القانون الجديد ومواعيد السقوط السابقة

تعرف علي أثر القانون الجديد على الاجراء و مواعيد السقوط السابقة وفقا لنص المادة 2 من قانون المرافعات، بدراسة وضع الاجراء السابق والمواعيد قبل سريان القانون الجديد، أيهما يطبق الاجراء والميعاد الجديد أم يبقي الاجراء والميعاد القديم كما هو ، هذا ما سنتعرف عليه من خلال شرح نص المادة الثانية من قانون المرافعات التى لا تنفك عن أحكام المادة الأولي من ذات القانون، والبحث مدعم بأحكام محكمة النقض الخاصة بالمادة.

المادة 2 من قانون المرافعات

المادة الثانية من قانون المرافعات

كل إجراء من إجراءات المرافعات تم صحيحا في ظل قانون معمول به يبقى صحيحاً ما لم ينص على غير ذلك ولا يجري ما يستحدث من مواعيد السقوط إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي استحدثها.

جواز إبطال الإجراء الصحيح بتشريع صريح واضح

 أجاز المشرع بما أورده بعجز الفقرة الأولي من المادة 2 من قانون المرافعات جواز إبطال إجراء نشأ صحيحاً في ظل قانون سابق ، فقد ورد نص الفقرة المشار إليها علي أنه ” كل إجراء من إجراءات المرافعات تم صحيحا في ظل قانون معمول به يبقي صحيحا ما لم ينص علي غير ذلك  .

إذن فالمشرع وحده – بموجب نص تشريعي يملك المساس بإجراء سابق وصحيح مقرراً إبطاله – وهو ما يوجب :

  1. أن يتم ذلك بموجب تشريع ، سواء تشريع كامل أو تعديل تشريعي .
  2. أن يشير التشريع الجديد صراحة إلي إبطال الإجراء أو الإجراءات التي تمت في ظلال التشريع السابق .
  3. أن يكون ذلك مبرراً لمخالفته الفجة لقاعدة الاستقرار .
هنا ننوه  إلي وجوب إعمال نص المادة مادة 24 من قانون المرافعات والتي يجري نصها علي أنه

إذا كان الإجراء باطلاً وتوفرت فيه عناصر إجراء أخر فإنه يكون صحيحا باعتباره الإجراء الذي توفرت عناصره وإذا كان الإجراء باطلا في شق منه فإن هذا الشق وحده هو الذي يبطل . ولا يترتب علي بطلان الإجراء بطلان الإجراءات السابقة عليه أو الإجراءات اللاحقة إذا لم تكن مبنية عليه .

أثر القانون الجديد على الاجراء

الحكم الخاص بمواعيد السقوط

الحكم الخاص بمواعيد السقوط وعدم جواز سريان ما يستحدث من مواعيد السقوط إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي استحدثها

هذه القاعدة قررتها الفقرة الثانية من المادة رقم 2 من قانون المرافعات ، وقد اضطر إليها المشرع نظراً لخطورة مواعيد السقوط وبالأدق خطورة ما يترتب علي السقوط من آثار ، والأمر لخطورته يقتضي تعريف السقوط – والسقوط هو جزاء يرتبه القانون علي تخلف إجراء أو مجموعة من الإجراءات سابقة علي رفع الدعوى وتعد شرطاً من شروط قبولها ، بما يترتب عليه سقوط الحق الموضوعي وعدم إمكان المطالبة به .

إذن : فمواعيد السقوط تسبق في جميع الأحوال رفع الدعوى الي القضاء ، وتكون شرطاً من شروط قبولها ، وعدم احترام مواعيد السقوط يـؤدي الي سقوط الحق الموضوعي وعدم إمكان المطالبة به والتمسك بتجاوز ميعاد من مواعيد السقوط يدفع بعدم القبول في جميع الأحوال .

سقوط الحق في اللجوء للمحاكم العمالية

التطبيق الأكثر شيوعاً للسقوط هو  سقوط الحق في اللجوء للمحاكم العمالية

يجري نص المادة 70 من قانون العمل المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008 علي أنه

إذا نشأ نزاع فردي بين صاحب العمل والعامل في شأن تطبيق أحكام هذا القانون أو أي من القوانين أو اللوائح المنظمة لعلاقات العمل الفردية فلأي منهما أن يطلب من لجنة – تشكل من :

ممثل الجهة الإدارية المختصة مقرراً ، وممثل للمنظمة النقابية ، وممثل لمنظمة أصحاب الأعمال – خلال عشرة أيام من تاريخ النزاع تسويته ودياً .

فإذا لم تتم التسوية خلال مدة واحد وعشرون يوماً – من تاريخ تقديم الطلب – جاز لأي أن يطلب من الجهة الإدارية المختصة إحالة النزاع الي المحكمة العمالية المنصوص عليها في المادة 71 من هذا القانون أو أن يلجأ إليها في موعد أقصاه خمسة وأربعون يوماً من تاريخ انتهاء المدة المحددة للتسوية سواء كان قد تقدم للجنة بطلب التسوية أو لم يتقدم به وإلا سقط حقه في عرض الأمر علي المحكمة .

صحة الإجراء في ظلل القانون الذي يحكمه ولو ألغي

مبدأ: صحة الإجراء في ظلال القانون الذي يحكمه ولو ألغي فيما بعد

إذا قلنا أن قانون المرافعات هو قانون الإجراءات في المواد المدنية والتجارية اتضح بشكل فوري أهمية هذا النص ، والقاعدة التي يقررها هذا النص ومفادها صحة الإجراءات في ظلال القوانين الحاكمة لها هي قاعدة منطقية تماماً ، فالشخص أيا كان موقعه من النص القانوني.

أي سواء أكان أحد المتقاضين أو القاضي الذي يحكم في النزاع أو   محامي  يباشر مهام عمله يتعامل مع النص القائم وقت ممارسة الإجراء القانوني مرتداً ومؤسساً إياه علي النص القائم معتقداً اعتقاداً صحيحاً بأنه يعمل في ظل نص قانوني يضفي علي إجراءاته الشرعية .

القول بعكس ما سبق يزيح قاعدة الاستقرار تماماً ، لذا نجد محكمة النقض قد تبنت المبدأ القضائي الذي يقرر – تطبيقاً للنص – إن الإجراءات التي تمت في ظل القانون القديم صحيحة ولو عدلت بعد ذلك في ظل القانون الجديد فإنها تعتبر صحيحة ما لم يرد نص صريح علي خلاف ذلك إذ القاعدة أن كل إجراء تم صحيحاً في ظل قانون معمول به يظل صحيحاً .

أحكام محكمة النقض عن المادة 2 مرافعات

الطعن الأول عن المادة 2 مرافعات

الوقائع

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في

أن المطعون ضدهم – في الطعنين رقمي 475 و481 لسنة 65 ق وآخرين أقاموا الدعوى رقم 591 لسنة 1993 كلي أحوال شخصية الجيزة على الطاعنين فيهما بطلب الحكم بالتفريق بينهما, وقالوا بيانا لدعواهم, إن الطاعن الأول ولد لأسرة مسلمة ويشغل وظيفة أستاذ مساعد الدراسات الإسلامية والبلاغة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة ونشر كتبا وأبحاثا ومقالات تتضمن كفرا صريحا فيكون مرتدا مما يتعين معه التفريق بينه وبين زوجه الطاعنة الثانية.

ومن ثم أقاموا الدعوى, بتاريخ 27/1/1994 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى, استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 287 لسنة 111 ق القاهرة, وبتاريخ 14/6/1995 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف والتفريق بين الطاعنين.

طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 475, 481 لسنة 65 ق أحوال شخصية, وطعنت فيه النيابة العامة بالطعن رقم 478 لسنة 65 ق أحوال شخصية وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعون الثلاثة, عرضت هذه الطعون على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظرها وفيها استمعت إلى دفاع الخصوم والنيابة

 المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.

حيث إن الطعون الثلاثة استوفت أوضاعها الشكلية.

أولا: الطعنان رقما 475, 481 لسنة 65 ق أحوال شخصية:

حيث إنه عن الدفع المبدى من الطاعنين بجلسة المرافعة بعدم دستورية نص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية, فهو في غير محله, ذلك بأن المحكمة العليا قد قضت في الدعوى رقم 10 لسنة 5 دستورية المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 29/7/1976 بأن هذا النص دستوري.

وحيث إن الطعنين أقيم كل منهما على أربعة أسباب, ينعي الطاعنان بالسبب الأول عدا الوجهين الثالث والخامس منه – على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون, ويقولان بيانا لذلك

إن النظام القضائي الإسلامي انتظم دعوى الحسبة إلا أن هذا النظام اندثر ولم يتضمن النظام القضائي الحديث تلك الدعوى فتكون غير قائمة, وقد ناط القانون بالنيابة العامة مباشرة الدعوى العمومية, وعهد للمدعي العام الاشتراكي بصون وحماية قيم المجتمع, ويقتصر دور المدعي في دعوى الحسبة على إقامتها أو مجرد الإبلاغ وليس له حقوق وواجبات الخصم في الدعوى, والنيابة العامة بوصفها نائبة عن المجتمع هي التي تضطلع بمباشرتها.

وإذ تولت النيابة العامة التحقيق فيما أسند إلى الطاعن الأول من اتهام بإنكار الدين الإسلامي والتعريض بمقدساته فيما أبداه من آراء عن ذات الوقائع المطروحة, بما كان يتعين معه القضاء بوقف الدعوى حتى الانتهاء من هذا التحقيق, وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بالتفريق, فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي مردود

ذلك بأن الشريعة الإسلامية هي القانون العام الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية وفقا لأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة فيما عدا الأحوال التي وردت بشأنها قوانين خاصة وذلك عملا بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية.

وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن سكوت القانون أو خلوه من النص على حكم مسألة من مسائل الأحوال الشخصية لا يعني أن المشرع أراد أن يخالف نصا في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة أو حكما اتفق عليه فقهاء المسلمين, وينطبق ذلك على الحق والدعوى به في هذا الصدد, وإذ لم تكن توجد قواعد قانونية خاصة تمنع أو تقيد من إقامة دعوى الحسبة في الوقت الذي رفعت فيه هذه الدعوى حتى صدور حكم نهائي فيها من محكمة الموضوع.

فإنه يتعين الرجوع في شأن قبولها إلى الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة, والحسبة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – في اصطلاح الفقهاء هي فعل ما يحتسب عند الله من أمر بمعروف ظهر تركه أو نهي عن منكر ظهر فعله, وهي من فروض الكفاية وتصدر عن ولاية شرعية أصلية – أو مستمدة – أضفاها الشارع على كل من أوجبها عليه وطلب منه القيام بها

وذلك بالتقدم إلى القاضي بالدعوى أو الشهادة لديه أو باستعداء المحتسب أو والي المظالم “النيابة العامة” ودعوى الحسبة تكون فيما هو حق لله أو فيما كان حق الله فيه غالبا كالدعوى بإثبات الطلاق البائن أو بالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد أو بسبب ردة أحدهما برجوعه عن دين الإسلام, وجمهور الفقهاء على عدم تقيدها بشرط الإذن أو التفويض من ولي الأمر.

