الغش والخطأ العمد في التعاقد
محتويات المقال
حسن النية في التعاقد والمعاملات مبدأ معتبر وفي هذا المقال نستعرض الغش والخطأ العمد و الوسائل الاحتيالية ومنها الكتمان العشي في التعاقد، ومتى يعتبر الكتمان بمثابة غش باخفاء معلومات هامة بالشئ محل التعاقد التى لو علمها المتعاقد الأخر لما أبرم العقد .
سنخلص في ايجاز غير مخل معني الغش والخطأ الجسيم في التعاقد.
مقدمة دراسة الكتمان الغشي
الغش والخطأ العمد في التعاقد من المسائل القانونية التى تخلق مشاكل كتيرة، وتصبح مصدرا للتنازع بين أطراف العقد. لذا من المهم التعرف على مفهوم الغش والخطأ العمد في قانون العقود مسألة هامة لتحديد مسؤولية كل طرف.
المقال يدرس الفرق بين الغش والخطأ العمد في التعاقد، ويوضح تأثيرهم على صحة العقد ومسؤولية أطرافه. بالإضافة الى ذلك، نستعرض عن العواقب القانونية للخطأ العمد والغش، ودور القضاء في حل النزاعات الناتجة عنهم.
الغش والخطأ العمد الجسيم
المقصود بالخطأ الجسيم
هو الخطأ الذي يبلغ حدا يسمح بافتراض سوء نية الفاعل حيث لا يتوافر الدليل عليها .
والقصد من اللجوء الى هذه القرينة هو
قطع الطريق أمام أولئك الذين يتعمدون الإضرار بالآخرين ثم يسترون بستار سوء التقدير أو بعدم الخبرة فلا يقبل من فاعل الضرر التذرع بالبلاهة أو الغباء وليس الأمر هنا إلحاق الخطأ الجسيم بصفته خطأ مستقلا عن الخطأ العمد بهذا الأخير بل الاستدلال منه على الخطأ العمد بالذات .
فالأمر يتعلق بالإثبات أى أن الخطأ الجسيم قرينة على الخطأ العمد ، ولكنه قرينة غير قاطعة ، بل تسقط أمام إثبات نية الشر .
وهناك تعريف آخر للخطأ العمد مؤداه
أن نية الإضرار تعتبر متوفرة إذا كان الفاعل لحظة ارتكابه الفعل قد تصور النتائج التي تنجم عن فعله ولكنه رغم ذلك مضى في ارتكاب الفعل . إلا أن التعريف يوسع من دائرة الخطأ العمد على حساب دائرة خطأ الإهمال توسيعا كبيرا.
ذلك أن معظم أخطاء الإهمال يقترن بإمكان تصور الفاعلين للنتائج الضارة المتولدة عن أفعالهم ، فالمسألة تتعلق بتوقع أو تصور الضرر حتى لو كان الفاعل يسعى وراء هدف آخر ليس هو هدف الإضرار وهذا التعريف يتعارض مع المفاهيم التقليدية للخطأ العمد بفضل أن النية في إنجاز عمل معين أو نتيجة معينة هى ليست في تصور هذا العمل أو النتيجة ، إذ من المفهوم أن النية في اللغة تعني إرادة متجهة نحو هدف ما أو الرغبة في تحقيق نتيجة معينة .
والخطأ العمد حاصلا في إفشاء المؤتمن على السر ، للسر المؤتمن عليه ، فعلم المتعاقد بأنه يفشي سرا لم يفض به إليه إلا عن طريق صناعته ومهنته ، يكفي لو صمه بسوء النية لأنه يفعل ذلك عن إرادة واعية وعن طواعية ، ولأنه يفترض حصول الضرر الأدبي أو المادي بمجرد إفشاء السر .
ولكن إفشاء السر إذا لم يحصل عن إرادة واعية بل حصل نتيجة إهمال ، فلا يمكن أن ينسب الخطأ العمد الى المؤتمن على السر ، وذلك كما في حالة الطبيب الذي يدون ملاحظاته عن مريض ، ثم يترك هذه الملاحظات سهوا في مكان غير مصون فيطلع عليها الغير .
