى العرض (action ad exhibendum)
وقد نص على هذه الدعوى كل من القانون الألماني والقانون السويسري والمشروع الفرنسي الإيطالي . وأخذ بها القضاء الفرنسي دون نص ، يبنيها تارة على وحدة المصلحة أو الشركة فى المستند (communaute d`interet, communaute de titre) لاسيما إذا كان هذا المستند عقداً ، ويبنها طوراً على مصلحة العدالة (justice interet de la)
وستخلص من أحكام القضاء الفرنسي أنه يجعل للخصم حق الاثبات ، ويلقى على خصمه واجب المعاونة فى ذلك ما استطاع إليه سبيلا ، ما دام لا يوجد مانع قانونى كوجوب الاحتفاظ بسر المهنة .
فإذا لم يقم الخصم بواجبه فى المعاونة ، وعطل على خصمه حقه فى الاثبات ، اعتبر فى منزلة من قام الدليل ضده ، وخسر الدعوى أما فى مصر ، فقبل صدور التقنين المدنى الجديد وتقنين المرافعات الجديد ، كان القضاء يذهب إلى عدم إجبار الخصم على أن يقدم دليلا يرى أنه ليس فى مصلحته
إلا أنه إذا طلب الخصم تكليف خصمه بتقديم ورقة تحت يده وامتنع عن تقديمها ، فهذا الامتناع يكون محل اعتبار من المحكمة بحسب دلالته المحتملة ، ولا يتحتم اعتباره تسليما بادعاء الطالب وللمحكمة أن تقضى لمصلحة الخصم الذى يرجح لديها أنه هو الحق
ولها أن تستخلص من امتناع الخصم دليلا للحكم ضده وقد كان المشروع الابتدائى للتقنين المدنى الجديد يحتوى على نص يقرر دعوى العرض (action ad exhibendum) ويفصل أحكامها على غرار المشروع الفرنسي الإيطالي ، فحذف فى لجنة المراجعة لأنه أدخل فى باب المرافعات ،
وكان هذا النص ( المادة 273 من المشروع الابتدائى ) يجرى على الوجه الآتى
- 1ـ كل من حاوز شيئاً أو أحرزه يلتزم بعرضه على من يدعى حقاً متعلقاً به متى كان فحص الشئ ضرورياً للبت فى الحق المدعى به من حيث وجوده ومداه ، فاذا كان الأمر متعلقاً بسندات أو أوراق أخرى ، فللقاضي أن يأمر بعرضها على ذى الشأن وبتقديمها عند الحاجة إلى القضاء ، ولو كان ذلك لمصلحة شخص لا يريد إلا أن يستند إليها فى اثبات حق له
- 2ـ على أنه يجوز للقاضى أن يرفض إصدار الأمر بعرض الشئ إذا كان لمن أحرزه مصلحته مشروعة فى الامتناع عن عرضه
- 3ـ ويكون عرض الشئ فى المكان الذى يوجد فيه وقت طلب العرض ، ما لم يعين القاضى مكاناً آخر ، وعلى طالب العرض أن يقوم بدفع نفقاته مقدماً , وللقاضي أن يعلق عرض الشئ على تقديم كفالة تضمن لمن أحرز الشئ تعويض ما قد يحدث له من ضرر بسبب العرض
ولم يتضمن تقنين المرافعات الجديد هذا النص بالرغم من أن حذفه من مشروع التقنين المدنى كان بسبب أنه أدخل فى باب المرافعات كما تقدم القول .
على أن تقنين المرافعات تضمن طائفة من النصوص لإلزام الخصم بتقديم ورقة تحت يده فنصت المادة 253 على أنه
يجوز للخصم فى الحالات الآتية أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة فى الدعوى تكون تحت يده
- (1) إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمها أو تسليمها
- (2) إذا كانت مشتركة بينه وبين خصمه ، وتعتبر الورقة مشتركة على الأخص اذا كانت محررة لمصلحة الخصمين أو كانت مثبتة لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة
- (3) إذا استند إليها خصمه فى أية مرحلة من مراحل الدعوى
وأولى هذه الحالات ـ حالة ما إذا كان القانون يجيز المطالبة بتقديم الورقة أو تسليمها ـ مثلها ما نصت عليه المادة 16 من التقنين التجارى من أنه:
(( لا يجوز للمحكمة فى غير المنازعات التجارية أن تأمر بالاطلاع على الدفترين المتقدم ذكرهما ( اليومية والمراسلات ) ولا على دفتر الجرد إلا فى مواد الأموال المشاعة أو مواد الشركات وقسمة الشركات وفى حالة الإفلاس .
