بحث عن أنواع وصور الخطأ الطبي و أخطاء الأطباء في علاج المرضي بسبب الإهمال الطبي وعدم الاحتراز والرعونة وخطا الطبيب في التشخيص وخطأ طبيب الأشعة وكذا خطأ طبيب الجراحة وطبيب الولادة ووضع هذه الأخطاء الطبية من الناحية القانونية سواء جنائيا أو مدنيا وحالات الاعفاء والاباحة كل هذا وأكثر في هذا البحث.

خطأ الطبيب في علاج المريض

الخطأ الطبي ومسئولية الأطباء

نتعرف أولا علي أنواع الخطأ ثم صور الخطأ الطبي ثم حالات أخطاء الأطباء في علاج المرضي والمسئولية القانونية

أنواع الخطأ الطبي

تتعدد الأخطاء التى يقع بها الطبيب وسنذكر منها فقط فى هذا الفصل بعض الأنواع ومنها الإهمال والرعونة وعدم الاحتراز كما يلى :

أولا : الإهمال

  • يجب على الجراح قبل اجراء العملية ان يفحص المريض من كافة النواحي دون الاقتصار على فحصه من ناحية المرض الذى يشكو منه ،فاذا ما أدانت محكمة الموضوع الجراح الذى تسبب بإهماله وعدم احتياطه فى كسر ساق مريض أثناء تحريك ترابيز العمليات التى كان يرقد عليها وهو مخدر وذلك بسبب عدم ملاحظته ان الساق كانت مربوطة فيها وبها مرض معين يقتضى عدم تحريكها فان حكمها يكون صحيحا لا طعن فيه .
  • وإذا ما اخطأ الطبيب فى علاج المريض بالأشعة مما ترتب عليه احتقان باطن القدم فيجب ان يتحمل نتيجة خطئه ولا يقلل من مسئوليته أن تكون مضاعفات المرض قد نتجت عن تداخل مجمل الاظافر إذ أن الطبيب المختص كان عليه ان ينبه المريض الى طول فترة شفائه وضرورة تجنب كل تهيج للبشرة فى المنطقة المصابة واما وهو لم يفعل يكون قد أضاف الى خطئه عنصرا اخر من عناصر الخطأ وهو عدم الاحتياط .
  • ويكون مسئولا الجراح الذى يترك فى جوف طفل فى اثناء عملية جراحية إحدى ضمادات ثلاثة استعملها فى العملية وذلك لانه لم يتخذ اقل احتياط لتفادى نسيانه فى جوف المريض فلم يربطهما بخيوط ويشبكها بملقط
  • كما يفعل الجراحون عادة ، ولم يثبت ان ترك الضمادة فى جوف المريض قد دعت اليه ظروف قاهرة ،فعدد الضمادات المستعمله فى العملية ثلاثة فقط كما ان البحث عنها لم يكن يحتاج الى زمن طويل يعرض حياة المريض للخطر
  • ثم ان الطبيب قد تمادى فى خطئه عندما اخفى عن الوالدين حقيقة ما حدث فلما ارتفعت درجة حرارة المريض بسبب الضمادة التى تركها فى جوفه او همهم ان حالته تحتاج لعملية أخرى واجرى العملية لا لان حاله العلاج تقتضيها بل لمجرد البحث عن الضمادة ومع ذلك لم يجدها حتى خرجت من نفسها عن طريق الشرج .

وقد قضت محكمة النقض بأن

إذا عرض الحكم لبيان ركن الخطأ المسند الى المتهم الثانى (طبيب) بقوله :

“أنه طلب الى الممرض والتمرجى ان يقدما له بنجا موضوعيا بنسبة 1% دون أن يضيف هذا المخدر ودون ان يطلع على الزجاجة التى وضع فيها ليتحقق مما إذا كان هو المخدر الذى يريده أم غيره

ومن ان الكمية التى حقنت بها المجنى عليها تفوق الى اكثر من ضعف الكمية المسموح بها ، ومن أنه قبل أن يجرى عملية جراحية قد تستغرق ساعة فأكثر دون يستعين بطبيب خاص بالمخدر ليفرغ هو إلى مباشرة العملية

ومن ان   الحادث   وقع نتيجة مباشرة لإهماله وعدم تحرزه بأن حقن المجنى عليها بمحلول “البونتوكايين” بنسبة 1%وهى تزيد عشر مرات عن النسبة المسموح بها فتسممت وماتت “

– فإن ما أورده الحكم من ادلة على ثبوت خطأ الطاعن من شأنه ان يؤدى الى ما رتبه عليها – اما ما يقوله المتهم من ان عمله فى مستشفى عام قائم على نظام التقسيم والتخصص يعفيه من ان يستوثق من نوع المخدر وصلاحيته

وانه مادام ذلك المخدر قد اعد من موظف فنى مختص واودع غرفة العمليات – فإنه فى حل من استعماله دون أي بحث- هذا الدفاع من جانب المتهم هو دفاع موضوعى لا تلتزم المحكمة بالرد عليه

بل أن الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التى أوردتها المحكمة على خطأ المتهم واسست عليها ادانته ، وهو ما اولته – بحق – على انه خطأ طبى وتقصير من جانب المتهم لا يقع من طبيب يقظ فى نفس الظروف الخارجية التى أحاطت بالطبيب المسئول بما يفيد انه وقد حل محل أخصائي التخدير ،فإنه يتحمل التزاماته ومنه الاستيثاق من نوع المخدر

(نقض جنائى 26/1/1959الطعن رقم 1332س38ق)

وبأنه” متى كان الحكم وقد انتهى الى تبرئة المطعون ضده من جريمتي القتل والاصابة الخطأ والتماس العذر له واسقاط الخطأ عنه نظرا لزحمة العمل ولأنه لا يوجد بالوحدة الطبية سوى إناء واحد يقطر فيه الماء او يحضر فيه الطرطير مما أوقعه فى الغلط

والى أن من مات من الأطفال كان فى حالة مرضية متقدمة تكفى وحدها للوفاة الا ان الحقن عجل بوفاتهم مما يقطع رابطة السبية بين الخطأ- بغرض ثبوته فى حقه – وبين الموت الذى حدث

وما ذكره الحكم من ذلك سواء فى نفية الخطأ او فى القول بانقطاع رابطة السببية خطأ فى القانون ذلك بأنه مادام ان المطعون ضده وهو   طبيب   مزج الدواء بمحلول الطرطير بدلا من الماء المقطر الذى كان يتعين مزجه فقد اخطأ سواء كان قد وقع فى هذا الخطأ وحده او اشترك معه الممرض فيه

وبالتالى وجبت مساءلته فى الحالتين لان الخطأ المشترك لا يجب مسئولية أي من المشاركين فيه ولأن استثياق الطبيب من كنه الدواء الذى يتناوله المريض او فى ما يطلب منه فى مقام بذل العناية فى شفائه وبالتالى فان التقاعس عن تحريد والتحرز فيه والاحتياط له

إهمال يخالف كل قواعد المهنة وتعاليمها وعليه ان يتحمل وزره ، كما ان التعجيل بالموت مرادف لإحداثه فى توافر علاقة السببية واستجاب المسئولية ، ولا يصح الاستناد الى ارهاق الطبيب بكثرة العمل مبررا لإعفائه من العقوبة وان صلح ظرفا لتخفيفها “

(نقض جنائى 20/4/1970 مجموعة احكام محكمة النقض س21-ص26)

وبأنه ” إذا كان الحكم الصادر بإدانة المتهم – فى جريمة القتل الخطأ – قد اثبت خطأ المتهم الاول ( صيدلى ) فيما قاله من انه حضر محلول “البونتوكابيبن ” كمخدر موضعي بنسبة 1% وهى تزيد على النسبة المسموح بها طبيا وهى 1/800% ومن انه طلب اليه تحضير “نوفوكايين” بنسبة 1% فكان يجب عليه ان يحضر “البونتوكايين “

بما يوازى فى قوته هذه النسبة وهى 1/1000 أو 8001 ولا يعفيه من المسئولية قوله ان رئيسه طلب معه تحضيره بنسبة 1% طالما انه ثبت له من مناقشة هذا الرئيس فى التليفون انه لا يدرى شيئا من كنه هذا المخدر ومدى سميته ، هذا الى جانب انه موظف مختص بتحضير الادوية ومنها المخدر

