متي يكون استعمال الحق غير موجب للتعويض ؟ مادة 4 مدني

البحث الشافي عن تساؤل هام متي يكون استعمال الحق غير موجب للتعويض ؟ وفقا مادة 4 مدني وهذا البحث يلقي الضوء علي أحكام المادة الرابعة من القانون المدني مصحوبا بأراء كبار شراح القانون ومدعما بأحكام محكمة النقض

نص المادة 4 مدني عن استعمال الحق

استعمال الحق غير موجب للتعويض

يجري نص المادة الرابعة من القانون المدني علي

من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر .

استعمال الحق والتعويض في القوانين العربية

هذا النص يقابل من مواد نصوص القوانين العربية ، المادة 4 من التقنين المدني الليبي ، المادة 7/1 من التقنين المدني العراقي .

شرح استعمال الحق وانتفاء التعويض رغم الضرر

تعريف الحق

من الصعب وضع تعريف جامع مانع الحق ، ولعل مصدر هذه الصعوبة ترج الى تعدد أنواع الحقوق ، واختلاف طبيعتهما ومضمونها تبعا لذلك مما يجعل أى تعريف للحق بصفة عامة قابل للنقد ،

وأنه من الأفضل بدلا من الوقوف عند تعريف الحق دراسة أنواع الحقوق المختلفة ، وإذا كان لابد من وضع تعريف للحق

فإننا نفضل تعريف الأستاذ الدكتور / أحمد سلامة للحق بأنه

استئثار بقوة القانون

على أن نفهم الاستئثار بالمعنى الذي أورده دابان أى الاختصاص بقيمة معينة وعلى أن يكون المقصود بإقرار القانون له أن القانون يبيح هذا الاستئثار ويعترف به ، أما الحماية القانونية فهى ليست عنصرا في تكوين الحق وإن كانت ضرورية للمحافظة على الحق ومنع الاعتداء عليه

(الدكتور أحمد سلامة ، مرجع سابق ص137 وما بعدها)

الخصائص المميزة للحق

استعمال الحق غير موجب للتعويض

للحق خاصيتان

  1. الأولى الاستئثار أو الاختصاص بشيء أو بقيمة
  2. الثانية الحماية

وسوف نلقي الضوء عليهما على الترتيب التالي 

الخاصية الأولى الاستئثار أو الاختصاص بشيء و بقيمة

يعرف الحق على أنه استئثار ، والواقع أن هذا الاستئثار هو أهم ما يميز الحق ، إذ هو على أننا نرى قبل وضع تعريف للحق إبداء بعض الملاحظات على النظرية الحديثة التي قال بها دابان ،

ثم تعرف الحق بعد ذلك مبرزين عناصره التي يتكون منها والواقع أنه يمكن في صدد ملاحظاتنا على نظرية دابان رد العناصر الأربعة التي تتحلل إليها فكرة الحق الى عنصرين أساسيين يقوم عليهما تعريف الحق

أولهما هو الاستئثار بما يتبعه من تسلط

أى الاستئثار مع مظهره أو نتجيته الحتمية وهو التسلط ، وهذا ما يعبر عنه دابان نفسه بعبارة appartenace maitrise

الثاني هو عنصر الحماية القانونية

وهذا ما يقره صاحب النظرية نفسه إذ يرى أنه يوجد عنصران أساسيان بالنسبة للحق ،

ويضع الاستئثار والتسلط في جانب وينظر إليهما من ناحية صاحب الحق ، ويسمى هذا بالعنصر الداخلي interne إذ أن الاستئثار هو سبب التسلط ويؤدي إليه باعتبار أن الشيء أو القيمة تتبع الشخص أو تخصه ، فتكون له عليها السلطة ، فالتسلط لا ينفصل عن الاستئثار  وهو معاصر له

وهما يحددان طبيعة الحق من ناحية صاحبه

(جميل الشرقاوي ، أحمد سلامة ، المرجعان السابقان)

ومرادف للحق ، يعني طل معناه كما يقول البعض

(جميل الشرقاوي ، مرجع سابق ص25)

هذا الاستئثار يقتضي وجود شخص يستأثر بشيء أو بقيمة ، وتكون له ميزات ينفرد بها دون غيره من الناس على ما تخوله هذه القيمة أو ذلك الشيء ، فهو ينفرد دون غيره من الناس بالفائدة التي يعطيها له الشيء أو القيمة ، أى أن له من وراء ذلك مصلحة معينة ، والميزة التي يخولها له استئثاره إنما هى مصلحة له ، هى الغاية أو الهدف منه ،

فالغاية من الاستئثار هى تحقيق مصلحة أو منفعة أو فائدة لمن يثبت له الاستئثار فالحق يفترض دائما – وجود مركز ممتاز لشخص بالنسبة للآخرين ، أو بمعنى آخر يقوم على أساس من عدم التساوي بين مراكز الأفراد ،

فصاحب الملكية مثلا (المالك) يكون له وحده الاستئثار أو الانفراد بالميزات التي يخولها له هذا الحق ، وهو ينفرد بذلك دود الآخرين

(توفيق فرج ، مرجع سابق)

والدائن ينفرد وحده دون سائر الناس بمطالبة المدين ،

ولا يستطيع أحد أن يطالب بهذا الدين نفسه … ومن هنا نستطيع أن نتبين أن من له الاستئثار قد يقوم بنفسه مباشرة بما يخوله له استثاره بالحصول على المزايا التي ينفرد بها ، وقد لا يحصل على تلك المزايا مباشرة ،

وإنما عن طريق تدخل شخص آخر هو المدين ، والأخذ بتعريف الحق على أنه استئثار الشخص بشيء أو بقيمة على هذا النحو يؤدي بنا إلى القول بأنه ليس من المحتم أن توجد الإرادة لدى من يثبت له الاستئثار ، فقد يثبت لشخص لا تتوافر لديه الإرادة ، وهذا ما جعلنا نتلافى إبراز فكرة الإرادة في التعريف الذي أوردناه ،

وبذلك يمكن تلافي ما وجه من نقد إلى مذهب الإرادة الذي قيل به من قبل في تعريف الحق ، وتبعا لذلك فإن الاستئثار يلبث لعديم الإرادة كالصغير غير المميز والمجنون ،

ومن الثابت أن لهؤلاء الأشخاص حقوقا دون أن تكون لهم إرادة هذه الحقوق يباشرها عنهم شخص آخر ، لا تنصرف الآثار إليه ، وإنما تنصرف إلى الصغير أو المجنون ، كما أن الاستئثار قد يلبث – كما بينا من قبل – لشخص دون تدخل من إرادته ، كالغائب أو الوارث أو الموصى له وغيرهم ممن يترتب لهم حقوق دون تدخل من إرادتهم ،

ثم إن الأخذ بفكرة الاستئثار هو الذي يفسر لنا كذلك ثبوت الحق بالنسبة للأشخاص الاعتبارية رغم عدم وجود إرادة لها ، ومن ناحية أخرى فإن التعريف يبرز لنا أن الاستئثار بنصب على شيء أو قيمة ، والأشياء التي تكون موضوعا للاستئثار أو للحق ، قد تكون أشياء مادية كحق الملكية ،