وفى هذه الأحوال يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بالاطلاع على تلك الدفاتر )) . فهذا نص يجيز فى أحوال معينة فى المنازعات التجارية وبعض المنازعات المدنية وهو الشيوع والتركة وقسمة الشركات والافلاس ـ أن تأمر المحكمة من تلقاء نفسها بتقديم الدفاتر التجارية والاطلاع عليها لإثبات حق مدعى به
ولكن النص محدود ـ كما نرى ـ من حيث الأحوال التى يجوز فيها الأمر بتقديم المستند ومن حيث نوع المستند ذاته . فهو لا ينطبق إلا على بعض الدفاتر التجارية .
وكذلك نصت المادة 18 من التقنين التجارى على أنه
(يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها فى أثناء الخصومة بتقديم الدفاتر لتستخرج منها ما يتعلق بهذه الخصومة )
فهذا نص آخر يجيز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها ، فى جميع المنازعات التجارية والمدنية ، بالاطلاع على جميع الدفاتر التجارية .
وهذا النص ، وإن كان مطلقاً من ناحية الأحوال التى يجوز فيها الأمر بتقديم المستند ومن حيث نوع المستند ، إلا إنه محدود من حيث الغرض من تقديم المستند .
فهذا الغرض مقصور على أن تطلع المحكمة ـ دون أن تطلع الخصوم كما هى الحال فى شأن المادة 16 المتقدمة الذكر ـ على دفاتر التجار لا فى جميع أجزائها بل فى الجزء الذى وردت فيه البيانات المتعلقة بالخصومة . وسنعود إلى المادتين 16 و 18 من التقنين التجارى ببيان أوفى عند الكلام فى دفاتر التجار كطريق من طرق الإثبات .
وتحدد المادة 254 من تقنين المرافعات البيانات الواجب ذكرها فى الطلب الذى يتقدم به الخصم لإلزام خصمه بتقديم الورقة الواجب تقديمها ، فتقول
يجب أن يبين فى هذا الطلب
- (1) أوصاف الورقة التى تعينها
- (2) فحوى الورقة بقدر ما يمكن من التفصيل
- (3) الواقعة التى يستشهد بها عليها
- (4) الدلائل والظروف التى تؤيد أنها تحت يد الخصم
- (5) وجه إلزام الخصم بتقديمها
وتبين المادة 256 من تقنين المرافعات النتيجة التى ينتهى إليها الطالب فى حالة القدرة على إثبات صحة طلبه وفى حالة العجز عن هذا الإثبات على الوجه الآتى :
إذا أثبت الطالب طلبه أو أقر الخصم بأن الورقة فى حوزته أو سكت ، أمرت المحكمة بتقديم الورقة فى الحال أو فى أقرب موعد تحدده . وإذا أنكر الخصم ولم يقدم الطالب إثباتاً كافياً لصحة الطلب ، وجب أن يحلف المنكر يميناً بأن الورقة لا وجود لها أو أنه لا يعلم وجودها ولا مكانها وأنه لم يخفها أو لم يهمل البحث عنها ليحرم خصمه من الاستشهاد بها
وتذكر المادة 257 من تقنين المرافعات جزاء عدم تقديم الورقة أو الامتناع عن حلف اليمين ،فتقول :
إذا لم يقم الخصم بتقديم الورقة فى الموعد الذى حددته المحكمة أو امتنع عن حلف اليمين المذكورة ، اعتبرت صورة الورقة التى قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها ، فان لم يكن خصمه قد قدم صورة من الورقة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها وقد سبق أن أوردنا هذا النص كحالة يجوز فيها أن يتمسك الشخص بدليل صدر منه هو .