وإذا ترك كل المسلمين الحسبة باعتبارها واجبا كفائيا أثموا جميعا, بل إنها تكون فرض عين على المسلم القادر عليها إذا لم يقمها غيره في شأن أمر لا يعلم به إلا هو, فلا يقبل القول بانتفاء مصلحة رافع هذه الدعوى طالما تحققت شروط الحسبة, لأنه مطلوب منه شرعا الاحتساب, فيكون شاهدا فيها لإثباتها وقائما بالخصومة في آن واحد, وله ما للخصوم من حق إبداء الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع ومتابعة السير في الدعوى حتى ينحسم النزاع.

لما كان ذلك, وكان من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن القانون الجديد يطبق بأثر مباشر على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد نفاذه ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع السابقة عليه, فلا يجوز أن يمس ما يكون قد انقضى من مراكز قانونية في ظل القانون القديم

وتخضع الدعوى من حيث شروط قبولها وإجراءاتها للقانون الساري وقت رفعها, فإذا انعقدت الدعوى صحيحة بين طرفيها, فلا محل من بعد للتمسك بانتفاء صفة المدعي أو مصلحته في رفعها, وعندئذ يجوز لمن كان طرفا في الخصومة الطعن في الحكم الصادر فيها, طالما لم يتخل عن منازعته حتى صدور هذا الحكم, ويكفي لتحقق المصلحة والصفة في الطعن قيامها وقت صدور الحكم المطعون فيه, ولا عبرة بزوالها من بعد.

ولئن كان القانون رقم 81 لسنة 1996 المعدل لنص المادة الثالثة من قانون المرافعات قد اشترط في المادة الأولى منه لقبول الدعوى أن يكون لرافعها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون, إلا أن هذا القانون لم يأت بجديد يغاير ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة في ظل النص المذكور قبل تعديله في صدد هذه الشروط.

بيد أن ذلك لم يكن حائلا بين ما جرى به قضاء هذه المحكمة من إقرار دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية عملا بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية, باعتبار أن الدفع بانتفاء المصلحة لا يختلط بالدفع المتعلق بشكل الإجراءات وإنما هو من الدفوع الموضوعية التي تتصل بأصل الحق إذ يتعلق بالشروط اللازمة لسماع الدعوى, وقد استثنت المادة الثانية من القانون رقم 81 لسنة 1996 من سريانه الأحوال التي تجيز فيها بعض القوانين رفع الدعوى من غير صاحب الحق تقريرا للمصالح التي تحميها تلك القوانين سواء كان ذلك لمصلحة خاصة أو جماعية.

كما أن تنظيم القانون رقم 3 لسنة 1996 لإجراءات دعوى الحسبة يعد إقرارا من المشرع بوجودها, ولا يغير من هذا النظر أن القانون رقم 81 لسنة 1996 اعتبر المصلحة من النظام العام وأوجب على جميع المحاكم بما في ذلك محكمة النقض أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى إذا لم تتوافر شروط المصلحة فيمن أقامها, إذ أنه لا يتصور هذا القضاء إلا إذا تبين أن الدعوى أقيمت ابتداء من غير ذي مصلحة أو رفع الطعن بالاستئناف أو النقض ممن لا مصلحة له فيه وذلك وفقا للقانون الذي رفعت الدعوى أو الطعن في ظله.

وكانت الدعوى الماثلة قد رفعت وصدر حكم نهائي فيها قبل صدور القانون رقم 81 لسنة 1996 بطلب التفريق بين الطاعن الأول وزوجه لارتداده عن الإسلام, وهو ما تتوافر به شروط دعوى الحسبة, فإن أحكام ذلك القانون لا تنطبق على الدعوى من حيث شروط قبولها إذ لم يكن قد صدر بعد عند رفعها ابتداء أو حين تقديم الطعن بالاستئناف.

لما كان ذلك

وكان مبنى طلب إحالة الطعون للمرافعة صدور القانون المذكور بعد حجزها للحكم, فإنه لا مبرر للاستجابة له, ولا يغير مما سلف صدور القانون رقم 3 لسنة 1996 في شأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية, إذ أن هذا القانون لا يسري على الدعوى بأثر رجعي لأنه صدر إبان نظر الطعن بالنقض في الحكم النهائي الصادر فيها, وعملا بنص المادة الثانية من قانون المرافعات, فإن كل إجراء تم صحيحا في ظل قانون معمول به يبقى صحيحا وإن صدر قانون لاحق لا يعتبره كذلك.

فالدعاوى التي فصل فيها وإجراءاتها التي تمت قبل العمل بالقانون الجديد لا تخضع لأحكامه ولو لم يكن الحكم نهائيا, ولم يخرج القانون المذكور عن هذه القاعدة, إذ لم ينص على تطبيقه بأثر رجعي

بل نص في المادة الثامنة منه على العمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره, وقد نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29/1/1996, ونصت المادة السادسة منه على أنه (تحيل المحكمة من تلقاء نفسها ودون رسوم ما يكون لديها من دعاوى في مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة والتي لم يصدر فيها أي حكم إلى النيابة العامة المختصة وفقا لأحكام هذا القانون وذلك بالحالة التي تكون عليها الدعوى)

مما مفاده

أنه متى صدر في دعوى الحسبة أي حكم ولو لم يكن باتا أو نهائيا, فإن على المحكمة التي تنظر الدعوى أن تستمر في نظرها ولا يجوز لها إحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها وفقا لأحكام ذلك القانون, إذ أن عبارة (أي حكم) الواردة بالنص المذكور تفيد العموم, فلا يشترط في الحكم أن يكون نهائيا أو باتا, وإلا كان ذلك تخصيصا بلا مخصص.

وإذ كان الطعن بالنقض لا تنتقل به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض, وما يعرض على هذه المحكمة ليست الخصومة التي كانت مرددة أمام محكمة الموضوع بل ينصب هذا الطعن على محاكمة الحكم النهائي الذي صدر فيها, وما دام المشرع لم ينص صراحة في القانونين سالفي الذكر على إسقاط الأحكام النهائية الصادرة في شأن الحسبة فإنها لا تسقط بطريق الاستنتاج لما يترتب على إسقاطها من المساس بالحقوق المكتسبة منها

بل تبقى لهذه الأحكام قوتها وحصانتها التي كفلها القانون حتى يقضي من محكمة النقض في أمر الطعن المرفوع عنها, ولا عبرة بما تضمنته الأعمال التحضيرية للقانونين المذكورين في هذا الخصوص.

ذلك بأن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه متى كان النص واضحا جلي المعنى قاطعا في الدلالة على المراد منه, فلا محل للخروج عليه أو تأويله استهداء بالمراحل التشريعية التي سبقته أو الحكمة التي أملته أو ما تضمنته المذكرة الإيضاحية من بيانات لا تتفق وصريح عبارة النص.

لما كان ما تقدم

وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى قبول الدعوى ونظرها, فإنه يكون قد التزم القواعد القانونية المقررة, أما بصدد ما أثاره الطاعنان من أنه كان يتعين وقف الدعوى حتى تنتهي النيابة العامة من تحقيقات تباشرها فيما نسب إلى الطاعن الأول فهو مردود ذلك بأن النص في المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: إذا رفعت الدعوى المدنية يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائيا في الدعوى الجنائية المقامة قبل رفعها أو أثناء السير فيها …”

يدل على أن المشرع ارتأى كنتيجة لازمة لمبدأ تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي في الموضوع المشترك بين الدعويين وهو موضوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها وفق نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أنه يتعين على المحكمة المدنية وقف الدعوى أمامها انتظارا للحكم النهائي الصادر في الدعوى الجنائية

طالما أنها أقيمت قبل أو أثناء السير في الدعوى المدنية وتوافرت وحدة السبب بينهما, بأن تكون الدعويان ناشئتين عن فعل واحد وأن يتحقق الارتباط بينهما, تفاديا لصدور حكمين مختلفتين عن ذات الواقعة من محكمة جنائية وأخرى مدنية.

إلا أن الدعوى الجنائية لا تعتبر قد أقيمت بمجرد تقديم الشكاوى والتبليغات إلى سلطات التحقيق أو تحقيق هذه السلطات لها, وإنما تقام هذه الدعوى برفعها بالفعل إلى القضاء فإن لم تكن قد رفعت قبل الدعوى المدنية أو أثناء السير فيها فلا محل لوقف الدعوى المدنية

ولا يكفي لوقفها مجرد تحقيق النيابة العامة للواقعة, الذي قد يستغرق وقتا طويلا وقد لا تتبعه محاكمة تنتهي إلى   حكم يتقيد به القاضي المدني   , وهو ما يجاوز العلة التي هدف إليها نص المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية الذي اشترط لوجوب وقف الدعوى المدنية إقامة الدعوى الجنائية وليس مجرد تحقيق النيابة العامة للواقعة.

لأن قراراتها لا حجية لها أمام القضاء المدني فلا يجب عليه وقف الدعوى أمامه ترقبا لها, لما كان ذلك, وكان الطاعن الأول لم يقدم ما يدل على أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضده عما أبلغت به بشأن ما نسب إليه في الدعوى المطروحة, فإن النعي في هذا الخصوص يكون بلا سند صحيح, ويغدو النعي برمته على غير أساس.

وحيث إن الطاعنين ينعيان بالأسباب الثاني والثالث والرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامية والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق, ويقولان في بيان ذلك

إن الردة تكون بقول أو فعل صريح الدلالة على الكفر من غير اجتهاد, والطاعن الأول مسلم وفقيه في علوم القرآن وله مؤلفات التزم فيها أصول البحث العلمي, وما ذكره عن الخطاب الديني من قبيل الاجتهاد, وأنه عنى بالتفرقة بين النصوص ودلالتها وصولا لمفاهيم متطورة منتهجا في ذلك التفسير العقلاني المجازي إذ أن ما ورد بالقرآن عن العرش والكرسي والقلم والملائكة والجن والشياطين لا يدركه العقل إلا من خلال تصور وجودي ذهني بحسبانه الأقرب إلى التنزيه ويتوافق مع الخطاب الديني المعاصر.

وكشف النقاب في مؤلفه الإمام الشافعي عن أن ما عناه بالنصوص نصوص الإمام الشافعي التي سارت ذات سلطة وهي التي عمد إلى التحرر منها وليس من نصوص الأحكام الشرعية, ولم يرد في كتاباته ما يعد جحدا للقرآن أو ردا لشيء منه, وفي مؤلفه مفهوم النص البرهان على صدق إيمانه وكل نقده انصب على التصورات النابعة من الفهم الحرفي للنص القرآني باعتبار أنها نتاج ثقافي بشري.

