تناقض الأحكام النهائية: فوضى قانونية أم ثغرة ؟ (2024)

أحكام متناقضة و آليات التصحيح

تعتبر ظاهرة تناقض الأحكام النهائية الصادرة من جهة قضائية واحدة مشكلة تواجه النظم القانونية في العديد من الدول ومنها مصر بالطبع ولهذه الظاهرة أسباب عديدة منها اختلاف وتباين وجهات النظر القانونية بين القضاة وعدم تطوير التشريعات وتغيرها مع مرور الوقت وتأثير العوامل الاجتماعية والسياسية على القضاء وتؤدي هذه الظاهرة إلى زعزعة ثقة الأفراد في النظام القضائي وتشكيكهم في نزاهته وحيادته.

تناقض الأحكام في محكمة النقض

اصدرت محكمة النقض حكمين في عامي 2023 و 2019 تضمنا:

 أنه إذا كان هناك تناقض بين حكمين نهائيين صادرين من جهة قضائية واحدة وحسما موضوع النزاع في جوانبه كلها أو بعضها وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا ويستحيل الأخذ بحجية أحدهما من دون الآخر فلا حجية لأيهما وللقاضي أن يفصل في الدعوى وفقًا للحكم القانوني الصحيح.

الطعن رقم 13723 لسنة 82 ق – بتاريخ 4 / 4 / 2023
الطعن رقم ۱۱۸٤۲ لسنة ۸۸ ق – جلسة ٥ / ۳ / ۲۰۱۹

ملاحظة هامة:

هذه المبادئ تطبق اذا كان الحكمان صادران من جهة قضائية واحدة اما اذا كان الحكمان صادران من جهتين قضائيتين مختلفتين الاول من القضاء العادي والثانى من القضاء الإداري فيكون ترجيح احدهما على الاخر او الاعتداد بأي منهما من اختصاص المحكمة الدستورية وذلك بدعوى تقام امام المحكمة الدستورية “تسمى  دعوى تنازع ” عملا بنص الفقرة الثالثة من  المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979والتى تنص على انه :

على أن تختص المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، بما يأتي أولاً: …… ثانيًا: ………….ثالثًا: الفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى والآخر من جهة أخرى منها.

وفي مبحث خاص بهذا سنتبين ماهية دعوي التنازع التى ترفع أمام المحكمة الدستورية.

توحيد المبادئ بمحكمة النقض

هذه الدائرة بمحكمة  النقض دورها توحيد المبدا عند صدور حكمين متناقضين عن مسألة قانونية واحدة من دوائر محكمة النقض ومثال هذا انتهاء عقد الايجار بوفاة الممتد له من المستأجر الأصلي :

  • فقد قضت دائرة بحق الامتداد لورثة الممتد له المتوفي
  • وقضت دائرة أخري بعدم الامتداد وبانتهاء عقد الايجار بوفاة الممتد له

وازاء هذا التناقض وحدت دائرة توحيد المبادئ بمحكمة النقض هذه المسألة القانونية وأرست مبدأ واحد وهو :

انتهاء عقد الايجار بوفاة الممتد له ولا يمتد منه الى ورثته ليكون متوافقا مع حكم المحكمة الدستورية العليا والنص القانوني

وننوه أن هذا المبدأ :

خاص  بايجار المحلات  في ظل قوانين ايجار الأماكن ولا يشمل ايجار المساكن ولا يشمل عقود ايجار المحلات المبرمة في ظل احكام عقد الايجار في القانون المدني بعد 31-1-1996 .

ومن ثم لأهمية دور دائرة توحيد المبادئ القضائية سواء بمحكمة النقض أو المحكمة الادارية العليا سنقدم مبحث خاص عنها في هذا البحث .

تناقض حكمين من جهة قضائية واحدة الأثر القانوني

تناقض الأحكام النهائية

يعد مبدأ وحدة القضاء واستقلال السلطة القضائية من أهم ركائز النظام القانوني وأساسًا لضمان العدالة والمساواة بين الأفراد. ويُفترض أن تكون الأحكام القضائية الصادرة من نفس الجهة القضائية متسقة ومنسجمة فيما بينها تعكس تفسيرا موحدا للقانون وتطبيقه على الوقائع المتشابهة .

