ما هي صور الالتزام الطبيعي الذي قصدها المشرع في شرح المادة 200 مدني والتى تخضع لتقدير القاضي عند عدم النص لبيان عما اذا كان الالتزام طبيعي أم أنه التزام قانوني وفقا لتوافر عناصر وخصائص الالتزام الطبيعي
محتويات المقال
الالتزام الطبيعي
نص القانون المدني عن الالتزام الطبيعي بالمادة 200
تنص المادة 200 مدني علي
يقدر القاضي عند عدم النص ما إذا كان هناك التزام طبيعي وفي كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام .
النصوص العربية المقابلة للمادة 200 مدني
هذه المادة تقابل من مواد نصوص القوانين العربية المادة 201 سوري و المادة 203 ليبي و المادة 3 لبناني .
وقد ورد هذا النص في المادة 275 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي
ويقرر القاضي، عند عدم النص متى يعتبر الواجب الأدبي التزاما طبيعيا وفي كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام
وفي لجنة المراجعة جعلت هذه الفقرة مادة مستقلة مع تحوير في اللفظ جعلها مطابقة لما استقرت عليه في التقنين المدني الجديد، وأصبح رقمها 206 في المشروع النهائي ووافق عليها مجلس النواب فمجلس الشيوخ تحت رقم 200
مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 498 – ص499
وقد جاء بمذكرة المشروع التمهيدي
أن الفقه يقسم تطبيقات الالتزام الطبيعي تقسيما سهل المأخذ، فيردها إلي طائفتين :
- تنظم أولاهما ما يكون أثرا تخلف عن التزام مدتي تناسخ حكمه كما هو شأن الديون التي تسقط بالتقادم أو تنقض بتصالح المفلس مع دائنيه أو يقضي ببطلانها لعدم توافر الأهلية.
- ويدخل في الثانية الشخص الاتفاق علي ذوى القربى ممن لا تلزمه نفقتهم قانونا، والالتزام بإجازة شخص علي خدمة أداها .
ويتعين علي القاضي عند الفصل في أمر الالتزامات الطبيعية أن يتحقق أولا من قيام واجب أدي وأن يثبت بعد ذلك من أن هذا الواجب يرقي في وعي الفرد أو في وعي الجماعة إلي مرتبة الالتزام الطبيعي وأن يستوثق في النهاية من أن إقراره علي هذا الوجه لا يتعارض مع النظام العام
الأعمال التحضيرية للالتزام الطبيعي المادة 200 مدني
تعرض الفقرة الثانية من هذه المادة لصور الإلتزام الطبيعي فوكل أمر الفصل فيها إلي تقدير القاضي لتعذر الإحاطة بها علي سبيل الحصر .
والحق أن أحكام القضاء حافلة بضروب من الواجبات الأدبية أنزلت منزلة الإلتزامات الطبيعية علي أن الفقة يقسم تطبيقات الإلتزام الطبيعي تقسيماً سهل المأخذ
فيردها إلي طائفتين
تنظيم أولاهما ما يكون أثرا تخلف عن إلتزام مدني تناسخ حكمه كما هو شأن المديون التي تسقط بالتقادم أو تنقضي بتصالح المفلس مع دائنيه أو يقضى ببطلانها لعدم توافر الأهلية
ويدخل في الثانية ما ينشأ واجبا أدبيا من الأصل كالتبرعات التي لا تستوفى فيها شروط الشكل وإلتزام الشخص بالإنفاق علي ذوى القربي ممن لا تلزمه نفقتهم قانوناً والإلتزام بإجازة شخص علي خدمه أداها .
ويتعين علي القاضي عند الفصل في أمر الإلتزامات الطبيعية أن يتحقق أولا في قيام واجب أدبي وأن يثبت بعد ذلك من أن هذا الواجب يرقى في وعى الفرد أو في وعى الجماعة إلي مرتبة الإلتزام الطبيعى وأن يستوثق في النهاية من أن إقراره علي هذا الوجه لا يتعارض مع النظام العام هذا وقد تشير بعض النصوص إلي تطبيقات الإلتزام الطبيعي .
مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني – جزء 2 – ص 498 – 199
شرح الالتزام الطبيعي في القانون
1- يتبين من نص المادة 200 مدني أن البت فيما إذا كان واجب أدبي قد ارتقى إلي منزلة الإلتزام الطبيعى أمر متروك تقديره للقاضي هذا ما لم يوجد نص تشريعى يقضى في حالة معينة أن هناك إلتزاما طبيعياً فيجب أعمال النص .