ومسئول عن كل خطأ يصدر منه ،ومن انه لجأ فى الاستفسار عن نسبة تحضير هذا المخدر الى زميل له قد يخطئ وقد يصيب . وكان لزاما عليه ان يتصل بذوي الشأن فى المصلحة التى يتبعها أو الاستعانة فى ذلك بالرجوع الى الكتب الفنية الموثوق بها ” كالفارماكوبيا”

ومن إقراره صراحة بانة ما كان يعرف شيئا عن هذا المخدر قبل تحضيره فكان حسن التصرف يقتضية ان يتأكد من النسب الصحية التى يحضر بها ، فلا ينساق فى ذلك وراء نصيحة زميل له ، ومن انه لم ينبه المتهم للتأنى وغيرة من الأطباء ممن قد يستعملون هذا المحلول بانة استعاض به عن “النو فو كافيين “فإن ما أثبته الحكم من أخطاء وقع فيها المتهم يكفى لحمل مسئوليته جزائيا ومدنيا

(الطعن رقم 1332-نقض جنائى –26/1/1959-28ق)

وبأنه “وبما أن محصل الاتهام فى هذة القضية هو أن الدكتور المتهم اجرى للفتاة عملية استخراج حصوة من المثانة وانه بسبب خطئة وعدم احتياطه وعدم عمل الدرنقة اللازمة سهل امتداد التقيح من المثانة الى البريتونى وحصل التهاب بيتوني نشأت عنه الوفاة وبعد ان فرقت المحكمة بين خطأ الطبيب الفنى وخطئه المادى واوجبت عقابه على الثانى فى كافة الاحوال انتهت الى ادانة الطبيب عن خطئه واهماله اللذان كانا لهما الأثر المباشر فى الالتهاب البريتونى الذى نشأت عنه الوفاة

وذلك لانه

 أولا – لم يضع ورنقة داخلية والحالة توجب ذلك ولا وضع قسطرة لنحل محل الدرنقة المذكورة وليراقب بها البول

ثانيا – واذا سلم بأنه وضع القسطرة فانه لم يراقب البول وكان واجبا عليه مادام يرى اتخاذ القسطرة وسيلة الدرنقة الداخلية اما ان يبقى المريضة فى عيادته وتحت ملاحظته المستمرة واما ان يتردد عليها يوميا لمراقبة تطورات البول

( وقد تبين من اقوال حضرة الدكتور سرور أنه لا يسمح فى حالة كهذه بانتقال المريض قبل سبعة أيام وأنه يأخذ على أهل المريض اقرار بمسئوليتهم اذا حتموا نقل مريضهم )

ولا يصح ان يرد على هذا بعدم القدرة المالية لان الطبيب كان يجب عليه ان يبحث هذه الوجهة قبل اجراء العملية لا بعدها فأما ان يقبل – العملية تحت مسئوليته ويؤدى واجبه كاملا فيها بما يعرض عليه واما ان يرفض ذلك فيتحمل اهل المريض المسئولية ويرسلوه الى مستشفى او يتركوه يموت ميتة أخرى لا مسئولية عليه فيها

كما ان الطبيب المتهم لم يتوجه للمريضة فى هذه القضية إلا بعد اليومين وبناء على طلب أهلها فوجد ارتفاعا فى حرارتها كان سببه بلا شك عدم مراقبة البول منذ العملية وعدم اجراء الدرنقة الداخلية

ثالثا – كان واجبا عليه ساعة أن زارها ورأى الحرارة مرتفعة ان يشق ثانية المثانة ويدرنفها ولكنه لم يفعل ذلك وقد اجمع الأطباء بضرورته وقالوا انه كان اجراء مفيد للمريضة وانه اجراء حتمي على كل حال

رابعا – مع عدم صلاحية الدرنقة الخارجية كوسيلة فى حالة المجنى عليها للتصرف فانه وضع الدرنقة فى اعلى الجرح بطريقة غير أصولية بإجماع حضرات الأطباء

خامسا – على فرض انه وضعها بأسفل الجرح حسب الأصول فانه لم يبرز المريضة الا مرة واحدة وبعد يومين من تاريخ نقلها فأهمل بذلك تغيير الدرنقة الخارجية التى يلزم حسب رايه هو تغييرها كل 24 ساعة مما يجعلها مشبعة بالسائل

ولا فائدة فيها وهذا يساعد على امتداد الالتهاب الذى ظهرت اثاره يوم زيارته لها بارتفاع الحرارة وبعد ارتفاع الحرارة لم تكن الدرنقة الخارجية وسيلة صالحة لانه كان يجب على المثانة ودرنقتها ودنفة داخلية كإجماع الأطباء .

سادسا – انه وصل الى البريتونى اثناء خياطة الجرح بغرزة ، وهذه الغرزة ان لم تكن سببا مستقلا كافيا لإحداث التهاب بريتونى فإنها لاشك من الأسباب التى ساعدت على امتداد عدوى المثانة الى البريتونى كما قرر الدكتور عبد العزيز حلمى وعبد الوهاب سورو

سابعا – ان هذه الأسباب مجتمعه كافيه فى نظر المحكمة لاعتبار ان الالتهاب البريتونى ناتج عن التهاب العدوى المثانية الناتجة عن عدم درنقة مثانة ودرنقة داخلية وعدم مراقبة البول لمعرفة ما اذا كان به صديد أم لا وعدم الشق على المثانة وقت حصول ارتفاع الحرارة فورا مما يجعل الصديد يتراكم ويمتد الى الانسجة الخلوية على الوجه المبين بالصفة التشريحية

وان الالتهاب البريتونى الناشئ عن امتداد هذه العدوى الى البريتونى وقد نشأت عند الوفاة مباشرة فالمادة 302ع (قديم) منطبقة ومتوفرة الأركان القانونية “

( محكمة الجيزة 26/1/1935 محاماة س15-ص471) .

ثانيا : الرعونة

إذا ما أصيب المريض بحروق جلدية بسبب حدوث ماس فى اسلاك التيار الكهربائى الموصل الى ( طرابيزة )العمليات بسبب خطأ الممرضة ،فان المسئولية تشمل أيضا كل من مدير المستشفى والجراح الذى اجرى العملية ، اذ ان الاشراف على الأجهزة وصيانتها واعادتها الى حالتها الطبيعية بإصلاحها هو واجب مفروض على المستشفى

ومن ثم فان الاخلال به يعتبر من قبيل الخطأ الذى يمكن لبسته الى القائمين والمشرفين على العمل بالمستشفى – وخصوصا الجراح الذى كان عليه ان يحتاط ويحرص على سلامة الأجهزة – حتى لا تحدث بالمريض اية إصابات وهو تحت تأثير المخدر .

ويكون مسئولا الجراح عن اهماله ورعونته حينما يجرى عملية جراحية فى الفخذ الأيمن بدلا من الايسر بينما لو رجع الى الدوسيه الخاص بالمريض لو وجد ان صورة الاشعة والبيانات المدونة بالكارت الخاص به تشير الى موضع العملية الصحيح . ومن ثم كان فى استطاعته تجنب الوقوع فى هذا الخطأ لو تذرع بالحيطة والعناية لذلك يصح عقابه عن جنحة –  الإصابة الخطأ

وتعتبر الممرضة قد ارتكبت خطأ واضحا يستوجب مساءلتها عندما تعطى المريض من تلقاء نفسها حقنة فى العرق بدون استشارة الطبيب او بناء على امره وتكون المستشفى مسئولة عن التعويض وفقا للقواعد العامة فى المسئولية المدنية . كما يكون الجراح مسئولا اذا ما امر الممرضة بأن تعطى للمريض دواء معينا دون ان يخدرها من عدم إعطائه عن طريق العرق .