إلا أنه في بعض الحالات قد يواجه النظام القضائي ظاهرة تناقض الأحكام النهائية الصادرة من نفس الجهة القضائية في قضايا متشابهة، مما يثير تساؤلات حول عدالة النظام القضائي ومدى التزامه بمبدأ المساواة.

أسباب تناقض الأحكام النهائية

تتنوع أسباب تناقض الأحكام النهائية وتتعدد، ومن أهمها:

  • تباين وجهات النظر القانونية: قد يختلف القضاة في تفسيرهم للقانون وتطبيقه على الوقائع، خاصة في القضايا المعقدة أو التي تتضمن نصوصًا قانونية قابلة للتأويل.
  • تطور التشريعات: قد تتغير التشريعات والقوانين مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى صدور أحكام مختلفة في قضايا متشابهة، خاصة إذا كانت القضايا منظورة أمام المحاكم في فترات زمنية مختلفة.
  • تأثير العوامل الاجتماعية والسياسية: قد تؤثر العوامل الاجتماعية والسياسية على القضاء وتوجهاته، مما ينعكس على الأحكام القضائية.
  • عدم كفاية التدريب والتأهيل: قد يعاني بعض القضاة من عدم كفاية التدريب والتأهيل في بعض المجالات القانونية، مما يؤدي إلى صدور أحكام غير متسقة.
  • ضغط العمل: قد يؤدي ضغط العمل وكثرة القضايا إلى تسرع بعض  القضاة  في إصدار الأحكام، مما يزيد من احتمالية وقوع أخطاء وتناقضات.

آثار تناقض الأحكام النهائية

يترتب على ظاهرة تناقض الأحكام النهائية آثار سلبية عديدة، منها:

  • زعزعة ثقة الأفراد في النظام القضائي: يؤدي تناقض الأحكام إلى تشكيك الأفراد في نزاهة وحيادية القضاء، ويضعف ثقتهم في قدرته على تحقيق العدالة.
  • عدم المساواة بين الأفراد: يتعارض تناقض الأحكام مع مبدأ المساواة أمام القانون، حيث قد يتلقى أشخاص في قضايا متشابهة معاملة مختلفة من القضاء.
  • صعوبة التنبؤ بالأحكام القضائية: يجعل تناقض الأحكام من الصعب على المحامين والأفراد التنبؤ بنتائج القضايا، مما يزيد من حالة عدم اليقين القانوني.
  • إضعاف هيبة القضاء: يؤدي تناقض الأحكام إلى إضعاف هيبة القضاء وتقليل احترام الأفراد له.

معالجة ظاهرة تناقض الأحكام النهائية

لمعالجة ظاهرة تناقض الأحكام النهائية، يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات، منها:

  • تعزيز التدريب والتأهيل القضائي: يجب توفير برامج تدريبية وتأهيلية للقضاة بشكل مستمر، لرفع كفاءتهم القانونية وتوحيد تفسيرهم وتطبيقهم للقانون.
  • تفعيل دور المحكمة العليا أو الدستورية: يمكن للمحكمة العليا أو الدستورية أن تلعب دورًا هامًا في توحيد تفسير القانون من خلال إصدار أحكام مبدئية في القضايا الهامة.
  • تطوير آليات النقض والاستئناف: يجب تطوير آليات النقض والاستئناف لتصحيح الأخطاء وتناقضات الأحكام، وضمان عدالة الأحكام القضائية.
  • تعزيز الشفافية والمساءلة: يجب تعزيز الشفافية في عمل القضاء وزيادة مساءلة القضاة عن الأحكام التي يصدرونها.
  • تفعيل دور البحوث والدراسات القانونية: يجب تشجيع البحوث والدراسات القانونية التي تساهم في تطوير القضاء وتوحيد تفسير القانون.

أمثلة على تناقض الأحكام النهائية

توجد العديد من الأمثلة على تناقض الأحكام النهائية في مختلف القضايا، منها:

  1. قضايا الأحوال الشخصية: قد تصدر أحكام متناقضة في قضايا الطلاق أو الحضانة أو النفقة، بسبب اختلاف تفسير القضاة للنصوص القانونية أو اختلاف تقديرهم للظروف الاجتماعية.
  2. قضايا العمل: قد تصدر أحكام متناقضة في قضايا الفصل التعسفي أو التعويضات العمالية، بسبب اختلاف تفسير القضاة لقانون العمل أو اختلاف تقديرهم للأضرار.
  3. قضايا الملكية الفكرية: قد تصدر أحكام متناقضة في قضايا انتهاك  حقوق التأليف  والنشر أو براءات الاختراع، بسبب تعقيد القوانين الخاصة بالملكية الفكرية وسرعة تطورها.