كما قد تكون أشياء معنوية كحق المؤلف والمخترع ….. والقيم التي يرد عليها الاستئثار كذلك قد تكون من القيم التي تقدر تقديرا اقتصاديا ، وقد لا يكون لها تقدير اقتصادي مثل القيم اللصيقة بالشخص ، كما قد تكون أداءات يقوم بها الغير ، ويختلف مدى مت يخوله الاستئثار على الأشياء أو القيم من سلطات ،

فقد يخول سلطات واسعة ، كما في حق الملكية ، وقد يضيق نطاق تلك السلطات ، كما في الحقوق الأخرى ، كحق الدائنية ، حيث تتحدد سلطات الدائن قبل المدين ،

إذ لا يستطيع أن يتصرف فيه ويتحكم في مصيره إذا لم يقم بالوفاء بالدين ، لأن مسئولية المدين لم تعد تقع على شخصه كما كان الحال فيما مضى ، وإنما تنحصر مسئوليته فقط في ذمته المالية ، وللدائن سلطة فقط بالنسبة للدين ، فله أن يطالب به بنفسه أو ينقله الى آخر ،

أو يبرئ المدين منه نهائيا …. فسلطته إذن قاصرة على الدين نفسه ، ويضيق نطاق مدى ما يخوله الاستئثار من سلطات في نوع آخر من الحقوق وهى التي تتعلق بالقيم اللصيقة بالشخص ، إذ يقتصر الأمر بالنسبة لها على استعمالها فقط ، دون إمكان التصرف فيها ، فليس للإنسان أن يتصرف في حريته أو في حياته .

(توفيق فرج ، مرجع سابق)

الخاصية الثانية الحماية القانونية

ولكى يستطيع من يثبت له الاستئثار على النحو السابق وهو صاحب الحق ، التمتع بالسلطات التي يخولها له استئثاره ، فلابد من منع الغير من التعرض له وإلزامهم بالامتناع عن كل ما من شأنه الإضرار به في استئثاره ،

وهذا هو ما يطلق عليه الفقه العنصر الخارجي ، وهو يتلخص في وجود الغير ضرورة  احترامهم لاستئثار صاحب الحق ، وتعد هذه الفكرة عنصرا جوهريا في الحق ،

إذ لا يكفي أن يكون هناك شخص يستأثر بشيء أو بقيمة أو بميزات معينة في مواجهة الآخرين ، وإنما ينبغي أن يمكن من إزالة كلما يقع من جاب الآخرين ويكون من شأنه أن يعوق استئثاره ،

أى يمكن من المطالبة باحترام حقه من الغير ، ينبغي أن يكون له رد أى اعتداء أو تعرض من جانبهم ، وذلك طبقا لما يقضي به القانون ، فيتعين إذن أن يحمي القانون استئثار صاحب الحق ، ألا لا يكفي أن يثبت له الاستئثار فقط بما يخوله من سلطات ومزايا ،

لأن الشخص قد يستأثر بالشيء ، وضع ذلك لا يكون صاحب حق ، حيث تنحسر عنه الحماية القانونية كالمغتصب والسارق مثلا ، إذ في هذه الحالة يكون لكل من المغتصب والسارق الإمكان المادي أو الاستئثار الفعلي على الشيء ، ولكن ليس له الإمكان القانوني ، ومن هذا يبدو لنا أن الإمكان المادي أوسع مدى من الإمكان القانوني ،

  وفي صدد هذه الناحية الثانية من التعريف ، وهى الخاصة بالحماية القانونية ، ينبغي أن نقول إن هذه الحماية تنصرف إلى إقرار استئثار صاحب الحق ،

وما يخوله هذا الاستئثار من ميزات ، فهى تتحقق عن طريق كفالة القانون للشخص مباشرة السلطات اللازمة لتحقيق انفراده بالشيء أو بالقيمة ففي حالة الملكية مثلا ، إذا كان للمالك أن يستأثر بكافة المزايا التي يعطيها له حق الملكية ، فإن الحماية تتطلب تمكين هذا المالك من مباشرة كافة السلطات على ما يملك ،

فيكون له أن يستغله وأن ينصرف فيه بالبيع أو بالهبة أو بغير ذلك من وسائل التصرف ، وإقرار القانون لاستئثار الشخص على هذا النحو يقتضب احترام الكافة لما يخوله الاستئثار من ميزات يتمتع بها الشخص في حدود القانون وفي حدود المصلحة المشروعة ،

وإذا قلنا في حدود المصلحة المشروعة فإنه يتعين علينا أن نشير هنا إلى أن القانون إذ يضفي حمايته على من له الاستئثار ، فإن الهدف من هذه الحماية هو تحقيق مصلحة صاحب الحق ،

لأن القانون يرى أن هذه المصلحة التي يسعى الشخص إلى تحقيقها جديرة بالحماية ، والمصلحة لا تكون جديرة بالحماية إلا إذا كانت متفقة مع المصلحة العامة ، فإذا كانت المصلحة التي يسعى الشخص إلى تحقيقها مشروعة ، أى في حدود المصلحة العامة ، قامت الحماية القانونية ،

أما إذا تعارضت معها ، فإن حماية القانون تنسحب وتتخلى عنها ، ومن جهة أخرى ينبغي أن يراعى في صدد الكلام عن الحماية القانونية أن القانون إذا كان يقر الاستئثار على النحو السابق ، فإنه يعطي لصاحب وسيلة الدفاع عنه ،

ووسيلة الدفاع عنه لا تظهر إلا في حالة ما إذا وقع اعتداء عليه من الغير أو ما إذا كان هذا الاعتداء وشيك الوقوع ، هذه الوسيلة هى الدعوى ، وقد تكون الدفع أمام القضاء . فلكى تثور هذه الناحية التي تتصل بوسيلة الحماية ينبغي أن يقع اعتداء على استئثار الشخص أو أن يكون هذا الشخص مددا في استئثاره بوقوع الاعتداء ،

والواقع أن الحماية القانونية المقصودة في صدد تعريف الحق إنما هو الحماية بمعنى إقرار استئثار صاحب الحق ، أما الحماية في الحالة الأخرى عندما يصير استئثار الشخص مهددا ،

فإنها ليست إلا أثرا مترتبا على قيام حق يحميه القانون ، وطالما أن القانون يحمي من له الاستئثار ، فإنه يعطيه الوسيلة إلي هذه الحماية ، وهى الدعوى أو الدفع ،

وبمعنى آخر أنه إذا كانت الحماية القانونية لازمة كعنصر في الحق فإنه ينبغي أن نفرق بصددها بين حماية القانون بمعنى إقراره لاستئثار الشخص وما يخوله هذا الاستئثار من ميزات ،

وبين وسيلة الحماية وهى الدعوى . فالدعوى وسيلة الحماية ، وهى لا تعتبر عنصرا لازما لوجود الحق

(جميل الشرقاوي ص205 وقارن شمس الدين الوكيل ص163 ، وانظر مع ذلك ص16 ، 17 لنفس المؤلف ، وحسن كيرة ص68 ، 569 ، وأحمد سلامة ص30 ، 31)

أركان الحق

 وعلى ضوء تعريفنا السابق نستطيع أن نتبين أركان الحق .

