العقود بين الأحياء والشكل القانوني ( المادة 20 مدني )

شرح نص المادة 20 مدني بشأن العقود بين الأحياء والشكل القانوني حيث تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك.

العقود بين الأحياء في المادة 20 مدني

العقود بين الأحياء

المادة 20 من القانون المدني تنص علي

العقود ما بين الأحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك.

العقود ما بين الأحياء ماهيته

يقصد بالعقود ما بين الأحياء، كافة التصرفات القانونية ولا يخرج منها سوى الوصية وسائر التصرفات التي تضاف إلى ما بعد الموت

(مذكرة المشروع التمهيدي- مجموعة الأعمال التحضيرية جـ1 ص295)

وإذا كان المشرع المصري لم يعرض في هذا النص إلا للعقود ما بين الأحياء فذلك لأنه قد وضع الحكم الخاص بشكل الوصية والتصرفات المضافة إلى ما بعد الموت في المادة 17/2 من القانون المدني.

النصوص العربية المقابلة للمادة 20 مدني

هذه المادة تقابل فى نصوص القانون المدنى بالأقطار العربية، المواد التالية مادة 20 ليبى و 21و 24 سورى و 26 عراقى و 29 سودانى.

وقد جاء عنها بالمذكرة الإيضاحية بأن

“تتناول هذه القاعدة التصرفات القانونية سواء منها ما ينعقد بإرادة واحدة وما ينعقد بتلاقي إرادتين، ولكن يرد على إطلاقها قيدان: الأول، أنها تقتصر على ما ينعقد من تلك التصرفات بين الأحياء وبذلك تخرج الوصية وسائر التصرفات التي تضاف إلى ما بعد الموت.

ويراعى أن اختصاص القانون الذي يسري على الشكل لا يتناول إلا عناصر الشكل الخارجية، أما الأوضاع الجوهرية في الشكل وهي التي تعتبر ركناً في انعقاد التصرف كالرسمية في   الرهن التأميني – الرسمي – فلا يسري عليها إلا القانون الذي يرجع إليه للفصل في التصرف من حيث الموضوع.

الأعمال التحضرية للمادة 20

تتضمن هذه الأحكام المتعلقة بشكل العقود والتصرفات بوجه عام وهى تبدأ فى فقرتها الأولى بوضع القاعدة العامة فى هذا الشأن… وتتناول هذه القاعدة التصرفات القانونية سواء منها ما ينعقد بإرادة واحدة وما ينعقد بتلاقى ارادتين ولكن يرد على اطلاقها قيدان الأولى انها تقتصر على ما ينعقد من تلك التصرفات بين الإحياء

وبذلك تخرج  الوصية  وسائر التصرفات التى تضاف إلى ما بعد الموت، ويراعى ان إختصاص القانون الذى يسرى على الشكل…. لا يتناول الا عناصر الشكل الخارجية اما الأوضاع الجوهرية فى الشكل وهى التى تعتبر ركنا فى إنعقاد التصرف كالرسمية فى الرهن التأمينى، فلا يسرى عليها الا القانون الذى يرجع إليه للفصل فى التصرف من حيث الموضوع

(مجموعة الأعمال التحضيرية القانون المدني – جزء 1 – ص 259 وما بعدها)

الشرح والتعليق علي المادة 20 مدني

العقود بين الأحياء

1 – تنص المادة 1421 القانون المدنى الفرنسى على ان للزوج الحق فى ادارة اموال الزوجية المشتركة بمفرده، وله مطلق التصرف فى تلك الاموال بدون تصديق الزوجة على هذه التصرفات – وقد تساءل البعض عما إذا كان هذا الحق المخول للزوج يدخل ضمن نظام الاموال بين الزوجين، ام انه اثر من آثار الزواج،

فإذا قلنا انه داخل ضمن الاموال، فيجب الرجوع فى ذلك إلى تفسير العقد المنشئ للنظام الذى اختاره كل من الزوجين، وهو خاضع للمادة 20 من القانون المدنى المصرى، اما إذا إعتبرنا هذا الحق من آثار الزواج

وهو الرأى الذى إستقر عليه القضاء الفرنسى، فإن هذه التصرفات تكون خاضعة لقانون جنسية الزوج وفقا للمادة 13 من القانون المدنى المصرى وتكييف العلاقة يبين لنا ما إذا كان التصرف القانونى متعلقا بشكله، ام بموضوعه