كيف تتعامل مع صدور حكمين متناقضين من نفس المحكمة؟

يلعب المجتمع المدني والإعلام دورًا هامًا في معالجة ظاهرة تناقض الأحكام النهائية، من خلال:

  • نشر الوعي القانوني: يساهم المجتمع المدني والإعلام في نشر الوعي القانوني بين الأفراد، وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، وأهمية مبدأ سيادة القانون.
  • مراقبة أداء القضاء: يقوم المجتمع المدني والإعلام بمراقبة أداء القضاء والكشف عن أي تجاوزات أو أخطاء، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها.
  • الضغط من أجل إصلاح القضاء: يساهم المجتمع المدني والإعلام في الضغط على الحكومات من أجل  إصلاح القضاء  وتعزيز استقلاليته وحيادته.

دعوى تنازع حكمين أمام المحكمة الدستورية

تُعدّ دعوى تنازع حكمين أحد الآليات القانونية الهامة التي تُتيح حل النزاعات الناشئة عن صدور حكمين متناقضين من جهتين قضائيتين مختلفتين، بما يضمن سيادة القانون ويحفظ حقوق الأفراد والمؤسسات.

وتختص المحكمة الدستورية بالنظر في هذه الدعوى، حيث تقوم بفحص الحكمين المتناقضين وتحديد أيهما الأصح وفقًا للدستور والقوانين المعمول بها.

وتُعتبر هذه الدعوى ضمانة أساسية لاستقرار النظام القانوني والحفاظ على ثقة المواطنين في عدالة القضاء.

سبب دعوى تنازع حكمين أمام المحكمة الدستورية

تنشأ دعوى تنازع حكمين عندما تصدر جهتان قضائيتان مختلفتان، مثل المحاكم العادية والمحاكم الإدارية، حكمين متناقضين في موضوع واحد، مما يؤدي إلى حالة من عدم اليقين القانوني ويُهدد حقوق الأطراف المعنية.

وتُعتبر هذه الدعوى آلية فعّالة لضمان تناسق الأحكام القضائية وتطبيق القانون بشكل موحد وعادل، بما يحقق المصلحة العامة ويحمي حقوق الأفراد.

شروط قبول دعوى تنازع حكمين

لضمان فاعلية دعوى تنازع حكمين وتجنب إساءة استخدامها، حدد القانون مجموعة من الشروط التي يجب توافرها لقبول الدعوى والنظر فيها من قبل المحكمة الدستورية. وتشمل هذه الشروط ما يلي:

صدور حكمين متناقضين: يجب أن يكون هناك حكمين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين، وأن يكون هذين الحكمين متناقضين في موضوع واحد، بحيث يستحيل تنفيذ كلاهما معًا.

نهائية الحكمين: يجب أن يكون الحكمين نهائيين، بمعنى أنه لا يجوز الطعن فيهما بأي طريق من طرق الطعن العادية.

تعلق الحكمين بموضوع واحد: يجب أن يتعلق الحكمين بنفس الموضوع ونفس الأطراف، وأن يكون التناقض بينهما جوهريًا وليس شكليًا.

عدم جواز الطعن بالنقض: يجب ألا يكون من الممكن الطعن في الحكمين عن طريق النقض أمام محكمة النقض.

تُعتبر هذه الشروط ضمانة لجدية دعوى تنازع حكمين وتجنب إثقال كاهل المحكمة الدستورية بدعاوى غير مستوفية للشروط القانونية.

كما تُساهم هذه الشروط في تحقيق العدالة وحماية حقوق الأطراف المعنية.

إجراءات رفع الدعوى

يتم رفع دعوى تنازع حكمين أمام المحكمة الدستورية وفقًا لإجراءات محددة تضمن سير الدعوى بشكل منظم وعادل. وتشمل هذه الإجراءات ما يلي:

تقديم صحيفة الدعوى: يجب على رافع الدعوى تقديم صحيفة الدعوى إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية، وتحتوي هذه الصحيفة على بيانات أطراف الدعوى وموضوع النزاع والحكمين المتناقضين وأسباب رفع الدعوى.