وتجرى المادة 259 من تقنين المرافعات الأحكام السابقة على إلزام الغير بتقديم ورقة تحت يده على النحو الآتى :
يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى ، ولو أمام محكمة الاستئناف ، أن تأذن فى إدخال الغير لإلزامه بتقديم ورقة تحت يده ، وذلك فى الأحوال ومع مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها فى المواد السابقة
وهذه النصوص كلها مستحدثة فى تقنين المرافعات الجديد ، وقد أخذت عن تقنين المرافعات الألماني ( م 386 وما بعدها ) وعن تقنين المرافعات التركي (م 326 وما بعدها)
وهى على كل حال أضيق فى نطاقها من دعوى العرض التى حذف نصها من مشروع التقنين المدنى . فهى لا تجيز إلزام الخصم أو الغير بتقديم ورقة تحت يده هى مستند فى الدعوى إلا فى أحوال ثلاث ذكرتها المادة 253
أما نص مشروع التقنين المدنى المحذوف فقد كان يجيز إلزام الخصم أو الغير بتقديم المستند الذى فى حوزته حتى فى غير هذه الأحوال الثلاث متى ثبت أن فحص هذا المستند ضرورى للبت فى الحق المدعى به ويرجع تقدير هذه الضرورة إلى القاضى . هذا إلى أن النص المحذوف عام يتناول المستندات وسائر الأشياء الأخرى .
فيجوز مثلا ـ كما جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى:
ـ لمالك الشئ المسروق أن يطالب من يشتبه فى حيازته له بعرضه عليه ليتثبت من ذاتيته . ويجوز كذلك لوارث المهندس أن يطلب تمكينه من معاينة الترميمات التى أجراها مورثه حتى يتسنى له أن يعين مدى حقف فى الأجر بعد أن آل إليه هذا الحق من طريق الميراث .
فإذا كان الشئ الذى يطلب عرضه سنداً أو وثيقة فيلاحظ أمران :
- أولهما أن فحص الوثيقة قد يكون ضرورياً لا للبت فى وجود الحق المدعى به وتعيين مداه ، بل لمجرد الاستناد إليها فى إثبات حق للطالب .
- والثانى أن للقاضى أن يأمر عند الاقتضاء بتقديم الوثيقة للمحكمة لا مجرد عرضها على الطالب . فيجوز مثلا لمشترى الأرض ، إذا تعهد بالوفاء بما بقى من ثمن آلة زراعية ملحقة بها ، أن يطلب عرض الوثائق الخاصة بتعيين القدر الواجب أداؤه من هذا الثمن .
ويجوز كذلك لموظف يدعى أنه عزل تعسفياً أن يطلب تقديم ملف خدمته للقضاء ليستخلص منه الدليل على التعسف وإذا كانت نصوص تقنين المرافعات الجديد ضيقة من حيث نطاقها فهى على العكس من ذلك واسعة من حيث ترتب الجزاء عليها .
وقد رأينا أن الخصم أو الغير إذا لم يقم بتقديم الورقة اعتبرت صورة الورقة التى قدمها الخصم المدعى صحيحة مطابقة لأصلها ، فان لم يكن هذا قد قدم صورة الورقة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها وهذا أقص جزاء يمكن أن يترتب على الشخص إذا أخل بالتزامه القانون من تقديم مستند تحت يده .
قيد الاثبات بشهادة الشهود
قضت محكمة النقض في حكم حديث لها :
محكمة النقض
دائرة الاثنين مدني أ
الطعن رقم ٥٣٧١ لسنة ٨٢ قضائية
جلسة الاثنين الموافق ٢٨ من يونية سنة ٢٠٢١
- برئاسة السيد القاضى / بليغ كمال” نائب رئيس المحكمة “
- وعضوية السادة القضاة / رمضان عثمان،د. أحمد فاروق عوض،
- منير محمد أمين” نواب رئيس المحكمة “و أحمد سيد يوسف
الموجز
- (١) الأصل فى الشهادة هو إخبار الشاهد بما أدركه بحواسه لا بما توصل إليه عن طريق الاستنتاج . وألا يقوم بالشاهد مانع من موانعها يدع للميل بشهادته إلى أحد الخصمين .
- (٢) التحقيق الذى يصح أساساً للحكم . شرطه . أن تقوم به المحكمة أو قاض يندب لذلك وفقاً للقانون. م ٦٨ وما بعدها من قانون الإثبات . سماع الشهود بمحضر الشرطة ليس تحقيقاً بالمعنى المقصود . ماهيته . قرينة قضائية لا تصلح أن يبنى حكم عليها وحدها .