وقد قضت محكمة النقض بأن :

الآثار الحيوية الموجودة برأس الجنين الذى عثر عليه الطبيب الشرعى بالتجويف البطني تشير الى انه وقت اجراء عملية الإجهاض كان الجنين مازال حيا وغير متعفن كما يقرر المتهم وانه يفسر تشخيص المتهم لوفاة الجنين نتيجة لعدم سماعه ضربات قلب الجنين

وانه فى مثل هذه المدة من الحمل التى وصلت اليها المجنى عليها ما كان ينبغى استعمال جفت البويضة لاستخراج الجنين على عدة أجزاء كما قرر المتهم ، فضلا عما ظهر من وجود تمزيق كبير بالرحم

وان ذلك مفاده ان المتهم قد اخطأ فى الطريقة التى اتبعها فى انزال الجنين الامر الذى أدى الى حدوث الوفاة نتيجة تمزق الرحم وما صحبه من نزيف وصدمه عصبية

وانتهى الطبيب الشرعى فى تقريره الى ان ذلك فى رايه يعتبر خطأ مهنيا جسيما . وانه عما يزيد من مسئولية الطبيب المتهم انه قد فوت على المجنى عليها فرصة علاجها على يد أخصائي بعدم تحويلها الى احدى المستشفيات ثم خلص الحكم الى ثبوت الاتهام المسند الى الطاعن فى قوله :

ومن حيث انه يبين مما تقدم ان التهمة الأولى ثابته فى حق المتهم من اقوال الشهود سالفة الذكر . وقد جاءت قاطعة الدلالة على ان المتهم اجرى عملية اجهاض للمجنى عليها أودت بحياتها ومن اقوال المتهم نفسه

وقد اعترف بإجرائه تلك العملية مستعملا جفت البويضة ، ومن التقرير الطبى الشرعى . وقد ثبت منه انه ما كان  ينبغى للمتهم استعمال ذلك الجفت وهو يدرك ان المجنى عليها فى الشهر الخامس الرحمي

كما ان استعمال تلك الالة قد أدى الى احداث تمزيق كبير بالرحم ، وان ذلك يعتبر خطأ مهنيا جسيما من المتهم

ولما كان ذلك ، وكانت القاعدة ان الطبيب او الجراح المرخص له بتعاطي اعمال مهنية لا يسأل عن الجريمة العمدية وانما يسأل عن خطئه الجسيم

وكان المتهم قد اخطأ فى اجراء تلك العملية خطأ جسيما فأهمل ولم يتبع الأصول الطبية ولا ادل على جسامة خطئه من تركه رأس الجنين وقد وجدها الطبيب الشرعى بالتجويف البطني عند تشريح جثة المجنى عليها . ولما كان ذلك قد أدى مباشرة الى وفاة المجنى عليها فإنه يتعين ادانة المتهم طبقا للمادة 238 من قانون العقوبات

( نقض جنائى 8/1/1968رقم 1920-27ق)

قد قضت محكمة جنح مصر المستأنفة بأن :

” …. وحيث ان الذى ثبت للمحكمة من التحقيق واقوال المتهم بالبوليس واجابته على أسئلة جناب الطبيب الشرعى ان المتوفاة عرضت على حضرة الدكتور اسماعيل بك صدقي قبل الوفاه وكشف عليها ووجد عندها ضيقا فى الحوض ولم يتمكن من تحديد قياس الحوض بالضبط بسبب وجود امساك عندها

فأعطاها مسهلا وطلب منها ان تحضر له فى الصباح بغير فطور لإعادة فحصها جيدا فحضرت وأعاد الكشف عليها وتأكد من ضيق الحوض فأخبر والدتها بذلك وأشار عليها بعدم توليدها بالمنزل اذ يتقرر اجراء العملية اللازمة لها وافهمها انه لو دعي لتوليدها بالمنزل لرفض ذلك

وان الاحسن هو البحث من الآن على مستشفى او منزل صحى والانفاق على توليدها وانه بعد ذلك عرضت المتوفاة على المتهم وكان ذلك قبل الولادة بشهر تقريبا فتبين من الفحص انها حامل فى الثامن

وان عندها زلال فى البول وان وضع الجنين مستعرض فى البطن فنيه عليها بتعاطي اللبن فقط والمشي ساعتين كل يوم وطلب حضورها بعد ذلك لإعادة الكشف فحضرت له بعد عشرين يوما تقريبا فوجد ان الجنين لايزال مستعرضا وعلم من المتوفاة انها لا تتبع ما أشار عليها به فأكد عليها بضرورة اتباع ارشاداته المذكورة والا فلا لزوم لطلبه لانه مصمم على عدم المجيء فى هذه الحالة

وقد دعي للولادة فى 12/11/1925 الساعة الثامنة والربع صباحا فوجد ان المجنى بالقاعدة وجيب المياه متفجر وعنق الرحم مفتحة تسمح بدخول اليد والقاعدة منحشرة فى الحوض وحالة الدم جيدة والانقباضات الرحمية قوية ومتتابعة فعمل حقنة كافور للولادة لتقوية القلب وقد أمكنه فى الساعة الثالثة والنصف افرنكى صباحا ان ينزل الساقين والذراعين ثم احس ان الراس كبيرة واسوه حالة المجنى عليها اجتهد فى اخراج الجنين بواسطة الجذب لإنهاء الوضع

لان الدم كان ينزف واستمر على ذلك حتى الساعة الخامسة والنصف صباحا حيث انفصل الجذع عن الراس التى بقيت داخل الرحم ثم حضر الدكتور أيلى الذى طلبه المتهم بعد أن ساءت الحالة فرأى هذا الأخير ان الحالة خطيرة جدا وأشار بنقل المجنى عليها للمستشفى وهناك توفيت والراس داخل الرحم قبل ان يعمل لها العملية.

وقد تبين من التحقيق أيضا أن المتهم عندما رأى صعوبة فى إخراج الجنين طلب معونة زوج المتوفاة وخالتها فى جذب الجنين فأخذا يجذبانه معه وثبت انه استعمل عنفا شديدا فى هذا الجذب حتى انفصلت الدماغ عن الجذع داخل الرحم ثم تبين ايضا ان المتوفاة كانت نزفت كثيرا حتى اغمى عليها وان الدكتور لم يطلب استدعاء طبيب الا للمعاونة بعد ان ساءت الحالة واغمى على المتوفاة مع أن أهلها استشاروه فى احضار طبيب اخر قبل ان تسوء الحالة لهذه الدرجة فرفض

وتبين ان المتهم كان يجذب ساقى الجنين وكان يستعمل الجفت وطلب من الزوج مساعدته فى استعماله بأحكام المسمار حتى لا يلفت وثبت من اقوال الدكتور ابلى تجار بمحضر البوليس (شاهد نفى) انه عندما دعي للذهاب للوالدة طلب منه اخذ اللازم معه لإخراج الراس فذهب وهناك اخبره المتهم ان الراس كبيره وأنها بقيت فى داخل الرحم اثناء جذب الجنين واخبره ان عددا ولكن لا يمكن اخراج الراس بها لان الراس كبيرة

ونظرا لأنه رأى الحالة خطيرة جدا ان الدكتور أيلى تجار أشار بنقل الوالدة للمستشفى فنقلت وتوقف هناك كما سبق بيانه . وحيث انه يرى من الوقائع المتقدمة ومما ذكره جناب الطبيب الشرعي تفصيلا فى تقريره بمحضر الجلسة ان المتهم ارتكب عدة غلطات كانت سببا فى حصول نزيف تسببت عنه الوفاة وهى:

 أولا : عدم اتخاذه أي حيطه لمنع الخطر فى بادئ الامر مع ما شاهده من حالة المتوفاة قبل الولادة بشهر ثم بعشرة ايام من وضع الجنين فى البطن بالحالة السابقة الذكر وضيق الحوض وكان الواجب عليه ان يتوقع تعسر الولادة وتفهيمه آل المتوفاة حقيقة الأمر والإشارة عليهم بضرورة اجراء الولادة  بالمستشفى او عمل الترتيب اللا زم اذ رأى انهم صمموا على ان تكون الولادة بالمنزل كما حصل مع الدكتور … …

 لا ان يذهب و حده طمعا فى الاجر الذى اتفق عليه ودون ان يتخذ أي حيطه حتى انه اهمل فى اخذ العدد الكافية التى يمكن ان يحتاج أيها فى مثل هذه الحالة غير الاعتيادية كما هو ثابت من التحقيق واقوال الدكتور أيلى تجار شاهد النفي بمحضر البوليس .

 ثانيا: انه عندما باشر الولادة فعلا ووجد ان الحالة صعبة كما تقدم لم يبادر بإرسال الوالدة الى المستشفى أو طلب طبيبا آخر لمعونته فى الوقت المناسب قبل ان يستفحل الخطر مع ان ال المتوفاة عرضوا عليه ذلك فرفض ، ولم يطلب استدعاء طبيب اخر الا بعد ان ساءت الحالة وحصل نزيف شديد واغمى على المتوفاة.