فهناك أولا الاستئثار ثم الى جانب هذا الاستئثار هناك الحماية القانونية ، ولما كان الاستئثار يتطلب وجود شخص يستأثر في مواجهة الآخرين ،

كما يستلزم أن ينصب على شيء أو على قيمة ، أى ينصب على محل معين ، فإنه يتضح لنا أن للحق أركانا ثلاثة ، إذ ينبغي النظر إليه من ناحية الأشخاص ثم من ناحية محله هذا الى جانب ناحية الحماية القانونية .

الفرق بين الحق والرخصة

استعمال الحق غير موجب للتعويض

أن المشرع المصري قد اتجه الى التفرقة بين الحق والرخصة ، وأن إساءة استعمال الحق ترد على الحقوق دون الرخص ، فقد كانت المادة 5 من المشروع التمهيدي تنص على أن “

الحقوق المدنية نوعان :

  • حقوق محددة يكسبها الشخص ويخص بها دون غيره
  • رخص قانونية أو حقوق عامة يعترف بها القانون للناس كافة

وجاء في مذكرة المشروع التمهيدي أن هذا النص يفرق بين الحق والرخصة وأن التعسف يرد على استعمال الحقوق وحدها . أما الرخص فلا حاجة الى فكرة التعسف في ترتيب مسئولية من باشرها عن الضرر الذي يلحق الغير من جراء ذلك …

ويقصد بالحق في هذا الصدد كل مكنة تثبت لشخص من الأشخاص على سبيل التخصيص والإفراد ، كحق الشخص في ملكية عين من الأعيان أو حقه في اقتضاء دين من الديون أو حقه في طلاق زوجته .

أما ما عدا ذلك من المكنات التي يعترف بها القانون للناس كافة دون أن تكون محلا للاختصاص الحاجز فرخص وإباحات ، كالحريات العامة وما إليها ،

وهذه الرخص أو الإباحات لا حاجة الى فكرة التعسف فيها لتأيمن الغير ما ينجم من ضرر عن استعمال الناس لها لأن أحكام المسئولية تتكفل بذلك على خير  وجه

(مجموعة الأعمال التحضيرية ، جزء أول ص201)

وقد حذف نص المادة الخامسة السالفة الذكر ، ولكن حذفه لا ينتقص من دلالته على اتجاه المشرع ، لأن هذا الحذف كان على اساس اعتباره عملا فقهيا أكثر منه تشريعيا

(حسن كيرة ، أصول القانون ص1138)

تعريف الرخص العامة

الرخصة العامة هى إباحة عامة تتيح لكل شخص حرية القيام بما لا يحرمه القانون كحرية السير في الطريق العام وحرية الاتجار وحرية القول وحرية الالتجاء الى القضاء بصفة عامة

(سليمان مرقص ، مرجع سابق ص310)

فالرخص العامة على عكس الحقوق لا تفترض وجود روابط قانونية بعد بحيث تتفاوت بشأنها المراكز بين الأشخاص ، بل هى تفترض وجود الأشخاص في نفس المركز من حيث التمتع بما تخوله من سلطات ، ولذلك فهى لا تعرف فكرة الاستئثار أو الانفراد ، بل يتمتع الكافة بالحريات أو الرخص العامة على قدم المساواة ،

غير أن الرخصة العامة قد تولد أحيانا حقا من الحقوق بالمعنى الاصطلاحي الدقيق ، وذلك إذا وقع اعتداء عليها من أحد الأفراد ، إذ بمجرد وقوع هذا الاعتداء – وليس قبله – تنشأ رابطة قانونية هى رابطة اقتضاء تعطلا للمعتدي على حريته حقا في التعويض قبل المعتدي

(حسن كيرة ، مرجع سابق ص440 ، 441)

ويذهب رأى في الفقه الى أن فكرة التعسف ترد على الانحراف في استعمال الحقوق ، وليس على الانحراف في استعمال الرخص العامة ، ويحكم الانحراف الانحراف في استعمال هذه الرخص فكرة الخطأ في نطاق المسئولية التقصيرية

(حسن كيرة ص783 وما بعدها ، سليمان مرقص ص336)

ويستطرد أنصار هذا الرأى بأن المشرع المصري يأخذ بهذا النظر ، فقد كان المشرع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يتضمن نصا يمهد للأحكام المتعلقة بالتعسف في استعمال الحق بالتفرقة بين الحقوق وبين الرخصة العامة إذ نصت المادة (5) منه على أن ” الحقوق المدنية نوعان : حقوق محددة يكسبها الشخص ويختص بها دون غيره ، ورخص قانونية أو حقوق عامة يعترف بها القانون للناس كافة ” ،

وقد جاء عن هذه المادة بمذكرة المشروع التمهيدي أنه

تفرق المادة (5) من المشروع بين الحق والرخصة وهى بذلك تمهد للأحكام المتعلقة بالتعسف في استعمال الحق ، فالتعسف يرد على استعمال الحقوق وحدها أما الرخص فلا حاجة الى فكرة التعسف في ترتيب مسئولية من يباشرها عن الضرر الذي يلحق الغير من جراء ذلك …

وهذه الرخص أو الإباحات لا حاجة الى فكرة التعسف فيها لتأمين الغير ما ينجم من ضرر عن استعمال الناس لها لأن أحكام المسئولية المدنية تتكفل بذلك على خير وجه ” ،

وأن هذا النص وإن كان قد حذف ولم يظهر في التقنين ، فلا ينتقص ذلك من دلالته على اتجاه المشرع لأن حذفه كان على أساس اعتباره عملا فقهيا أكثر منه تشريعيا

(مجموعة الأعمال التحضيرية ، الهامش ص201 ، حسن كيرة ، مرجع سابق ص786)

بينما ذهب رأى ثان الى نظرية التعسف في استعمال الحق تسري على الحقوق والرخص العامة على حد سواء

(السنهوري ، مرجع سابق ص702)

إذ لا مانع من امتداد نظرية التعسف لتشمل الحقوق والرخص معا . فالمشرع عندما اشترط لمشروعية الحق أن يستعمل استعمالا لا ينطوي على تعسف فإنه قد وضع قاعدة تحدد التصرفات المشروعة سواء كانت هذه التصرفات قد حددت في نص أو في صورة حق بالمعنى الدقيق أم كانت من قبيل الحقوق العامة المعترف بها للكافة ،

فالمشرع يستهدف إدخال نوع من الأخلاق في التصرفات القانونية ، فاستعمال أى حق سواء أكان خاصا أو عاما يؤدي الى حد ما الى الإضرار بالغير ولكن نظرا ن هذا الضرر لا يمكن تفاديه فهو يعتبر مشروعا ،

ولكن المسئولية تنعقد منذ اللحظة التي يكون الاستعمال قد تم في ظروف غير مشروعية ، فلكل شخص أن يدخل في منافسة مع الغير ، فهذه رخصة أو حرية ،

أى حق عام غير محدد ، ويعتبر استعمال تلك الرخصة مشروعا بالرغم من أنه قد يسبب بعض الأضرار للغير الذي يدخل معه في منافسة ولكن يعتبر استعمال تلك الرخصة منطويا على تعسف منذ اللحظة التي يستهدف فيها تحقيق مصلحة غير خلفية مثل الرغبة في تحطيم منافسه ،

فالشخص الذي يستعمل رخصة ويسبب أضرارا مشروعة للغير يحميه القانون شأنه تماما شأن من يستعمل حقا بالمعنى الدقيق ، ولكن متى كان الاستعمال قد تم في ظروف غير مشروعة فإن التعسف يوجد سواء بالنسبة للرخصة أم الحق ، فكما كفل القانون لهما الاستعمال المشروع فإنه يتدخل للحد من التعسف في استعمالهما .