ولم تنطو مؤلفاته على ما يعد مروقا من الدين, وتمسك أمام محكمة الموضوع بهذا الدفاع الجوهري وقدم سندا له تقريرين صادرين من مجلس أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة وأساتذة قسم اللغة العربية بها تضمنا الإشادة بمؤلفاته, وإذ قضى الحكم المطعون فيه, بالتفريق بينه وزوجه مؤسسا قضاءه على أن مؤلفاته قد حوت ما ينطوي على الكفر الصريح معتمدا على فقرات مجتزأة ومقتطعة من سياقها وغير مكتملة المعنى ولا تؤدي إلى ما استخلصه الحكم منها والتفت عما لمستنداته من دلالة قاطعة, فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي مردود

ذلك بأن الاجتهاد في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية هو بذل الفقيه وسعه لاستنباط الحكم الشرعي العملي من الدليل الشرعي, وما كان من النصوص قطعي الثبوت والدلالة لا محل للاجتهاد فيها, ولا مجال للاجتهاد في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة وإنما يكون الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص أو ما ورد فيه نص غير قطعي الثبوت أو غير قطعي الدلالة, والنصوص الشرعية هي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع, ومتى كان النص واضحا جلي المعنى قاطعا في دلالته على المراد منه فإنه لا يجوز الخروج عليه أو الانفلات منه بدعوى تأويله, فلا اجتهاد في مقابلة النص.

وهذا هو مفاد النصوص الشرعية لقوله تعالى:

“وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا”, “إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون”, “إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما”, “اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء”, “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله”, “وآيات القرآن العظيم في هذا المعنى كثيرة.

وقد نقل ابن عبد البر عن أبي حنيفة قوله “إذا صح الحديث فهو مذهبي” وهو ما نقله الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة, وقال الإمام الشافعي “إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط …. ولا قول لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم”, وآيات الكتاب العزيز قاطعة في الأمر بإتباع السنة النبوية ووجوب طاعة الرسول صلي الله عليه وسلم وجعلت طاعته من طاعة الله

قال تعالى: “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”, “قل أطيعوا الله ورسوله فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين”, “من يطع الرسول فقد أطاع الله”, “فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا”, “وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين”, “يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”.

وغير ذلك من آيات القرآن الكريم التي تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقرنها بطاعة الله تعالى, ومن عارض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم – كما يقول الإمام أحمد – فذلك فعل الذين يستمسكون بالمتشابه في رد المحكم فإن لم يجدوا لفظا متشابها يردونه به استخرجوا من المحكم وصفا متشابها يردونه به, في حين أن المنهج القويم الذي سلكه الصحابة والتابعون والأئمة أنهم يردون المتشابهة إلى المحكم ويأخذون من المحكم ما يفسر به المتشابه ويبينه فتتفتق دلالته مع المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضا ويصدق بعضها بعضا لأنها كلها من عند الله.

وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض, يقول تعالى “فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله”, والسنة النبوية لا تعارض القرآن الكريم, فهي إما أن تأتي موافقة له من كل وجه, وإما أن تكون بيانا لما أجمله وتفسيرا له, وإما أن تكون موجبة لحكم سكت عنه القرآن

وفي هذه الحالة الأخيرة تكون تشريعا يجب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه, لقوله تعالى “وما آتاكم الرسول فخذوه”, ولو ردت السنة النبوية التي لم ترد في القرآن الكريم لأبطلت أكثر سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم, رغم أن مخالفة السنة مخالفة للقرآن الكريم الذي أمر بإتباعها.

وعلى هذا إجماع علماء الأمة لم يشذ منهم في ذلك أحد, والقول بغير ذلك مخالفة لأصول الشريعة بما يتعارض مع كون السنة التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيا من عند الله والمصدر الثاني للتشريع, وهو ما يتنافى مع أصل العقيدة وما هو معلوم من الدين بالضرورة, لقوله تعالى “وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى”, وغير ذلك من آيات الكتاب العزيز الدالة على هذا المعنى.

ومن المقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية أن الردة هي الرجوع عن دين الإسلام وركنها التصريح بالكفر إما بلفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه ويعتبر كافرا من استخف بالقرآن الكريم أو السنة النبوية أو استهزأ بهما أو جحدهما أو كذبهما, أو أثبت أو نفى خلاف ما جاء بهما مع علمه بذلك عنادا أو مكابرة, أو تشكك في شيء من ذلك

أو عبد أحدا غير الله أو أشرك معه غيره, أو أنكر وجود الله أو أيا من خلقه مما أخبر عنه الله في القرآن الكريم, بأن أنكر الجنة أو النار أو القيامة أو الغيب والبعث والحساب أو الملائكة أو الجن والشياطين أو العرش والكرسي, أو جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو بعموم رسالته للناس كافة, أو شك في صدقه, أو أتى المحرمات مستحلا لها دون شبهة أو امتنع عن إتيان فعل يوجبه الإسلام إذا أنكر هذا الفعل أو جحد أو استحل عدم إتيانه كأن يمتنع عن أداء الصلاة أو الزكاة أو الحج جاحدا منكرا .

ويعتبر الممتنع أو الجاحد كافرا إذا كان ممن لا يجهل مثله الحكم الشرعي, فإن كان ممن لا يعرف مثله ذلك كحديث العهد بالإسلام فإنه لا يعد كافرا

وكذلك الحكم في إنكار مباني الإسلام كلها, لأن أدلة وجودها لا تكاد تخفى والكتاب والسنة زاخران بأدلتها والإجماع منعقد عليها فلا يجحدها إلا معاند للإسلام ممتنع عن التزام أحكامه غير قابل لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع أمته, ويعتبر خروجا عن الإسلام الجهر بأن القرآن من عند غير الله أو أنه من نظم البشر, أو أن الشريعة الإسلامية لا تصلح للتطبيق في هذا العصر أو أن في تطبيقها تأخر المسلمين وأنه لا ينصلح حالهم إلا بالتخلص من أحكامها, وإن كان الاعتقاد المجرد بما سلف لا يعتبر ردة.

إلا أنه يعد كذلك إذا تجسد في قول أو عمل, ويكفي عند جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية لاعتبار الشخص مرتدا أن يتعمد إتيان الفعل أو القول الكفري ما دام قد صدر عنه بقصد الاستخفاف أو التحقير أو العناد أو الاستهزاء, ولا يندفع حكم الردة إذا تحقق ما تقدم وإن ادعى المرتد أنه مسلم لاتخاذه موقفا يتنافى مع الإسلام, لأن الزنديق يموه بكفره ويروج عقيدته الفاسدة ويبطن الكفر ويدعي الإسلام

لما كان ذلك

وكان الثابت مما أبداه الطاعن الأول في مصنفاته المبينة بالأوراق إنها تضمنت – وفقا لصريح دلالتها وما لا احتمال معه لأي تأويل – جحدا لآيات القرآن الكريم القاطعة بأن القرآن كلام الله, إذ وصفه بأنه “منتج ثقافي وأن الإيمان بوجود ميتافيزيقي يطمس هذه الحقيقة … ويعكر الفهم العلمي للنصوص”

وينكر سابقة وجوده في اللوح المحفوظ ويعتبره مجرد نص لغوي ويصفه بأنه ينتمي إلى ثقافة البشر وأنه تحول إلى نص إنساني “متأنس” منحيا عنه صفة القدسية استهزاء بقيمته, وينكر أن الله تعالى هو الذي سمى القرآن بهذا الاسم جاحدا للآيات القرآنية التي صرحت بذلك مع كثرتها .

وذكر في أبحاثه أن الإسلام ليس له مفهوم موضوعي محدد منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا وهو قول هدف به إلى تجريد الإسلام من أي قيمة أو معنى, ووصفه بأنه دين عربي لينفي عنه عالميته وأنه للناس كافة.

ووصف علوم القرآن بأنها تراث رجعي, وهاجم تطبيق الشريعة ونعت ذلك بالتخلف والرجعية زاعما أن الشريعة هي السبب في تخلف المسلمين وانحطاطهم, ويصف العقل الذي يؤمن بالغيب بأنه غارق في الخرافة, وصرح بأن الوقوف عند النصوص الشرعية يتنافى مع الحضارة والتقدم ويعطل مسيرة الحياة, ويتهم النهج الإلهي بتصادمه مع العقل بقوله “معركة تقودها قوى الخرافة والأسطورة باسم الدين والمعاني الحرفية للنصوص الدينية وتحاول قوى التقدم العقلانية أن تنازل الخرافة أحيانا على أرضها”, وهذا من الكفر الصريح, وكشف الله عنه بقوله تعالى “

وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين” والأساطير معناها الأباطيل أو الأحاديث التي لا نظام لها ومفردها أسطورة.

وهو ما نعت به الطاعن الدين والنصوص الدينية زاعما أنهما ينطويان على خرافة, ويقول إن تثبيت القرآن في قراءة قريش كان لتحقيق السيادة القرشية التي سعى الإسلام لتحقيقها, وكأن القرآن لم ينزل إلا لتحقيق سيادة قريش, ويهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويلمزه بقوله “موقف العصبية العربية القرشية التي كانت حريصة على نزع صفات البشرية عن محمد وإلباسه قدسية إلهية تجعل منه مشرعا.

وينكر حجية السنة النبوية وأن الإسلام دين الوسطية, ويدعو إلى المروق من النصوص الشرعية بقوله “لقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها … قبل أن يجرفنا الطوفان”, وأبحاثه فيها اتهام للقرآن والسنة والصحابة والأئمة ومنهم الشافعي وأبو حنيفة بالعصبية الجاهلية.

فحارب الإسلام في نصوصه ومبادئه ورموزه, واعترض على نصيب البنات في الميراث رادا بذلك ما ورد بالقرآن الكريم بنصوص قطعية محكمة في هذا الصدد، وتمادى في غلوه بالدعوة إلى التحرر من النصوص الشرعية بزعم أنه ليس فيها عناصر جوهرية ثابتة وأنها لا تعبر إلا عن مرحلة تاريخية قد ولت, وهذا رمي لشرع الله بأنه غير صالح لكل الأزمنة, ويصف إتباع النصوص الشرعية بالعبودية, وينكر أن السنة وحي من عند الله ويدعي أنها ليست مصدرا للتشريع متحديا بذلك الآيات القرآنية العديدة التي وردت في هذا الشأن على خلاف إجماع الأمة.