 ثالثا: الاستمرار فى جذب الجنين مدة من الزمن واستعمال العنف فى الجذب مع ما تبين من كبر حجم رأس الجنين ومع علم المتهم بوجود ضيق فى الحوض خصوصا بعد أن جرب أن طريقة الجذب لم تفده فى انزال الراس لوجود عائق ميكانيكي يمنع من مرور الراس من الحوض

فلا معنى لاستمرار الجذب بالكيفية المذكورة بعد ذلك مدة عشر دقائق او ربع ساعة او نصف ساعة مع وجود العائق المذكور ومع علم المتهم أن كل دقيقة تمر تؤثر على الوالدة وتقربها من الخطر شيئا فشيئا  مع ان المسموح به ان الطبيب يستعمل طريقة الجذب لحد محدود بقدره الفنيون بمدة لا يصح ان تزيد على خمس دقائق ويقولون انه بعد ذلك من المؤكد ان الجنين يموت

 وفى هذه الاحوال تكون السرعة واجبة جدا ويجب على كل حال ان يكون الجذب فنيا بحيث يجذب الجنين فى اتجاه معين مع اتخاذ الحيطة لجعل الراس تدخل فى الحوض بأقصر اقطارها فإذا ما اتخذ الطبيب هذه الاجراءات مرة ومع علمه بأن الحوض ضيق والرأس كبيرة فكان يجب عليه ان يوقف هذه الاجراءات ويتخذ غيرها وهى ثقب الراس بثاقب الرأس ليصغر حجمها ويسهل نزولها

 رابعا : ان طلب المتهم معاونة ال المتوفاة له فى جذب الجنين مع ان الجذب يجب ان يكون فنيا كما تقدم وما كان له ان يستعين بمثلهما فى هذا العمل الفني الخطير وهمالا يدريان فيه شيئا .

 اما ما ذكره الدفاع بإلقاء مسئولية فصل الراس عن الجسم على ال المتوفاة فلا يمكن الاخذ به لأن المتهم هو الذى طلب هذه المعاونة منهم فهو المسئول عن ذلك وما كان فى استطاعتهم فى هذا الوقت الحرج عدم معاونته فيما يطلب

وكان الواجب يقضى عليه فى مثل هذه الحالة بسرعة طلب طبيب أخصائي لمعاونته فى هذا الأمر أو يأمر فورا بإرسال الوالدة للمستشفى كما أشار بذلك الدكتور أيلى بمجرد ان حضر ورأى الحالة سيئة وحيث انه لا شك أن كل هذه أخطأ جسيمة يجب ان يسأل المتهم عنها

(جنح مستأنف مصر – 2/1/1927 المجموعة الرسمية رقم 11 –28ص2)

وقد قضى بأن” الطبيب الذى يعمل عملية جراحية بعضد مريضة فينشأ عنها نزيف غزير يستدعى علاج خمسين يوما يكون قد ارتكب خطأ جسيما اذا اتضح ان حدوث النزيف تسبب عن قطع شرايين صغيرة فى محل العملية وعدم ربطها ثانية مع ان الأصول الطبية كانت تقضى بذلك ومن ثم يكون مسئولا جنائيا ومدنيا”

(استئناف مصر 19/4/1904 الاستقلال س3  ص105)

إذا ما اعطى الطبيب المريض حقنة فى العرق فنتج عنها خراج بذراعه وتبين من اقوال الخبراء ان الخراج قد يكون نجم اما عن اهمال الطبيب فى تنظيف الحقنة تنظيفا كافيا وتعقيمها كما يقضى بذلك الواجب،

واهمل فى إدخال ابرة الحقنة فى العرق ادخالا محكما فتسرب من جراء ذلك جزء من مادة الطرطير خارج العرق مع ان واجب كل طبيب ان يجرى التجربة اللازمة كي يتأكد من دخول الابرة فى العرق تماما وهى ان يجذب الحقنة فاذا ظهر دم بها كان ذلك دليلا على نجاح الحقنة ، فأنه يكون مسئولا فى كل من الحالتين.

(محكمة شفاء الجزيئة – مشار اليه فى رساله الدكتوراه للدكتور محمد فائق الجوهرى – ص366) .

ثالثا : عدم الاحتراز

يكون الجراح مسئولا عندما يعالج مرضا فى حلق سيدة بأجراء عملية جراحية خطيرة ترتب عليها قطع الشريان السبائى فأصيبت بنزيف انتهى الى وفاتها وذلك لأنه لجأ الى عملية خطيرة لا لزوم لها فى منطقة تؤدى اقل حركة خاطئة فيها الى موت المريضة ، خصوصا وانها كانت مصابة بتهيج عصبي شديد كان يقتضى تأجيل العملية . وقد جازف بإجراء العملية رغم كل ذلك ولغير ضرورة عاجلة فى الوقت الذى كان يمكن فيه ان يقتصر على بتر جزء من اللوزة ليس غير .

وطبيب أمراض النساء الذى يهمل فى القيام بالعلاج الوقائي اللازم اجراؤه مادة بالنسبة للأطفال حديثي الولادة وذلك بوضع نترات الفضة فى عيني الطفل يكون مسئولا عن الالتهابات الخطيرة التى حدثت فى عينيه للإخلال بهذا الواجب مما ترتب عليه فقدان الطفل لبصره . ولا يدرأ عنه المسئولية الادعاء بأن هذه الالتهابات كان سببها فى الأصل امراض ميكروبية اخذها الطفل عن والداته اذا ان هذا المرض يمكن اكتشافه بسهولة كما ان تحصين الطفل ضده بوضع نترات الفضة فى العينين يعتبر من الاحتياطات العادية الواجب اتخاذها .

وقد قضت محكمة النقض بأن : حيث أنه يبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه انه حصل واقعة الدعوى بما موجز ان المجنى عليه مورث المطعون ضدهم ) كان يعمل حدادا بشركة مصر للبترول (الطاعنة الأخرى) وفوجئ أثناء عمله بدخول جسم غريب فى عينيه اليسرى فأخرجه ، ولما توجه الى طبيب الشركة احاله الى الطاعن بوصفه اخصائيا فى الرمد تعاقدت معه الشركة على علاج العاملين بها

وبعد ان أوقع الكشف الطبي عليه حقنه فى عينيه واجرى له جراحة فى عينيه معا ثم صرفه بعد ساعة من اجرائها وظل يتردد على الطاعن بسبب تورم عينيه ووجهه حوالى أربعين يوما للعلاج الى ان تحقق فيما بعد انه فقد ابصاره مع انه كان سليم البصر قبل  الجراحة التى لم يستأذن الطاعن فى اجرائها ولم يجرى مخصوصا قبلها

وقد تخلفت لديه بسبب الطاعن عاهة مستديمة وهى فقد بصره كلية وبعد أن عرض الحكم لبيان مختلف التقارير الطبية الفنية المقدمة فى الدعوى واقوال واضعها اثبت ان المجنى عليه لم يكن فى حاجة الى الجراحة بالسرعة التى اجراها له الطاعن ، عول فى ثبوت خطأ الطاعن على ما أورده من تقرير أخصائي مصلحة الطب الشرعي الدموي من انه كان يتعين على الطاعن اجراء الفحوص الباطنية والمعملية اللازمة التى توجبها الأصول الفنية للمريض قبل الجراحة

وان اجراء الجراحة فى العين معا قد يعرض المريض الى مضاعفات اذا أصابت العينين معا بسبب بؤرة مستكنه او عدوى خارجية او اثناء الجراحة قد تفقدهما الابصار معا وهو ما حدث فى حالة المجنى عليه وان الجراحة لو أجريت على عين واحده فقط لامكن اتخاذ الاجراءات الواقية ضد الحساسية عند اجراء الجراحة على العين الأخرى

ولما حدثت المضاعفات فى العينين معا مما أدى الى فقدهما الابصار كلية ، فضلا عن ان الطاعن لم يستبق المريض فى سريره لبضعة ايام بعد الجراحة وأضاف الحكم ان الطاعن أخصائي فإنه يطالب ببذل عناية اكبر من التى يطالب بها غيره من الأطباء العموميين

