استخلاص المحكمة لشروط الدعوى البوليصية

تعرف علي شروط الدعوى البوليصية في القانون المدني وكيفية استخلاص محكمة الموضوع لشروط الدعوى البوليصية من الواقع و المستندات وذلك علي ضوء أحكام محكمة النقض.

شروط الدعوى البوليصية

عدد المشرع المدني شروطا للدعوي البوليصية يجب توافرها في الدائن والمدين والتصرف ، وفيما يلي نتبين هذه الشروط علي ضوء أراء فقهاء القانون المدني وأحكام محكمة النقض المرتبطة بالموضوع.

أولاً : ما يشترط في الدائن :

يشترط في الدائن أن يكون حقه مستحق الأداء

يجب أن يكون حق الدائن محقق الوجود أى مستحق الأداء خال من النزاع ، ويعتبر كذلك الحق المعلق على شرط فاسخ أو المقترن بأجل فاسخ ، إذ في هذه الحالة يعتبر الحق محقق الوجود ولو أنه مهدد بالزوال بتحقق الشرط أو بحلول الأجل ، وعلى عكس ذلك ، فإن الحق المعلق على شرط واقف أو المقترن بأجل واقف ، لا يعتبر محقق الوجود فلا يجوز حينئذ اللجوء للدعوى البوليصية إلا عند تحقق الشرط الواقف أو حلول الأجل الواقف .

ويجب أن يكون الحق حقيقيا فإن كان صوريا كان الدائن بدوره صوريا فلا يحق له أن يطلب الحكم بعدم نفاذ التصرف لانعدام مصلحته لكن لا يشترط في الحق أن يكون معلوم المقدار أو ثابتا في سند تنفيذي ، فيكفي أن يكون سند الحق عرفيا ، أو غير ثابت بسند إذا كان أساس المسئولية يرجع الى العمل غير المشروع ، فالمضرور يحق له رفع الدعوى البوليصية ، حتى لو كان التعويض لم يقدر له بعد إذ يعتبر التعويض حقا محقق الوجود ويحول المضرور بذلك دون المدين – الذي يتوقع صدور الحكم بإلزامه بالتعويض – وإخراج أمواله من ضمانه العام  .

(أنور طلبة ص 423)

ويلاحظ أن اشتراط كون الدين مستحق الأداء ، ومنع الدائن بدين مؤجل من استعمال الدعوى البوليصية قد يبدو متناقضا مع اشتراط إعسار المدين ، نظرا لما هو معروف من أن الإعسار يترتب عليه سقوط الأجل فيصبح الحق مستحق الأداء ، وتفسير ذلك أن القانون المدني يقرر أن الأجل لا يسقط لمجرد الإعسار الفعلي .

فقد نظم المشرع الإعسار المدني ، واشترط لسقوط الأجل أن يصدر حكم بشهر الإعسار (مادة 273) وإصدار حكم بشهر الإعسار هو أمر جوازي للمحكمة (مادة 249) .

كما أن للمحكمة رغم الحكم بشهر الإعسار أن تقضي بإبقاء الأجل أو بمده (مادة 255 / 2) وينتج من ذلك أنه قد يتوافر شرط الإعسار الفعلي وهو شرط لازم لرفع الدعوى البوليصية ولا يسقط أجل دين الدائن ، بل يظل حقه غير مستحق الأداء ، فلا يستطيع رفع الدعوى البوليصية .

(عبد المنعم البدراوي ص 150 وما بعدها)

ولا فرق في رفع الدعوى البوليصية ، بين دائن حقه نقد ودائن حقه عين ودائن حقه عمل أو امتناع عن عمل ، فالكل سواء في استعمال هذه الدعوى على النحو الذي قدمناه في الدعوى غير المباشرة ولا فرق أخيرا بين ما إذا كان مصدر الحق تصرفا قانونيا أو واقعة مادية ففي الحالتين يكون للدائن أن يستعمل الدعوى البوليصية كما أن له أن يستعمل الدعوى غير المباشرة فيما قدمناه ، ولكن يشترط خلافا للدعوى غير المباشرة ، أن يكون حق الدائن سابقا على التصرف المطعون فيه.