وسخر من أحكام الجزية وملك اليمين مصورا الإسلام بالتسلط رغم تسامحه وحضه على عتق الرقاب, وأنكر أن الله ذو العرش العظيم وأنه تعالى وسع كرسيه السموات والأرض وأن من خلقه الجنة والنار والملائكة والجان رغم ورود آيات القرآن الكريم قاطعة الدلالة في ذلك, متجاهلا هذا

وسخر من نصوص الكتاب العزيز مستخفا به بقوله “إن النص القرآني حول الشياطين إلى قوة معوقة وجعل السحر أحد أدواتها” بما معناه أن القرآن الكريم حوى كثيرا من الأباطيل, وسار على هذا النهج المضاد للإسلام في مقاصده وعقائده وأصوله بجرأة وغلو وتجريح نافيا عن مصادره الرئيسية ما لها من قداسة.

ولم يتورع في سبيل ذلك أن يخالف الحقائق الثابتة حتى التاريخية منها, وكان هذا هو منهجه, وهو مدرك لحقيقته وفحواه في ميزان الشريعة, إذ أنه نشأ مسلما في مجتمع إسلامي ويعمل أستاذا للغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة ويقوم بتدريس علوم القرآن ومثله لا تخفى عليه أحكام الإسلام وأركانه وأصوله وعقائده, بل إنه يدعي الفقه والعلم, وذلك حجة عليه, وإذ أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالنسبة لأي مسلم لم ينل حظا من التعليم أو الثقافة الدينية, فإنه يعد مرتدا عن دين الإسلام, لإظهاره الكفر بعد الإيمان, وما تذرع به من أن ما صدر عنه من قبيل التأويل.

فهو مردود, ذلك بأن التأويل لا يخرج الباحث عن أصول الشريعة والعقيدة ومقاصدها وأركانها ومبانيها والتأويل له ضوابط ومعايير أوردها علماء أصول الفقه, وإلا كان سبيلا لأصحاب الهوى للمروق من شرع الله والانفلات من كل نص شرعي وتشريع بما لم يأذن به الله بما يفضي إلى الضلال والإضلال وليس من التأويل مهاجمة النصوص الشرعية والاستهزاء بها وإهدارها بقصد النيل منها ووصف الالتزام بأحكامها بالتخلف والدعوة إلى ترك شرع الله إلى ما سواه, وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة

لما كان ما تقدم

وكان من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع وتقدير الأدلة ومنها المستندات المقدمة فيها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وتراه متفقا مع واقع الحال في الدعوى.

وإذ خلص الحكم المطعون فيه على ما حصله مما ورد بأبحاث الطاعن الأول التي لم ينكر صدورها عنه أن ما عناه بمدلول النصوص على النحو الذي ذكره بها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأن آراءه التي ضمنها مؤلفاته وأحصى الحكم بعضا منها بمدوناته هي من الكفر الصريح الذي يخرجه عن الملة بما يعد معه مرتدا عن الدين الإسلامي ويوجب التفريق بينه وبين زوجه.

وكان هذا الاستخلاص سائغا وله معينه من الأوراق وسنده من الأحكام الشرعية ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويكفي لحمل قضائه وفيه الرد الضمني المسقط لكل دليل أو حجة مخالفة, وحسبه أن يضمن مدوناته بعضا مما صرح به الطاعن الأول ليستدل به على ثبوت ردته طالما أنه قد ألم بآرائه التي انطوت عليها مؤلفاته عن بصر وبصيرة.

ولا على الحكم إذ لم يأخذ بتقريري مجلس أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة وأساتذة قسم اللغة العربية بها إذ لم يعرضا لما حوته مؤلفات الطاعن الأول من آراء تعد مساسا لأصول العقيدة الإسلامية, فضلا عن أن هذين التقريرين – أيا كان وجه الرأي فيهما لا يلزمان محكمة الموضوع فيما جاء بهما فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلا فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة, وهو ما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة, ومن ثم فإنه يكون على غير أساس.

وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامية, ويقولان بيانا لذلك

إن الردة لا تثبت شرعا إلا بالبينة أو الإقرار, وأن الأوراق خلت من إقرار الطاعن الأول بالردة ولم تثبت ردته بالبينة الشرعية ولم تنبئ عنها دلالة ما ورد بمؤلفاته, وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي مردود

ذلك بأن من المقرر شرعا أن الردة تثبت بالإقرار أو البينة الشرعية, والإقرار هو اعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج ضده آثارا قانونية بحيث تصبح في غير حاجة إلى الإثبات بدليل آخر وينحسم به النزاع فيما أقر به, وهو حجة على المقر لأن فيه معنى الالتزام اختيارا, ويصدق الإنسان فيما يقر به على نفسه لأنه لا يتهم في الكذب على نفسه فصارت شهادة المرء على نفسه أقوى من شهادة غيره عليه.

وقد اعتبر القرآن الكريم الإقرار في إثبات الكفر في قوله تعالى “وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين”، والإقرار كما يكون باللفظ الصريح يجوز أن يستفاد من دلالة التعبير, لما كان ذلك, وكان الطاعن الأول قد أقر بأنه هو الذي صنف المؤلفات المنسوبة إليه ولم يجحدها كلها أو بعضا منها, وإذ استقى الحكم المطعون فيه منها الدليل على رجوعه عن الإسلام على نحو ما سلف,.

إذ ورد بها ما يدل على الكفر الصريح الذي يخرجه عن الملة ورتب على ذلك الإقرار الذي توافرت شروطه الشرعية قضاءه بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه باعتبار أن ذلك من الآثار التي توجبها أحكام الردة, فإنه يكون قد التزم الأحكام الشرعية المقررة في هذا الشأن, بما لا حاجة معه من بعد إلى تطلب إقامة البينة الشرعية على ردته, ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.

وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الخامس من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامية, ويقولان بيانا لذلك

إن الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان ولا يسوغ للقاضي التطرق لبحث جديتها وبواعثها ودواعيها, ونطق الشخص بالشهادتين كاف لاعتباره مسلما, والطاعن الأول يدين بالإسلام وأقر بإسلامه بما لا يجوز معه التعرض لحقيقة إسلامه أو الطعن في صحة إيمانه.

لأن ما أبداه من قبيل الرأي وتاريخ الإسلام حافل بالآراء الكثيرة ولم يكفر أحد برأي أبداه, كما أن تطبيق حد الردة شرطه أن يثبت بدليل قطعي الثبوت, في حين أن القرآن الكريم لم يضع عقابا دنيويا على الردة, والأحاديث التي وردت في شأن الردة ظنية الثبوت لكونها أحاديث آحاد كما طبق الحكم المطعون فيه أحكام الردة دون استتابته رغم أن الاستتابة واجبة شرعا, فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.

وحيث إن ما أبداه الطاعنان بشأن عقوبة حد الردة غير مقبول

ذلك بأن حد الردة لم يكن معروضا على محكمة الموضوع واقتصر الحكم المطعون فيه على التفريق بين الطاعنين باعتبار أن ذلك من الآثار المترتبة على الردة, ومن ثم فإن ما آثاره الطاعنان في هذا السبيل ليس له محل من قضاء الحكم, ومن ثم فإنه يكون غير مقبول, لما كان ذلك, فإن ما دفع به الطاعنان بجلسة المرافعة من أن محكمة الجنايات هي المختصة بنظر الدعوى, لا يقوم على سند صحيح, أما بصدد ما زعماه من عدم العمل بحديث الآحاد.

فهو مردود, ذلك بأنه بالإضافة إلى الحديث المتواتر وهو الذي رواه جماعة في جميع مراحل الرواية من مبدأ تلقي الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وصوله إلينا يمتنع توافقهم على الكذب, فهناك الحديث المشهور أو المستفيض, وهو ما كان أحاديا في الأصل ثم تواتر بعد ذلك بأن يرويه عدد يتحقق به التواتر في عصر التابعين أو تابعيهم وقد اعتبر جمهور الفقهاء هذا النوع من أحاديث الآحاد وهو عند الحنفية يفيد ظنا قريبا من اليقين ويجب العمل به, وهذا القسم من السنة كثير.

أما خبر الآحاد فهو ما ليس بمتواتر ولا مشهور سواء رواه واحد أو أكثر, وجمهور الفقهاء على وجوب العمل به ويحصل به العلم إذا اقترنت به قرائن ينتفي معها احتمال كذب الراوي, واشترط الفقهاء في راويه العقل والبلوغ حين الأداء والإسلام والضبط والعدالة.

وكان الصحابة – رضوان الله عليهم لا يأخذون بخبر الواحد إلا إذا شهد اثنان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يستحلفون الراوي أنه سمعه منه بشرط ألا يعارض الحديث ما هو أقوى منه والاستيثاق من أنه لا ناسخ له واشترط الحنفية ألا يعمل الراوي بخلاف ما روى وألا يكون الحديث مخالفا للقياس والقواعد المقررة إذا كان الراوي غير فقيه.

ومن هذا يتبين أن حديث الآحاد له ضوابط ومعايير واضحة المعالم, وذلك على التفصيل الوارد بعلم مصطلح الحديث, والقول بعدم العمل به يعد إهدارا لمعظم السنة النبوية لأنه قلما توجد سنة قولية متواترة بينما السنة الفعلية المتواترة كثيرة ومنها كيفية أداء الصلوات والحج وغير ذلك, وقد وردت في كتب الحديث الصحيحة أحاديث نبوية في شأن الردة رواها بعض الصحابة منهم ابن عباس وابن مسعود وجابر ومعاذ بن جبل وأبو موسى وغيرهم.

وهم تقاة لا يتصور تواطؤهم على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونقلت هذه الأحاديث عنهم وحقق صحتها علماء الحديث, كما أنه ولئن كان الأصل أن الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان, ولا يجوز البحث في جديتها ولا دواعيها أو بواعثها, والنطق بالشهادتين كاف لاعتبار الشخص مسلما.

إلا أن الإسلام كل لا يتجزأ ولا يصح الإيمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر, فإذا صدر عمن نطق بالشهادتين قول أو فعل يخرجه عن الملة على نحو ما سلف, فإنه يكون مرتدا لإظهاره الكفر بعد الإيمان وإن ادعى بأنه مسلم, ومما يدل على ذلك أن أبا بكر الصديق جمع الصحابة ليشاورهم في أمر قتال مانعي الزكاة, فقال له عمر رضي الله عنه كيف تقاتل قوما نطقوا بالشهادتين؟ فقال له أبو بكر رضي الله عنه:

والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه, وقد أقر الصحابة رضوان الله عليهم أبا بكر في ذلك, فلا عبرة بالنطق بالشهادتين ما لم يراع الناطق بهما ما لهما من حق وما يترتب عليهما من أثر إيماني عقدي.

فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل, لقول أبي بكر في السياق المتقدم “إلا بحقها”، ويؤكد ذلك قول الله تعالى “إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون” فليس هناك دليل أكبر من شهادة الله تعالى بكذب المنافقين وكفرهم.

مع أنهم شهدوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله بما يتضمن شهادة بوجود الله الذي أرسله مما مفاده نطقهم بالشهادتين, وكفى بالله شهيدا, وأحكام الردة لا تتنافى مع حرية العقيدة التي كفلها الإسلام, فليس لأحد أن يحمل إنسانا على ترك عقيدته أو اعتناق غيرها, لقوله تعالى “لا إكراه في الدين” وقوله تعالى “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”.