أما القول بأن قواعد المسئولية المدنية تغني عن نظرية التعسف في استعمال الحق فهو غير مقبول على أساس أن مثل هذا القول يصدق سواء بالنسبة للحق بالمعنى الدقيق أو الرخصة ، فإن كانت قواعد المسئولية المدنية لم تغن عن نظرية التعسف بصدد الحقوق فلا يضحى أدنى مبرر لكفايتها في صدد الرخص وعدم الحاجة الى نظرية التعسف ،

ويضيف أنصار هذا الرأى أن الرأى الأول يرجع الى اعتبارات تاريخية تتصل بظهور فكرة التعسف في استعمال الحق . ففي بداية القرن التاسع عشر كانت الحقوق لا تخضع للرقابة في استعمالها ، فالرخص كانت تقبل التقيد على عكس الحقوق ،

وعندما ظهرت من جديد نظرية التعسف بهدف التضييف وتقييد استعمال الحقوق لم تظهر الحاجة – لتطبيق قواعد المسئولية – لامتدادها الى نطاق الرخص ، وظاهر أن ذلك السبب عارض لا يتصل بجوهر نظرية التعسف ، وعند زوال هذه الظروف التاريخية فإنه لا يوجد أدنى مانع من تطبيق نظرية التعسف على الرخص .

(حسام الأهواني ، مرجع سابق ص383 وما بعدها)

وقد استقر قضاء محكمة النقض على ما ذهب إليه الرأى الثاني وقضت بأن

مؤدى المادة الخامسة من القانون المدني أن المشرع اعتبر نظرية إساءة استعمال الحق من المبادئ الأساسية التي تنتظم جميع نواحي وفروع القانون والتعسف في استعمال الحق لا يخرج عن إحدى صورتين إما بالخروج عن حدود الرخصة أو الخروج عن صورة الحق ، ففي استعمال الحقوق كما في إتيان الرخص يجب ألا ينحرف صاحب الحق عن السلوك المألوف للشخص العادي ،

وتقدير التعسف والغلو في استعمال المالك لحقه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو من إطلاقات محكمة الموضوع متروك لتقديرها تستخلصه من ظروف الدعوى وملابساتها دون معقب عليها في ذلك لمحكمة النقض متى أقامت قضائها على أسبابا سائغة كافية لحمله ومؤدية الى النتيجة التي انتهت إليها ،

وإذ استخلص الحكم في حدود سلطته التقديرية أن المصلحة التي يرمى الطاعن الى تحقيقها استعمالا لحقه المخول له بمقتضى المادة 24 من القانون 52 لسنة 1969 بزيادة عدد الوحدات السكنية في المبنى المؤجر بالإضافة أو التعلية – مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب المطعون عليه – المستأجر من عيوب بسببها فإنه بسببها فإنه يكون قد طبق صحيح القانون

(الطعن رقم 22 لسنة 46ق جلسة 25/4/1981)

أنواع الحقوق

استعمال الحق غير موجب للتعويض

لعله من المعتذر وضع حصر شامل لكافة الحقوق التي يشتمل عليها القانون الوضعي في أى دولة من الدول ، ذلك أن هذه الحقوق في تغير مستمر نتيجة لتغير النظام القانوني داخل الدولة ،

ومع ذلك فهناك طائفة من الحقوق تمتاز بالثبات ولا يتناولها التغيير لأنها متصلة بالإنسان من حيث هو إنسان كالحق في الحياة ، والحق في الحرية على اختلاف مظاهرها ،

وقد حاول الفقهاء وضع تقسيمات للحقوق ، وتصنيفها في مجموعات وقد اختلفوا في هذه التقسيمات نظرا لاختلاف الأساس أو المعيار الذي أقاموا عليه كل تقسيم من هذه التقسيمات ،

فذهب بعض الفقهاء الى تقسيم الحقوق الى حقوق عامة وحقوق خاصة ، وهذا التقسيم نظير تقسيم القانون الى قانون عام وقانون خاص بالحقوق العامة droits publice هى التي تكون للفرد قبل الدولة أو للدولة قبل الفرد أوق بل غيرها من الدول ،

أو تكون ما بين الهيئات المختلفة التي تتكون منها الدولة وهذه الحقوق العامة ينظمها القانون العام بفروعه المختلفة

(شفيق شحاتة ، محاضرات في النظرية العامة للحق ص17 ، 108)

أما الحقوق الخاصة droit prives فهى التي تكون للأفراد قبل بعضهم البعض أو للأفراد قبل الدولة أو للدولة قبل الأفراد بصفتها ليست صاحبة سلطة عامة ، وقد انتقد هذا التقسيم على أساس أنه لم يأت بجديد أكثر من تقسيم القانون الى عام وخاص

(أحمد سلامة ، مرجع سابق ص253)

وهناك تقسيم ثان للحقوق وهو تقسيمها الى حقوق سياسية droits politiques وحقوق غير سياسية أو مدنية driots civils  ويقصد بالحقوق السياسية تلك الحقوق التي تثبت للشخص بصفة عضوا في دولة معينة ومن ثم فهى تثبت للوطنيين دون الأجانب مثل حق الانتخاب وحق الترشيح للمجالس النيابية ، وحق قولى الوظائف العامة .

أما الحقوق غير السياسية أو المدنية فيقصد بها الحقوق التي تثبت للشخص بصفته إنسانا يحيا داخل الدولة كالحق في الحياة ، والحق في الحرية بجميع مظاهرها ، وحقوق الأسرة المختلفة والحقوق المالية ،

وهذه الحقوق تثبت لجميع الأشخاص داخل الدولة سواء أكانوا وطنيين أو أجانب لأنها لازمة للشخص لمباشرة نشاطه العادي

(عبد المنعم البدراوي ، مرجع سابق ص452)

وهناك تقسيم ثالث للحقوق وهو تقسيمها الى حقوق مطلقة driots absolus  وحقوق نسبية driots relatifs ويقصد بالحقوق المطلقة تلك الحقوق التي يحتج بها قبل الكافة مثل حق الملكية ،

أما الحقوق النسبية فهى التي يحتج بها قبل شخص معين أو أشخاص معينين مثل الحق الشخصي أو حق الدائينية ،

وقد انتقد هذا التقسيم على أساس أن الحقوق جميعا يجب احترامها ومن ثم يحتج بها في مواجهة الكافة

(أحمد سلامة ص253 ، نعمان جمعة ، مرجع سابق ص320 وما بعدها)

وفي تقسيم رابع للحقوق تنقسم الحقوق الى حقوق مالية وحقوق غير مالية ، ويقصد بالحقوق المالية les droits patrimoniaux الحقوق التي يمكن تقديرها بالمال كحق الملكية وحق الدائينية وهذه الحقوق تدخل في دائرة التعامل وتسمى بالأموال ، كما أنها تمثل الجانب الإيجابي في الذمة المالية للشخص .