(السنهوري ص 898)
وقد قضت محكمة النقض بأن

المقرر وفقا لما تقضي به المواد 237 ، 238 ، 239 من القانون المدني وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنه يشترط في حق الدائن الذي يستعمل دعوى عدم نفاذ التصرف أن يكون دينه حال الأداء وسابقا في نشوئه على صدور التصرف المطعون فيه والعبرة في ذلك بتاريخ نشوء حق الدائن لا بتاريخ استحقاقه ولا بتاريخ تعيين مقداره والفصل فيما يثور بشأنه من نزاع .

وأن يثبت الدائن التواطؤ بين المدين وبين المتصرف إليه على الإضرار بحقوقه ويكفي لاعتبار الغش متوافرا أن يثبت علم كل من المدين والمتصرف إليه بإعسار المدين وقت صدور التصرف المطعون فيه ، وإذا ادعى الدائن إعسار المدين فليس عليه إلا أن يثبت ما في ذمة مدينه من ديون وحينئذ يكون على المدين نفسه أن يثبت أن له مالا يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها ويكون ذلك أيضا للمتصرف إليهم لا دفعا منهم بالتجريد بل إثباتا لتخلف شروط الدعوى المذكورة .

(الطعن رقم 2136 لسنة 50 ق جلسة 8/5/1984)

شروط الدعوى البوليصية

ثانياً : ما يشترط في المدين

الشروط التي ترجع الى المدين ترد الى شرطين أساسيين هما:

  1.  الإعسار .
  2.  الغش والتواطؤ
أولاً : الإعسار

يشترط في الدعوى البوليصية أن يكون المدين معسرا ليست عنده أموال تكفي لوفاء حق الدائن ، والمدين إما أن يكن غير معسر قبل صدور التصرف المطعون فيه فيجب أن يكون هذا التصرف هو السبب في إعساره ، وإما أن يكون معسرا قبل صدور التصرف فيجب أن يزيد التصرف في إعساره ، وهذا ما تقضي به المادة 237 من التقنين المدني ، فلو أن التصرف المطعون فيه لم يكن هو السبب في الإعسار .

بل بقى المدين موسرا بعد هذا التصرف ولكن طرأ بعد ذلك ما جعله معسرا فلا يجوز للدائن أن يطعن في التصرف على أنه قد يتفق أن تصرف المدين لا يجعله معسرا ولكن يكون هذا التصرف حلقة في سلسلة متصلة من التصرفات مجموعها يؤدي الى إعساره وقد قصد بذلك الإضرار بالدائن .

ففي هذه الحالة يجوز للدائن أن يطعن في هذه التصرفات كلها ولا يجتزئ بالتصرف الأخير الذي سبب مباشرة إعسار المدين وإذا كان المدين معسرا من بادئ الأمر ثم تصرف تصرفا بعوض كاف بحث لم يكن هذا التصرف سببا في زيادة إعساره فإن التصرف لا يكون قابلا للطعن فيه بالدعوى البوليصية .

(السنهوري ص 945)
وقد قضت محكمة النقض بأن

متى كانت قد استخلصت من وقائع الدعوى وملابساتها ما استدلت به على إعسار المطعون عليهما الثانية والثالثة – المدينتين الراهنتين – وسوء نيتهما والطاعن – الدائن المرتهن – على الإضرار بالمطعون عليها الأولى واستندت في ذلك الى اعتبارات سائغة ثم طابقت بين ما استخلصته وبين المعاني القانونية لأركان الدعوى البوليصية ، وهو كون دين رافع الدعوى مستحق الأداء سابقا على التصرف المطعون فيه وكون هذا التصرف أعسر المدين وكون المدين والمتصرف له سيئا النية متواطئين على الإضرار بالدائن ثم قضت بعدم نفاذ التصرف فإن ذلك حسبها ليكون حكمها سديدا لا مخالفة فيه للقانون.