ولا تطبق أحكام الردة إلا على المسلم الذي ارتد عن الإسلام ولا تنطبق على غير المسلمين بل يدعوهم الإسلام إليه بالحكمة والموعظة الحسنة, فإن لم يدخلوا فيه عن طواعية واختيار تركهم وما يدينون به مستظلين بحمايته في تسامح يحفظ لهم حريتهم وكرامتهم وأموالهم وأعراضهم ودماءهم, ودخول الشخص في الإسلام مفاده التزامه بأحكامه ومنها أحكام الردة, إذ لا يمكن فصل المعتقد عن آثاره المحسوسة في السلوك, والدولة عقيدتها الإسلام.

وهذا ما ينص عليه الدستور في المادة الثانية منه من أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, وكل النظم الوضعية تقرر عقوبات وتدابير إزاء الأفعال التي تتعارض مع أسس قيامها, وارتداد المسلم عن الإسلام ليس أمرا فرديا – يمكن أن تتسامح فيه شريعة الإسلام ودولته كحق من حقوق الأفراد لا سيما إذا كان هذا بالدعوة علنا بالنشر أو التدريس.

إذ أن الخروج عن الإسلام ثورة عليه, ولا بد أن ينعكس ذلك على ولاء الفرد للشريعة والدولة وعلى روابطه مع المجتمع, وهذا ما لا يتسامح فيه قانون أو دولة, ولذلك تبيح الشريعة وسائر الدساتير والقوانين حرية الرأي بالضوابط التي تمنع من العدوان وإساءة استعمال الحق, فليس من حق أي فرد أن يدعوا إلى ما يخالف النظام العام أو الآداب أو يستخدم الرأي وسيلة للنيل من الأسس التي يقوم عليها المجتمع أو امتهان المقدسات أو السخرية من الإسلام أو أي دين سماوي, ذلك بأن الدستور يكفل في المادة 47 منه حرية الرأي في حدود القانون.

فحرية الرأي تكون وفقا للضوابط والحدود التي يسمح بها النظام الأساسي للدولة والقواعد التي يقوم عليها هذا النظام وفي صدارتها أحكام الشريعة الإسلامية, ولو أنه احتفظ باعتقاده في سريرة نفسه دون الإعلان عنه تلقينا لطلبته وطبعه ونشره, فإن الشريعة لا تفتش في مكنون النفس ولا تشق قلوب الناس ولا تنقب في سرائرهم.

لأن ذلك متروك لله وحده, إلا أن الجهر بالسوء من القول طعنا في عقيدة المجتمع والدعوة إلى ازدرائها يتصادم مع النظام العام وهو ما لا يقره أي تشريع أو نظام, ولا تعدو أحكام الردة أن تكون معيارا لاستمرار بقاء المسلم على إسلامه يميزه عن غيره فيتعامل معه المجتمع المسلم على أساس هذه الصفة كعضو فيه.

وذلك ما يحدث في الشرائع الدينية الأخرى بالنسبة لأتباعها إذ تشترط استمرار ولائهم لها, فإذا انضم إليها الفرد التزم بأنظمتها, ولها أن تخرجه منها أو تعزله عنها إذا خرج على مبادئها الأساسية التي انضم إليها وفقا لها مع ما يترتب على ذلك من آثار, وتستلزم بعض الشرائع لصحة الزواج اتحاد الزوجين في الدين أو المذهب أو الطائفة أو تعميدهما وفقا لطقوسها, وتعتبر اختلاف الدين مبطلا للزواج مانعا لانعقاده وتوجب الفسخ أو التطليق في حال اعتناق أحد الزوجين لدين آخر.

وهذا لا يتنافى مع حرية العقيدة أو حرية الرأي, وهو نفس الأمر بالنسبة للتفريق بسبب الردة, هذا فضلا عن أنه رغم ما أبداه دفاع الطاعن الأول من أنه لا زال متمسكا بدينه, فإنه لم يتبرأ من كتبه التي تثبت ردته بما ورد فيها, وما يثيره بشأن استتابته فهو غير مقبول.

ذلك بأن من المقرر في مذهب الإمام أبي حنيفة أن المرتد لا ملة له ولا يقر على ردته ولا على ما اختاره دينا له, واستتابته مستحبة على الراجح في هذا المذهب فيعرض عليه الإسلام فإن كان له شبهة كشفت له, إلا أن هذا العرض غير واجب, بل مستحب, لأن الدعوة قد بلغته.

وإذا أبى الإسلام نظر القاضي في أمره فإن طمع في توبته أو طلب هو الإمهال أمهله ثلاثة أيام باعتبارها مدة تضرب لإيلاء الأعذار, وذلك قبل أن يقام عليه حد الردة, وردة الرجل فرقة بغير طلاق “فسخ” في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد فرقة بطلاق, وهي بإجماع تحصل بنفس الردة وتثبت في الحال وتقع بغير قضاء القاضي, فإذا تاب المرتد من الزوجين وعاد إلى الإسلام فإنه لا بد من عقد ومهر جديدين لاستئناف الحياة الزوجية بينهما.

لما كان ذلك

وكانت الفرقة تتم بين الزوجين بالردة على الفور, وأثر الاستتابة – سواء كانت مستحبة على الراجح في المذهب الحنفي أو واجبة في بعض المذاهب الأخرى – يتعلق بتأخير تطبيق الحد لا في حصول الفرقة بين المرتد وزوجه.

وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه بعد أن انتهى إلى ثبوت ردته, دون استتابته باعتبار أن الاستتابة لا تؤثر في القضاء بالتفريق, فإنه يكون قد انتهى إلى قضاء سليم, لما كان ذلك, فإن النعي في هذا الصدد يكون غير منتج, ومن ثم غير مقبول, ويكون النعي برمته على غير أساس.

ثانيا: الطعن رقم 478 لسنة 65 ق أحوال شخصية “المرفوع من النيابة العامة”.

حيث إن الطعن أقيم على سببين تنعي بهما النيابة العامة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامية والفساد في الاستدلال, وفي بيان ذلك تقول

إن نطق الشخص بالشهادتين كاف شرعا لاعتباره مسلما وأن المسلم لا يعتبر مرتدا إلا إذا انشرح صدره بالكفر وأتى من الأقوال والأفعال ما يعد كفرا بما لا احتمال معه لتأويل, وما يحتمل الكفر والإيمان يحمل على الإيمان, فقد يكون الرجوع عن الإسلام مرده شكوك أو شبهات تساور النفس.

فيجب الإمهال لإزالة تلك الشكوى والشبهات, وما جاء بمؤلفات المطعون ضده الأول يمكن حمله على الإيمان فقد فرق بين الدين والفكر الديني وأورد أقوال الفقهاء في تقسيم مرويات السنة ولم يقر الربا بما لا يصح معه القضاء بردته, وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتكفيره ولم يزل ما قد يكون قد عرض له من شبهة في دينه, فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي مردود

بما سلف بيانه, من أن المطعون ضده الأول قد أفصح بمؤلفاته عما يعد من الكفر الصريح وأن استتابة المرتد مستحبة وغير واجبة على الراجح في المذهب الحنفي وإن أثر هذه الاستتابة يتعلق بتوقيع حد الردة ولا يؤثر في القضاء بالفرقة التي تقع على الفور بمجرد الردة بين المرتد وزوجه, وأن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى قضاء صحيح, ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.

ولما تقدم يتعين رفض الطعون الثلاثة

الطعن رقم 475 لسنة 65 بتاريخ 05/08/1996

الطعن الثاني عن المادة 2 من قانون المرافعات

الوقائع

حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في

أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 4531 لسنة 1979 مدني كلي شمال القاهرة على الطاعن الأول والسيدة …….. مورثة باقي الطاعنين بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 6/9/1959 للشقة المبينة بالصحيفة والتسليم، وقال بياناً للدعوى أن المرحوم ……… – والد زوجة الطاعن الأول، وزوج الطاعنة الثانية – استأجر بموجب ذلك العقد الشقة محل النزاع من المالك السابق للعقار الذي حول له عقد الإيجار.

غير أنهما أجريا تعديلات جسيمة بالغة الخطورة على المبنى بأن أزالا الحائط الفاصل بين المبنى والسطح، وهو من الحوائط الحاملة، وضما جزءاً من السطح، وقامت بتغطية باقي مساحته بمظلة، وأقاما حجرة بمدخله، وفتحا عليه باباً وعدة نوافذ مما أحدث خللاً في تحميل المبنى وقلل من عامل الأمان فيه، وبما يحول دون حقه في   التعلية   ،

فأنذرهما بتاريخ 10/4/1979 بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، ولما لم يستجيبا لطلبه فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. وبتاريخ 2/12/1979 ندبت المحكمة مكتب خبراء وزارة العدل لمعاينة العين محل النزاع لبيان ما إذا كان المدعى عليهما قد قاما بإحداث تعديلات جسيمة بالغة الخطورة على المبنى، وما إذا كانت هذه التعديلات تشكل ضرراً عليه.

وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت المحكمة بتاريخ 26/12/1982 برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1047 سنة 100ق مدني، وبتاريخ 17/11/1983 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبفسخ عقد الإيجار آنف الذكر وإخلاء العين موضوع النزع والتسليم.

طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وعرض الطعن على دائرة المواد المدنية والتجارية المختصة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها

 المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.

وحيث إنه لما كانت المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر – والمعمول به اعتباراً من 9/ 9/ 1977 والذي يحكم واقعة الدعوى قد نصت على أنه “في غير الأماكن المؤجرة مفروشة لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية.

(ج) إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح استعماله بطريق تخالف شروط الإيجار المعقولة والمتعارف عليها وتضر بمصلحة المؤجر. وذلك بعد أعذاره بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه،

يدل على أن مخالفة المستأجر لشروط الإيجار المعقولة المبررة للإخلاء مشروطة بأن تكون ضارة بالمؤجر، وإذ صدر القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والمعمول به اعتباراً من 31/ 7/ 1981.

ونص في المادة 18 منه على أنه

“لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية ….. (د) إذا ثبت بحكم قضائي نهائي أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة ……… أو ضارة بسلامة المبنى ……،، بما مفاده أن المشرع قصر سبب الإخلاء الذي كان منصوصاً عليه في الفقرة ج من المادة 31 سالفة الذكر على الاستعمال الضار بسلامة المبنى وأشترط أن يكون ذلك ثابتاً بحكم قضائي نهائي.

وكان من الأصول الدستورية المقررة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن أحكام القوانين لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها وأنه لا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، مما مؤداه عدم جواز انسحاب أثر القانون الجديد على ما يكون قد وقع قبل العمل به من تصرفات أو تحقق من أوضاع إذ يحكم هذه وتلك القانون الذي كان معمولاً به وقت وقوعها إعمالاً لمبدأ عدم رجعية القوانين.