 ويجب ان يتوخى غاية الحذر فى علاجه كما يبين من الحكم المطعون فيه ان المحكمة الاستئنافية بعد ان اخذت بأسباب الحكم المستأنف أضافت اليها ما أورده تقرير الطبي الشرعي الأخير تعليقا على – تقارير رؤساء اقسام الرمد فى جامعات اسكندرية وعين شمس واسيوط – الذين ندبتهم المحكمة من أن

  “المريض كان يشكو من حالة مرضية بعينيه هي اعتام بعدسة كل منهما مضاعف لحالة التهاب قيحي قديم ( كراكتا مضاعفة ) وان هذه الحالة كانت تستلزم علاجا جراحيا لاستخراج العدستين – المعتمتين وقد قام المتهم بإجراء العملية الجراحية اللازمة بعيادته الخاصة على العينين معا وفى جلسة واحدة دون ان يقوم بتحضير الحالة على الوجه الأكمل بإجراء المزيد من التحاليل والأبحاث المعملية اللازمة استبعاد الوجود بؤرة عفنه بالجسم وتأكدا من نظافة الملتحمة من الجراثيم الضارة

 اكتفاء بتحليل عينه من بول المريض عن السكر وقياس ضغط دمه علما بأن الاجراء الجراحي ما كان عاجلا فى الوقت الذى اجرى فيه وما كان ليضار لو استغرق فترة اجراء هذه الأبحاث والتحليلات ثم سمح للمريض بمغادرة العيادة بعد الساعة من اجراء العملية دون ان يوفره له راحة بالفراش اكتفاء بثقته فى تأمين جرح العملية بالغرز اللازمة

على ان الحالة قد تضاعفت بالتهاب قيحي داخل العينين أدى إلى ضمورها وفقد ابصارهما بصفه كلية على الرغم من محاولة تدارك الحالة المضاعفة بالعلاج المناسب وأن ما قام به المتهم على نحو ما سلف هي أمور يجيزها الفن الطبي ولا تعد كل منها على حده خطأ مهنيا من جانبه

 إلا أنه يتفق مع الخبراء الثلاثة السابق ندبهم فى أن اختيار المتهم لهذا الأسلوب العلاجي وقيامه بإجراء العملية للمريض فى العينين معا فى جلسة واحدة تحت كل هذه الظروف دون اتخاذ الاحتياطات التامة لتأمين نتيجتها كان اختيارا وليد شعور زائد عن المألوف بالثقة بالنفس حجب عنه التزام الحيطة الواجبة التى تتناسب مع طبيعة الأسلوب الذى اختاره فى مثل هذه الحالات تأمينا لنتيجة العملية التى قصده المريض من اجلها وهى الحفاظ على نور من ابصاره

وبذلك يكون قد عرضة لحدوث المضاعفات السيئة فى العينين معا فى وقت واحد الامر الذى انتهى الى فقد ابصارهما كلية وبذلك يكون المتهم مسئولا عن النتيجة التى انتهت اليها حالة المريض وهى فقد ابصاره لا بسبب خطأ علمي وانما كان نتيجة عدم تبصر شخصي منه وهو أمر معنوي تقديري ليس له ميزان خاص “

 لما كان ذلك . وكان من المقرر ان ايراد الحكم الاستئنافي أسبابا مكمله لأسباب حكم محكمة اول درجة – الذى اعتنقه – مقتضاه ان يأخذ بهذه الأسباب فيما لا يتعارض مع الأسباب التى اضافها , وكانت محكمة الموضوع  – بما لها من سلطة فى تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبة جنائيا او مدنيا –

 وقد قررت ان الطاعن قد أخطأ بقيامه بإجراء الجراحة فى العينين معا وفى وقت واحد مع عدم الحاجة أو الإسراع  فى إجراء الجراحة وفى كل الظروف – والملابسات المشار اليها فى التقارير الفنية –  وهو أخصائي – دون اتخاذ الاحتياطات التامة كافة لتامين نتيجتها  والتزام الحيطة الواجبة التى تتناسب وطبيعة الأسلوب الذى اختاره فعرض المريض بذلك – لحدوث المضاعفات السيئة فى العينين معا فى وقت واحد

الامر الذى انتهى الى فقد ابصارهما بصفة كلية ، فإن هذا القدر الثابت من الخطأ يكفى وحده لحمل مسئولية الطاعن جنائيا ومدنيا ذلك انه من المقرر ان اباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية القره ، فإذا فرط فى اتباع هذه الأصول او خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه فى أداء عمله

واذا كان يكفى للعقاب على جريمة الإصابة الخطأ ان تتوافر صورة واحدة من صور الخطأ التى أوردتها المادة 244من قانون العقوبات ، فإن النفس على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون فى هذا الخصوص يكون غير سديد “

 ( نقض جنائي 11/2/1973 – الطعن رقم 1566 42ق)

 وبأن ” حيث أن الحكم المطعون فيه فى سياق بيانه لواقعة الدعوى قد أورد العناصر التى يتوافر فيها ركن الخطأ فيما نسب الى الطاعن

فقال أن المصاب عرض على المتهم الثاني المفتش للصحة فأثبت ان به إصابات من عقر كلب وظل يعالجه فترة ادعى بعدها انه شفى فى حين كانت تبدو منه حركات غريبة لاحظها أقارب المجنى عليه بعد خروجه من عيادة المتهم الثلاثي فذهب خال المجنى عليه يرجوه فى ان يرسله لمستشفى الكلب لمعالجته فرفض الطاعن

 ثم ذكر الحكم ان الخطأ الذى وقع من الطاعن هو امتناعه عن ارسال المصاب الى مستشفى الكلب ليعطي المصل الواقي اخذا بما جاه بتقرير الطبيب الشرعي من ان الإصابات كما وصفت بتقرير الطبيب الكشاف تقع بالأنف والجبهة مما كان يتحتم معه ارسال المصاب فورا لإجراء العلاج بالحقن دون انتظار ملاحظة الحيوان العاقر .

 وقال الحكم ان تصرف الطبيب على النحو الذى تصرف به كان سببا فى وفاة المصاب . وفيما أثبته الحكم من ذلك ما يدل على ان المحكمة قد استظهرت وقوع الخطأ من الطاعن الذى أدى الى وفاة المجنى عليه .

لما كان ذلك وكانت المادة 238 من قانون العقوبات التى طبقتها المحكمة على جريمة الطاعن لا تستلزم توافر جميع مظاهر الخطأ الواردة بها .

 واذن فمتى كان الحكم قد اثبت توافر عنصر الإهمال فى حق المتهم ” مفتش الصحة “بعدم اتباعه ما يقضى به منشور وزارة الداخلية رقم 23لسنة 1927الذى يقضى بإرسال المعقورين الى مستشفى الكلب ، ولوقوعه فى خطأ يتعين على كل طبيب ان يدركه ويراعيه بغض النظر عن تعليمات وزارة الصحة

 فان ما يثيره الطاعن من عدم العلم بهذا المنشور لصدوره قبل التحاقه بالخدمة لا يكون له أساس ، وذلك ان الطبيب الذى يعمل مفتشا للصحة يجب عليه ان يلم بكافة التعليمات الصادرة لأمثاله وينفذها سواء أكانت قد صدرت قبل تعينيه ، ام بعد ذلك “

 (نقض جنائي 3/1/1953 مجموعة احكام محكمة النقض ، س4 ع3ص133) .

صور الخطأ الطبى

 

أولا : الخطأ فى التشخيص

تبدأ جهود الطبيب فى علاج المريض بتشخيص المرض . وهذه المرحلة من مراحل العلاقة بين الطبيب والمريض أهم وأدق هذه المراحل جميعا ففيها يحاول الطبيب تعرف ماهية المرض ، ودرجته من الخطورة ، وتاريخه وتطوره مع جميع ما يؤثر فيه من ظروف المريض من حيث حالته الصحية العامة وسوابقه المرضية وأثر الوراثة فيه ثم يقرر بناء على ما تجمع لديه من كل ذلك نوع المرض الذى يشكوه المريض ودرجة تقدمه .