(الطعن رقم 636 لسنة 42 ق جلسة 11/1/1977 س 28 ص 194)

الإعسار في الدعوى البوليصية كالإعسار في الدعوى غير المباشرة ، المقصود به هو الإعسار الفعلي بأن تزيد ديون المدين على حقوقه ……. لا الإعسار القانوني الذي يستلزم حكما بشهره بشروط وإجراءات معينة وللإعسار في الدعوى البوليصية فوق ذلك معنى عملي ينطوي على كثير من المرونة .

فإذا طولب المدين بإثبات أن له مالا يساوي قيمة ديونه ، وجب عليه أن يدل على أموال ظاهره لا يتعذر التنفيذ عليها وإلا اعتبر معسرا ومن هذا يتبين كيف أن التصرف الصادر من المدين قد يكون معاوضة ومع ذلك بسبب إعساره ويكفي لتحقق ذلك أن يكون المدين قد باع عينا مملوكة له بثمن بخس  أو باعها بثمن معادل لقيمتها ولكنه أخفى النقود أو بددها بحيث يتعذر على الدائن التنفيذ عليه بحقه ، وإذا فرض أن حق الدائن تركز في عين مملوكة للمدين .

كما إذا كان موعودا ببيع أو كان دائنا في وعد برهن أو كان دائنا مرتهنا ، ثم باع المدين العين الموعود ببيعها أو الموعود برهنها الى شخص آخر إضرارا بحق الدائن أو باع العين المرهونة قبل أن يشهر الدائن  الرهن  بحيث لا يتمكن من تتبع العين أو بعد شهر الرهن ولكن الدائن لا يريد تتبع العين حتى لا يضطر الى تحمل إجراءات التطير .

ففي مثل هذه الأحوال يعتبر المدين في حالة إعسار بالمعنى المقصود في الدعوى البوليصية مادام الدائن لا يستطيع أن يصل الى العين ذاتها الذي تركز فيها حقه حتى لو كان عند المدين أموال كافية تفي بتعويض الدائن بعد فوات العين ومن ثم يجوز للدائن الطعن بالدعوى البوليصية في تصرف المدين في العين الموعود ببيعها أو برهنها أو تصرفه في العين المرهونة فيتمكن بذلك من رد العين الى ملك المدين بالنسبة الى حقه وينفذ بهذا الحق عليها .

(السنهوري ص 918)
وقد قضت محكمة النقض بأن

مفاد نص المادتين 417 ، 237 من التقنين المدني أن المشرع قد فرق بين الإعسار القانوني الذي استلزم توافره لشهر إعسار المدين واشترط لقيامه أن تكون أمواله كافية لوفاء ديونه المستحقة الأداء وبين الإعسار الفعلي الذي استلزم توافره في دعوى عدم نفاذ التصرف واشترط لقيامه أن يؤدي التصرف الصادر من المدين الى أن تصبح أمواله غير كافية للوفاء بجميع ديونه سواء ما كان منها مستحق الأداء أو مضافا الى أجل ومؤدى ذلك أن الإعسار الفعلي أوسع نطاقا من الإعسار القانوني فقد يتوافر الأول دون الثاني.

(الطعن رقم 492 لسنة 46 ق جلسة 8/5/1978 س 29 ص 1185)

ويجب أن يبقى المدين معسرا الى وقت رفع الدعوى البوليصية ، فلو أن تصرفه سبب إعساره أو زاد في إعساره ، ثم انقلب بعد ذلك موسرا لزيادة طرأت في ماله كما إذا كان قد تلقى ميراثا أو وصية أو عقد صفقة رابحة ، فلا يجوز للدائن أن يطعن في تصرف المدين إذا لم تعد له مصلحة في ذلك .

والدعوى البوليصية دعوى تكميلية لا تعطى للدائن إلا بعد أن يجرد أموال المدين ، أى إلا بعد أن يثبت أن ليس للمدين مال ظاهر يمكن التنفيذ عليه غير الحق الذي تصرف فيه ، ويجوز لمن تصرف أن المدين أن يدفع بالتجريد ، ولكن التجريد هنا غير التجريد في الكفالة ، ففي الكفالة إذا لم يطلب الكفيل التجريد في أول الدعوى سقط حقه .