غير أن ذلك لا ينتقص من سريان أحكام القانون الجديد على ما يقع منذ العمل به من تصرفات أو يتحقق من أوضاع ولو كانت مستندة إلى علاقات سابقة عليه إعمالا لمبدأ الأثر المباشر للقانون وذلك ما دامت تلك القواعد والأحكام الجديدة غير متعلقة بالنظام العام .

أما إذا استحدث القانون الجديد أحكاما متعلقة بالنظام العام فإنها تسري بأثر فوري على المراكز والوقائع القانونية القائمة وقت نفاذه ولو كانت ناشئة قبله، لما كان ذلك وكان من المقرر في قوانين إيجار الأماكن أن الأحكام الخاصة بتحديد الأجرة والامتداد القانوني وتعيين أسباب الإخلاء هي قواعد آمرة ومتعلقة بالنظام العام .

ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري على جميع المراكز والوقائع القائمة والتي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها .

ومؤدى ذلك أنه إذا صدر قانون لاحق تضمن تعديلاً في تشريعات إيجار الأماكن كان من شأنه استحداث حكم جديد متعلق بذاتية تلك القواعد الموضوعية الآمرة سواء بالإلغاء أو بالتغيير إضافة أو حذفا فإن هذا التعديل يأخذ حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه أما إذ كان التعديل منصباً على بعض شروط إعمال القاعدة الآمرة – دون مساس بذاتيتها أو حكمها .

كما لو استوجب لتطبيقها توافر شروط خاصة أو اتخاذ إجراءات معينة سواء من إجراءات التقاضي أو الإثبات لم تكن مطلوبة ولا مقررة من قبل فإن التعديل لا يسري في هذه الحالة إلا من تاريخ نفاذه وعلى الوقائع والمراكز التي تنشأ في ظله دون أن يكون له أثر على الوقائع التي نشأت في ظل القانون السابق، باعتبار أن القانون الذي رفعت الدعوى في ظله هو الذي يحكم شروط قبولها وإجراءاتها وقواعد إثباتها.

وقد نصت المادة 2 من قانون المرافعات على أن

كل إجراء من إجراءات المرافعات تم صحيحاً في ظل قانون معمول به يبقى صحيحاً ما لم ينص على غير ذلك” كما نصت المادة 9 من القانون المدني على أن “تسري في شأن الأدلة التي تعد مقدماً النصوص المعمول بها في الوقت الذي أعد فيه الدليل أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعداده .

لما كان ذلك وكان المشرع قد استحدث بالتعديل الوارد بالمادة 18 آلفة الذكر أمرين أولهما أنه عدل عن سبب الإخلاء الذي كان مقرراً بنص المادة 31 / ج من القانون رقم 49 لسنة 1977 بأن جعله قاصراً على حالة لإضرار بسلامة المبنى بعد أن كان الإضرار بالمؤجر – وهو أعم وأشمل – هو مناط الإخلاء في مجال تطبيق تلك الحالة والأمر الثاني أنه حدد وسيلة الإثبات القانونية لواقعة الاستعمال الضار بسلامة المبنى – أمام محكمة الإخلاء – بصدور حكم نهائي بذلك أسوة بما كان منصوصا عليه في المادة 31 / د من القانون رقم 49 لسنة 1977 بالنسبة لحالات الاستعمال الضار بالصحة أو المقلق للراحة أو المنافي للآداب العامة.

لما كان ما تقدم

وكان ما استحدثه القانون رقم 136 لسنة 1981 في الأمر الأول من تعديل في سبب الإخلاء يتصل بقاعدة موضوعية آمرة ومتعلقة بالنظام العام ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية القائمة والتي لم تستقر بحكم نهائي وقت العمل به ولو كانت قد نشأت في ظل القانون السابق.

أما ما استحدثه في الأمر الثاني والمتعلق باشتراط الحصول على حكم نهائي لإثبات واقعة الاستعمال الضار بسلامة المبنى فإنه لا يمس ذاتية القاعدة الآمرة ولا يغير من حكمها بل يضع شرطاً لأعمالها إذ استلزم الحكم بالإخلاء ثبوت الاستعمال الضار بسلامة المبنى بحكم قضائي نهائي وهو ما لم يكن مقرراً في القانون السابق ومن ثم فإنه لا يسري إلا من تاريخ نفاذ القانون الأخير والعمل به دون أن يكون له أثر على الوقائع السابقة عليه سواء رفعت بها الدعوى أو لم ترفع قبل صدوره.

لما كان ذلك وكان الحكمان السابق صدورهما من دائرة المواد المدنية والتجارية أولهما في الطعن رقم 765 سنة 48ق بجلسة 20/ 1/ 1983، وثانيهما في الطعن رقم 366 سنة 52ق بجلسة 28/ 4/ 1983 قد التزاما هذا النظر فإنهما يكونان قد صادفا صحيح القانون بما لا مجال معه لطلب العدول عن المبدأ القانوني الذي تقرره.

وحيث إن الطعن أستوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب حاصل السبب الأول منها أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون

إذ استبعد تطبيق المادة 18/ د من القانون 136 لسنة 1981 والتي استلزمت لطلب الإخلاء أن يثبت بحكم قضائي نهائي أن المستأجر أستعمل العين بطريقة تضر بسلامة المبنى في حين أن هذا النص يسري بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية القائمة والتي لم تستقر بحكم نهائي لتعلقه بالنظام العام، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون.

وحيث إن هذا النعي مردود

بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة، وعلى ما سلف بيانه من أن الشرط الوارد بالفقرة/ د من المادة 18 آنفة الذكر لا يسري إلا من تاريخ العمل بالقانون رقم 136 لسنة 1981 دون أن يكون له أثر على الدعاوى القائمة وقت نفاذه والتي رفعت في ظل القانون رقم 49/ 1977 لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الدعوى المطروحة أقيمت بتاريخ 26/ 4/ 1979 في ظل القانون رقم 49 لسنة 1977، فمن ثم يكون هو القانون الواجب التطبيق في هذا الخصوص. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون ويكون هذا النعي على غير أساس.

حيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون

أن الحكم أقام قضاءه بالإخلاء لمخالفتهم البند السابع من عقد الإيجار في حين أن هذا البند أوجب على المستأجر إعادة العين المؤجرة إلى حالتها الأصلية إذا ما أجرى بها تغييرات مادية، وأجاز للمالك أن ينتفع بالتخمينات والإصلاحات الناشئة عن تلك التغييرات دون أن يتحمل قيمتها، ولم ينص على الفسخ كجزاء لتلك المخالفة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بفسخ عقد الإيجار، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.

وحيث إن هذا النعي غير سديد

ذلك أن الأصل طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني أن المستأجر ملتزم بألا يحدث تغييراً ضارا في العين المؤجرة بدون إذن من المالك وقد نصت المادة 580/ 2 من القانون المدني على أنه إذا ما خالف المستأجر هذا الالتزام جاز إلزامه بإعادة العين إلى الحالة التي كانت عليها وبالتعويض إن كان له مقتضى”.

وجاء هذا النص تطبيقاً للقواعد العامة فيجوز للمؤجر أن يطلب التنفيذ العيني، وإعادة العين إلى أصلها أو فسخ الإيجار مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض، فإذا ما خص المشرع بالذكر إعادة الحالة إلى أصلها، فإن هذا لا يحول دون طلب الفسخ إذا توافر مبرره

لما كان ما تقدم، وكان ما ورد بالبند السابع من عقد الإيجار أنف الذكر لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد سالفة البيان ولا يحول دون حق المؤجر – المطعون عليه – في طلب الفسخ طبقاً لأحكام قانون إيجار الأماكن الواجب التطبيق وهو في هذا الصدد القانون رقم 136 لسنة 1981 طالما توافرت شروطه المنصوص عليها بالمادة 18/ د منه، ومن ثم فإن هذا النعي يكون لا أساس له.

وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني وبالوجه الثاني من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ومخالفة الثابت بالأوراق، والفساد في الاستدلال، والقصور في التسبيب. وفي بيان ذلك يقولون

إن الحكم أقام قضاءه بالإخلاء على أن التعديلات الواردة بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى تضر بالمؤجر في حين أن المادة 18/ د من القانون رقم 136 لسنة 1981 قصرت سبب الإخلاء على التغيير الضار بسلامة المبنى، كما ذهب الحكم إلى أن التعديلات تحرم المطعون عليه من  حق التعلية   .

ولم يتحقق الحكم من هذا الأمر هذا إلى أن الخبير لم يورد في تقريره أن هذه التعديلات ضارة بالمؤجر، بل جاء بهذا التقرير أن التعديلات المذكورة غير خطيرة وغير ضار بسلامة المبنى مما يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون. ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب.

وحيث إن هذا النعي مردود

ذلك أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استخلص من التعديلات المبينة بتقرير الخبير أن الطاعنين أزالوا حائطاً حاملاً وأن المساحة المضافة بالبناء مسقوفة بألواح الاسيتوس، أنها بهذا الوصف تشكل ضرراً بالمبنى، إذ أن نقصان الحوائط الحاملة، واستحالة البناء على سقف من الألواح تحول دون حق التعلية، وتؤثر في متانة المبنى وقدرته على التحمل

لما كان ذلك

وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه في هذا الشأن سائغاً وله أصله الثابت بالأوراق، ويكفى لحمل قضائه، ولا يعيب الحكم ما ورد في أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة طالما أنه قد انتهي إلى النتيجة الصحيحة وتصحح محكمة النقض ما ورد بأسبابه في هذا الشأن على ما سلف بيانه، ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله.

ولما تقدم يتعين رفض الطعن

الطعن رقم 2219 لسنة 53 بتاريخ 25/03/1985

الطعن الثالث بخصوص المادة 2 مرافعات

الوقائع

وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في

أنه بتاريخ 26/7/1928 تحرر عقد رسمي اقترض بموجبه المرحوم …. مبلغ 9500 ج من بنك الأراضي المصري بضمان شقيقة المرحوم ….. واتفق على سداد القرض وفوائده على أقساط سنوية بضمان رهن تأميني على مساحة 94 ف/ 12 ط مملوكة للمقترض ومساحة 30 ف/ 6 ط/ 1 س مملوكة للضامن – ثم صدر القانونان رقما 7 سنة 1933، 48 سنة 1936 بشأن تجميد ومد أجل القروض التي أبرمها بنك الأراضي وأرفقت بهما اتفاقيات عقدت بين الحكومة والبنك الدائن .

وبمقتضى ذلك حلت الحكومة جزئياً محل بنك الأراضي في حقوقه المترتبة على عقد القرض سالف الذكر ورمز لنصيب الحكومة في الدين بحرفي ك، بينما رمز لنصيب بنك الأراضي بالحرفين أ، هـ وإذ لم يسدد المدين مبلغ القرض.