إعلان الخصوم: يتم إعلان الخصوم بصحيفة الدعوى وموعد الجلسة المحددة لنظر الدعوى، وذلك لإتاحة الفرصة لهم للحضور وتقديم دفاعهم.

مناقشة الدعوى: في الجلسة المحددة، يتم مناقشة الدعوى من قبل أطرافها ومحاميهم، حيث يقدم كل طرف حججه وأدلته.

إصدار الحكم: بعد الانتهاء من مناقشة الدعوى، تصدر  المحكمة الدستورية  حكمها في النزاع، وتحدد أيهما الأصح من الحكمين المتناقضين وفقًا للدستور والقوانين المعمول بها.

تُعتبر هذه الإجراءات ضمانة لشفافية ونزاهة دعوى تنازع حكمين، وتُتيح للأطراف المعنية فرصة عادلة لتقديم دفاعهم والدفاع عن حقوقهم.

آثار الحكم الصادر في دعوى تنازع حكمين

يُعتبر الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية في دعوى تنازع حكمين نهائيًا وباتًا، ولا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن. ويترتب على هذا الحكم آثار هامة، منها:

إلغاء الحكم المخالف: تقوم المحكمة الدستورية بإلغاء الحكم المخالف للدستور أو القانون، ويعتبر هذا الحكم كأن لم يكن.

تنفيذ الحكم الصحيح: يصبح الحكم الصحيح واجب النفاذ، ويجب على الجهات المختصة تنفيذه.

توحيد تطبيق القانون: يُساهم الحكم الصادر في توحيد تطبيق القانون وتجنب التضارب في الأحكام القضائية.

تُساهم هذه الآثار في تحقيق العدالة وحماية حقوق الأفراد والمؤسسات، كما تُعزز ثقة المواطنين في النظام القضائي.

أهمية دعوى تنازع حكمين

تُعتبر دعوى تنازع حكمين آلية قانونية هامة تُساهم في تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:

حماية حقوق الأفراد والمؤسسات: تُتيح هذه الدعوى للأفراد والمؤسسات حماية حقوقهم في حالة صدور حكمين متناقضين يهددان تلك الحقوق.

ضمان سيادة القانون: تُساهم هذه الدعوى في ضمان سيادة القانون وتطبيق الدستور والقوانين بشكل موحد وعادل.

تحقيق العدالة: تُعتبر هذه الدعوى آلية فعّالة لتحقيق العدالة وتجنب التضارب في الأحكام القضائية.

تعزيز ثقة المواطنين في القضاء: تُساهم هذه الدعوى في تعزيز ثقة المواطنين في النظام القضائي وقدرته على تحقيق العدالة وحماية الحقوق.

استقرار النظام القانوني: تُعتبر هذه الدعوى ضمانة أساسية لاستقرار النظام القانوني وتجنب حالة عدم اليقين القانوني.

باختصار، تُعتبر دعوى تنازع حكمين آلية قانونية فعّالة تُساهم في تحقيق العدالة وحماية الحقوق وضمان سيادة القانون، وتُعزز ثقة المواطنين في النظام القضائي.

نماذج من دعاوى تنازع حكمين

تتنوع دعاوى تنازع حكمين وتختلف باختلاف الموضوعات والأطراف المعنية، ومن أبرز نماذج هذه الدعاوى:

تنازع بين القضاء العادي والقضاء الإداري: قد يحدث تنازع بين القضاء العادي والقضاء الإداري في تحديد الجهة المختصة بنظر دعوى معينة، مثل دعاوى الموظفين العموميين.

تنازع بين محكمتين عاديتين: قد يحدث تنازع بين محكمتين عاديتين في تحديد  الاختصاص المكاني  لنظر دعوى معينة، مثل دعاوى الأحوال الشخصية.

تنازع بين محكمة عادية ومحكمة خاصة: قد يحدث تنازع بين محكمة عادية ومحكمة خاصة، مثل محاكم العمل، في تحديد الجهة المختصة بنظر دعوى معينة، مثل دعاوى الفصل التعسفي.