- (٣) المسئولية الشيئية . قيامها على خطأ مفترض وقوعه من حارس الشيء لا يقبل العكس . مؤداه . التزام حارس الآلات الميكانيكية أو أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة ألا تحدث ضررا بالغير . إثبات المضرور حدوث الضرر بفعل الشيء . أثره . تحقق مسئولية الحارس عن ذلك الضرر . درؤها عنه . سبيله . إثباته وقوع الضرر بسبب أجنبي لا يد له فيه . م ١٧٨ مدنى .
- (٤) قضاء الحكم المطعون فيه برفض دعوى الطاعنين تأسيسا على خطأ مورثهم لعبوره مجاز السكة الحديد أثناء غلقه استنادا لأقوال حارس المجاز بمحضر الشرطة وأخر عدل عن شهادته . قصور . نفي الحكم مسئولية الهيئة المطعون ضدها رغم كونها مسئولية مفترضة لوقوع الحادث بفعل القطار حراستها لا ترتفع إلا بثبوت السبب الأجنبي . قصور وخطأ .
القواعد
١-المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن الأصل فى الشهادة هو إخبار الشاهد بما أدركه بحواسه لا بما توصل إليه عن طريق الاستنتاج ويجب ألا يقوم بالشاهد مانع من موانعها من شأنه أن يدع للميل بشهادته إلى أحد الخصمين من سبيل.
٢-المقرر– فى قضاء محكمة النقض – أن التحقيق الذى يصح اتخاذه سنداً أساسياً للحكم هو الذى تقوم به المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاضٍ يندب لذلك ويجرى وفقاً للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود فى المادة ٦٨ وما بعدها من قانون الإثبات أما ما يجرى سماعه من شهود بمحضر الشرطة فلا يعد تحقيقاً بالمعنى المقصود، إذ هو مجرد قرينة قضائية لا تصلح أن يبنى حكم عليها وحدها.
٣-المقرر– فى قضاء محكمة النقض – أن مؤدى نص المادة ١٧٨ من القانون المدني أن المسئولية المقررة بهذه المادة تقوم على أساس خطأ مفترض من حارس الشيء افتراضاً لا يقبل العكس وقد أنشأ المشرع بذلك النص التزاماً على عاتق من يتولى حراسة الآلات الميكانيكية أو أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة ألا يحدث الشيء الذى فى حراسته ضرراً بالغير .
وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية ، فإذا وقع ضرر فإنه يكفى المضرور إثبات حدوثه بفعل الشيء لتقوم قرينة قاطعة لا سبيل لدحضها على خطأ الحارس وإخلاله بالالتزام الذى فرضه القانون بما تتحقق معه مسئوليته عن ذلك الضرر ولا ترتفع هذه المسئولية عن حارس الشيء إلا إذا أقام الدليل على أن الضرر الذي حاق بالمضرور نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه.
٤-إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوي الطاعنين على خطأ مورثهم لعبوره مجاز السكة الحديدية أثناء غلقه مستمداً ذلك من أقوال حارس المجاز محل الحادث بمحضر الشرطة وآخر عدل عن شهادته والتي لا تعدو أن تكون قرينة لا تكفي وحدها لحمل قضاء الحكم وعماداً له لا سيما وأن الحارس تابع للسكة الحديدية وباعتباره تابعاً لها فإنه يميل بطبيعة الحال إليها
فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب وإذ نفي الحكم مسئولية الهيئة المطعون ضدها وهي مسئولية مفترضة لوقوع الحادث بفعل القطار حراستها لا ترفع إلا بثبوت السبب الأجنبي وعلى قرينة لا تحمله، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه والإحالة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر/ أحمد سيد يوسف والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفي أوضاعه القانونية
وحيث إن الوقائع ــــــ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ــــــ تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضده بصفته الدعوي رقم ٢٩٧٣ لسنة ٢٠١٠ مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه أن يؤدى لهم مائتي ألف جنيه تعويضاً مادياً وأدبياً وموروثا والفوائد حتي السداد .