فقد اتخذ بنك الأراضي – والذي حل محله البنك العقاري المصري بصفته مصفياً بالإنابة للبنك المذكور – إجراءات التنفيذ على الأطيان المرهونة وفاءا لدينه البالغ 34296 ج و527 م حتى يوم 31/12/1965 بخلاف رسم التنفيذ وما يستحقه من فوائد التأخير حتى السداد الكلي بالدعوى رقم 21 سنة 1966 بيوع كلي دمنهور .

وتحددت جلسة 8/2/1966 للنظر فيما يحتمل إبداؤه من اعتراضات على قائمة شروط البيع فاعترض بنك الائتمان العقاري بصفته نائباً عن الحكومة على قائمة شروط البيع بالدعوى رقم 40 سنة 1967 دمنهور الابتدائية كما اعترضت المطعون عليها الأولى على القائمة بالدعوى رقم 46 سنة 1967 دمنهور الابتدائية .

وبجلسة 8/2/1967 قررت المحكمة ضم الاعتراض الثاني للأول وطلب كل من …… وآخرين غير ممثلين في الطعن قبول تدخلهم خصوماً منضمين للمطعون عليها الأولى وبتاريخ 28/6/1967 حكمت المحكمة برفض طلب التدخل وبندب مكتب الخبراء لبيان مساحة الأطيان التي في حيازة المطعون عليها الأولى وما إذا كان هناك حائزون آخرون خلافها مع بيان أصل الدين والباقي منه .

ثم أحيلت الدعوى إلى السيد قاضي التنفيذ بمحكمة الدلنجات الجزئية وقيدت قضية البيع برقم 23 سنة 1969 الدلنجات كما قيدت الاعتراضات برقم 83 سنة 1969 مدني الدلنجات بتاريخ 28/6/1969 طلب المطعون عليه الثاني – بصفته أحد ورثة والده المرحوم …… والذي هو من ضمن ورثة المدين والضامن – التدخل في دعوى الاعتراض على القائمة وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 22 من قانون المرافعات وقيد عن هذا الطلب الدعوى رقم 172 سنة 1969 مدني الدلنجات .

وبتاريخ 22/2/1970 حكمت المحكمة بقبول اعتراض المطعون عليه الأول وبندب مكتب الخبراء لبيان أصل الدين وتقسيماته ومقدار ما آل منه للحكومة وما طرأ عليه ثم طلب المطعون عليهم من الثالث للأخير وهم ورثة المرحوم/ …… قبول تدخلهم منضمين للمطعون عليه الثاني .

وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت محكمة الدلنجات الجزئية بجلسة 30/5/1971 بقبول تدخل ورثة …… منضمين للمطعون عليه الثاني وبرفض اعتراض بنك الائتمان العقاري. وببطلان إجراءات – التنفيذ ضد …… الكفيل العيني وإخراج أطيانه من إجراءات البيع وقصر إجراءات التنفيذ على أطيان المدين في حدود مبلغ 13054 ج و222  من دين مباشر الإجراءات.

وإسقاط مبلغ 1174 ج و870  من دين الحكومة المحول لبنك الائتمان العقاري عند التوزيع استأنف البنك العقاري بصفته مصفياً بالإنابة لبنك الأراضي هذا الحكم بالاستئناف رقم 168 سنة 27 ق الإسكندرية كما استأنفه بنك الائتمان العقاري بصفته نائباً عن الحكومة (وزارة الخزانة) بالاستئناف رقم 169 سنة 27 ق الإسكندرية.

كما أقام المطعون عليهم استئنافاً فرعياً – ودفع المطعون عليهما الأولى والثاني باعتبار الاستئناف 169 سنة 27 ق كأن لم يكن لعدم إعلانهما بصحيفة الاستئناف في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم الصحيفة إلى قلم الكتاب – بتاريخ 23/6/1973 حكمت المحكمة في الاستئناف 161 سنة 27 ق باعتباره كأن لم يكن وفي الاستئناف 168 سنة 27 ق والاستئناف الفرعي برفضهما وتأييد الحكم المستأنف.

طعن البنك العقاري المصري – بصفته مصفياً بالإنابة لبنك الأراضي المصري وبصفته أيضاً مندمجاً فيه بنك الائتمان العقاري ونائباً عن الحكومة – في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره التزمت فيها النيابة رأيها

 المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في خصوص ما قضي به باعتبار الاستئناف رقم 169 سنة 27ق كأن لم يكن القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول

أن بنك الائتمان العقاري بعد أن أقام هذا الاستئناف بتقديم صحيفته إلى قلم الكتاب ادمج في البنك الطاعن بموجب القرار الجمهوري رقم 2422 سنة 71 الصادر بتاريخ 23/9/1971 قبل انقضاء الثلاثة أشهر المنصوص عليها في المادة 70 من قانون المرافعات بما يوجب وقف الميعاد المنصوص عليه فيها كأثر لهذا الاندماج وقد تمسك بذلك أمام محكمة الاستئناف إلا أن الحكم قضى باعتبار الاستئناف كأن لم يكن دون أن يعرض لهذا الدفاع أو يشر إليه بما يعيبه بالقصور.

وحيث إن هذا النعي في محله

ذلك أنه يترتب على إدماج مؤسسة بأخرى أن تنقضي المؤسسة المندمجة ويمحي شخصيتها الاعتبارية وذمتها المالية ويحل محلها المؤسسة الدامجة بما لها من حقوق وما عليها من التزامات وتخلفها في ذلك خلافة عامة، ومن ثم تختصم المؤسسة الدامجة وحدها في خصوص الحقوق والديون التي كانت للمؤسسة المندمجة أو عليها.

لما كان ذلك

وكان بنك الائتمان العقاري قد أدمج بالبنك العقاري المصري الطاعن بموجب القرار الجمهوري رقم 2422 سنة 1971 الذي نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 23/9/1971 فإنه يترتب على ذلك محو شخصية البنك المندمج منذ هذا التاريخ ونزول صفته في تمثيل الحكومة بصفتها دائنة بما يستتبع انقطاع سير الخصومة في الاستئناف رقم 169 سنة 27ق المقام من البنك المندمج وهو انقطاع يقع بقوة القانون وتجرد قيام سببه طالما أنه حصل بعد بدء الخصومة بتقديم عريضة الاستئناف لقلم كتاب المحكمة.

وإذ يترتب على انقطاع الخصومة وقف جميع مواعيد المرافعات ومن بينها الميعاد المنصوص عليه بالمادة 70 من قانون المرافعات قبل تعديلها بالقانون 75 سنة 1976 والتي تقضي باعتبار الدعوى كأن لم تكن إذا لم يتم تكليف المدعى عليه بالحضور خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم الصحيفة إلى قلم الكتاب.

لما كان ذلك

وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الاستئناف بوقف هذا الميعاد نظراً لدمج بنك الائتمان العقاري فيه أثناء سريان الميعاد المذكور وقبل انقضائه فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى باعتبار الاستئناف كأن لم يكن على سند من أن عريضة الاستئناف قدمت لقلم الكتاب في 7/7/1971 ولم تعلن للمطعون ضدهما الأولى والثاني إلا في 28/10/1971، 7/11/1971 دون أن يلتفت لدفاع الطاعن ولم يعرض للأثر المترتب على انقطاع سير الخصومة من حيث وقف الميعاد الذي نصت عليه المادة 70 من قانون المرافعات يكون معيباً بالقصور في التسبيب مما يتعين نقضه.

وحيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في خصوص ما قضى به في الاستئناف رقم 168 سنة 27ق الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول

إن الحكم المطعون فيه قضى بتأييد حكم أول درجة فيما تضمنه من قبول تدخل المطعون عليه الثاني في دعوى الاعتراض على قائمة شروط البيع رغم أن تدخله تم في 28/6/1969 بعد انقضاء ما يزيد على السنتين من تاريخ انتهاء ميعاد الاعتراض على القائمة وهو الميعاد المحدد بالمادة 646 من قانون المرافعات السابق الواجب إعمال أحكامه على النزاع باعتبار أن قائمة شروط البيع أودعت في ظله.

وأن ميعاد الاعتراض يتعين التزامه في كل حال – كما قضى الحكم بقبول تدخل المطعون عليهم من الثاني للأخير في الاعتراض على سند من الفقرة الثانية من المادة 422 من قانون المرافعات الحالي رغم أن المطعون عليهم المذكورين هم ممن ورد ذكرهم بالفقرة الأولى من النص السالف فلا يسري في شأنهم حكم الفقرة الثانية .

هذا فضلا عن أن مورث المطعون عليهم قد أعلن قانونا بالسند التنفيذي وبتنبيه نزع الملكية وخوطب مع ابنه كما تم إخباره بإيداع قائمة شروط البيع وخوطب مع تابعته وأخفى المخاطب معهما واقعة وفاته بل أجابا بما يفيد أنه ما زال على قيد الحياة بما ينطوي على غش لا يجوز معه لورثة المعلن إليه التمسك ببطلان الإعلان فضلا عن تحقق الغاية بتسلم بالورثة ورقة الإعلان.

كما أن الحكم أقام قضاءه على أن إجراءات نزع الملكية قد وجهت إلى مورث المطعون عليهم من الثاني للأخير بعد وفاته ولم تحدد بدقة ما رجعت إليه من أوراق في هذا الخصوص – بالإضافة إلى أن البنك الطاعن تمسك بأنه لا مصلحة للمطعون عليه الثاني في اعتراضه لما ثبت من تقرير الخبير المقدم في الدعوى أن أطيان الكفيل العيني قد انتقلت ملكيتها للمطعون عليها الأولى وآخرين ومتى كان المطعون عليه الثاني غير مالك فلا مصلحة له في الاعتراض على التنفيذ بالنسبة لأطيان الكفيل العيني.

وحيث إن هذا النعي في غير محله

ذلك أن الاعتراض على قائمة شروط البيع لا يعد من إجراءات التنفيذ على العقار، فهو وإن تعلق بها، إلا أن الاعتراض خصومة مستقلة عنها تخضع فيما لم يرد بشأنه نص خاص للإجراءات والقواعد العامة ومنها قواعد سريان قانون المرافعات من حيث الزمان المنصوص عليها في المادتين الأولى والثانية من القانون القائم .

ولا تخضع لحكم المادة الثالثة من قانون الإصدار والتي تنص على أن إجراءات التنفيذ على العقار يستمر السير فيها طبقاً لأحكام القانون القديم حتى ولو كان قد صدر فيها حكم برسو المزاد في ظله لأن المقصود بإجراءات التنفيذ في تطبيق هذه المادة هي تلك الإجراءات التي تتبع في التنفيذ على العقار ولا تنصرف إلى منازعة التنفيذ أو طلب البطلان الذي يدفع به أثناء اتخاذ إجراءات التنفيذ.