ففى الحالة الأولى يخضع التصرف لقانون محل إنعقاد التصرف، وفى الحالة الثانية يخضع للقواعد الموضوعية فى القانون الاجنبى، على ان خضوع شكل التصرف لقانون البلد الذى تم فيه ليس حكما اجباريا اذ يجوز ان يخضع ايضا للقانون الذى يسرى على أحكامها الموضوعية، كما يجوز ان يخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطنى المشترك (م20 مدنى مصرى)

والشكل forme هو كل إجراء يقوم به الشخص للافصاح عن ارادته، بينما الموضوع fond هو الارادة نفسها، من حيث غرضها، وسببها، وصحتها، واثرها القانونى، والافصاح عن الارادة يثبت عادة بالكتابة فكل ما يتعلق بطريقة تدوين هذه الارادة من حيث الجهة التى تتولى تتدوينها، والأشخاص المكلفين بكتابتها

والبيانات الواجب إثباتها، والشهود اللازمة لمجلس العقد كل هذه الإجراءات متعلقة بالشكل، ويحلق بها ايضا إجراءات اشهار التصرف فيما عدا إجراءات الشهر العقارى، فإنه خاضعة لقانون موقع العقار بإعتبار ان هذه الإجراءات من الأوضاع الجوهرية التى لا يتم التصرف بدونها

تكييف العلاقة القانونية وأهميتة في مسائل ومنازعات الأحوال الشخصي الأجنبية – مقال – المستشار حسن رفعت – المحاماه – السنة 31 – العدد 4-ص 848 وما بعدها

2 – لا شك انه لا الزام بالنسبة للشكل الرسمى الإسلامى، فهو إختيارى حتى بالنسبة للمصريين كما قدمنا، وكذلك الحكم بالنسبة للشكل العرفى من باب أولى، ونعتقد انه لا الزام كذلك بالنسبة للشكل الرسمى غير الإسلامى، فيما عدا الحكم بالنسبة للزواج الدينى، ذلك ان إسناد الشكل للمحل قاعدة إختيارية اصلا فى إعتبار كثير من الفقهاء

وهى كذل فعلا فى إعتبار المشرع المصرى (م20 مدنى)، فزواج الاجانب فى الشكل المقرر فى قانونهم، الوطنى مباح اصلا فى مصر، فإذا كان هذا الشكل رسميا، تعذرت مباشرته طبعا، الا فى الشكل القنصلى، اما إذا كان عرفيا أو رضائيا، فلا مانع من مباشرته فى مصر

خصوصا وان القانون المصرى يعرف الشكل العرفى بدوره، وان كان لا يعرف الشكل الرضائى الخالص، الا ان الواقع ان الشكل العرفى الذى يعرفه القانون المصرى يكاد يكون رضائيا، والرضائية التى تعرفها القوانين الاجنبية فى الزواج تستلزم العلانية عادة، مما يكاد يمحو كل فارق بينها وبين الشكل العرفى المصرى، ذريعة كافية لرفض الإعتراف بأى زواج خفى

اما بالنسبة لزواج المصريين فى الخارج فى الشكل المحلى، فيلاحظ ان المشرع المصرى، خلافا للمشرع الفرنسى، لم يتدخل فى حكم هذا الزواج، فهو يخضع اذن للقاعدة العامة فى الإسناد المحلى

وللتمييز المرتبط بها بين الشكل والموضوع فى شروط الزواج، ويمكن رد هذا الحكم إلى المادة 20 من القانون المدنى المصرى التى تحكم شكل التصرفات عموما. ولما كان الشكل الرسمى فى إنعقاد الزواج إختياريا للمصريين فى مصر

فهي يخضع لقاعدة الإسناد المحلى، بداهة من باب أولى، ما دامت الرسمية الالزامية فى القانون الفرنسى مسلما بخضوعها لتلك القاعدة، وعلى ذلك يجوز للمصريين الزواج فى الخارج فى الشكل المحلى، رسميا كان أو غير رسمى، بشرط احترام الشروط الموضوعية للزواج فى القانون المصرى

مجلة التشريع القضاء – السنة 5- العدد 6و2 – ص 30 وما بعدها – مقال : الشكل والموضوع في تكوين الزواج – الدكتور أحمد مسلم

تعدد ضوابط شكل التصرفات القانونية

العقود بين الأحياء

يبين لنا من نص المادة 20 مدني، أن الشارع المصري قد ضمن الأخير، أربعة ضوابط، يصلح كل واحد منها لحكم شكل التصرف القانوني. وسوف نلقي الضوء على هذه الضوابط كما يلي:

أولاً محل إبرام التصرف:

رأينا من قبل أن العديد من الدول، يعتنق مشرعوها الضابط حل الدراسة. وأساس هذا الوضع هو أن الأخير، يلبي حاجات المعاملات الدولية عموماً هذا إلى أنه يقوم على اعتبارات عملية ليس من اليسير أن نتجاهلها.