كما أن ورود الباعث المشروع على إيقاع الضرر عمدا ينفي عن الفعل صفة الخطأ العمد كما لو خالف المؤتمن على السر لالتزامه العقدي بعدم إفشاء السر يحدوه باعث الامتثال للقانون وللصالح العام ومقتضيات الرحمة والإنسانية ولكن هذا الباعث يقدر تقديرا موضوعيا ولا يكتفي بتقدير الفاعل الشخصي فلا يجوز للمؤتمن على السر إفشاءه إلا إذا كان اقتناعه أو اعتقاده قائما على أساس جدي وأن الرجل المعتاد في ظروفه يعتقد بما اعتقد به ، ومن أمثله حسن الباعث ، إفشاء السر أمام القضاء استجابة لطلب من أفضى له السر .
والخطأ العمد قد يتجسم على صورة إكراه يستعمله المدين لإرغام الدائن على قبول التنفيذ المعيب ، وهذه الصورة تتضمن أعلى درجات سوء النية ، ذلك أن جوهر الإكراه هو انتزاع الرضا بالقوة أو التهديد .
قضت محكمة النقض بأنه
الإكراه المبطل للرضاء لا يتحقق وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة إلا بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختيارا .
(27/2/1973 – م نقض م – 24 – 336 – ونفس المعنى 27/12/1973 – م نقض م – 24 – 1358 ونقض 22/1/1974 – م نقض م – 25 – 208)
الغش في التعاقد
المقصود بالغش :
هو استعمال شخص طرقا احتيالية لإيقاع شخص آخر في غلط يدفعه الى التعاقد سواء معه أو مع الغير .
هذا التعريف يحتم توفر سوء النية لدى مرتكب الغش فنكون أمام خطأ ذي ميزة معينة ، خطأ ينوي مرتكبه الإضرار بالغير عن طريق (خداعة وإغفاله) وكان يطلق على هذا الخطأ تعبير الخطأ الغشي فالغش كما هو وسيلة سيئة لخداع أحد ما .
إن النية الآثمة تتجسم في عمل يتخذ سمة عدم المشروعية ومن السهل عندئذ تبعا للطبيعة العمل المرتكب الحكم على هذا العمل بكونه جريمة مدنية .
قضت محكمة النقض بأنه
لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قاعدة [ الغش يبطل التصرفات ] وهى قاعدة سليمة ولو لم يجر بها نص خاص في القانون وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والاحتيال وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره في التصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والمجتمع وكان استخلاص عناصر الغش من وقائع الدعوى وتقدير ما يثبت به هذا الغش وما يثبت له يدخل في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع بعيدا عن رقابة محكمة النقض في ذلك مادامت الوقائع تسمح به.
(21/5/1979 – الطعن 1073 لسنة 48 ق ، ونفس المعنى نقض 27/12/1977 في الطعن رقم 346 لسنة 41 ق – ونقض 9/2/1956 – م نقض م – 7 – 168)
وانعدام الركن المعنوي للغش المتمثل في القصد أو الرغبة في التضليل توصلا لغرض غير مشروع يعني عدم قيام الغش رغم التضليل الحاصل :
فإذا قدم المدين الى الدائن معلومات غير صحيحة عن حسن نية دون علمه بعدم مطابقتها للحقيقة ، فلا يعد غشا رغم أنه أوقع الدائن في غلط ، وكذلك الحال إذا أهمل في تقديم بعض المعلومات التي من شأن عدم تقديمها إيقاع الدائن في غلط ، فلا قيام للغش دون إرادة قاصدة الى تضليل الغير ذلك لأن الغش فكرة عمدية .
أما الركن الموضوعي للغش
فهو يتخذ صورة فعل أو كتمان ، والفعل هو عبارة عن الوسائل الاحتيالية التي يلجأ المدين إليها لإيهام الطرف الآخر ولكن هذه الوسائل يجب أن تبل حدا معينا من الجسامة لكى يتحقق الركن الموضوعي للغش والكتمان وهو الموقف السلبي الذي يتخذه المدين في كتمان بعض الحقائق مما يؤدي الى إيقاع الدائن في غلط .