إذ لهذه المنازعات كيان خاص تستقل به في إجراءات نزع الملكية؛ فتسري إذن على دعوى الاعتراض القاعدة العامة في شأن سريان قانون المرافعات من حيث الزمان والقاعدة في ذلك طبقاً لما تنص عليه المادة الأولى من قانون المرافعات هي أنها تسري على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو ما لم يكن تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها، وذلك فيما عدا القوانين التي نصت عليها هذه المادة وليس من بينها الإجراءات الخاصة بإبداء الاعتراض على قائمة شروط البيع أو التدخل فيها .

وترتيباً على ذلك فإنه وإن كانت قائمة شروط البيع قد أودعت أثناء العمل بقانون المرافعات السابقة، إلا أنه طالما أن الاعتراضات التي أبديت عليها لم يكن قد فصل فيها حتى أدركها قانون المرافعات الحالي فإن أحكام هذا القانون الأخير تكون هي الواجبة التطبيق بأثر فوري؛ ولا محل للتحدي بأن إجراءات إيداع القائمة بدأت في ظل العمل بالقانون السابق، ذلك أن القوانين المنظمة لأصول التداعي والترافع والحكم هي في عمومها قوانين منظمة لمراكز قانونية خاضعة بطبيعتها للتعديل والتغيير من جانب المشرع

لما كان ذلك

وكان المطعون عليهم من الثاني للأخير قد تمسكوا بوفاة مورثهم – وهو أحد ورثة الكفيل العيني – في تاريخ سابق على مباشرة إجراءات التنفيذ وقدموا إعلام وراثة يتضمن ثبوت وفاة المرحوم …… بتاريخ 21/2/1965 وهو ابن المرحوم …. الكفيل العيني، ومن ثم فإن الإعلان الحاصل سواء بالسند التنفيذي أو بتنبيه نزع الملكية أو بالأخبار بإيداع قائمة شروط البيع يكون حابط الأثر .

ولا يتحقق به الغاية التي هدف إليها المشرع من الإعلان، لما هو مقرر من أن الخصومة لا تنعقد إلا بين الأحياء ولا يغير من ذلك ثبوت تسليم أوراق الإعلان لشخص خلاف المطعون عليهم وإجابته باستلام صورة الإعلان بصفته مقيما مع المعلن إليه ودون أن يقرر وفاة هذا الأخير .

ذلك لأنه أيا كان وجه الرأي في هذا التصرف فإنه لا يؤثر في حقوق باقي الورثة ولا يسري في حقهم، ولما كان الطاعن لم يقدم ما يفيد منازعته أمام محكمة الموضوع في واقعة الوفاة ووقت حصولها فإنه لا يجوز له إبداء ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، لأنه ينطوي على دفاع موضوعي لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع .

لما كان الأمر كذلك

وكان البين من مطالعة نصوص المواد 417، 418، 422 من قانون المرافعات أن الميعاد المحدد للاعتراض على القائمة إنما يلتزم به من تم إخباره بإيداع قائمة شروط البيع فإذا لم يتم إخبار واحد من ذوي الشأن سواء ممن نص عليهم بالفقرة الأولى من المادة 422 من قانون المرافعات أم من غيرهم فإنه لا يعد طرفاً في إجراءات التنفيذ ويعتبر حينئذ من الغير بالنسبة لتلك الإجراءات ويكون له التدخل عند نظر دعوى الاعتراض وفقاً للفقرة الثانية من المادة 422 من قانون المرافعات الحالي .

ولما كان من حق الدائن الذي حصل على سند تنفيذي بدينه أن يباشر التنفيذ على جميع أموال مدينه أو على جميع عناصر تركته بعد وفاته لأن ديون المورث تتعلق بتركته لا بذمة ورثته فلا تنقسم عليهم كما أن التركة لا تخلص لهم إلا بعد سداد ديونها إعمالا لمبدأ    لا تركة إلا بعد سداد الدين   فإنه يكون من حق ورثة الكفيل العيني التدخل في دعوى الاعتراض على القائمة للمحافظة على حقوقهم في الأطيان التي يجرى التنفيذ عليها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإن النعي عليه بكافة الأوجه يكون على غير أساس.

وحيث إن الطاعن ينعي بأحد أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه قولا منه بأن

دعوى الاعتراض على قائمة شروط البيع لا تتسع لبحث الادعاء بتقادم جانب من الدين المنفذ به لأن إسقاط ذلك القدر من الدين يفرض إمكان ذلك لا يحول دون اتخاذ إجراءات البيع وفاء لباقي الدين وأن مجال مناقشة ذلك يكون أمام قاضي التوزيع بعد إيقاع البيع فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإسقاط جزء من الدين المنفذ به وقصر إجراءات التنفيذ بباقي الدين يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.

وحيث إن هذا النعي في غير محله

ذلك أن أوجه البطلان في الإجراءات التي أجاز المشرع إبداءها بطريق الاعتراض وفقاً للمادة 422 من قانون المرافعات والمقابلة للمادة 642 من قانون المرافعات الملغى – هي كافة أوجه البطلان سواء تعلقت بعيب شكلي أم بعيب موضوعي.

ولما كان يشترط لإجراء التنفيذ الجبري أن يكون الدين المنفذ به محقق الوجود حال الأداء معين المقدار وفقاً للمادة 280 من قانون المرافعات فإن الادعاء بانقضاء الدين الذي يجرى التنفيذ اقتضاءاً له يعد من أوجه البطلان التي يجوز إبداؤها بطريق الاعتراض على القائمة سواء كان سبب الانقضاء هو الوفاء أم السقوط بالتقادم.

ذلك لأن المنازعة التي تقوم بشأن الدين المنفذ به تعتبر وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الملغي تعليقاً على المادة 642 منه من أوجه البطلان المنصوص عليها في تلك المادة باعتبار أن ذلك مما يمس الشروط الموضوعية لصحة التنفيذ.

فإن الحكم المطعون فيه إذ التزم هذا النظر وعرض لمنازعة المطعون ضدهم في شأن تقادم الدين المنفذ به فإن النعي عليه في هذا الصدد يكون على غير أساس.

وحيث إنه مما ينعاه الطاعن أيضا على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول أنه

وفقا للاتفاق المرفق بالقانون 48 سنة 1936 المبرم بين الحكومة المصرية وبنك الأراضي لا يبدأ استهلاك رأس مال دين السلفة حرف “هـ” إلا اعتبارا من أول يناير سنة 1950 وعلى أقساط سنوية متساوية عددها 45 قسطا وبذلك فإن كل قسط من أقساط السلفة يعتبر دينا مستقلا بذاته ويسري التقادم بالنسبة إلى كل قسط على حدة، وأن وجود شرط بالعقد بحلول الأقساط جميعها عند التأخير في دفع قسط منها.

فإن هذا الشرط لا يتحقق إلا بعد إنذار المدين بالسداد وفقا لعقد القرض ولم يتم إنذار ورثة المدين بالسداد إلا في 13/8/1964 فلا يحل أجل الدين جميعه إلا بعد انقضاء المهلة المحددة بالإنذار ومن تاريخها يبدأ سريان التقادم كما أن هذا الشرط مقرر لمصلحة الدائن فلا يضار منه .

هذا فضلا من أن المدين سدد مبلغ في خلال سنة 1955 بما ينطوي على إقرار ضمني بحق الدائن يقطع   التقادم   إلا أن الحكم المطعون به ساير حكم محكمة أول درجة فيما قضي به بتقادم دين السلفة حرف “هـ” على سند من أنها حالة الأداء منذ سنة 1950 إعمالا للشرط الوارد بالعقد فيكون قد أخطأ في تطبيق القانون.

وحيث إن هذا النعي في محله

ذلك أنه لا يبدأ سريان التقادم إلا من وقت استحقاق الدين وفقاً لصريح نص المادة 381 من القانون المدني فإذا كان الدين يستحق الأداء على أقساط دورية فلا يبدأ سريان التقادم بالنسبة إليها إلا من وقت حلولها ولا يتوقف سريان التقادم بالنسبة إلى أية دفعة منها على سريانه بالنسبة إلى الدفعات الأخرى إذ أن كل قسط يعتبر ديناً قائماً بذاته مستقلاً بالنسبة إلى التقادم وإلى مبدأ سريانه .

وذلك على نحو ما صرحت به المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني فإذا اشترط حلول الأقساط جميعها عند التأخير في دفع قسط منها وتحقق هذا الشرط فإن التقادم لا يسري بالنسبة للأقساط الباقية إلا عند حلول مواعيدها الأصلية لأن اشتراط حلولها عند التأخر في دفع أي قسط إنما هو شرط في مصلحة الدائن فلا يضار به تقديم مبدأ سريان التقادم.

لما كان ذلك

أثر القانون الجديد على الاجراء

وكان    عقد القرض    قد تضمن في البند الخامس منه شرطا مؤداه أن المدين يفقد حق الأجل إذا ما تأخر في سداد أي قسط إذا لم يقم بالسداد خلال الأيام الثلاثة التالية لتكليفه بالدفع ويصبح كامل الدين المتبقي مستحق السداد فورا، وكان الطاعن قد تمسك بذلك أمام محكمة الاستئناف وبأنه كلف ورثة المدين بتاريخ 13/8/1964 بسداد الأقساط المتأخرة حتى تاريخ الإنذار.

كما تمسك بما أظهره الخبير بتقريره بسداد المدين لجزء من الدين المنفذ به خلال سنة 1955 مستدلا بذلك على حصول إقرار ضمني من جانب المدين يؤدي إلى قطع التقادم وفقا للمادة 384 من القانون المدني.

وكان الحكم المطعون فيه قد ساير حكم محكمة أول درجة بتقادم دين للسلفة حرف “هـ” لحلول أجل استحقاقها في 1/1/1950 بسقوط أجل باقي الأقساط للتأخير في الوفاء ببعضها دون أن يعرض لما تضمنه البند الخامس من عقد القرض من أن حلول أجل استحقاق باقي أقساط الدين مرهون بحصول تكليف بالدفع ودون أن يمحص ما دفع به الطاعن بانقطاع التقادم لسداد المدين لجانب من الدين في خلال سنة 1955 أو يبين أثر ذلك على تقادم دين السلفة التي قضى بسقوطها، فإنه يكون معيبا بالقصور بما يوجب نقضه لهذا السبب أيضا دون ما حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

الطعن رقم 838 لسنة 43 بتاريخ 30/03/1982
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية وطعون النقض ليسانس الحقوق 1997- احجز موعد 01285743047

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أوافق على سياسة الخصوصية 

body{-webkit-user-select:none;-moz-user-select:none;-ms-user-select:none;user-select:none} .separator a,.post-body img{-webkit-touch-callout:none;-webkit-user-select:none;-khtml-user-select:none;-moz-user-select:none;-ms-user-select:none;user-select:none;pointer-events:none} pre,kbd,blockquote,table{-webkit-user-select:text;-khtml-user-select:text;-moz-user-select:text;-ms-user-select:text;user-select:text}