أما الحقوق غير المالية les droits extra patrimoniaux فهى الحقوق التي لا يمكن تقديرها بالمال ، قبل الحقوق السياسية وحقوق الأسرة والحقوق العامة ، وهذه الحقوق غير المالية لا يصح التعامل فيها ، وبالتالي فإنها لا تدخل في دائرة التعامل ، ولا تعتبر من عناصر الذمة المالية ، وهناك بعض الحقوق لها طبيعة مزدوجة فهى مالية من جانب ،

وغير مالية من جانب آخر مثال ذلك حق المؤلف على مصنعه فهذا الحق له جانبان : جانب مالي يتمثل في استغلال المؤلف لمصنفه استغلال مالي ،

وجانب غير مالي أو أدبي يتمثل في اعتبار المصنف نتاج لشخصية المؤلف ومن ثم فإن هذا الجانب لا يقيم بالمال ، وهذه الحقوق التي لها طبيعة مزدوجة ويتمثل فيها الجانبان المالي وغير المالي تسمى بالحقوق الذهنية أو الحقوق المعنوية لأن محلها شيء معنوي من إنتاج الذهن مثل حق المخترع ، وحق الملحق وحق المؤلف ،

ويلاحظ أن هذا التقسيم الأخير للحقوق الى حقوق مالية ، وحقوق غير مالية ، وحقوق ذهنية هو التقسيم السائد في الفقه – ويبدو أن التقنين المدني الحالي قد أخذ به إذ تنص المادة 81 منه على أنه

” كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصبح أن يكون محلا للحقوق المالية ، والأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هى التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها وإما الخارجة بحكم القانون فهى التي لا يحيز القانون أن تكون محلا للحقوق المالية ” ،

كما تنص المادة 86 منه على أن

” الحقوق التي ترد على شيء غير مادي تنظمها قوانين خاصة” ،

ومن جهة أخرى فإن الحقوق المالية هو قوام التقنين المدني إذ أن المشرع بعد أن تكلم في باب تمهيدي عن الأحكام العامة قسم التقنين المدني إلى قسمين رئيسيين : القسم الأول في الالتزامات أو الحقوق الشخصية ، والقسم الثاني في الحقوق العينية ، ومعلوم أن هذين القسيم هما فرعا الحقوق المالية .

مصادر الحق

استعمال الحق غير موجب للتعويض

 يستند الحق في وجوده إلى القانون ، وكل الحقوق مردها إلى القانون ، لأنه هو الذي ينظمها ويحميها ، وهى لا تقوم إلا استنادا إليه ، فالقانون هو مصدر كل الحقوق ، ولكن القانون على هذا النحو لا يعدو أن يكون المصدر البعيد لكل الحقوق ،

وإنما يثور البحث في صدد الكلام من مصادر الحق عن المصدر المباشر أو القريب الذي يأتي منه الحق ، والذي يؤدي مباشرة إلى وجود حق معين لشخص معين ومنح بعض الحقوق لشخص دون الآخر .

فإذا كان القانون هو المصدر غير المباشر أو البعيد لجميع الحقوق ، فإن المصادر التي تعرض لها في هذا المجال هى المصادر المباشرة ، والقانون قد يعتد بوقائع أو أحداث معينة فيرتب على تحققها وجود الحق ، هذه الوقائع أو الأحداث هى التي نقصدها في الكلام عن مصادر الحق ، وهى قد تكون من عمل الطبيعة ،

أى تكون وقائع طبيعية يترتب على وقوعها قيام حق لشخص من الأشخاص أو تحمله بالتزام من الالتزامات ، وقد تكون هذه الوقائع أو الأحداث من صنع الإنسان فيرتب القانون عليها نشوء حق لشخص معين أو تحمله بالتزام ، والأحداث أو الوقائع التي يتدخل فيها الإنسان ويترتب عليها آثارها على هذا النحو قد تكون وقائع مادية ،

كما قد تكون تصرفات قانونية ، فقد يتطلب القانون في بعض الأحيان أن يقوم الشخص بعمل معين ، فيرتب على هذا العمل آثارا قانونية ، وقد يرتب القانون هذه الآثار على مجرد اتجاه إرادة الشخص الى إحداثها ، وفي جميع هذه الحالات تعتبر الواقعة التي ترتب عليها الأثر ،

سواء أكانت واقعة طبيعية أم فعل الإنسان أم اتجاه إرادته الى إحداث آثار معينة ، واقعة قانونية بالمعنى العام لهذه العبارة ، طالما كان القانون يعتد بها ويرتب عليها آثارا معينة والأثر الذي يرتبه القانون على الواقعة بصفة عامة قد يكون نشوء حق جديد ، أو قد يكون انقضاء حق قائم من قبل أو نقله من شخص الى آخر ، وفي الحالة الثانية تعتبر مصدرا لانقضائها أو لانتقاله ،

وإذا كانت الواقعة القانونية بمعناها العام على النحو السابق هى كل حدث يرتب عليه القانون أثرا ، سواء أكانت من عمل الطبيعية أم من عمل الإنسان ، وسواء أكان عمل الإنسان عملا ماديا أم تصرفا إراديا ، إلا أنه قد اصطلح على تسمية الأحداث التي من عمل الطبيعية ، والأعمال المادية من عمل الإنسان بالوقائع القانونية .

أما الأعمال الإرادية أو التصرفات الإرادية التي يقوم بها الإنسان فتسمى بالأعمال أو التصرفات القانونية ، والوقائع القانونية على هذا التحديد من حيث انصرافها الى الوقائع الطبيعية أو الأعمال المادية التي يقوم بها الإنسان هو الوقائع بالمعنى الضيق لهذه العبارة ، لأنها تنصرف الى هاتين الفئتين فقط من الأعمال ،

لا الى كل حدث يرتب عليه القانون آثرا معينا ، وبذلك يمكن رد المصادر المباشرة للحق الى مصدرين أساسيين هما الواقعة القانونية والتصرف القانوني ، على أن تنصرف الواقعة القانونية الى كل حدث من فعل الطبيعة أو فعل من أفعال الإنسان المادية ، وأن ينصرف التصرف القانوني الى اتجاه إرادة الإنسان الى ترتيب آثار قانونية .

هذا ولما كان من يتقرر له حق لا يستطيع أن يستفيد من المكنات التي يخولها له حق إذا لم ينازعه فيه من يلتزم بالواجب المقابل له ، فإنه يلزم أن يكون بيد صاحب الحق الدليل على ما يثبت حقه إذا ما نازعه شخص آخر ،

ولكى يثبت الشخص حقه يتعين عليه أن يثبت مصدر هذا الحق ، مصدره المنشئ والمصدر المنشئ لحق ، لا يعدو – كما قدمنا – أن يكون واقعة قانونية ، أو تصرفا قانونيا على النحو السابق ، وقد نظم القانون طرق إثبات الحق ، وهى تختلف باختلاف مصدره .

