التقادم المدني للحقوق والدعاوي
تعرف علي مبررات التقادم المدني المسقط للحقوق والدعاوي أنه لكل التزام نهاية والالتزام إما أن ينتهي بالوفاء وإما أن ينتهي بغير وفاء ومن ثم الانقضاء بغير وفاء هو انقضاء الالتزام بالتقادم المسقط ومن ثم يكون التقادم المسقط طريق من طرق انقضاء الالتزام بغير وفاء
محتويات المقال
التقادم المدني المسقط
التقادم المسقط في القانون المدني المصري يشمل موضوعين
- تقادم الحقوق الشخصية
- تقادم الدعاوى القانونية التي تحمي هذه الحقوق
التقادم المدني سببه
أنه لكل التزام نهاية والالتزام إما أن ينتهي بالوفاء وإما أن ينتهي بغير وفاء ومثال الانقضاء بغير وفاء انقضاء الالتزام بالتقادم المسقط وعلي ذلك يكون التقادم المسقط طريقة من طرق انقضاء الالتزام بغير وفاء .
تساؤل بشأن تقاد الحقوق
ما الذي يبرر الأخذ بنظام التقادم المسقط للحقوق الشخصية والدعاوى التي تحميها ؟
وفقا للدكتور العلامة السنهوري في ملفه الوسيط :
يبرر الأخذ بنظام التقادم المسقط للحقوق الشخصية والدعاوى التي تحميها اعتبارات تمت للمصلحة العامة بسبب وثيق فإن استقرار التعامل يقوم الي حد كبير علي فكرة التقادم ، ويكفي أن نتصور مجتمعا لم يدخل التقادم في نظمه القانونية لندرك الي أي حد يتزعزع فيه التعامل وتحل الفوضى محل الاستقرار
فإذا كان للدائن أن يطالب مدينة بالدين مهما طالت المدة التي مضت علي استحقاقه وكان علي المدين أن يثبت براءة ذمته من الدين بعد أن يكون قد وفاة فعلاً وحصل علي مخالصة به أليس من الإرهاق أن يكلف المدين بالمحافظة علي هذه المخالصة إلي وقت لا نهاية له حتى يستطيع إبرازها في أي وقت شاء للدائن أن يطالبه فيه بالدين .
الدكتور السنهوري – الوسيط – المجلد الثالث – ص 999
ويقع كثيرا أن يكون المدين قد مات
- أيكون للدائن أن يطالب الورثة بإبراز المخالصة بالوفاء بالدين ؟
- أليس من حق المدين ومن حق ورثته من بعده أن يواجهوا الدائن وهو يطالب بدين مضت علي استحقاقه مدة طويلة ليس من المألوف أن يسكت فيها ؟ فقد تكون مخالصة الدين لم يتيسر المحافظة عليها بعد انقضاء هذه الأعوام الطوال فضاعت أو خفي مكانها
- بل الأدعي والأيسر طلب إسقاط دعواه بعد أن سكت عنهـا طوال هذه المدة ؟
- أليس واجباً لاستقرار التعامل أن يفترض في الدائن الذي سكت مدة طويلة عن المطالبة بدينه أنه قد استوفاه ؟
- أو في القليل قد أبرأ ذمة المدين منه بعد هذا السكوت الطويل ؟
الرأي إذا
أنه يجب وضع حد للمطالبة بالحقوق وذلك بتقرير مبدأ التقادم المسقط كما سبق وأت تقرر قاعدة قوة الأمر المقضي للحد من المنازعة في الحقوق فلا يتجدد النزاع في كل وقت ولا يبقي حق الدائن في المطالبة الي غير نهاية .
رأى محكمة النقض عن التقادم المسقط
أقرت محكمة النقض في أحكامها بناء التقادم الطويل علي اعتبارات الاستقرار فقضت
متى كانت الطاعنة قد أقامت دعواها بالبطلان تأسيساً على أن عقد البيع الصادر من مورثها إلى المطعون عليه هو فى حقيقته عقد بيع وفاء و أنه باطل بطلاناً مطلقاً عملاً بنص المادة 465 من القانون المدني ، و تمسك المطعون عليه أمام محكمة الاستئناف بتقادم هذه الدعوى بمضي أكثر من خمس عشرة سنة من تاريخ العقد
و إذ كان القانون المدني القائم قد استحدث فى الفقرة الثانية من المادة 141 منه النص على سقوط دعوى البطلان المطلق بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد احتراما للأوضاع التي استقرت بمضي هذه المدة بعد صدور العقد الباطل ، لما كان ذلك ، و كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه فى الدعـوى على هذا الأساس فإن النعي عليه – بأن البطلان المطلق لا يرد عليه التقادم – يكون فى غير محله .