وإذا طلبه فعليه أن يدل الدائن على مال للمدين يستطيع الرجوع عليه فيه وأن يقدم المصروفات اللازمة لهذا الرجوع ، أما في الدعوى البوليصية فيجوز لمن تلقى الحق عن المدين أن يطلب تجريد المدين في أية حالة كانت عليها الدعوى ، ولا يطلب منه أن يدل الدائن على مال للمدين ، ولا أن يقطم له مصروفات التجريد .

بل على الدائن أن يثبت إعسار المدين ، ومن ثم فللمدين هو الذي يدل على مال عنده يكفي لوفاء ديونه ، وقاضي الموضوع هو الذي يقدر ما إذا كان تصرف المدين هو الذي سبب إعساره أو زاد في هذا الإعسار ، وما إذا كان الإعسار باقيا الى وقت رفع الدعوى ، ولا رقابة لمحكمة النقض في ذلك .

وإنما تكون لها الرقابة للتحقق من أن هذين الأمرين قد تثبتت منهما محكمة الموضوع كشرط في الدعوى البوليصية والدائن هو المكلف بإثبات كل من الأمرين.

(السنهوري ص 918 وما بعدها)
وقد قضت محكمة النقض بأن

التقرير بأن التصرف المطعون فيه يترتب عليه ضرر بالدائن أو لا يترتب هو تقرير موضوعي ، وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه ، إذا قضى بعدم نفاذ التصرف في موضوع الدعوى في حق المطعون عليهم الثلاثة الأولين ، أقام قضائه على أن لهم فضلا عن الدين المتخذة إجراءات التنفيذ بسببه دينا آخر مستحق الأداء وصدر به حكم ابتدائي مشمول بالنفاذ المؤقت .

وأن القدر الذي بقى للمدين بعد تصرفه للطاعنات لا يكفي لوفاء جميع ديونه ، إذا قرر الحكم ذلك واستخلص منه إعسار المدين ، فقد استند الى أسباب مسوغة لقضائه ولم يخطئ في تطبيق القانون مادام قد تبين للمحكمة أن الدين الذي أدخلته في تقديرها لإعسار المدين هو دين جدي مستحق الأداء .

(نقض مدني 14/2/1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 84 ص 496)
(2) الغش والتواطؤ

 فغش المدين هو أهم الشروط في الدعوى البوليصية وسوف نتناول هذا الشرط بالتفصيل عند شرح المادة 238 مدني فنحيل إليها .

ثالثاً : ما يشترط في التصرف المطعون فيه

 1- أن يكون التصرف المطعون فيه تصرفاً قانونيا

يجب أن يكون العمل الصادر عن المدين ، ويطعن فيه الدائن ، تصرفا قانونيا فإذا كان عملا ماديا ، لم يتصور الطعن فيه ، فلو أن المدين تسبب عمدا أو إهمالا في الإضرار بالغير بعمل غير مشروع ، فالتزم بالتعويض ، وجعله هذا الالتزام معسرا ، فلا سبيل للدائن الى الطعن في العمل غير المشروع فإن هذا العمل بحكم أنه عمل مادي نافذ ضرورة في حق الدائن .

كذلك لو ترك المدين عينا مملوكة له في يد الغير حتى ملكها الغير بالتقادم ، فإنه لا يتصور أن يطعن الدائن في هذا العمل المادي السلبي – وهو ترك المدين العين حتى تملكها الغير – ولكن يجوز ، قبل تمام التقادم ، أن يتدخل الدائن باسم المدين فيقطع التقادم ، أن يتدخل الدائن باسم المدين فيقطع التقادم ، ويسترد العين بالدعوى غير المباشرة .

أما إذا كان العمل المادي  إثراء على حساب الغير  ، فإن المدين لا يلتزم إلا بأدنى القيمتين ، قيمة ما أثرى به هو وقيمة ما افتقر به دائنة ، فلن يكون هذا الالتزام سببا في إعسار المدين أو في زيادة إعساره ، ولذلك لا يكون الإثراء على حساب الغير قابلا للطعن فيه بالدعوى البوليصية ، ليس فحسب لأنه عمل مادي ، بل أيضا لأنه لا يؤدي الى إعسار المدين .