(حسن كيرة ، أصول القانون ص1037 ، السنهوري ، التصرف القانوني دروس القسم الدكتوراه ، بجامعة القاهرة 1953 ، 1954 ، توفيق فرج ، مصادر الحق في الفقه الإسلامي ستة أجزاء 1967)

صور التعسف في استعمال الحق

استعمال الحق غير موجب للتعويض

إن استعمال الحق استعمالا مشروعا متقيد بتحقيق مصلحة ، وهذا المعيار هو الذي يحدد القيود العامة التي ينبغي على صاحب الحق مراعاتها عند استعمال سلطاته ، وأنع يتعين وضع ضوابط محددة وهى الجدية والمشروعية ،

فيتحقق التعسف إذا غدا استعمال صاحب الحق حقه ملتزما حدوده الموضوعية ، دون مصلحة تعود عليه من جزاء هذا الاستعمال ، ويتحقق التعسف أيضا إذا ما تحققت المصلحة ،

ولكن تخلف ضابط الجدية في هذه المصلحة بأن كانت تافهة كذلك يتحقق التعسف إذا افتقدت المصلحة ضابط المشروعية . ففي كل حالة من هذه الحالات نكون أمام تعسف في استعمال الحق

ثلاث صور للتعسف

  • 1-  غيبة المصلحة في استعمال الحق .
  • 2- تفاهة المصلحة في استعمال الحق .
  • 3- عدم مشروعية المصلحة في استعمال الحق

الصورة الأولى غيبة المصلحة في استعمال الحق

ينبغي عند استعمال الحق ، التقيد بتحقيق مصلحة معينة ، فليست الحقوق وسائل في ذاتها دون غاية معينة ، إنما هى وسائل لتحقيق المصالح ، ولهذا يعد تعسفا في استعمال حقه من يستعمل سلطاته دون أن يحقق من ورائها أية منفعة ، وذلك كالمالك الذي يقيم حائطا في حدود ملكه يستر النور ويمنع الهواء عن جاره دون نفع ظاهر له ،

ويذهب جانب كبير من الفقه الى اعتبار هذه الحالة قرينة على ثبوت الخطأ في جانب صاحب الحق ، لأن استعمال الحق دون تحقيق مصلحة يعد قرينة على قصد الإضرار ، أو على انحراف صاحب الحق عن السلوك العادي وهو ما يحقق في جانبه الخطأ ، بمعياره الموضوعي ،

ولعل هذا المعيار وهو (انعدام المصلحة في استعمال الحق) يعد معيارا سهل التطبيق إذ يسهل على القاضي أن يبحث في نتائج وثمرة استعمال الحق فإذا انعدمت نتائجه أو مصلحته بالنسبة لصاحب الحق ، كان ذلك تعسفا في استعماله متى أصاب الغير بضرر ما .

الصورة الثانية تفاهة المصلحة في استعمال الحق

هذا المعيار قوامه الموازنة بين المصلحة التي عادت أو تعود على صاحب الحق أو غيره ممن يعنى به ، وبين الأضرار التي اصابت أو تصيب الغير ، فإذا رجحت المصلحة على الضرر ، كان استعمال الحق مشروعا وبمنأى عن التعسف .

أما إذا رجحت الأضرار على المصلحة كنا أمام تعسف في استعمال الحق ، أيا كانت هذه الدرجة ، والمعيار هنا موضوعي ، قوامه معيار السلوك المألوف للرجل العادي ويندرج معها عدم الجدية ،

فإذا كانت المصلحة غير جدية ، أى تافهة بالموازنة بينها وبين الأضرار التي تصيب الغير ، كان استعمال الحق تعسفا ، مثال ذلك من يزرع أشجار طويلة على حد البناء المجاور وكانت مصلحته تافهة بجانب ما أصاب جاره إذ ترتب على زراعتها أن الظلام غشى حجرات البناء .

الصورة الثالثة عدم مشروعية المصلحة

تتحقق حال قيام صاحب الحق باستعمال حقه في نطاق حدوده الموضوعية ، إلا أن المصالح التي تتحقق من جراء هذا الاستعمال مصالح غير مشروعة ،

وعدم المشروعية وصف يلحق بالمصلحة بالنظر الى مناقضتها للقانون ، أو لغاية الحق ذاته ، أو لقواعد النظام العام والآداب ، والمشروعية هنا لا تحمل معنى محددا ، بل هى تطبيق لمعنى متغير ،

إذ يختلف معنى المشروعية تبعا لاختلاف الزمان والمكان ، ولهذا لم يعن المشرع بتحديدها ، تاركا ذلك للفقه والقضاء ، والقضاء وإن كان له حرية واسعة في القول بوجود المصلحة في استعمال الحق أو في انتفائها وتقدير جدية المصلحة أو تفاهتها ، والقول بمشروعية المصلحة أو عدم مشروعيتها ،

فإنه ليس له مطلق العنان في القول بذلك ، لأن سلطته دائما تجد حدها الطبيعي فيما تقرره قواعد القانون والنظم العام ، إذ أن سلطته التقديرية هذه تهدف الى الحفاظ على الحقوق الشخصية ،

وعلى ذلك ينبغي أن تجد حدها الطبيعي في نصوص القانون ، فضلا عن وجود ثمة معايير عامة يستهدى بها القاضي عند القول بالتعسف ، خاصة عند الموازنة بين المصالح المتعارضة ، وقد تكفلت المادتان 4 ، 5 من القانون المدني ببيان مشروعية استعمال الحقوق والتعسف في استعمالها

(مادة 4)

من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر . (مادة 5) : يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية :

أ- إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير .

ب- إذا كانت المصالح التي يرمى الى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها .

ج- إذا كانت المصالح التي يرمى الى تحقيقها غير مشروعة .

ويجمع الفقه على أن التعسف لا يعدو أن يكون تطبيقا للعمل غير المشروع او صورة من صور الخطأ وأنه يدخل في المسئولة التقصيرية حتى ولو كان تعسفا متصلا بالتعاقد كرب العمل الذي أنهى عقد العامل بقصد الانتقام ،

أو من تعسف في إنهاء عقد الشركة أو عقد الوكالة إذا لم تحدد المدة فيهما ، وقد اعتبر القضاء تعسفا المالك الذي استعمل حقه دون حيطة فانحرف بذلك عن السلوك المألوف للشخص العادي واضر بالجار ضررا بليغا .

مثال ذلك

من يبنى في أرضه فيخالف قواعد أصول البناء تقصيرا أو إهمالا فيضر بجاره وكذلك من يقيم في ملكه مدخنة تؤدي الجار ، وكان يمكنه تجنب هذا الأذى لو أقام المدخنة في مكان آخر ،

وكذلك الزوج الذي تجاوز حد الإيذاء الخفيف حين تأديبه لزوجته ، ذلك أن التأديب وإن كان مقتضاه إباحة الإيذاء إلا أنه لا يجوز أن يتعدى الإيذاء الخفيف فإذا تعداه فأحدث أذى بجسم زوجته كان معاقبا عليه قانونا حتى ولو كان الأثر الذي حدث يحسم الزوجة لم يزد عن سحجات بسيطة.