الوسائل الاحتيالية الغشية
وهى التي يلجأ إليها البعض عند التعاقد ومنها:
1.لجوء البائع أو مسلم الشيء الى إجراء بعض التغييرات فيفقد الشيء طبيعته أو يضعف من صفته ويكون ذلك بإضافة شيء الى صنف المبيع أو بانتزاع شيء منه كما في إضافة الماء الى اللبن وخلط المشروبات والمأكولات بشيء مضر بالصحة ، بحيث يتوهم المشتري أو المستلم بأن الشيء الذي يشتريه أو يستلمه سالم من كل عيب جوهري .
2.استعمال مكاييل أو موازيين أو مقاييس غير صحيحة أو مزورة ، ومن الأمثلة على إيجاد زيادة بطريق التدليس في وزن أو حجم البضاعة وضع رمل أو أجسام غريبة في الثمار أو الحبوب .
3.إعطاء بيانات كاذبة للتضليل ، كما في ادعاء التاجر بأنه يبيع فضة مع أنه واقع الأمر معدنا مفضضا ، أو أنه يبين مثالا قديما مع أنه يبيع في الحقيقة تمثالا حديثا ، أو أنه يبيع ماء معدنيا طبيعيا في حين أنه يبيع ماء معدنيا اصطناعيا .
ودرجات الغش أصبحت كثيرة وغير متناهية ، فعلى الإنسان أن يتحرز ضد صور الغش التي يمكن التحرز ضدها ، فإذا لم يفعل فقد اتصف بسذاجة يؤاخذ عليها ، والكذب الذي تقضي طبيعة العقد وعلاقات الطرفين والثقة المتبادلة بينهما ، أن يتجنبه المتعاقد بصفة خاصة لما يتسم به من خطورة متميزة ، هو الكذب التدليسي الذي يحظره القانون .
أمثلة الكتمان الغشي فى التعاقد
من أمثلة الكتمان الغشي ما يلي :
كتمان سائق السيارة حقيقة وجود طريق آخر في ذهن المسافر مما يسمح له باستغلال جهله والسلوك به طريقا أطول بهدف الحصول الى أجرة أكثر .
كتمان البائع عن المشتري استحقاق المبيع للغير ، وقد شدد القانون جزاء البائع في هذه الحالة فألزمه فوق الثمن والمصروفات الكمالية التي أنفقها المشتري على المبيع مازالت به قيمة المبيع من الثمن .
الكتمان كمبدأ عام لا يتضمن غشا
يجب ملاحظة أن وجود التناقض بين مصالح المتعاقدين مما يستوجب على كل منهما أن يحمي مصلحته الخاصة بأن يستفهم من الطرف الآخر عن كل المعلومات التي تهمه معرفتها فليس هناك إذن من خطأ في عدم تقديم المعلومات الى الطرف الآخر عندما يكون في إمكان هذا الطرف الحصول عليها بنفسه
لكن الكتمان ينقلب غشا
إذا كان أحد الطرفين ملوما وفق ما يمليه عليه الضمير بالتصريح خشية استغلال جهل الطرف الآخر . لذا ألغت المحاكم بسبب الغش بالكتمان هذه العقود التي ينفرد فيها أحد المتعاقدين بمعرفة واقعة يجهلها الطرف الآخر متى كانت اعتبارات الشرف توجب عليه كشفها .
ويتمثل حسن النية في:
- انتفاء الخطأ العمد
- انتفاء الغش
- انتفاء التعسف في استعمال الحق بسوء نية
- انتفاء الخطأ الجسيم .
والخطأ العمد هو الإخلال بواجب قانوني مقترن بقصد الإضرار بالغير وهو ما يسمى بالجريمة المدنية وقد عرف جانب من الفقه الخطأ العمد على أنه ذلك الانحراف في السلوك المتسم بـ (الخبث) الذي يستخلص من الرغبة في عمل السوء تجاه الغير أو من عدم الاكتراث التام أحيانا تجاه مصالح الغير ،
ويصف جانب آخر ، الخطأ العمد ، على أنه خطأ شخصي محض ، ولا يمكن الكشف عنه إلا بالنفاذ الى (الحالة النفسية أو بالتحري عما يكنه الضمير) ولا يشترط حتما أن تتجه النية الى الإضرار بالغير مباشرة ، بل يكفي أن تتجه الى الانتفاع الشخصي عن طريق الإضرار بالغير ، كالتاجر الذي يقوم بعمل من أعمال المنافسة غير المشروع ، فهو لا يريد الإضرار بمنافسه بقدر ما يريد الإثراء شخصيا ومع ذلك يعد قاصدا بالغير وقس على ذلك .