ويحتاج الأمر من الطبيب على الأخص إذا كان يزور المريض للمرة الأولى ، ولم تكن سبقت له به معرفة أن يعنى بفحصه وأن يتجنب التسرع أو الإهمال فى الفحص وأن يحاول أن يطبق معارفه وقواعد فنه تطبيقا صحيحا ، حتى يتفادى كل خطأ فى التشخيص

ويجب عليه أن يحيط عمله بجميع الضمانات التى يصفها العلم والفن تحت تصرفه لإبداء رأى أقرب ما يكون إلى الصواب ، وأبعد ما يكون عن الخطأ فيجب عليه أن يستعين بآراء الاخصائيين فى كل حالة يدق عليه فيها التشخيص كما يجب عليه أن يستعين بجميع الطرق العلمية للفحص كالتحاليل بأنواعها والفحص البكتريولوجي والتصوير بالأشعة

كلما كان ذلك لازما للتثبت من الحالة وصحة التقدير ، وكان فى متناول يده فإذا اهمل ذلك وتسرع فى تكوين رأيه فإنه يكون مسئولا عن جميع الأضرار التى تترتب على خطئه فى التشخيص .

(د/ محمد فايق الجوهرى – المرجع السابق – ص394 وما بعدها) .

ومن المقرر الآن أن كل خطأ فى التشخيص مهما كان يسيرا يرتب مسئولية الطبيب مادام أنه لا يمكن أن يصدر من طبيب يقظ يمر بنفس الظروف التى كان يمر بها المتهم .

(د/ أحمد فتحي سرور – المرجع السابق – ص567 وما بعدها) .

وتثور المسئولية الطبية عند الخطأ فى التشخيص :

  • إذا كان الخطأ يشكل جهلا واضحا بالمبادئ الأولية للطب المتفق عليها من قبل الجميع والتى تعد الحد الأدنى الذى يتفق مع أصول المهنة الطبية
  • والغلط فى التشخيص لا يشكل بالضرورة خطأ طبيا ، فمثل هذا الغلط يمكن أن يثير مسئولية الطبيب إذا تم عن جهل جسيم بأوليات الطب أو عن إهمال فى الفحص كأن يتم بطريقة سطحية وسريعة أو غير كاملة .
  • إذا كان الغلط فى التشخيص غير مغتفر كما إذا كانت علامات وأعراض المرض من الظهور بحيث لا تفوت على طبيب مثل الذى قام بالتشخيص .
  • إذا كان الخطأ ينطوى على إهمال واضح من قبل الطبيب لا يتفق مع ما جرى عليه العمل فى مثل هذه الحالات . فعادة يقوم الطبيب – لمعرفة المرض – بكثير من التحريات حول الأعراض والحالة العامة والسوابق المرضية والتأثيرات الوراثية وشكوى المريض

وهو يستعمل فى ذلك جميع الوسائل التى يضعها العلم تحت تصرفه حتى يصل إلى معرفة الداء . فيسأل الطبيب إذا كان خطؤه فى التشخيص راجعا إلى عدم استعمال الوسائل العلمية الحديثة التى اتفق على استخدامها فى مثل هذه الأحوال كالسماعة والأشعة والفحص الميكروسكوبي . ولا يعفى الطبيب من المسئولية فى هذه الحالة إلا إذا كانت حالة المريض لا تسمح باستعمال الوسيلة المتبعة أو كانت الظروف الموجود بها المريض لا تؤهل لذلك كوجوده فى مكان منعزل.

وقد أدان القضاء الطبيب الذى أخطأ فى التشخيص بسبب عدم استعماله الأشعة والفحص الكهربائى إذ جرى العمل على استخدام مثل هذه الوسائل فى الحالة المعروضة .

  1. وإذا كان الخطأ فى التشخيص راجعا إلى استخدام الطبيب لوسائل مهجورة وطرق لم يعد معترفا بها علميا فى هذا المجال وأدانت المحاكم الطبيب بسبب استعماله طرق طبية قديمة مهجورة فى الكشف على سيدة حامل ، لاسيما وأن من شأن هذا الطريق الإضرار بالجنين .
  2. ويسأل الطبيب أيضا عن الخطأ فى التشخيص إذا كان راجعا إلى عدم استشارته لزملاء له أكثر تخصصا فى المسائل الأولية اللازمة حتى يتبين طبيعة الحالة المعروضة عليه – وكذلك إذا أصر على رأيه رغم تبينه من خلال آراء زملائه لطبيعة خطئه فى التشخيص وأدانت المحكمة الطبيب الذى سافر بعد إجرائه العملية وترك المريض فى رعاية زملاء له تبين لهم خطأ التشخيص وعند عودته لم يشاطر الزملاء رأيهم وأصر على تشخيصه رغم وضوح العلامات الظاهرة التى تشير إلى غير ذلك .

ومما تجدر الإشارة إليه أن التشخيص الطبى يعتبر من المسائل الفنية البحتة التى لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأى فيها دون الاستعانة بالخبير ، على أن رأى الخبير فى هذه الحالة يخضع لتقديرها . وهى إذ تأخذ به أو تطرحه يجب أن تستند إلى أدلة سائغة صحيحة وإلا كان حكمها باطلا .

(د/ أحمد فتحي سرور – المرجع السابق)

ثانيا : رفض علاج المريض

بظهور الاتجاهات الحديثة فى نسبية الحقوق ووظيفتها الاجتماعية كان له أثر فعال فى تقييد تلك الحرية المطلقة للطبيب فهناك واجب إنساني وأدبى على الطبيب تجاه المرضى والمجتمع الذى يحيا فيه تفرضه عليه أصول ومقتضيات المهنة إلا أن هذا لا يعنى بوجود التزام على الطبيب بقبول علاج كل من الطبيب منه ذلك بهذا الالتزام يتحدد بنطاق معين ، وفى ظروف معينة .

ويبدو هذا الالتزام واضحا فى الحالة التى يوجد فيها الطبيب فى مركز المحتكر ، بمعنى أنه فى الظروف القائمة لا يوجد سواء لإسعاف وعلاج مريض سواء أكان ذلك راجعا لمكان وزمان العمل أم للظروف الملحة التى وجد فيها المريض ، أم لطبيعة عمل الطبيب

وذلك كوجود المريض فى مكان ناء ولم يكن هناك سوى طبيب معين لإنقاذه أو علاجه او فى ساعه معينه من الزمان لا يوجد فيها غيره وكذلك وجود المريض  فى حالة خطره تستدعى التدخل السريع والفوري من قبل الطبيب الحاضر او المتخصص

والطبيب الذى فى مصلحه حكومية او مستشفيي عام ليس له ان يرفض علاج احد المرضى الذين ينبغى عليه علاجهم أي ممن يدخلون فى نطاق اختصاصه .ونفس الحكم  بالنسبة للطبيب او المستشفى الخاص الذى يتعاقد مع رب العمل عل علاج العاملين فرفض الطبيب للعلاج هنا يثير   مسؤوليته التعاقدية    

وكما يسأل الطبيب عن عدم الاستجابة فى الظروف السابقة فانه يسال كذلك فى حالة التأخير عن الحضور أو التدخل لإنقاذ المريض ويقدر التأخير قاضى الموضوع على ضوء مدى ظروف الطبيب وارتباطه ومشاغله ومدى خطورة الحالة المعروضة أمامه وبصفة خاصة مدى حسن أو سوء نيته .

وتثور مسئولية الطبيب كذلك فى الحالات التى ينقطع فيها الطبيب عن معالجة المريض فى وقت غير لائق وبغير مسوغ قانونى وإن كان ” هناك حالات يجد الطبيب لنفسه فيها مبررا لترك المريض

فلو أن المريض أهمل فى اتباع تعليمات الطبيب أو تعمد عدم اتباعها ، أو لو أنه استعان بطبيب آخر خفية عن الطبيب الذى يعالجه مما يؤذى كرامة هذا الأخير ، أو لأنه امتنع عن دفع أجر الطبيب فى مواعيده لجاز للطبيب ترك علاجه ، بشرط هام هو ألا يكون فى ظرف غير لائق أى غير مناسب للمريض ، وإلا تحمل الطبيب مسئولية الترك أى ما ينشأ عنه من أضرار .