ثانياً: القانون الذي يحكم الموضوع:

يحق للمتعاقدين إخضاع عقدهما من حيث الشكل للقانون الذي يحكم موضوع هذا العقد، وهذا ما أفادته المادة 20 من القانون المدني المصري، على نحو ما رأينا من قبل.

ويرى البعض أن مسلك المشرع المصري على النحو السابق إنما يستجيب إلى “أصول فقهية سليمة” وتتأكد لنا صحة هذا النظر إذا ما علمنا بأن “اختصاص قانون الموضوع أقرب إلى طبيعة الأشياء وأكفل بتحقيق وحدة القانون الذي يسري على العقد”

(تراجع مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني، ج1، ص296)

وقد رأينا في موضع متقدم أن بعض التشريعات العربية تعتنق الضابط محل الدراسة.

ثالثاً: الموطن المشترك للمتعاقدين :

وفضلاً عن الضابطين سالفي الذكر، أجازت المادة 20 من القانون المدني المصري للمتعاقدين حق إعمال قانون موطنهما المشترك على شكل عقدهما.

وقد ذهبت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني إلى بيان أهمية الضابط محل الدراسة، حيث قررت أن الأخذ بالضابط الأخير، ينطوي على تيسير “يتمشى مع أهلية الموطن في تنفيذ العقود ولاسيما التجاري منها”

(مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني، ج1، ص297).

رابعاً: الجنسية المشتركة للمتعاقدين:

وفي النهاية، يحق للمتعاقدين، أن يخضعا عقدهما من حيث الشكل لقانون جنسيتهما المشتركة، حل وجودها. وأساس هذا الضابط أن المتعاقدين قد يكونا على علم بأحكام هذا القانون، أكثر من أي قانون سواه، الأمر الذي دفع المشرع المصري في المادة 20 مدني إلى إعطائهما حق اختياره لحكم شكل تصرفهما.

وقد قضت محكمة النقض بأن

“تخضع أشكال العقود والتصرفات لقانون البلد الذي أبرمت فيه. فإذا كان التوكيل المقدم من الشركة الطاعنة قد وثق بمعرفة السلطات الرسمية بيوغوسلافيا وصدقت عليه وزارة الخارجية بها والقنصلية المصرية ببلجراد وعملاً بالمادة 64/14 من القانون 166 سنة 1954

واعتمدت  السفارة اليوغوسلافية بالقاهرة ترجمة التوكيل إلى اللغة العربية بما يطابق اللغتين الأجنبيتين اللتين حرر بهما ثم صدقت وزارة الخارجية المصرية على إمضاء سكرتير السفارة المذكورة

وكانت المطعون عليها لم تبد أي رأي اعتراضي على إجراءات توثيق التوكيل في الخارج أو على ما يتضمنه هذا التوكيل أو على الترجمة الرسمية المدونة به فإن هذا التوكيل وقد استكمل شروطه الشكلية و القانونية يكون حجة في إسباغ صفة الوكالة للمحامي الذي قرر بالطعن”

(الطعن رقم 383 لسنة 27ق جلسة 7/2/1963)

وبأنه “المقرر في قضاء هذه المحكمة أن للزوجين أن يبرما زواجهما في الشكل الذي يقتضيه قانونهما الشخصي أو يبرماه في الشكل المقرر بقانون البلد الذي عقد فيه. لما كان ذلك وكان إثبات الزواج يخضع للقانون الذي يحكم شكله وكان الحكم المطعون فيه لم يعتد بعقد زواج الطاعنة والذي تم في الشكل الذي يتطلبه القانون إذ أنه عقد بمحكمة بيروت الشرعية ومصدق عليه من وزارة الخارجية اللبنانية ووزارة الخارجية المصرية ووزارة العدل فإنه يكون معيباً”

(الطعن رقم 43 لسنة 58ق جلسة 28/1/1992)