دعوى تنازع حكمين في الأنظمة القانونية المقارنة

تُعتبر دعوى تنازع حكمين آلية قانونية موجودة في العديد من الأنظمة القانونية حول العالم، وتختلف هذه الآلية في تفاصيلها من نظام إلى آخر، ومن أبرز الأنظمة القانونية التي تتضمن هذه الآلية:

النظام القانوني الفرنسي: يتضمن النظام القانوني الفرنسي آلية “تنازع الاختصاص” التي تُتيح حل النزاعات الناشئة عن صدور حكمين متناقضين من جهتين قضائيتين مختلفتين.

النظام القانوني الأمريكي: يتضمن النظام القانوني الأمريكي آلية “مراجعة المحكمة العليا” التي تُتيح الطعن في الأحكام الصادرة عن المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات، بما في ذلك الأحكام المتناقضة.

النظام القانوني المصري: يتضمن النظام القانوني المصري آلية “دعوى تنازع حكمين” التي تُتيح الطعن في الأحكام الصادرة عن المحاكم العادية والمحاكم الإدارية، وذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.

دور دائرة توحيد الأحكام القضائية بمحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا

في ظل التطور المستمر للنظم القانونية وتعقد العلاقات الاجتماعية، يبرز الدور الحيوي لدائرة توحيد الأحكام القضائية في محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، كآلية أساسية لضمان استقرار المراكز القانونية وتحقيق العدالة والمساواة بين المتقاضين.

وتعمل هذه الدائرة كحارس أمين على وحدة وتناسق الاجتهاد القضائي، وتسعى جاهدة لتفادي التضارب في الأحكام وتوفير مرجعية قضائية موحدة للقضاة والمحامين والمواطنين على حد سواء.

تُعد دائرة توحيد الأحكام القضائية بمثابة قمة الهرم القضائي في كل من محكمة النقض، التي تُعنى بالقضايا المدنية والتجارية والجنائية، والمحكمة الإدارية العليا، التي تختص بالطعون على القرارات الإدارية.

وتتركز مهمتها الرئيسية في بحث الطعون المقدمة إليها والتي تتناول وجود تضارب في الأحكام الصادرة من المحاكم الأدنى في مسائل قانونية محددة. بعد دراسة متأنية للطعون والحجج القانونية المقدمة،

وتصدر الدائرة مبادئ قانونية ملزمة لكافة المحاكم الأدنى، مما يساهم في تحقيق الاتساق والاستقرار في تطبيق القانون.

أهمية دائرة توحيد الأحكام القضائية

تكمن أهمية دائرة توحيد الأحكام القضائية في تحقيق مجموعة من الأهداف الجوهرية للنظام القضائي، بما في ذلك:

تحقيق العدالة والمساواة: بوضع مبادئ قانونية واضحة وموحدة، تضمن الدائرة معاملة جميع المتقاضين على قدم المساواة أمام القانون، وتمنع التمييز أو التحيز في تطبيق القوانين.

استقرار المراكز القانونية: يساهم توحيد الأحكام في استقرار المعاملات القانونية وتوفير بيئة قانونية مستقرة وموثوقة، مما يعزز الثقة في النظام القضائي ويشجع  الاستثمار .

تطوير الفقه القانوني: من خلال دراسة القضايا المعروضة عليها، تساهم الدائرة في تطوير الفقه القانوني وتفسير القوانين بشكل يتناسب مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية.

رفع كفاءة النظام القضائي: يوفر توحيد الأحكام مرجعية واضحة للقضاة، مما يقلل من احتمالية الخطأ القضائي ويسرع من عملية الفصل في القضايا.

آليات عمل دائرة توحيد الأحكام القضائية

تعتمد دائرة توحيد الأحكام على آليات عمل محددة تضمن الشفافية والكفاءة في أداء مهامها، وتشمل هذه الآليات:

تلقي الطعون: تتلقى الدائرة الطعون المقدمة من أطراف النزاع أو النيابة العامة في حالة وجود تضارب في الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأدنى.
دراسة الطعون: تقوم الدائرة بدراسة متأنية للطعون المقدمة إليها، وتبحث في الحجج القانونية المقدمة من الأطراف.