إلا أنه طبقا للقواعد العامة فإن الطبيب لا يفلت من المسئولية فى الحالات السابقة ، إلا إذا قام الدليل على وجود القوة القاهرة أو الحادث الفجائى كاستحالة الزيارة أو التأخير بسبب عطل فى المواصلات أو ظروف مرضية . كذلك إذا استطاع الطبيب أن يثبت أن حضوره لم يكن ليجدي المريض خطأ . وأخيرا فإنه لو ثبت أن أمل المريض يستطيعون طلب طبيب آخر فى حالة عدم حضور الطبيب المتخلف .

(د/ محمد فائق – المرجع السابق – ص388 وما بعدها) .

فلم يقبل القضاء الفرنسي إقامة مسئولية طبيب المستشفى لإخراجه طفل يسبب عدم وجود سرير عقب عملية جراحية رغم احتياجه لعمل كمادات وغيارات نظرا لأنه فى إمكان الأم للقيام بها أو اصطحابه إلى المستشفى لعملها .

ولكنه قبل مسئولية الطبيب الذى امتنع عن التدخل بمناسبة حالة وضع رغم إبلاغه بخطورة الحالة وبصعوبة الظروف المحيطة بها . (د/محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص26 وما بعدها) .

ثالثا : ترك المريض

لا شك فى ترك الطبيب لمريضه بعد قبوله علاجه إخلالا بعقد العلاج من جانبه وهو لا يجوز له مادام المريض فى حاجة إلى جهوده . ولا تنفى المسئولية عن الطبيب فى هذه الأحوال إلا إذا حالت بينه وبين ذلك قوة قاهرة كانقطاع المواصلات أو المرض .

وقد قررت محكمة فى سنة 1909ان الطبيب الذى يشرع فى معالجة المريض ، ثم يتركه ، يرتكب اهمالا يعرضه لفقد اتعابه اذا ترك مسكنه دون ان يترك عنوانه ، او يترك طبيبا آخر بدلا منه ، لانه طالما ان المريض فى حاجة اليه ، ولأي صح ان ينقطع عن هذا العلاج فجأة.

غير ان هناك حالات يجد الطبيب لنفسه فيها مبررا لترك المريض ، كأن يهمل فى إتباع تعليماته او يستعين بطبيب اخر خفية عنه  مما يعرض كرامته للأذى او يمتنع عن دفع الاجر فى مواعيده .ففى مثل هذه الاحوال يجوز للطبيب ان يترك المريض ، بشرط ان لا يكون الترك فى ظرف غير لائق أي غير مناسب للمريض والا تحمل الطبيب مسئولية ما ينشأ عن ذلك من اضرار .

وتشدد المحاكم بصدد مسئولية الطبيب إزاء المريض فى احول التخدير حيث يوجب عليه النيابة به حتى يضيق فى حالة عادية من الصحة . ولكن هناك أحوالا لا تنتهى فيها مسئولية الطبيب قبل المريض بمجرد الفحص أو الزيارة كما إذا دعي لإبداء الرأى بشأنه أو لمجرد إعطائه شهادة بحالته .

وقد نوهنا سابقا إلى حكم محكمة جنح الجيزة فى سنة 1935 بصدد مسئولية الطبيب عن عدم وضع المريضة تحت ملاحظته فى عيادته والتردد عليها يوميا حيث تستدعى حالتها ذلك وأنه لا يخليه من هذه المسئولية أن تكون المريضة فقيرة ، لأن الطبيب كان يجب عليه أن يبحث هذه الوجهة قبل إجراء العملية لا بعدها فإما أن يقبل العلاج تحت مسئوليته ويؤدى واجبه فيها كاملا بما يعرض عليه

وإما أن يرفض فيتحمل أهل المريضة المسئولية ويرسلونه إلى المستشفى أو يتركونه يموت ميتة أخرى لا مسئولية عليه فيها .

(جنح الجيزة 26/1/1935 – المحاماه س15 القسم الثانى 491 – ص216) . (راجع فى تفصيل ما سبق د/ محمد فائق الجوهرى – المرجع السابق)

رابعا : رفض المريض للعلاج

إذا كان رضاء المريض بالعلاج أو التدخل الطبى يعد أمرا ضروريا ، فإنه من الضروري أن يكون لرفض المريض أثره القانونى على تحديد المسئولية الطبية ، إذ يعفى الطبيب من المسئولية . إذا رفض المريض صاحب الأهلية الكاملة أو الرضاء الصحيح التدخل الطبى .

ولكن يثور الشك حول مسئولية الطبيب عندما يكون تدخله ضروريا وتستدعيه حالة المريض ، فهنا يشترط القضاء لتخلص الطبيب من المسئولية إثبات رفض المريض كتابة لتدخله إذ يسأل الطبيب عن الرحيل المبكر للمريض من المستشفى بعد إجراء العملية الجراحية ، وما ينتج عن ذلك من اضرار ، حيث كان ينبغى على الطبيب الحصول كتابة من المريض على ما يثبت رفضه للبقاء .

(د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص32 وما بعدها)

خامسا : رضاء المريض

نصت المادة 60 عقوبات التى يستمد منها الطبيب الإباحة وعدم المسئولية عن بعض أعماله على أنه

” لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة ” . ويستلزم تطبيق هذا المبدأ توافر ثلاثة شروط :

  • الشرط الأول : وجود ترخيص بمباشرة مهنة الطب .
  • والشرط الثانى : رضاء المريض بالعلاج إما صراحة وإما ضمنا .
  • والشرط الثالث : مراعاة أصول وقواعد المهنة وعدم ارتكاب خطأ عمدى أو غير عمدى .
(د/ رمسيس بهنام – المرجع السابق – ص364 وما بعدها) .

وسنقتصر حديثا على الشرط الثانى موضوع البحث :

فعدم موافقة المريض على العلاج يهدم ركنا أساسيا وشرطا لازما لانطباق نص المادة 60ع على عمل الطبيب إذ لا يمكن القول بأن ذلك الحق مقرر بمقتضى القوانين واللوائح حال كون ما تضمنه مرهون بموافقة المريض على العلاج . ومن ثم يكون كل ما يجربه الطبيب بغير هذا الرضاء يكون عملا غير مشروع يستوجب مساءلته .

(محمد خطاب وشفيق رزيق – المرجع السابق ص197) .

فإذا أعمل الطبيب مبضع الجراحة فى جسم إنسان لم يكن قد رضى بذلك ، اعتبرت الواقعة جريمة جرح عمد رغم وجود رخصة مزاولة الطب والجراحة .

(د/ رمسيس بهنام – المرجع السابق – ص369) .

ولذلك فإنه يجب على الطبيب بحسب الأصل – عدم الالتجاء إلى علاج المريض ، أو المساس بجسمه دون الحصول على رضائه سلفا . فهذا الرضاء يقتضيه احترام الحرية الشخصية للفرد إذ لكل إنسان حقوق مقدمة على جسمه لا يجوز المساس بها بغير رضائه ، وكل اعتداء على هذه الحقوق يرتب مسئولية على من ارتكبه ، ولقد كان الدافع إليه صالح المريض . ولكن الخلاف فى مدى تقيد الطبيب فى أعمال التطبيب والجراحة بهذا الشرط .

(د/ أحمد فتحي سرور – د/ محمود محمود مصطفى) .

ويرى البعض أن إعفاء الطبيب من المسئولين عن الإضرار التى يسببها لمريض فى مزاولته العادية لمهنته يرجع إلى وجود عقد يربط بينه وبين المريض يتعهد بمقتضاه الطبيب من جانبه بأن يقوم بعلاج المريض بما تقضى به الحكمة والأصول

كما يقدم المريض من جانبه للطبيب أجرا عن تلك المهمة . فإذا نفذ الطبيب التزامه فى غير خطأ منه ولا تقصير فلا مسئولية عليه ، ولو ترتب على المعالجة ضرر بالمريض أساس الإعفاء من المسئولية فى العلاج للطبي يرجع إلى رضاء الشخص الذى أجرى له الطبيب العلاج أو العملية الجراحية .

(د/ محمد فائق الجوهرى – المرجع السابق)

ولكن رضاء المريض لا يعنى اعفاء الطبيب من المسئولية بل انه يسأل طبقا للقواعد العامة عن الخطأ الصادر منه اثناء العلاج او الجراحة ، فاذا بذل العناية المطلوبة ، لم يكن مسئولا عن الاضرار الناشئة من اجراء تدخله .