ولما كان من غير اليسير دائما الكشف عن النوايا ، لذا وجد من الضروري اللجوء الى عامل مساعد الى قرينة ، وهى الخطأ الجسيم يتخذ دليلا على توفر سوء النية .
الفرق بين الغش والخطأ العمد
في حالة الخطأ العمد يجابه أحد المتعاقدين وهو مرتكب الخطأ ، المتعاقد الآخر ، بمخالفته مجابهة صريحة ، فتتاح للدائن الفرصة لتلافي ما يتعرض له من أضرار كما في رفض البائع تسليم الصفقة من البضائع التي تم بيعها وكما في تعمد الوكيل عدم تنفيذ الوكالة مع علم الموكل بذلك أو تعمد العامل عدم القيام بالعمل كما أن المخطئ يعرض نفسه لإجراءات قانونية قد تفوت عليه قصده .
أما في حالة الغش فإن مرتكبه يغلف مخالفته بالخديعة والمكر ، فيحمل الدائن على قبول التنفيذ بالشكل المعيب الذي تم فيه دون أن تتاح له الفرصة لكشف المخالفة ، فيتقبل الضرر طائعا ، بينما يجني مرتكب الغش ثمار غشه أمنا ولو الى حين .
فالفارق بين الغش والخطأ العمد هو
أنه يوجد تنفيذ ظاهري للعقد في حالة الغش .
أما في حالة الخطأ العمد فلا يوجد أى تنفيذ له إلا أن القانون ساوى في الحكم بين الغش والخطأ الجسيم ولم يتطرق الى الخطأ العمد.
فإذا كان الخطأ الجسيم وهو مرتبة من مراتب خطأ الإهمال يساوى الغش في حكمه لذا كان من باب أولى يتساوى الغش والخطأ العمد في الحكم أيضا .
خاتمة: نؤكد أن القانون والمشرع المدنى قد اهتما بمسألة حسن النية في التعاقدات مدنية كانت أم تجارية ، فاعتني بمحاربة الغش حتى مع عدم وجود نص صريح لصورة الغش الاحتيالة المستخدمة ، فالقاعدة عدم جواز استفادة الغشاش من غشه ولا المدلس من تدليسه أيا كان الامر وذلك بهدف حسن المعاملات واستقرارها وسريان الثقة بين المتعاقدين وفي القانون.
- انتهي البحث القانوني ( الغش والخطأ العمد: الوسائل الاحتيالية [الكتمان الغشي]) ويمكن لحضراتكم التعليق في صندوق التعليقات بالأسفل لأى استفسار قانوني.
- زيارتكم لموقعنا تشرفنا ويمكن الاطلاع علي المزيد من المقالات والأبحاث القانونية المنشورة للأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض في القانون المدني والملكية العقارية من خلال أجندة المقالات .
- كما يمكنكم التواصل مع الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الواتس اب شمال الصفحة بالأسفل ، أو الاتصال بنا من خلال ( طلب استشارة مجانية )
- كما يمكنكم حجز موعد بمكتب الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الهاتف ( 01285743047 ) وزيارتنا بمكتبنا الكائن مقره مدينة الزقازيق 29 شارع النقراشي – جوار شوادر الخشب – بعد كوبري الممر – برج المنار – الدور الخامس زيارة مكتبنا بالعنوان الموجود على الموقع.
- يمكن تحميل الأبحاث من أيقونة التحميل pdf في نهاية كل مقال وكل بحث ، ونعتذر لغلق امكانية النسخ بسبب بعض الأشخاص الذين يستحلون جهد الغير في اعداد الأبحاث وتنسيقها ويقومون بنشرها علي مواقعهم الالكترونية ونسبتها اليهم وحذف مصدر البحث والموقع الأصلي للبحث المنشور ، مما يؤثر علي ترتيب موقعنا في سيرش جوجل ، أعانهم الله علي أنفسهم .