إصدار المبادئ القانونية: تصدر الدائرة مبادئ قانونية ملزمة لجميع المحاكم في حالة ثبوت وجود تضارب في الأحكام.

نشر المبادئ: تنشر المبادئ القانونية الصادرة عن الدائرة في الجريدة الرسمية وفي المجموعات القضائية لضمان اطلاع القضاة والمحامين والمواطنين عليها.

أمثلة على قضايا توحيد الأحكام

تتنوع القضايا التي تنظر فيها دائرة توحيد الأحكام لتشمل مختلف فروع القانون، ومن الأمثلة على ذلك:

مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها: قد تنظر الدائرة في قضايا تتعلق بتحديد نطاق مسؤولية الدولة عن الأضرار التي يسببها موظفوها أثناء تأدية مهامهم.

نزع الملكية للمنفعة العامة: قد تنظر الدائرة في قضايا تتعلق بتحديد شروط نزع الملكية للمنفعة العامة والتعويض المستحق للمالكين.

عقود الإيجار: قد تنظر الدائرة في قضايا تتعلق بتفسير بنود عقود الإيجار وحقوق وواجبات المؤجر والمستأجر.

مسؤولية المنتج: قد تنظر الدائرة في قضايا تتعلق بمسؤولية المنتج عن الأضرار التي يسببها للمستهلكين.

التحديات التي تواجه دائرة توحيد الأحكام

على الرغم من الدور الحيوي الذي تقوم به دائرة  توحيد الأحكام ، إلا أنها تواجه بعض التحديات، ومن أبرزها:

ضخامة عدد القضايا: تتلقى الدائرة عددًا كبيرًا من الطعون، مما يضع ضغطًا كبيرًا على أعضائها ويؤدي إلى تأخر الفصل في القضايا.

تعقيد المسائل القانونية: تتناول الدائرة قضايا تتضمن مسائل قانونية معقدة وتتطلب دراسة متعمقة.

تطور القوانين: تطور القوانين المستمر يتطلب من الدائرة مواكبة هذه التطورات وتفسير القوانين بشكل يتناسب معها.

مقترحات لتطوير عمل دائرة توحيد الأحكام

لتعزيز كفاءة دائرة توحيد الأحكام وتحقيق أهدافها على أكمل وجه، يُمكن النظر في بعض المقترحات، مثل:

زيادة عدد الدوائر: يمكن زيادة عدد دوائر توحيد الأحكام لتخفيف العبء عن الدائرة الحالية وتسريع عملية الفصل في القضايا.

توفير الموارد البشرية والمادية: يجب توفير الموارد البشرية والمادية اللازمة لتمكين الدائرة من أداء مهامها بكفاءة، مثل توفير الباحثين القانونيين والمكتبات المتخصصة.

تطوير آليات العمل: يمكن تطوير آليات عمل الدائرة من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية للمبادئ القانونية وتوفير إمكانية تقديم الطعون إلكترونيًا.

توحيد المبادئ القانونية الصادرة من محكمة النقض في رأى نائب رئيس محكمة النقض

قال المستشار محمد وليد الجارحي نائب رئيس محكمة النقض في مؤلفه النقض المدني :

إن القانون ليست له إلا كلمة واحدة في المسألة القانونية الواحدة وأنه بغير ذلك لا يتحقق مبدأ المساواة بين المخاطبين بأحكامه ومن ثم لا يقع عليهم واجب الطاعة له والانصياع لأحكامه.

إنه إذا كان القانون ظاهر المعنى تعين على القاضي تطبيقه على معناه الظاهر ، أما إذا غمض المعنى وجب على القاضي أن يجتهد في التعرف على قصد المشرع والاجتهاد نوع من استثارة الظن بالنظر والتأمل فى نصوص القانون ، والظن يتطرق إليه احتمال الخطأ

ومنعا من تضارب الأحكام الصادرة فى المسألة الواحدة واختلافها باختلاف من يقضى ، أنشئت محكمة عليا هي محكمة النقض ، وجعلت مهمتها الأساسية جمع القضاة على فهم واحد لا يتغير، وحرص المشرع على أن تكون هذه المحكمة محكمة واحدة لا تتعدد تحقيقا للغرض ذاته وهو وحدة القضاء فيما يتماثل من المسائل ، وحتى لا تختلف المبادئ القانونية الصادرة من المحكمة إذا تعددت.