المسائل التي تخرج عن مفهوم شكل التصرف

أشكال المرافعات تخرج عن فكرة شكل التصرف القانوني. فقد ظن البعض – خطأ – أن الشكل والإجراءات من طبيعة واحدة، بحسبان أن الأمر يتعلق في الحالتين بالمظهر الخارجي “الذي يوجب القانون اتخاذه، وهو يستلزم مراعاة أوضاع معينة وتدخل موظف عام، هو بالنسبة للتصرف القانوني الموثق وبالنسبة لإجراءات المرافعات هم عمال القضاء، وقانون المحل بالنسبة للتصرف القانوني هو قانون البلد الذي يبرم فيه

وقانون المحل بالنسبة لإجراءات المرافعات هو قانون البلد الكائن به المحكمة التي يتخذ لديها الإجراء. ولكن على العكس من ذلك يذهب الفقه الراجح إلى التمييز بين شكل التصرفات وأشكال المرافعات، نظراً لاختلاف كل منها عن الآخر من حيث الطبيعة.

هذا إلى أن إجراءات المرافعات تخضع لقاعدة إسناد مختلفة عن تلك التي تتصدى لحكم شكل التصرفات القانونية. والثابت أن كل قاعدة إسناد من القواعد المتقدمة تهدف إلى تحقيق هدف مختلف عن الهدف الذي تسعى قاعدة الإسناد الأخرى إلى تحقيقه. والأشكال اللازمة للعلانية، إنما تخرج عن نطاق فكرة شكل التصرفات.

فالأشكال اللازمة لنشأة الحقوق العينية الأصلية، أو اللازمة لنفاذه الحقوق العينية التبعية في مواجهة الغير، إنما تخضع لقانون موقع المال. وبعد أن فرغنا من استبعاد المسائل المتقدمة والتي تخرج عن مضمون فكرة شكل التصرف القانوني، يتعين علينا أن نحدد مكونات أو المسائل التي تدخل في نطاق فكرة شكل التصرف.

(الدكتور هشام خالد – تنازع القوانين – بند 180)

مضمون فكرة شكل التصرفات القانونية

العقود بين الأحياء

الأشكال المكملة للأهلية تعتبر من مسائل الموضوع وليس من مسائل الداخلة في فكرة شكل التصرف القانوني ومثال ذلك، “ضرورة حصول الزوجة على إذن من زوجها للقيام بتصرفات معينة والمقرر في بعض التشريعات، وضرورة حصول القاصر على إذن بمباشرة أعمال الإدارة أو بالاتجار، أو الإذن للوصي في التصرف في أموال القاصر” والشكل قد يكون أمراً لازماً لانعقاد التصرف القانوني، وقد يكون أمراً لازماً لإثباته فقط.

وعلى هذا النحو، نبين مضمون كل مسألة من المسألتين المتقدمتين، كما يلي:

( أ ) الشكل المطلوب للانعقاد :

لا تنعقد بعض التصرفات القانونية إلا إذا اتخذت في الشكل الرسمي كما هو الحال بالنسبة لعقد الهبة، والرهن الرسمي. ويذهب جانب من الفقه الفرنسي، إلى أن تحديد مدى لزوم الشكل هي مسألة موضوعية، بحيث يتعين علينا، أن نرجع في شأنها إلى القانون الذي يحكم الموضوع. فإذا كان الأخير، يوجب صب الإرادة في الشكل الرسمي،

تعين علينا أن نلتزم بحكم هذا القانون، حتى في الفرض الذي لا يستلزم فيه قانون دولة الإبرام، مثل هذا الشكل، حيث يجيز للمتصرف صب تصرفه في الشكل العرفي. فالهدف من الشكل لدى أنصار الاتجاه السابق، هو حماية الإرادة ليس غير، والمسألة الأخيرة مسألة موضوعية لديهم. وظاهر الحال، أن المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري، قد اعتنق هذا النظر

حيث جاء فيه ما نصه

“يراعى أن اختصاص القانون الذي يسري على الشكل.. لا يتناول إلا عناصر الشكل الخارجية أما الأوضاع الجوهرية في الشكل وهي التي تعتبر ركناً في انعقاد التصرف كالرسمية في  الرهن التأميني فلا يسري عليها إلا القانون الذي يرجع إليه للفصل في التصرف من حيث الموضوع”

(تراجع مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري، ج1، س296)