(المستشار عز الدين الديناصوري ، مرجع سابق ، الدكتور عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق ، غانم ، مرجع سابق)

وقد قضت محكمة النقض بأن 

النص في المادتين 25 ، 26 من قانون الإجراءات الجنائية يدل على أن إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم التي يجوز للنيابة العامة رغم الدعوى الجنائية عنها بغير شكوى أو طلب يعتبر حقا مقررا لكل شخص وواجبا على كل من علم بها من الموظفين العموميين

أو المكلفين بخدمة عامة أثناء وبسبب تأدية عملهم وذلك حماية للمجتمع من عبث الخارجين على القانون ، ومن ثم فإن استعمال هذا الحق أو أداء هذا الواجب لا تترتب عليه أدنى مسئولية قبل المبلغ إلا إذا ثبت كذب الواقعة المبلغ عنها وأن التبليغ قد صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنكاية بمن أبلغ عنه أوص بت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط ، أما إذا تبين أن المبلغ كان يعتقد بصحة الأمر الذي أبلغ عنه أو قامت لديه شبهات تبرر التبليغ فإنه لا وجه لمساءلته عنه “

(23/2/1989 الطعون 1697 ، 1723 ، 1760 ، 1755 لسنة 55ق)

وبأنه ” النص في المادة 102 من قانون المرافعات على أنه 

يجب الاستماع الى أقوال الخصوم حال المرافعة ولا تجوز مقاطعتهم إلا إذا خرجوا عن موضوع الدعوى أو مقتضيات الدفاع فيها ” ، وفي المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني على أنه – ” من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر …..”

وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير ، يدل على أن حق الدفاع حق مشروع للخصم إلا أن استعماله له مقيد بأن يكون بالقدر اللازم لاقتضاء حقوقه التي يدعيها والذود عنها

فإن هو انحرف في استعماله عما شرع له هذا الحق أو تجاوزه بنسبة أمور شائعة لغيره ماسة باعتباره وكرامته كان ذلك منه خطأ يوجب مسئوليته عما ينشأ عنه من ضرر ولو كانت هذه الأمور صحيحة مادام الدفاع في الدعوى لا يقتضي نسبتها إليه ،

ومن ثم فإنه يتعين لمساءلة الخصم مدنيا عما يوجهه لخصمه من عبارات القذف والسب رفي الدفاع الشفوي والكتابي أمام المحاكم هو أن تكون هذه العبارات مما لا يستلزمها حق الدفاع ولا يقتضيه المقام وعلى محكمة الموضوع أن تعرض في حكمها لبحث ما إذا كانت هذه العبارات مما يقتضيه حق الدفاع أم لا وإلا كان حكمها مشوبا بالقصور .

لما كان ذلك ، وكان المطعون عليه قد أسس دعواه بالتعويض على سند من أن الطاعن قدم في الدعويين … ، مذكرتين اشتملتا على توجيه عبارات قذف وسب له مما لا يستلزمه حق الدفاع إلا أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن هذه العبارات هى مما يستلزمه هذا الحق

وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أعرض عن بحث هذا الدفاع على سند من القول بقيان المسئولية سواء كانت تلك العبارات مما – يقتضيه حق الدفاع من عدمه رغم أن دفاع الطاعن في هذا الشأن دفاع جوهري من شأنه إن صح أن يتغير به وجه الرأى في الدعوى فإن الحكم يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه

(15/1/1989 طعن 132 لسنة 56ق)

وبأنه ” المساءلة بالتعويض قوامها خطأ المسئول وتنص المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني على أن من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير

وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق ، كما أن حق التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج ابواب القضاء تمسكا أو ذودا عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح الى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم “

(30/12/1982 طعون 1834 ، 1849 ، 1949 ، 1999 لسنة 51ق)

وبأنه ” نصت المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني على أن من استعمل حقه مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق ،

وكان حقا للتقاضي والدفاع من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكا أو ذودا عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح الى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم ،

وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اقتصر في نسبة الخطأ الى الطاعن الى ما لا يكفي لإثبات انحرافه عن حقه المكفول في التقاضي والدفاع الى الكيد والعنت واللدد في الخصومة فإنه يكون فضلا عما شابه من القصور قد أخطأ في تطبيق القانون “

(الطعن 438 لسنة 43ق جلسة 28/3/1977)

وبأنه ” حق الالتجاء الى القضاء هو من الحقوق التي تثبت للكافة فلا يكون من استعمله مسئولا عما ينشأ عن استعماله من ضرر للغير إلا إذا انحرف بهذا الحق عما وضع له واستعمله استعمالا كيديا ابتغاء مضارة الغير “

(الطعن رقم 151 لسنة 35ق جلسة 20/3/1969)

وبأنه ” الأصل أن حق الالتجاء الى القضاء هو من الحقوق العامة التي تثبت للكافة وأنه لا يترتب عليه المساءلة بالتعويض إلا إذا ثبت أن من باشر هذا الحق قد انحرف به عن جلب المنفعة لنفسه أو لم تقترن به تلك النية طالما أنه كان يستهدف بدعواه مضارة خصمه “

(الطعن 289 لسنة 38ق جلسة 8/4/1968)

وبأنه ” أن إقامة الطاعنين – المؤجرين – دعواهم بطلب إخلاء العين المؤجرة لتأجيرها بأكملها من الباطن على خلاف التصريح الصادر من المؤجر الأصلي بقصد الإذن للمستأجر بالتأجير على جزء منها يتم الاتفاق عليه بين طرفى العقد هو استعمال مشروع لحقهم في هذا الطلب ولا تعسف فيه – إذ ليس هناك ما يمنع قانونا من أن يتفق طرفا عقد الإيجار على تحديد نطاق الإذن بالتأجير من الباطن “

(الطعون أرقام 143 ، 168 ، 170 لسنة 52ق جلسة 28/6/1989)

وبأنه ” إذا تمسك المستأجر بالبقاء في العين المؤجرة تنفيذا لعقد الإيجار ولم يرضخ لإرادة المؤجر في أن يستقل بفسخ العقد فإنه يستعمل حقا له استعمالا مشروعا ومن ثم فلا يمكن ن يتخذ من مسلكه هذا دليلا على التعسف في استعمال الدفع بعدم التنفيذ

فإن دلل الحكم المطعون فيه على إساءة المستأجر استعمال الدفع بعدم التنفيذ (بالامتناع عن الوفاء بالأجرة لقيام المؤجر بأعمال التعرض) بأنه لم يستجب لرغبة المؤجر في إخلاء مسكنه وأصر على البقاء وتنفيذ العقد فإن التدليل يكون فاسدا منطويا على مخالفة للقانون “

(الطعن رقم 350 لسنة 30ق جلسة 11/11/1965)

وبأنه ” إذا كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن البند الثامن من عقد الإيجار الأصلي المبرم بين المطعون عليه الأول والمستأجرة الأصلية نص على عدم التأجير للغير ، وكان شرط الحصول على رضا المؤجر بالتأجير من الباطن يلحق بالشرط المانع المطلق في الأثر فلا يستطيع المستأجر إلا أن يصدع به دون أن يملك مناقشة السباب التي جعلت المؤجر يفرضه عليه ،

طالما أجاز المشرع الشرط المانع مطلقا أو مقيدا فلا محل للقول بأن المؤجر يتعسف في استعمال حقه إذا تمسك بشرط يجيزه القانون وارتضاه المستأجر المتعاقد معه والذي لا يخوله حقه الشخصي في المنفعة أكثر مما اتفق عليه مع المؤجر له ، ويكون لا محل للقول يتعسف المؤجر في استعمال حقه متى قام سبب تمسكه بالشرط المانع “

(الطعن رقم 1385 لسنة 47ق جلسة 6/6/1979)

وبأنه ” حق التقاضي حق عام مكفول للكافة فلا يجوز التنازل عنه ولا يعتد بهذا التنازل لمخالفته للنظام العام وإن جاز تقييده بمقتضى القانون أو بإرادة الأفراد “

(الطعن رقم 30 لسنة 52ق جلسة 24/5/1983)

وبأنه ” إذا تمسك المستأجر بالبقاء في العين المؤجرة تنفيذا لعقد الإيجار ولم يرضخ لإرادة المؤجر في أن يستقل بفسخ العقد فإنه يستعمل حقا له استعمالا مشروعا ومن ثم فلا يمكن أن يتخذ من مسلكه هذا دليلا على التعسف في استعمال الدفع بعدم التنفيذ .