والأمر لم يكن يثير أية مشكلات عند إنشاء محكمة النقض حيث لم تكن مشكلة إلا من دائرتين اثنتين إحداهما جنائية والأخرى مدنية ، أما وقد زاد عدد الدوائر بالمحكمة – وبلغ ثلاثين دائرة تبعا للزيادة المطردة فى عدد الطعون، فقد صار لازما أن يبحث عن وسائل لتلافى صدور أحكام تقرر مبادئ قانونية متعارضة من الدوائر المختلفة المتعددة .

 ومن ثم فقد نصت المادة الخامسة من القانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية على أن يكون بمحكمة النقض مكتب فنى للمبادئ القانونية ، من بين ما يختص به :

استخلاص المبادئ القانونية التي تقررها المحكمة فيما تصدره من أحكام ، وتبويبها ، ومراقبة نشرها بعد عرضها على رئيس الدائرة التي أصدرتها والإشراف على جدول المحكمة وعرض الطعون المتماثلة والمرتبطة ، أو التي يحتاج الفصل فيها إلى تقرير مبدأ قانونى واحد على رئيس المحكمة لنظرها أمام دائرة واحدة وما من شك في أن استخلاص المبادئ القانونية التى تقررها محكمة النقض فيما تصدره من أحكام وتبويبها ونشرها في مجموعات، وعرض الطعون المرتبطة أو المتماثلة على دائرة واحدة من شأنه الحيلولة دون وقوع مخالفة مقصودة لما سبق تقريره من مبادئ قانونية

أما عن انصراف القصد إلى المخالفة فقد نصت المادة الرابعة من القانون ذاته على أن :

تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر مستشارا برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه . إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدا قانونى قررته احكام سابقة ، أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة بالمحكمة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانونى قررته احكام سابقة صادرة من دوائر اخرى، أحالت الدعوى إلى الهيئتين مجتمعتين للفصل فيها . وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضوا على الأقل .

والمستفاد من هذا النص أن:

الهيئة العامة سواء الجنائية أو المدنية لا تعدو أن تكون دائرة كبرى مكونة من أحد عشر مستشارا، وأنه إذا رأت إحدى الدوائر الجنائية العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة منها أو من دائرة جنائية أخرى تعين عليها إحالة الطعن إلى الدائرة الجنائية الكبرى لتفصل فيه بأغلبية سبعة من أعضائها وإذا رأت إحدى الدوائر المدنية – وما في حكمها – العدول عن مبدأ قانونى قررته احكام سابقة صدرت منها أو من دائرة مدنية أخرى ، وجب عليها إحالة الطعن إلى ، الدائرة المدنية الكبرى لتفصل فيه بأغلبية سبعة من أعضائها.

أما إذا رأت دائرة مدنية العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صدرت من الدوائر الجنائية ، أو رأت دائرة جنائية العدول عن مبدأ قانونى قررته احكام سابقة صدرت من الدوائر المدنية ، فإنه يجب إحالة الطعن إلى الهيئتين ( الدائرتين الكبريين ) مجتمعتين للفصل فيه بأغلبية لا تقل عن أربعة عشر عضوا من أعضائها الاثنين والعشرين.

وقد أثارت عبارة « أحكام سابقة ، الواردة فى النص المشار إليه كثيرا من اللبس:

 فقد ذهب رأى إلى القول بأن: مخالفة مبدأ قانونى قرره حكم واحد سابق – نقتضى إحالة الطعن إلى الهيئة المختصة أو إلى الهيئتين مجتمعتين .

 وذهب رأى آخر إلى القول بأن: المبدأ لا يصح اعتباره كذلك إلا إذا صدر به أكثر من حكمين

والذي نراه – المستشار محمد وليد الجارحي – نائب رئيس محكمة النقض :

أن الأخذ بظاهر النص والعمل بأي من المذهبين سالفي الذكر يتجافى مع الغرض الذي تغياه المشرع وهو توحيد المبادئ القانونية التي تصدر بتقريرها أحكام محكمة النقض

ولعل المشرع – حسما لذلك الخلاف – يعيد صياغة النص باستبدال عبارة مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة ، بعبارة « مبدأ قانونى تقرر في حكم سابق وعلى ايه .