والمستفاد مما تقدم، أن تنفيذ الشكل الذي يتطلبه القانون الذي يحكم الموضوع، هو الذي يخضع للقانون المحلي ليس غير. والنظر السابق، من شأنه تضييق مضمون فكرة الشكل في هذا المقام، على نحو يقل بها، عن القدر الذي يجب أن تكون عليه، وفقاً لأحكام المادة 20 من القانون المدني

وعلى العكس من ذلك فالاتجاه الراجح ينتقد المسلك السابق، لما تقدم ولغير ذلك من الأسباب، ويرى أنصار الاتجاه الماثل، أن القانون المحلي هو الذي يحكم مسألة لزوم  الشكل من عدمه، وأن القانون الذي يحكم الموضوع ليس له أي اختصاص في هذا المقام، لاسيما وأن محكم النقض الفرنسية، تعتنق الاتجاه الماثل.

والفقه المصري الراجح، يذهب إلى اعتناق الاتجاه الماثل، على أساس أن من شأن الأخذ به إدراك الهدف الذي تسعى قاعدة “خضوع الشكل لقانون دولة الإبرام” إلى تحقيقه فالمنطق الذي يقوم عليه النظر المنتقد من شأنه أن يزيد المتعاقدين من أمرهم عسراً، في حين، أن قاعدة الإسناد الواردة في المادة 20 مدني مصري

تريد أن تزيدهم من أمرهم يسراً. والعلم بالقانون السائد في الدولة التي يتم فيها إبرام التصرف أمر ميسور للغاية، في حين أن العلم بالقانون الذي يحكم الموضوع أمر ليس باليسير في كل حال. وفضلاً عما تقدم فإن اعتناق الاتجاه المنتقد من شأنه أن يؤدي إلى العديد من النتائج الشاذة

ومن ذلك  أنه قد يستحيل في بعض الفروض تنفيذ الحكم الذي يقرره قانون الموضوع، في الدولة التي يقوم فيها المتصرف بإبرام تصرفه، وذلك فيما لو كان الشكل الرسمي للتصرف المعني مجهولاً في هذا القانون حيث يقرر الأخير أن مثل هذا التصرف يجب أن يتم في الشكل العرفي، فكيف يقوم المتصرف، بإبرام هذا التصرف في دولة الإبرام، إزاء رفض جهاز التوثيق في هذه الدولة.

القيام بإبرامه في الشكل الرسمي، لمخالفة ذلك للقانون الذي يحكمه. لاشك أن الوضع المتقدم، يجافي حاجة المعاملات الدولية بصورة صارخة. هذا إلى أنه يعارض الأساس الذي تقوم عليه القاعدة الواردة في المادة 20 مدني، ألا وهو التيسير على المكلفين.

وفي ضوء هذا النظر، يجب أن تتسع فكرة شكل التصرف، بحيث تشمل مسألة لزومه أو عدم لزومه لانعقاد التصرف. وعلى هذا الأساس يجوز للمتصرف المعني أن يصب إرادته في الشكل العرفي وهو السائد في دولة الإبرام، رغم أن القانون الذي يحكم الموضوع يشترط لانعقاد التصرف صبه في الشكل الرسمي، لما تقدم من أسباب ولغيرها.

(الدكتور هشام خالد – مرجع سابق- منصور – مرجع سابق- هشام صالح – مرجع سابق)
وقد قضت محكمة النقض بأن

مؤدى نص المادة 20 من القانون المدني أن المشرع أخذ بقاعدة خضوع شكل التصرف لقانون محل إبرامه وجعلها القاعدة العامة على أن للمتعاقدين اختيار أي قانون من القوانين الأخرى الواردة بها، واختصاص القانون الذي يسري على الشكل لا يتناول – على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية – إعلان عناصر الشكل الخارجية

أما الأوضاع الجوهرية في الشكل وهي التي تعتبر ركناً في انعقاد التصرف كالرسمية في الرهن التأميني، فتخضع للقانون الذي يحكم موضوع التصرف وليس لقانون محل إبرامه، ومن ثم فإن الشكلية التي تقضي لإثبات التصرف لتخضع لقانون محل إبرامه، وعلى هذا فإذا استلزم القانون الذي يحكم موضوع التصرف الكتابة لإثباته ولم يستلزمها قانون محل إبرامه تعين الأخذ بهذا القانون الأخير”

(الطعن رقم 216 لسنة 38ق جلسة 17/5/1973).