خصائص الالتزام الطبيعي
وإستخلاصاً من النظرية الحديثة فإن للإلتزام الطبيعى عناصر ثلاثة هي :
- واجب أدبي يتحدد بحيث يكون قابلاً للتنفيذ وهذا الواجب الأدبي أما أن يكون في أصله إلتزاماً مدنيا ثم انقلب إلتزاما طبيعيا لسبب قانوني من أن يترتب علي كل آثاره أو أن يكون منذ البداية واجبا أدبيا أصبح إلتزاماً طبيعياً لتوافره علي العناصر الثلاثة لهذا الإلتزام ( وما هذا هو العنصر المادي ) .
- إحساس المدين أن في ذمته إلتزاماً طبيعيا فالمعيار هنا موضوعي لا ذاتي العبرة ليست بما يحس المدين فعلا بل بما ينبغي أن يحس بوعي الجماعة أو وعي الفرد المجرد لا بوعي المدين بالذات وفي هذا ضبط للإلتزام الطبيعي يستقر عند التعامل ( وهذا هو العنصر المعنوى ) .
- عدم التعارض مع النظام العام ( الاتفاق علي سعر للفوائد يزيد علي 7 % ) ويكون للمدين الحق في إسترداد ما دفع ( وهذا هو عنصر المشروعية وفيه يسترشد القاضي بالأحكام القانونية المتعلقة بالنظام العام ) .
حالات الإلتزام الطبيعي
حالات الإلتزام الطبيعي التي تتوافر فيها هذه العناصر الثلاثة يمكن تقسيمها إلي طائفتين :
- إلتزامات بدأت مدنية ثم انقلبت طبيعية وهي وحدها الإلتزامات الطبيعية التي تقرها النظرية التقليدية .
- إلتزامات بدأت أدبية ثم أصبحت طبيعية .
الوسيط – 2 – الدكتور السنهوري – ص 226 ومابعدها ، وكتابة الوجيز ص 752 وما بعدها
تقدير القاضي لوجود الالتزام الطبيعي
اختصاص القاضي بتقدير وجود الالتزام الطبيعي في حالة عدم وجود نص
هناك حالات ينص فيها المشرع علي وجود الالتزام الطبيعي وحينئذ لا تكون هناك سلطة تقديرية للقاضي في تقدير وجود الالتزام الطبيعي .
ومثل ذلك ما تنص عليه الفقرة الأولي من المادة 386 من أنه:
يترتب علي التقادم انقضاء الالتزام ومع ذلك يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي
وكذلك نص المادة 489 الواردة في الهبة من أنه
إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل فلا يجوز هم أن يستردوا ما سلموه
وفيما عدا الحالات التي يوجد فيها نص خاص علي وجود التزام طبيعي يكون للقاضي سلطة تقدير وجود الالتزام الطبيعي في كل حالة على حدة.
شرح عناصر الالتزام الطبيعي
للالتزام الطبيعي عناصر ثلاثة هي
العنصر الأول واجب أدبي يتميز في نطاق محدد بحيث يكون قابلا للتنفيذ
فيخرج بذلك من دائرة الإبهام والغموض التي تغمر عادة منطقة الواجبات الأدبية إلي دائرة التحديد بالوضوح التي تميز منطقة الالتزامات المدنية
وهذا الواجب الأدبي إما أن يكون في أصله التزاما مدنيا ثم انقلب التزاما طبيعيا لسبب قانوني منع من أن يترتب عليه كل آثاره أو أن يكون منذ البداية واجبا أدبيا أصبح التزاما طبيعيا لتوفره علي العناصر الثلاثة هذا الالتزام وهذا العنصر الأول هو العنصر المادي، وفيه يسترشد القاضي بآداب الجيل من ناحية القابلية لتنفيذ في العمل
السنهوري ص 666
العنصر الثاني اعتقاد المدين عند وفائه هذا الواجب الأدبي أو عند تعهده بالوفاء به أن هذا الواجب قد بلغ من القوة الحد الذي يجعله التزاما طبيعيا لا واجبا أدبيا فحسب .
ولا يكفي أن يكون هذا الإحساس قائما فعلا عند المدين فيما يحسه الفرد من وجوب الوفاء بواجب أدبي لا يرتفع بهذا الوصف إلي مرتبة الالتزام الطبيعي إذا لم يكن هذا هو الشعور الجماعي لبيئة التي يعيش فيها.
فمثلا من أحسن إلي جار فقير يعتبر متبرعا ولو أعلن أنه لا يعتبر نفسه تبرعا بل مؤديا لالتزام طبيعي، بل ولو كان هذا الإعلان مطابقا للحقيقة بسبب ما يتميز به من إحساس مرهف.
وعلي العكس يعتبر قيام الأب تجهيز بناته عند الزواج تنفيذا لالتزام طبيعي، لأنه استجابة لواجب خلقي تعارفت الجماعة علي وجوب الوفاء به.