فإن الحكم الصادر من إحدى الهيئتين المشار إليهما أو منهما مجتمعتين لا يتميز عن الحكم الصادر من إحدى دوائر المحكمة فهو نسبى الأثر ، ولا تلتزم به إلا محكمة الإحالة إذا ما قضت الهيئة – بعد النقض بالإحالة

كذلك فإن الهيئة لا تتصدى لترجيح أحد المبدأين إلا إذا كانت المسألة المختلف فيها لازمة للفصل فى الطعن ، فإذا كان هناك من أسباب الطعن ما يمكن الفصل في الطعن على أساسه ، فلا يكون ثمة محل لعرض الطعن على الهيئة ، كإمكان نقض الحكم المطعون فيه لقصور في التسبيب .

الخاتمة

تناقض الأحكام النهائية فوضى قانونية

 تعد ظاهرة تناقض الأحكام النهائية تحديًا كبيرًا يواجه النظم القانونية، ويجب معالجتها بشكل جدي لضمان عدالة الأحكام القضائية وتعزيز ثقة الأفراد في النظام القضائي. ويتطلب ذلك تكاتف جهود جميع الجهات المعنية، بما في ذلك القضاء والحكومة والمجتمع المدني.

وتعتبر دعوى تنازع حكمين آلية قانونية هامة تُساهم في تحقيق العدالة وحماية الحقوق وضمان سيادة القانون، وتُعزز ثقة المواطنين في النظام القضائي. وتُعتبر هذه الآلية ضمانة أساسية لاستقرار النظام القانوني وتجنب حالة عدم اليقين القانوني، وتُساهم في تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد والمؤسسات

كذلك تعد دائرة توحيد الأحكام القضائية ركيزة أساسية في النظام القضائي، حيث تساهم في تحقيق العدالة والمساواة بين المتقاضين، وضمان استقرار المراكز القانونية، وتطوير الفقه القانوني. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، إلا أن تعزيز كفاءتها وتطوير آليات عملها سيساهم في تحقيق أهدافها على أكمل وجه وتعزيز سيادة القانون.


  • انتهي البحث القانوني ويمكن لحضراتكم التعليق في صندوق التعليقات بالأسفل لأى استفسار قانوني.
  • زيارتكم لموقعنا تشرفنا ويمكن الاطلاع علي المزيد من المقالات والأبحاث القانونية المنشورة للأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض في القانون المدني والملكية العقارية من خلال أجندة المقالات .
  • كما يمكنكم التواصل مع الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الواتس اب شمال الصفحة بالأسفل.
  • كما يمكنكم حجز موعد بمكتب الأستاذ عبدالعزيز عمار المحامي من خلال الهاتف ( 01285743047 ) وزيارتنا بمكتبنا الكائن مقره مدينة الزقازيق 29 شارع النقراشي – جوار شوادر الخشب – بعد كوبري الممر – برج المنار – الدور الخامس زيارة مكتبنا بالعنوان الموجود على الموقع.
  • يمكن تحميل الأبحاث من أيقونة التحميل pdf في نهاية كل مقال وكل بحث ، ونعتذر لغلق امكانية النسخ بسبب بعض الأشخاص الذين يستحلون جهد الغير في اعداد الأبحاث وتنسيقها ويقومون بنشرها علي مواقعهم الالكترونية ونسبتها اليهم وحذف مصدر البحث والموقع الأصلي للبحث المنشور ، مما يؤثر علي ترتيب موقعنا في سيرش جوجل ، أعانهم الله علي أنفسهم .
logo2

المقالة حصرية ومحمية بحقوق النشر الحقوق محفوظة © لمكتب الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض
Print Friendly, PDF & Email
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية ودعاوى الإيجارات ودعاوى الموظفين قطاع حكومى وخاص وطعون مجلس الدولة والنقض ليسانس الحقوق 1997

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

* { -webkit-touch-callout: none; /* iOS Safari */ -webkit-user-select: none; /* Safari */ -khtml-user-select: none; /* Konqueror HTML */ -moz-user-select: none; /* Old versions of Firefox */ -ms-user-select: none; /* Internet Explorer/Edge */ user-select: none; /* Non-prefixed version, currently supported by Chrome, Opera and Firefox */ }