(ب) الشكل اللازم للإثبات :

يكاد أن يجمع الفقه المصري والفرنسي، على أن مسألة لزوم أو عدم لزوم الدليل الكتابي لإثبات التصرف القانوني، إنما تخضع للقانون الذي يحكم الشكل ذاته.

وينصرف سلطان القانون السالف، لحكم مسألة أخرى، هي قوة الدليل في الإثبات. وبهذه المثابة، فإن كان القانون السائد في دولة القاضي يتطلب الدليل الكتابي لإثبات تصرف معين فمن حق المتصرف الاحتكام إلى القانون السائد في الدولة التي تم إبرام التصرف فيها مادام أن هذا الأخير يجيز إثبات التصرف المعني بغير حاجة للكتابة.

ومؤدى الطبيعة التيسيرية والاختيارية لقاعدة الإسناد محل الدراسة، أنه يجوز لصاحب الشأن، أن يحتكم إلى قانون القاضي والذي يجيز له إثبات التصرف  المعني، دون دليل كتابي، حتى في الفرض الذي يستلزم فيه قانون دولة الإبرام، إثبات التصرف سالف البيان كتابة، تيسيراً على المتعاملين على المستوى الدولي.

ويعتقد البعض، أن الاتجاه الماثل، إنما يستجيب إلى اعتبارات عملية مؤداها التيسير على المتعاقدين، وهو ما يتمشى في الوقت نفسه مع الحكمة التي تهدف قاعدة إخضاع الشكل لقانون بلد الإبرام إلى تحقيقها ابتداء. وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية في حكم حديث لها هذا المعنى

فقررت ما نصه “أن حق القاضي الفرنسي في قبول الأدلة المقررة في قانونه يمنع الخصوم من الاستفادة بقواعد الإثبات السائدة في قانون الدولة التي أبرم فيها التصرف”

(نقض فرنسي 24/2/1959، المجلة الانتقادية للقانون الدولي الخاص، 1959 ص368)
(وفي ذات المعنى راجع أيضاً  ،  نقض فرنسي ، جلسة 12/2/1963، منشور في المجلة الانتقادية للقانون الدولي الخاص، 1964،
وقد قضت محكمة النقض بأن

“العرف مصدر أصيل من مصادر القانون الدولي، ولا يوجد نص تشريعي في مصر يحظر قيام قناصل الدول الأجنبية في مصر بأعمال التوثيق

ولا تعارض بهذه المثابة بين هذا الوضع وبين ما نصت عليه الفقرة (و) من المادة الخامسة من  اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية  والتي انضمت إليها جمهورية مصر العربية اعتباراً من 21 يوليو 1965 والتي تقضي بأن الوظائف القنصلية تشمل القيام بأعمال التوثيق والأحوال المدنية وممارسة الأعمال المشابهة – وبعض الأعمال الأخرى ذات الطابع الإداري-  ما لم يتعارض مع قوانين ولوائح الدولة الموفد إليها”

(الطعن رقم 27 لسنة 37ق جلسة 4/12/1974)

وبأنه “النص في الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون المدني المصري على أن

”يسري على شكل الوصية قانون الموصي وقت الإيصاء أو قانون البلد الذي تمت فيه الوصية…“

يدل على أن قاعدة قانون المحل يحكم شكل التصرف ليست قاعدة إلزامية في التشريع المصري بل هي رخصة للموصي ابتغى بها التيسير عليه وترك له الخيرة فيجوز له أن يتخذ الوصية إما في الشكل المقرر في قانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته وإما في الشكل المقرر في البلد الذي تتم فيه الوصية

ولما كان اختيار الموصية لأول الطريقين والتجاؤها إلى قنصل دولتها لتوثيق الوصية من شأنه أن يجعل القانون الواجب التطبيق على شكل المحرر هو قانون ذلك القنصل طالما توافرت فيه الشرائط اللازمة لذلك الإجراء، أخذاً بقاعدة شكل المحرر يخضع لقانون بلد إبرامه وبمقتضاه يبرر الخروج على مبدأ الإقليمية في التوثيق مراعاة لحاجة المعاملات الدولية