فالمعيار هنا موضوعي لا ذاتي. ويلاحظ أنه إذا كانت العبرة في وجود الالتزام الطبيعي بوعي الجماعة فإن آثار الالتزام الطبيعي- وهي لا تستبين إلا عند تنفيذه لا تترتب عليه إلا إذا شارك الفرد الجماعة شعورها بإلزامه
عزمي البكري ص 500
والعبرة باعتقاد المدين هذا وقت وفائه بالواجب الأدبي أو وقت تعهده بوفائه وأنه لا عبرة بوجود هذا الاعتقاد أو عدمه طالما لم يحصل وفاء أو تعهد بالوفاء لأن أمر وجود الالتزام الطبيعي أو عدمه لا يثور إلا بعد حصول الوفاء أو التعهد وبمناسبة رغبة المدين أو ورثته في استرداد ما وفي أو في عدم تنفيذ ما تعهد به
سليمان مرقص أحكام الالتزام 1957
العنصر الثالث عدم تعارض الالتزام الطبيعي مع النظام العام
تقول العبارة الأخيرة من المادة 200 مدني عي أنه
في ك حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخاف النظام العام
فمثلا إذا اتفق المتعاقدان علي سعر لفوائد يزيد عي 7 ٪ ودفع المدين للدائن هذه الفوائد وهو يحس أنه يقوم بتعهده فإن ما دفعه من الفوائد زائدا عي 7 ٪ لا يجوز مع ذلك أن يكون التزاما طبيعيا إذ هو يتعارض مع النظام العام، ويكون للمدين الحق في استرداد ما دفع من ذلك
وهذا ما قضت به الفقرة الأولي من المادة 227 من التقنين المدني إذ تقول في العبارة الأخيرة منها
فإذا اتفقا علي فوائد تزيد علي هذا السعر وجب تخفيضها إلي 7 ٪ ويتعين رد ما دفع زائدا عي هذا القدر
كذلك إذا خسر المدين في مقامرة أو رهان ووفي ما خسره محسا أنه إنما يوفي دينا واجبا في ذمته فإن هذه الخسارة لا يجوز أن تكون التزاما طبيعيا إذ أن دين القمار أو الرهان يتعارض مع النظام العام وإذا وفاه المدين جاز له استرداده
وهذا ما قضت به الفقرة الثانية من المادة 739 من التقنين المدني إذ تقول
ولمن خسر في مقامرة أو رهان أن يسترد ما دفعه خلال ثلاث سنوات من الوقت الذي أدي فيه ما خسره، ولو كان هناك اتفاق يقضي بغير ذلك وله أن يثبت ما أداه بجميع الطرق
وإذا عقد شخص مع آخر اتفاقا مخالفا للنظام العام أو للآداب كما لو اتفقا علي رشوة ودفعها المدين للدائن وهو يحس أنه يقوم بتعهده فإن هذا لا يكون التزاما طبيعيا لتعارضه مع النظام العام
وفي رأينا أنه يجوز للراشي أن يسترد الرشوة من المرشو وقد سبق أن فصلنا هذه المسألة في الجزء الأول من هذا الكتاب وهذا العنصر الثالث هو عنصر المشروعية وفيه يسترشد القاضي بالأحكام القانونية المتعلقة بالنظام العام .
وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في خصوص العناصر الثلاثة للالتزام الطبيعي ما يأتي
ويتعين علي القاضي عند الفصل في أمر الالتزامات الطبيعية أن يتحقق أولا من قيام واجب أدبي وأن بتثبت بعد ذلك من أن هذا الواجب يرقي في وعي الفرد أو في وعي الجماعة إلي مرتبة الالتزام الطبيعي
وأن يستوثق في النهاية من أن إقراره علي هذا الوجه لا يتعارض مع النظام العام هذا وقد تشير بعض النصوص إلي تطبيقات من تطبيقات الالتزام الطبيعي
ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة الأولي من المادة 523 من المشروع إذ قضت بأن الدين الذي ينقضي بالتقادم يتخلف عنه التزام طبيعي
مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 499
وقد قضت محكمة النقض بأن
يشترط لاعتبار الدين بعد سقوطه التزاما طبيعيا أن لا يكون مخالفا للنظام العام، ولما كان التقادم في المسائل الجنائية يعتبر من النظام العام فإنه إذا تكاملت مدته لا يتخلف عنه أي التزام طبيعي وإذن فمتى كان الحكم قد قرر أن دفع الغرامة من المحكوم عليه بعد سقوطها بالتقادم يعتبر بمثابة وفاء لدين طبيعي لا يصح استرداده فإن هذا الحكم يكون قد خالف القانون