(السنهوري ص 899)
وقد قضت محكمة النقض بأن

أ – متى كانت حجية الأحكام ليست قاصرة على أطرافها الذين كانوا ممثلين بأشخاصهم فيها بل تمتد أيضا الى من كان ماثلا في الدعوى بمن ينوب عنه كدائني الخصم العاديين فإن حكم النفقة الصادر على المطعون ضده الأول لصالح زوجته – يسري في حق الطاعن (الدائن) اعتباره في حكم الخلف العام بالنسبة لمدينه المطعون ضده – المذكور – وقد أتاح القانون للطاعن سبيل التظلم من هذا الحكم بطريق التماس إعادة النظر بشرط إثبات غش مدينه المذكور أو تواطئه وذلك إعمالا للفقرة الثانية من المادة 241 من قانون المرافعات ،

ب – عدم النفاذ المنصوص عليه في المادة 237 من القانون المدني ، يرد على التصرفات وليس على الأحكام .

(الطعن رقم 16 لسنة 44 ق جلسة 13/4/1977)
(2) أن يكون التصرف المطعون فيه مفتقراً للمدين

يجب أن يكون التصرف القانوني الصادر من المدين تصرفا ينقص من حقوقه ، أو يزيد في التزاماته ، وهذا هو المعني المقصود بالتصرف المفقر .

وعلى ذلك فإن التصرف القانوني يكون مفتقرا في حالتين :
  • الأولى : إذا أنقص التصرف من حقوق المدين ، كأن يهب المدين عينا مملوكة له ، أو أن يبيعها ، أو أن يكون دائنا لآخر فيبرئه من دينه . ففي المثلين الأولين نقص حق عيني ، وفي المثل الأخير نقص حق شخصي
  • الثانية : إذا زاد في التزامات المدين كأنه يشتري عينا فيلتزم بدفع ثمنها ، أو يفترض فيلتزم برد ما اقترض ، أو أن يتعهد بالإنفاق على شخص لا تلزمه نفقته.
(إسماعيل غانم ص 325)

غير أن التصرفات التي ينزل بها المدين عن فرصته للاغتناء سواء أكان الاغتناء عن طريق زيادة حقوقه أم عن طريق نقص التزاماته كما إذا عرضت على المدين هبته فرفضها ، لا تعتبر تصرفات مفقرة يجوز الطعن فيها بالدعوى البوليصية ، لأن الغرض من الدعوى البوليصية تمكين الدائن من المحافظة على الضمان العام وإعادة الضمان العام للدائنين الى الوضع الذي كان قد بلغه قبل التصرف الذي يراد الطعن فيه .

وهذا يقتضي أن يكون ذلك التصرف قد أخرج من ذمة المدين المالية مالا سبق أن وجد فيها أو حملها بدين جديد لم يكن قد لزمها من قبل ، ولا شئ من ذلك كله في حالة النزول عن فرصة للاغتناء ، وكذلك الحال في رفض انقاص الالتزامات .

(سليمان مرقص ص 225 وما بعدها)
(3) أن يكون التصرف تالياً لنشوء حق الدائن

يجب أن يكون التصرف الصادر من المدين تالياً في الوجود لحق الدائن الذي يطعن في هذا التصرف . أما إذا كان حق الدائن لاحقا على التصرف الذي عقده المدين فلا يجوز للدائن أن يباشر هذه الدعوى إذ لا يتصور أن يكون قد عول على حق لم يكن في ذمة المدين أو يكون المدين قد قصد الإضرار به وإذا كان الأصل هو وجوب أن يكون أن يكون الحق سابقا في الوجود على تاريخ التصرف المطعون فيه .

فإن العبرة في ذلك هو بتاريخ نشوء حق الدائن لا تاريخ استحقاقه فلو كان الحق موجود قبل صدور التصرف ولو كان غير مستحق الأداء أو كان غير خال من النزاع ، فللدائن رفع الدعوى البوليصية ولكن بعد أن يصبح الحق مستحق الأداء خاليا من النزاع ، فيستطيع الدائن المعلق حقه على شرط واقف أو المقترن بأجل واقف عند تحقيق الشرط أو عند حلول الأجل أن يطعن بالدعوى البوليصية في تصرف صدر من مدينه قبل تحقق الشرط أو قبل حلول الأجل ، أى في وقت كان حقه فيه غير مستحق الأداء ، مادام هذا الحق أصبح مستحق الأداء وقت رفع الدعوى البوليصية .