ويلزم الموثق في هذه الحالة بإتباع الشكل الذي يقضي به قانون بلده وكان توثيق الوصية موضوع الدعوى بمعرفة القنصل لا يتعارض مع قانون التوثيق ولا مع  معاهدة مونترو  وإذ كان الخيار المخول للموصية في سلوك أحد الطريقين المشار إليهما لا يجعل الالتجاء إلى الشكل القنصلي منطوياً على مخالفة النظام العام. فإن النعي على الحكم يكون ولا محل له”

(الطعن رقم 27 لسنة 37ق جلسة 4/12/1974)

وبأنه “تعديل قانون التوثيق – 68 لسنة 1947 – بمقتضى القانون رقم 679 لسنة 1955 أثر إلغاء المحاكم الشرعية والملية، لا علاقة له البتة بحق الأجانب المقرر لهم – في التوثيق- تطبيقاً لقواعد الإسناد في القانون الدولي الخاص وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لذلك القانون الأخير بقولها أنه

”بمناسبة صدور القانون بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية رؤى تنظيم توثيق عقود الزواج والإشهادات التي كانت تتولاها المحاكم الشرعية والمجالس الملية، وقد وضع المشروع الحالي متضمناً هذا التنظيم“ يؤيد ذلك أن قواعد الإسناد المشار إليها كان معمولاً بها خلال سريان الامتيازات الأجنبية وفي فترة الانتقال فكانت المادة 78 من القانون المدني المختلط تنص على أن ”تراعى في أهلية الموصي لعمل الوصية

وفي صيغتها الأحكام المقررة لذلك في قانون الدولة التابع لها الموصي“ كما تنص المادة 55 من القانون المدني الأهلي على أن ”تراعى في أهلية الموصي لعمل الوصية وفي صيغتها الأحكام المقررة لذلك في الأحوال الشخصية المختصة بالملة التابع لها الموصي“

وكذلك في المادة 29 من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة والمادة 3 من المرسوم بقانون رقم 91 لسنة 1937 بشأن اختصاص محاكم الأحوال الشخصية المصرية اللتين تنصان على أن يرجع في الوصايا إلى قانون بلد الموصي

وظل هذا الوضع في القانون المدني الحالي عقب إلغاء الامتيازات إذ احتفظ بهذه القاعدة فيه مع تعميم في الصياغة لتشمل سائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت ومع تعيين الوقت الذي يعتد فيه ببيان القانون الواجب التطبيق وهو ما نصت عليه المادة 17 منه”

(الطعن رقم 27 لسنة 37ق جلسة 4/12/1974)

وبأنه “متى كان البين من الرجوع إلى التوكيل المقدم من المطعون عليها الأولى أنه تم في قبرص وحرر باللغة الانجليزية وقد صدقت السلطات الرسمية المختصة بلارنكا بجزيرة قبرص على توقيعات الموكلين وتلا ذلك تصديق قنصلية جمهورية قبرص بالقاهرة ثم تبعه تصديق مديرية أمن القاهرة على صحة ختم القنصلية في 5 من يونيو سنة 1965

فإن هذا التوكيل يعتبر حجة في إسباغ صفة الوكالة للمحامي الحاضر عن المطعون عليها الأولى، لا يغير من ذلك أنه جاء خلواً من تصديق القنصل المصري بجمهورية قبرص وفق المادة 24/14 من قانون نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي رقم 166 لسنة 1954

لأن ما يجري به هذا النص وإن خول اختصاصاً لأعضاء البعثات الدبلوماسية المصرية بالتصديق على الإمضاءات الموقع بها على المحررات الصادرة من سلطات البلاد التي يؤدون فيها أعمالهم إذا كان الغرض منها الاحتجاج بها أمام السلطات المصرية إلا أنه لا يرتب – أو أي نص آخر – جزاء على تخفه طالما كانت التوقيعات مصدقاً عليها من السلطة المختصة في جهة إصدارها

ومصدقاً أيضاً على صحة توقيع هذه السلطة الأمر الذي يضمن سلامة الإجراءات خاصة ولم يقدم الطاعنون دليلاً على أن الشكل الذي أفرغ فيه التوكيل موضوع النعي هو غير الشكل المحلي في مقاطعة لارنكا بجزيرة قبرص”

(الطعن رقم 56 لسنة 39ق جلسة 12/2/1975)