الطعن رقم 176 لسنة 41 مكتب فني 26 صفحة رقم 1477 بتاريخ 25-11-1975
التقادم المسقط جزاء للدائن المهمل
هل يمكن القول أن التقادم المسقط جزاء للدائن المهمل ؟
وجوب احترام استقرار الأوضاع الذي أشرنا إليه بالسطور السابقة والتساؤل الذي أثرناه يدفعنا إلى التساؤل المضاد للإجابة .
الي متي يستطيع الدائن أن يطالب بالدين دون أن يواجهه المدين بتقادمه عشرين سنة أو ثلاثين أو مائة ؟
لا بد إذا من تحديد وقت ما إذا انقضي لا يستطيع الدائن أن يطالب بالدين وإلا ظلت الناس يطالب بعضهم بعضاً بديون مضت عليها آجال طويلة ، والمشرع يختار مدة لا يكون من شأنها إرهاق المدين بجعله معرضاً للمطالبة وقتاً أطول مما يجب ولا مباغتة الدائن بإسقاط حقه في وقت أقصر مما يجب
فإذا انقضت المدة – ونعني مدة التقادم – وادعي المدين براءة ذمته وأصر الدائن علي المطالبة بالدين فالأولي بالرعاية هو المدين لا الدائن ذلك أن الدائن إذا لم يكن قد استوفي حقه فعلا،لم يكن قد أبرأ المدين من الدين بسكوته عن المطالبة به هذه المدة الطويلة
فلا أقل من أنه قد أهمل إهمالاً لا عذر له فيه بسكوته عن المطالبة حقبة طويلة من الدهر ثم مباغتة المدين بعد ذلك بالمطالبة وبين مدين اطمأن الي وضع ظاهر مستقر ودائن أقل ما يؤخذ به الإهمال الذي لا مبرر له المدين دون ريب هو الأولي بالرعاية .
السنهوري – الوسيط – المجلد الثالث – ص 1000
وقد دلت التجارب علي أن طائفة من الدائنون يدعون بعد انقضاء مدة التقادم أنهم لم يستوفوا حقوقهم ولا يصدق في دعواهم إلا القلة النادرة أفمن أجل هذه القلة وهم من بعد قد أهملوا إهمالا لا عذر لهم فيه تضحي الكثرة الغالبة من المدينين الذين قد برئت ذمتهم حقاً من ديونهم وتعذر عليهم استيفاء الدليل علي براءة ذمتهم بعد انقضاء هذه المدة الطويلة .
السنهوري – الوسيط – المجلد الثالث – ص 1000
التقادم للحق أم الديون
ما الذي يتقادم تحديدا الحقوق أم الديون ؟
حال مناقشـة مشروع القانون المدني وبالتحديد نص المواد 375 ، 367 ، 368 اقترح الاستعاضة – تبديل – عن عبارة ” حق وحقوق ” بعبارة ” دين وديون ” علي أساس أن الانقضاء لا يرد علي الحق وإنما يرد علي الدين ولم تري اللجنة الأخذ بالاقتراح المقدم لأن الذي ينقضي هو الالتزام والالتزام رابطة تتمثل في ذمة الدائن حقاً وفي ذمة المدين دينا فلا يقبل أن يقال أن أحد وجهي هذه الرابطة هو الذي يقبل الانقضاء دون الآخر
وإنما يرد الانقضاء علي الرابطة جميعها
فيصح في لغة التشريع أن يقال انقضاء الحق وانقضاء الالتزام وانقضاء الدين وكلها صحيح بمعني واحد ولذلك استعمل التقنين المدني الاصطلاحين معا فعبر أحيانا بسقوط المبالغ المستحقة أي الحقوق وعبر أحيانا بسقوط الديون والفقه والقضاء لا ينكران شيئاً من ذلك .
وإذا تقادم الحق أو تقادم الدين
علي النحو الذي أشرنا إليه من التسوية بين عبارتي تقادم الحق وتقادم الدين تقادمت الدعوى التي تحمي هذا الحق فالدعوى ونعني الدعوى القضائية غير مقصودة لذاتها وإنما باعتبارها وسيلة لحماية الحق والذود عنه فمتي انقضي الالتزام ( الحق – الدين ) بالتقادم انقضت الدعوى التي تحميه
السنهوري – الوسيط – المجلد الثالث – ص 1160
التمسك بالتقادم عن طريق الدفع
سقوط الدين بالتقادم عن طريق الدعوى لا يمنع من التمسك به عن طريق الدفع يقول السنهوري :
إن المدين إذا تمسك بتقادم الدين فإن الدين يسقط ولا يستطيع الدائن أن يطالب به المدين ولكن إذا كان الدائن لا يستطيع أن يتمسك بوجوده – ويعني سيادته وجود الدين – عن طريق الدعوى فإنه يستطيع أن يتمسك به عن طريق الدفع .