فإن دلل الحكم المطعون فيه على إساءة المستأجر استعمال الدفع بعدم التنفيذ (بالامتناع عن الوفاء بالأجرة لقيام المؤجر بأعمال التعرض) بأن لم يستجب لرغبة المؤجر في إخلاء مسكنه وأصر على البقاء وتنفيذ العقد فإن هذا التدليل يكون فاسدا منطويا على مخالفة للقانون “

(الطعن رقم 350 لسنة 30ق جلسة 11/11/1965)

وبأنه ” متى كان الحكم المطعون فيه قد استند في قضائه برفض دعوى الطاعنين بالتعويض عن فصلهم من عملهم الى ما استظهره من واقع النزاع المعروض من أن الفصل لم يكن بقصد الإساءة إليهم وأنه كان مبررا بما صادف المعهد من صعوبات مالية اعترضت سبيل إدارته مما اضطر المركز الرئيسي الذي يتبعه المعهد في خارج البلاد الى التقرير بغلقه نظرا لتعذر تمويله والإنفاق عليه في مصر ،

وإلى أن الطاعنين لم يقوموا بالتدليل على بطلان البواعث التي اقتضت غلق المعهد ولذا كان القرار الصادر بهذا الشأن لا يتسم بالتعسف في استعمال الحق الموجب للتعويض وإذ كان تقدير مبرر الغلق وما استتبعه من إنهاء عقود الطاعنين هو من المسائل الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع قام قضاؤه على استخلاص سائغ ولا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض فإن النعى بهذا السبب يكون على غير أساس “

(الطعن رقم 325 لسنة 38ق جلسة 25/5/1974)

وبأنه ” إذا كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن البند الخامس من عقد الإيجار الأصلي المبرم بين المطعون عليهما نص على عدم جواز التنازل عن الإيجار للغير لأى سبب من الأسباب بدون إذن كتابي من المالك المؤجر وإلا اعتبر عقد الإيجار باطلا

وكان شرط الحصول على رضاء المؤجر بالتنازل عن الإيجار يلحق بالشرط المانع المطلق في الأثر فلا يستطيع المستأجر إلا أن يصدع به دون أن يملك مناقشة الأسباب التي جعلت المؤجر  يفرضه عليه ،

فطالما أجاز المشرع الشرط المانع مطلقا أو مقيدا فلا محل للقول بأن المؤجر يتعسف في استعمال حقه إذا تمسك بشرط يجيزه القانون وارتضاه المستأجر المتعاقد معه والذي لا يخوله حقه الشخصي في المنفعة أكثر مما اتفق عليه مع المؤجر له . لما كان ذلك ،

وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى الى تأييد حكم محكمة أول درجة على سند من أن المستأجر الأصلي تنازل عن العين المؤجرة للطاعن رغم أن عقد الإيجار يحرمه منه صراحة ،

وعلى عدم توافر شرط بيع المتجر عملا بالمادة 594 من القانون المدني على ما سلف بيانه في الرد على السبب السابق فإنه لا محل للقول بتعسف المؤجر في استعمال حقه

(الطعن رقم 607 لسنة 44ق جلسة 22/2/1978)

وبأنه ” إذا كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه إن البند الثامن من عقد الإيجار الأصلي المبرم بين المطعون عليه الأول والمستأجرة الأصلية نص على عدم التأجير للغير ،

وكان شرط الحصول على رضا المؤجر بالتأجير من الباطن يلحق بالشرط المانع المطلق في الأثر فلا يستطيع المستأجر إلا أن يصدع به دون أن يملك مناقشة الأسباب التي جعلت المؤجر يفرضه عليه ،

طالما أجاز المشرع الشرط المانع مطلقا أو مقيدا فلا محل للقول بأن المؤجر يتعسف في استعمال حقه إذا تمسك بشرط يجيزه القانون وارتضاه المستأجر المتعاقد معه والذي لا يخوله حقه الشخصي في المنفعة أكثر مما اتفق عليه مع المؤجر له ويكون لا محل للقول بتعسف المؤجر في استعمال حقه متى قام سبب تمسكه بالشرط المانع

(الطعن رقم 1385 لسنة 48ق جلسة 6/6/1979)

مجال تطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق

استعمال الحق غير موجب للتعويض

يرد التعسف على استعمال الحقوق ، والحق كما رأينا هو استئثار شخص بشيء أو بقيمة ، وهو بذلك يفترض ثبوت سلطات معينة لشخص مهين على سبيل الانفراد دون غيره من الأشخاص الآخرين ، وبذلك يفترق الحق عن الرخص أو الحريات العامة ، التي تفترض ثبوت حريات معينة لكافة الناس دون أن يستأثر أحد بها ، دون غيره من الناس

مثل حرية الرأى وحرية الاجتماع وحرية التعاقد والتملك ، وفي هذه الحالة الأخيرة إذا ما وقع من الشخص انحراف في سلوكه عندما يستعمل رخصة من الرخص يكون أخطأ خطأ عاديا يلزمه بالتعويض ،

وإذا كان التعسف ينصرف الى استعمال الحقوق بالمعنى الدقيق ، أى الحقوق الخاصة المحددة التي كسبها الشخص ويختص بها غيره من الأشخاص الآخرين ،

فإنه يرد في الواقع على كل الحقوق دون تفرقة بين ما يسمى بالحقوق التقديرية وغيرها من الحقوق الأخرى ، فالحقوق التقديرية ، كحق الشريك على الشيوع في طلب القسمة 

وهى حقوق يترك استعمالها لتقدير صاحبها يرد عليها التعسف مثلها في ذلك مثل غيرها من الحقوق الأخرى ، ويؤيد ذلك عندنا أن النص الخاص بالتعسف في استعمال الحق نص مطلق يتكلم عمن يستعمل حقه دون تحديد أو تخصيص بنوع معين من الحقوق دون النوع الآخر ،

وهذا ما تكشف عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المدني في هذا الصدد

الدكتور أحمد سلامة بند 42 مجموعة الأعمال التحضيرية ص207 

حسن كيرة ، مرجع سابق بند 414

إسماعيل غانم ص167

Print Friendly, PDF & Email
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية ودعاوى الإيجارات ودعاوى الموظفين قطاع حكومى وخاص وطعون مجلس الدولة والنقض ليسانس الحقوق 1997

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

©المقالة محمية بحقوق النشر الحقوق ( مسموح بالتحميل pdf في نهاية المقالة)

* { -webkit-touch-callout: none; /* iOS Safari */ -webkit-user-select: none; /* Safari */ -khtml-user-select: none; /* Konqueror HTML */ -moz-user-select: none; /* Old versions of Firefox */ -ms-user-select: none; /* Internet Explorer/Edge */ user-select: none; /* Non-prefixed version, currently supported by Chrome, Opera and Firefox */ }