وقالوا بياناَ لذلك:
إنه بتاريخ ٣٠/٤/٢٠١٠ وأثناء عبور مورثهم لمجاز السكة الحديدية صدمة القطار فأحدث إصابته التي أودت بحياته ، وحرر عن ذلك المحضر رقم ١٤٤١ لسنة ٢٠١٠ إداري قليوب، وإذ لحقهم أضرار من جراء ذلك، أقاموا الدعوي، وحكمت المحكمة بالتعويض الذي قدرته ، استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم ٤٤٩٨ لسنة ١٥ ق القاهرة،
كما استأنفه المطعون ضده أمام ذات المحكمة بالاستئناف رقم ٤٥٣٥ لسنة ١٥ ق وبعد أن ضمت الاستئنافين، قضت بتاريخ ٨/٢/٢٠١٢ بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوي ، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وقد عُرض الطعن علي هذه المحكمة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع:
ذلك أن الحكم أقام قضاءه بنفي مسئولية المطعون ضدها استناداً لأقوال شاهد عدل عنها ولأقوال حارس المجاز الذي وقع به الحادث برغم أنه تابع للمطعون ضده ومن ثم فهو صاحب مصلحة في نفي التقصير عن نفسه وعن الهيئة التابع لها وبذلك لا تصلح تلك الشهادة لحمل قضاء الحكم، مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله
ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه لما كان الأصل فى الشهادة هو إخبار الشاهد بما أدركه بحواسه لا بما توصل إليه عن طريق الاستنتاج ويجب ألا يقوم بالشاهد مانع من موانعها من شأنه أن يدع للميل بشهادته إلى أحد الخصمين من سبيل. وكان التحقيق الذى يصح اتخاذه سنداً أساسياً للحكم هو الذى تقوم به المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاضٍ يندب لذلك ويجرى وفقاً للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود فى المادة ٦٨ وما بعدها من قانون الإثبات .
أما ما يجرى سماعه من شهود بمحضر الشرطة فلا يعد تحقيقاً بالمعنى المقصود، إذ هو مجرد قرينة قضائية لا تصلح أن يبنى حكم عليها وحدها. وأن مؤدى نص المادة ١٧٨ من القانون المدني أن المسئولية المقررة بهذه المادة تقوم على أساس خطأ مفترض من حارس الشيء افتراضاً لا يقبل العكس وقد أنشأ المشرع بذلك النص التزاماً على عاتق من يتولى حراسة الآلات الميكانيكية أو أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة ألا يحدث الشيء الذى فى حراسته ضرراً بالغير وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية.
فإذا وقع ضرر فإنه يكفى المضرور إثبات حدوثه بفعل الشيء لتقوم قرينة قاطعة لا سبيل لدحضها على خطأ الحارس وإخلاله بالالتزام الذى فرضه القانون بما تتحقق معه مسئوليته عن ذلك الضرر ولا ترتفع هذه المسئولية عن حارس الشيء إلا إذا أقام الدليل على أن الضرر الذي حاق بالمضرور نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه
لما كان ذلك
وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوي الطاعنين على خطأ مورثهم لعبوره مجاز السكة الحديدية أثناء غلقه مستمداً ذلك من أقوال حارس المجاز محل الحادث بمحضر الشرطة وآخر عدل عن شهادته والتي لا تعدو أن تكون قرينة لا تكفي وحدها لحمل قضاء الحكم وعماداً له لا سيما وأن الحارس تابع للسكة الحديدية وباعتباره تابعاً لها فإنه يميل بطبيعة الحال إليها
فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب وإذ نفي الحكم مسئولية الهيئة المطعون ضدها وهي مسئولية مفترضة لوقوع الحادث بفعل القطار حراستها لا ترفع إلا بثبوت السبب الأجنبي وعلى قرينة لا تحمله، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه والإحالة.
لـــــذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلي محكمة استئناف القاهرة وألزمت المطعون ضده بصفته المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
المبادئ الأساسية لقواعد الاثبات المدنى
- انتهي البحث القانوني ويمكن لحضراتكم التعليق في صندوق التعليقات بالأسفل لأى استفسار قانوني
- زيارتكم لموقعنا تشرفنا ويمكن الاطلاع علي المزيد من المقالات والأبحاث القانونية المنشورة للأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض في القانون المدني والملكية العقارية من خلال أجندة المقالات
- كما يمكنكم التواصل مع الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الواتس اب شمال الصفحة بالأسفل
- كما يمكنكم حجز موعد بمكتب الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الهاتف ( 01285743047 ) وزيارتنا بمكتبنا الكائن مقره مدينة الزقازيق 29 شارع النقراشي – جوار شوادر الخشب – بعد كوبري الممر – برج المنار – الدور الخامس زيارة مكتبنا بالعنوان الموجود على الموقع.