فالواجب هو أن يكون حق الدائن سابقا في الوجود لا في الاستحقاق على تصرف المدين ، ولا شك في أن الحق المعلق على شرط أو المقترن بأجل يعتبر موجودا قبل تحقق الشرط أو قبل حلول الأجل ، فيكون سابقا في الوجود على تصرف المدين ، وإذا تصرف المدين في وقت كان الدائن قد رفع دعواه يطلب الحكم بحقه المتنازع فيه ، وكان الدافع للمدين على التصرف توقعه صدور الحكم عليه في دعوى الدائن ، فللدائن المدين ، لأنه إذا كان هذا التصرف قد سبق الحكم .

فإن الحكم ليس منشئا لحق الدائن بل هو مقرر له ، فالحق قبل صدور التصرف من المدين ، والعبرة في التصرف الصادر من المدين بتاريخ صدوره ، لا بتاريخ شهره إن كان من التصرفات التي تستوجب الشهر ، فإذا كان التصرف الصادر من المدين بيعا مثلا وجب أن يكون صدور البيع تاليا لثبوت حق الدائن ، أما إذا كان سابقا ، فليس للدائن أن يطعن في البيع حتى لو لم يسجل إلا بعد ثبوت حقه .

(السنهوري ص 311)
قضت محكمة النقض بأن

متى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان البيع الصادر من المفلس الى الطاعن أقام قضاءه على أن مديونيه المفلس نشأت قبل التصرف في العقار موضوع النزاع وأن المفلس اصطنع دفاتر خصيصا للتفليسة وأن محكمة الجنح أدانت الطاعن بالاشتراك مع المفلس في الإفلاس بالتدليس بزيادة ديونه وتحرير سندات صورية وأن المفلس أصبح معسرا بتصرفه ببيع العقار للطاعن ، وأن مجموعة الدائنين لحقها الضرر من جراء هذا التصرف.

وأن ذمة المفلس كانت مشغولة بديون مستحقة عليه قبل التصرف ولم يسددها ، وأن المشتري كان على علم بإعسار البائع ولم يسجل العقد إلا بعد مضى ثمانية عشر شهرا من تاريخ توقيعه أى بعد ما أوهم المفلس دائنيه بتواطؤه مع الطاعن بأنه يملك عقارا لم يتصرف فيه فتعاقدوا معه مقتنعين بملكيته ، فإن هذا الحكم يكون قد تناول أركان الدعوى البوليصية من حيث التواطؤ والإعسار والضرر وطبق المادة 238 من قانون التجارة المختلط تطبيقا صحيحا لا قصور فيه .

(الطعن رقم 73 لسنة 21 ق جلسة 15/12/1953)

دين الضريبة ينشأ بمجرد توافر الواقعة المنشئة له طبقا للقانون ، وهذه الواقعة تولد مع ميلاد الإيراد الخاضع للضريبة ، أما الورد فهو أداة تنفيذية لتحصيل الضريبة ولا يعتبر مصدرا للالتزام بالضريبة أو شرطا لتكونه ، يؤيد هذا النظر أنه يبين من نصوص بعض مواد القانون رقم 14 لسنة 1939 أن دين الضريبة ينشأ ويصبح واجب  الأداء  قبل أن يصدر به الورد .

فقد ألزم المشرع الممولين في المادتين 44 ، 48 من هذا القانون بعد تعديلهما بالقانون رقم 146 لسنة 1950 بالوفاء بالضريبة على أساس الإقرار المقدم منهم ، وتقرر المادة 45 وما بعدها أن الضريبة تصبح واجبة الأداء طبقا لما يستقر عليه رأى المصلحة إذا أصرت على تصحيح الإقرار المقدم من الممول .