ويثار التساؤل التالي
كيف يبقي الدفع دون تقادم ؟
وبصيغة أخري كيف لا يتقادم الدفع ويكون عدم تقادمه طريقا للمطالبة بالحق الذي تقادم ؟
الاجابة: أوضحنا أن الالتزام ونعني الحق أو الدين حسب الدائن أو المدين إذا تقادم تقادمت الدعوى التي تحميه وهو أمر مبرر بأن للالتزام والدعوى مدة تقادم واحدة لأن الدعوى تولد في الوقت الذي يولد فيه الحق.
أما الدفع فإنه لا يتقادم: لأن الدفع بطبيعته لا يبدي إلا في مواجهة طلب يقدم ضد صاحب الدفع فلا ينشط الدفع إلا من تاريخ إبداء هذا الطلب فلا يمكننا الحديث عن تقادم دفع لم يبدى بعد ،
وفي ذلك يقرر السنهوري
إذا كانت الدعوى تنقضي بالتقادم فإن الدفع دائم لا يتقادم وفي تبرير هذه القاعدة قيل أن التقادم يرد علي الدعوى ولا يرد علي الدفع فالدعوى هي التي كان صاحبها يستطيع أن يرفعها خلال مدة معينة – هي مدة التقادم – فإذا لم يرفعها حتى انقضت هذه المدة سقط الحق ،
أما الدفع فهو بطبيعته موضوع – أي مقرر – لمعارضة طلب يوجه ضد صاحب الدفع ، وما دام الطلب لم يوجه فكيف يتسنى لصاحب الدفع أن يتمسك به وجب إذن مطاوعة لطبائع الأشياء أن يبقي الدفع ما بقي الطلب حتى لو انقضت علي الدفع مدة التقادم
مثال لدفع ببطلان عقد البيع
إذا باع شخص أرضا وكان البيع باطلا وسلم البائع الأرض للمشتري استطاع البائع أن يرفع دعوى البطلان في خلال خمس عشرة سنة من وقت صدور البيع فإذا لم يرفع دعوى البطلان في خلال هذه المدة سقط حقه بعد أن قصر في رفع الدعوى طوال هذه المدة
وأما إذا لم يسلم البائع الأرض للمشتري فهو ليس في حاجة الي رفع دعوى البطلان ما دامت الأرض في يده ولا يمكن أن يعتبر مقصراً إذا هو اطمأن الي أن البيع باطل والي أن الأرض لن تخرج من حيازته فإذا ما طالب المشتري بتسليم الأرض أمكنه أن يدفع هذا الطلب – طلب التسليم – ببطلان البيع – ولكن متي يستطيع التمسك بهذا الدفع ، لا يمكنه التمسك به إلا عندما يرفع المشتري عليه دعوى التسليم .
السنهوري – الوسيط – المجلد الثالث – ص 1160
وفي قضاء هام لمحكمة النقض في الرد علي عدم تقادم الدفوع قضت :
إنه وإن كانت دعوى البطلان المطلق تسقط بمضي خمس عشرة سنة إلا أن الدفع بهذا البطلان لا يسقط بالتقادم أبدا ذلك أن العقد الباطل يظل معدوماً فلا ينقلب مع الزمن صحيحا و إنما تتقادم الدعوى به فلا تسمع بعد مضى المدة الطويلة
أما إثارة البطلان كدفع ضد دعوى مرفوعة بالعقد الباطل فلا تجوز مواجهته بالتقادم لأنه دفع و الدفوع لا تتقادم فإذا كان الحكم قد انتهى إلى بطلان سند الدين بطلاناً مطلقا فإن ذلك يكفى لتقرير نتيجته اللازمة قانوناً و هى عدم تقادم الدفع بهذا البطلان بغير حاجة للإشارة إلى ذلك صراحة أو للرد على ما يتمسك به الدائن فى هذا الصدد .
الطعن رقم 90 لسنة 23 مكتب فني 08 صفحة رقم 404 جلسة 11-04-1957
ختاما: نقول أن التقادم المسقط في القانون المصري نظم قواعده القانون المدنى فى المادة 374 بتقادم الالتزام بعد مرور خمس عشرة سنة باستثناء الحالات التي يوجد فيها نص خاص في القانون والمادة 375 بتقادم حقوق دورية متجددة بعد خمس سنوات مثل الإيجارات و الفوائد .