اختصاص القناصل بإعطاء الشكل للتصرف

العقود بين الأحياء

جرى العرف بين الدول على أن يتولى القنصل الاختصاصات المتعارف عليها للبعثات القنصلية، وتنظم هذه الاختصاصات قوانين الدولة الموفد القنصل من قبلها تسهيلاً للتصرفات التي يرغب الأشخاص التابعون في  الجنسية  لهذا القنصل في إجرائها أثناء وجودهم خارج دولتهم إذ ليس من المعقول أن ينتقل الشخص إلى دولته كلما أراد إبرام تصرف يتطلب تدخل موظف عام. مما أدى إلى قيام القنصل بهذا العمل في الخارج، وحينئذٍ يأخذ التصرف ذات الحكم الذي يتقرر للتصرف الذي يبرم داخل الدولة الموفد القنصل من قبلها، فللقنصل توثيق العقود التي تتطلب توثيقاً كعقود الوكالة

أنظر م22

أو إثبات تاريخ أو غير ذلك ويكون الشكل حينئذٍ قد تم وفقاً لقانون الدولة التي ينتمي القنصل إليها. ويجب للاحتجاج بهذا الشكل أن يكون من بين الأشكال المحددة بالمادة 20 من القانون المدني المتضمنة لقاعدة الإسناد المتعلقة بذلك، ويعتبر التصرف في هذه الحالة أنه أبرم في الدولة الموفد القنصل إليها والتي تم التصديق عليه بها وإن كان قد اتخذ الشكل الخارجي المقرر في قانون الدولة التي ينتمي القنصل إليها

ولهذه التفرقة أهمية عندما يكون التصرف متعلقاً بإجراء قضائي سوف يتخذ في الدولة الموفد القنصل إليها، إذ يتعين حينئذٍ أن يتخذ الشكل المقرر في قانون الدولة الأخيرة وفقاً لنص المادة 22 من القانون المدني بحيث إن اتخذ الشكل المقرر في قانون دولة القنصل كان مخالفاً للشكل المقرر قانوناً فلا يعتد به “أنظر نقض 26/5/1960 بالمادة 22 فيما يلي”. أما إن كان التصرف المتعلق بإجراء قضائي، كالتوكيل بالطعن بالنقض، قد اتخذ الشكل المقرر في قانون الدولة التي يباشر فيها الإجراء، فإنه يكون صحيحاً ولو تم خارج إقليم هذه الدولة .

(أنظر فيما تقدم نقض 12/2/1975 و7/2/1963)
وقد قضت محكمة النقض بأن

“العرف مصدر أصيل من مصادر القانون الدولي ولا يوجد نص تشريعي في مصر يحظر قيام قناصل الدول الأجنبية في مصر بأعمال التوثيق، ولا تعارض بهذه المثابة بين هذا الوضع وبين ما نصت عليه الفقرة (و) من المادة الخامسة من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية والتي انضمت إليها جمهورية مصر العربية اعتباراً من 21 يوليو 1965 والتي تقضي بأن الوظائف القنصلية تشمل القيام بأعمال التوثيق والأحوال المدنية وممارسة الأعمال المشابهة وبعض الأعمال الأخرى ذات الطابع الإداري ما لم يتعارض مع قوانين ولوائح الدولة الموفد إليها”

(نقض 4/12/1974 س25 ص1330)

وبأنه “القواعد المنظمة للتمثيل القنصلي بصفة عامة مرجعها إلى قواعد القانون الدولي العام وضمن الاختصاصات المتعارف عليها للبعثات القنصلية قيام القناصل بعمل موثق العقود ومسجل الأحوال المدنية فضلاً عن ممارسة بعض الاختصاصات ذات الطبيعة الإدارية بالنسبة لمواطنيه وفقاً لأحكام قوانين الدولة التي ينتمي إليها ما لم يتعارض ذلك مع قوانين الدولة الموفد إليها”

(نقض 4/12/1974 س25 ص1330)
Print Friendly, PDF & Email
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية ودعاوى الإيجارات ودعاوى الموظفين قطاع حكومى وخاص وطعون مجلس الدولة والنقض ليسانس الحقوق 1997

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

©المقالة محمية بحقوق النشر الحقوق ( مسموح بالتحميل pdf في نهاية المقالة)

* { -webkit-touch-callout: none; /* iOS Safari */ -webkit-user-select: none; /* Safari */ -khtml-user-select: none; /* Konqueror HTML */ -moz-user-select: none; /* Old versions of Firefox */ -ms-user-select: none; /* Internet Explorer/Edge */ user-select: none; /* Non-prefixed version, currently supported by Chrome, Opera and Firefox */ }