وأجازت المادة 92 بعد تعديلها بالقانون رقم 275 لسنة 1959 للمصلحة توقيع حجز تنفيذي بقيمة ما هو مستحق من الضرائب على أساس الإقرار إذا لم يتم أداؤها في الموعد القانوني دون حاجة الى إصدار الورد ، وتقضي المادة 93 مكرر (أ) بإلزام الممول بفائدة قدرها ستة في المائة عن الضريبة التي لم يؤدها في ميعاد تقديم الإقرار اعتبار من اليوم التالي لتاريخ انتهاء المواعيد المحددة لأدائها حتى تاريخ الأداء .

ولا محل للتحدي بما تنص عليه المادة 92 من ذات القانون ، ذلك أن هذه المادة صريحة في أنها تعلق تحصيل الضريبة لا نشوءها على صدور الأوراد الواجبة التنفيذ ، ولا يغير من ذلك ما نصت عليه المادة 97 مكررا من القانون رقم 14 لسنة 1939 المضافة بالمرسوم بقانون رقم 349 لسنة 1952 ، ولا ما أورده القانون رقم 646 لسنة 1953 بشأن تقادم الضرائب والرسوم في مادته الثانية ، لأن هذين القانونين لم يستهدفا الإنابة عن الواقعة المنشئة لدين الضريبة .

وإنما شرطا اتخاذ إجراءات معينة تيسيرا على الممولين في استرداد ما دفعوه بغير حق ، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون  رقم 349 لسنة 1952 ، وكذلك ما أوضحته المذكرة الإيضاحية رقم 646 لسنة 1953 تعليقا على المادة الثانية وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر .

وجرى في قضائه على أن دين الضريبة لا ينشأ في ذمة الممول إلا بعد صدور الورد ، وأن دين ضريبة الأرباح التجارية موضوع التنفيذ المستحق عن سنتي 1956 ، 1957 ، تال في الوجود لتاريخ التصرف الصادر منه – ببيع العقار المحجوز عليه إداريا – الى المطعون عليهن والمسجل في 3 سبتمبر 1959 تأسيسا على أن الورد لم يكن قد وجه إليه حتى ذلك التاريخ ، ورتب الحكم على ذلك عدم توافر شروط الدعوى البوليصية بالنسبة لهذا التصرف ، وإلغاء الحجز الموقع على العقار المبيع ، فإنه يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 238 لسنة 36 ق جلسة 16/1/1974)

 استخلاص شروط الدعوى البوليصية

 قضت محكمة النقض عن استخلاص شروط الدعوى البوليصية بأن

 إذ كانت محكمة الاستئناف قد استخلصت من وقائع الدعوى ما استدلت منه على إعسار المدين المتصرف وسوء نيته هو والمتصرف له وتواطؤهما على الإضرار بالدائن ، ثم طابقت بين ما استخلصته من ذلك وبين المعاني القانونية لأركان الدعوى البوليصية وهى كون دين رافع الدعوى سابقا على التصرف المطلوب إبطاله وكون هذا التصرف أعسر المدين وكون المدين والمتصرف له سيء النية متواطئين على الإضرار بالدائن ثم قضت بعد ذلك بإبطال التصرف ، فذلك حسبها ليكون حكمها سديدا مستوفى الأسباب .

(الطعن رقم 77 لسنة 5 ق جلسة 16/4/1936)

متى كانت المحكمة قد استخلصت من وقائع الدعوى وملابساتها ما استدلت به على إعسار المطعون عليهما الثانية والثالثة – المدينتين الراهنتين – وسوء نيتهما هما والطاعن – الدائن المرتهن – على الإضرار بالمطعون عليها الأولى واستندت في ذلك الى اعتبارات سائغة ثم طابقت بين ما استخلصته وبين المعاني القانونية لأركان   الدعوى البوليصية   وهى كون دين رافع الدعوى مستحق الأداء سابقا على التصرف المطعون فيه وكون هذا التصرف أعسر المدين وكون المدين والمتصرف له سيئ النية متواطئين على الإضرار بالدائن ثم قضت بعدم نفاذ التصرف ، فإن ذلك حسبها ليكون حكمها سديدا لا مخالفة فيه للقانون.

(الطعن رقم 363 لسنة 42 ق جلسة 11/1/1977)

إذا كان المشتري قد استند في دفاعه في دعوى إبطال التصرف الى أن عقد البيع المراد إبطاله قد ذكر فيه أن الثمن يدفع في دين للبنك العقاري مضمون برهن على الأطيان المبيعة وغيرها يرجع تاريخه الى سنوات عدة سابقة على نشوء حق الدائن طالب إبطال البيع.

وأنه دفع للبنك مبالغ بمقتضى وصولات قدمها الى المحكمة تناهز ضعف ثمن الأطيان المبيعة ، فهذا الدفاع من شأنه – لو صح –  أن يؤثر في وجه الحكم في الدعوى لأنه متى ثبت أن البيع قد انعقد بقصد وفاء دين على المبيع يضمنه رهن سابق على نشوء حق دائن آخر ويربو على قيمة العين المبيعة.

فذلك ينفي ركن الإضرار بالدائن الأخير من ناحية وإفقار المدين من ناحية أخرى وتنتفي تبعا مصلحة هذا الدائن في طلب إبطال هذا البيع وإذن فإذا أغفل الحكم القاضي بإبطال البيع مناقشة هذا الدفاع وتحقيقه والرد عليه واستند في قضائه الى ما قاله من بخس الثمن دون أن يبين كيف تحصل له ذلك فهذا الحكم يكون قد عاره بطلان جوهري ويتعين نقضه.

(الطعن رقم 103 لسنة 17 ق جلسة 13/1/1949)

إن طلب إبطال التصرف الحاصل من المدين عملا بالمادة 143 من القانون المدني يقتضي أن يثبت الدائن تواطؤ مدينه مع من تصرف إليه ، وأن يكون التصرف ذاته قد أدى الى إعسار المدين بحيث لم يعد لديه ما يوفي بحق الدائن المدعى ، هذا هو حكم القانون على إطلاقه إلا أنه يجب أن يلاحظ في تطبيقه أن لمن يكون له دين ثابت الحق في أن يقتضي دينه من غريمه غير التاجر في أى وقت شاء ، وأن يتفق معه على طريقة الوفاء سواء أكان ذلك عينا أم بمقابل ولا يؤثر في ذلك علم هذا الدائن بما لغيره مدين .

بل إذ كان هناك مطعن فلا سبيل لتوجيه إلا الى الحق الذي اتخذ أساس للاتفاق أو الى المحاباة التي قد تقع فإذا كان المشتري قد تمسك بأن البيع الصادر إليه إنما كان تسوية لمعاملات سابقة بينه وبين البائع مستندا في ذلك الى عقود مسجلة والى مستندات أخرى قدمها لتأييد دعواه فلم تتناول المحكمة هذه الأوراق بالبحث والتمحيص لكى تقول كلمتها فيها ، بل استخلصت من مجرد علم المشتري بدين غيره الى مدينه دليلا على تواطؤه مع البائع ، وحكمت في الدعوى على هذا الأساس فإن حكمها يكون مشوبا بالقصور في أسبابه .

(الطعن رقم 53 لسنة 12ق جلسة 1/4/1943)

شروط الدعوى البوليصية

ختاما: تعرفنا من خلال أراء فقهاء القانون المدني ومبادئ محكمة النقض عن شروط الدعوي البوليصية سواء في المدين أو الدائن أو التصرف ، كما استعرضنا علي ضوء النقض كيفية استخلاص محكمة الموضوع لشروط الدعوى البوليصية.

عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية وطعون النقض ليسانس الحقوق 1997- احجز موعد 01285743047

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أوافق على سياسة الخصوصية 

body{-webkit-user-select:none;-moz-user-select:none;-ms-user-select:none;user-select:none} .separator a,.post-body img{-webkit-touch-callout:none;-webkit-user-select:none;-khtml-user-select:none;-moz-user-select:none;-ms-user-select:none;user-select:none;pointer-events:none} pre,kbd,blockquote,table{-webkit-user-select:text;-khtml-user-select:text;-moz-user-select:text;-ms-user-select:text;user-select:text}