(د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق) .

وتزداد أهمية الحصول على رضاء المريض كلما كان العلاج أو الجراحة امرا ينطوى على كثير من المخاطر فقد شددت المحاكم مسئولية الطبيب الذى حقن المريض بمادة ينطوى استعمالها – بحسب تعليمات الشركة التى تضعها على قدر من الخطورة مما يتطلب معه إلى جانب الحيطة أخذ رضاء المريض بذلك .

ومما يجدر ملاحظته أن التزام الطبيب بالحصول على موافقة المريض لا يقتصر على العلاج الذى يشير به فقط بل يجب على الطبيب أن يحيط المريض علما بكافة النتائج والمضاعفات التى قد تحدث بسبب ذلك العلاج ، ويحصل على موافقته بشأنها .

(د/ محمد فائق وشفيق رزيق – د/ رمسيس بهنام) .

ممن يصدر الرضاء ؟

وينبغى – من حيث المبدأ – أن يصدر الرضاء من المريض نفسه – طالما أن حالته تسمح له بذلك وأن رضاءه يعقد به قانونا .

(د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص30) .

على أنه لا يلزم فى الرضاء أن يعبر عنه المريض صراحة بالقول أو بالكتابة بل يكفى أن يكون معبرا عنه ضمنا بأن يكون مستفادا من مسلك المريض .

وإن كان المريض غير أهل للتعبير عن رضائه أو كان فاقد الوعى ، فإنه يكفى أن يصدر الرضاء ممن له فى شأنه سلطة قانونية أو من أقرباء يفترض فيهم أنهم رعاية الطبيعيون .

(د/ رمسيس بهنام – المرجع السابق – ص369) .

حالات لا يلزم فيها رضاء المريض :

ويمكن الاستغناء عن رضاء المريض فى الحالات التى يكون فيها فى وضع لا يسمح له بإبداء ذلك الرضاء لكونه فى غيبوبة أو ناقص الأهلية أو عديمها فهنا يلزم رضاء ممثلية القانونيين أو أقربائه المقربين .

(د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص30) .

ولا يلزم الرضاء كذلك فى الوضع الذى تقتضى فيه حالة المريض التدخل السريع وعدم انتظار أخذ رأى ممثلين أو أقربائه كمن هو فى حادث . ويثور الأمر أيضا عند إجراء العمليات الجراحية حيث تقتضى الضرورة أحيانا إجراء عملية جراحية أخرى ملازمة ولا تحتمل الانتظار .

(د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص30) .

ولا يلزم أخيرا رضاء المريض فى الحالات التى يلزم القانون الطبيب فيها بالتدخل كإجراء التحقيق والتطعيم وحوادث العمل والفحوص العسكرية .

(د/ محمد حسين منصور – السابق المرجع – ص31) .

انعدام الرضاء وتكييف المسئولية :

  • هل يكون الطبيب مسئولا إذا أغفل الحصول على رضاء المريض أو من يمثله ولم تكن ثمة ضرورة لتدخله ؟
  • ما نوع هذه المسئولية . هل هى عمدية أم غير عمدية ؟

بطبيعة الحال أن الطبيب الذى لا يحصل على رضاء المريض أو من يمثله حالة كونه فى غير حالة الضرورة يكون مسئولا . إما عن نوع المسئولية فقد ذهبت بعض المحاكم الفرنسية إلى أن عدم اهتمام الطبيب بالحصول على رضاء صحيح إهمال منه وعدم احتياط . ولكنه لا يكفى وحده أساسا للمسئولية الغير عمدية

بل يلزم أن يكون الضرر مسببا عن إهمال من نوع آخر فإذا أجريت عملية جراحية طبقا للأصول الفنية دون وقوع أى خطأ من الطبيب فلا مسئولية عليه مهما كان الضرر لأنه لم يكن نتيجة لعدم الرضاء .

وبعبارة أخرى لا تكون ثمة علاقة سببية بين الخطأ والضرر الذى حصل  وهذا الرأى مؤدى إلى استبعاد رضاء المريض كشرط من شروط إباحة أعمال التطبيب والجراحة ، وهو ما لا يمكن التسليم به

ولعل الصحيح أن مسئولية الطبيب عن خطئه فى الحصول على رضاء المريض مقدما مستقلة  تمام عن المسئولية التى تنشأ بسبب الخطأ فى العلاج فعدم رضاء المريض يجعل علاج الطبيب عملا غير مشروع بداءة فيكون مسئولا عنه مسئولية عمدية كأى شخص عادى .

(د/ رمسيس بهنام – د/ محمود محمود مصطفى) .

كيفية إثبات رضاء المريض :

قد يكون رضاء المريض بالعلاج الذى أشار به الطبيب ومضاعفاته ونتائجه ثابتا بالكتابة ، وهذا أقوى أنواع الإثبات . ولا يحتاج إلى شرح أو تفصيل .

وقد يكون الرضاء ضمنيا مستفادا من قرائن الأحوال والظروف التى تم فيها العلاج ، كطلب المريض من الأطباء تحويله إلى أخصائي ، فإن ذلك يعنى ضمنا قبول تدخل هذا الأخير وعلاجه وفى هذه الحالة يقع عبء الإثبات على عاتق المريض الذى يزعم أن الطبيب لم يحصل على موافقته .

وإثبات الرضاء فى مثل هذه الأحوال يخضع لتقدير قاض الموضوع بحسب الأدلة والقرائن المطروحة أمامه دون رقابة عليه من محكمة النقض ودون الاحتياج إلى أى خبير فنى أو الخوض فى مجادلات ونقاض علمي .

(محمد خطاب وآخر – المرجع السابق) .

وقد قضى بأن

  ” إذا ما افهم الطبيب المريضة بأنه سيعطيها حقنه فقط فقبلت تحت هذا التأثير واعطاها حقنة مخدرة وكشف عليها وهى تحت تأثير المخدر بمنظار فلما أفاقت وجدت الدم يسيل من رحمها ونقلت بسبب ذلك إلى المسشتفي وظلت فيه زمنا أجريت لها فيه عملية تفريغ الرحم فإن ما قام به الطبيب يستوجب مساءلته

لأنه إذا كان يجوز للطبيب فى مقامه بوظيفته المرخص له بها وفى سبيل المحافظة على صحة الناس اتخاذ ما يلزم من وسائل الطب بقصد العلاج فإن ذلك شروط بأن يرضى المريض بذلك رضاء غير مشوب وأن يمارس الطبيب عمله فى حدود قواعد المهنة الطبية ، فإذا ما خالفت هذه السنة فقد خرج عن قواعد المهنة الطبية وواجباته كطبيب ووجبت مساءلته .

جنايات الاسكندرية – قضية رقم 340 لسنة 1938 – 25/11/1941

أخطاء الأطباء في علاج المرضي

 

بعد تشخيص المرض كمرحلة أولى يصف الطبيب الدواء ويحدد طريقة العلاج الملائمة ولا يلتزم الطبيب بنتيجة معينة كشفاء المريض ، ولكن كل ما عليه هو بذل العناية الواجبة فى اختيار الدواء الملائم للمريض بغية التوصل إلى شفائه أو تحسين حالته ما أمكن .

ولا يسأل الطبيب عن الطريقة التى يعالج بها مريضه إذا رآها أكثر موافقة للمريض ولمزاجه ، ولا يلتزم باتباع آراء الغالبية من الأطباء وله أن يطبق علاجا خاصا به شرط أن يكون العلاج مبنيا على أسس علمية سليمة ومعترفا بها لأنه يجب أن تترك للطبيب حرية التصرف حسب مهارته وتجاربه .

كما يجب على الطبيب أن يعطى علاجه دون تعريض المريض لخطر لا تدعو إليه الحاجة ولا يتناسب مع الفائدة المرجوة ما لم تكن حالة المريض ميئوسا منها .

ويجب عليه أيضا استشارة الاخصائيين إذا وجد نفسه إزاء حالة فوق مستوى علمه ، وإذا اشترك فى استشارة يجب عليه أن يتبع رأى الاخصائيين الذين شاركوه ، وعليه إخطار أهل المريض بالنتيجة وموافقته أو عدم موافقته على العلاج وإذا لم يوافق فله أن ينسحب أما إذا وافق فهو مسئول عن نتيجة العلاج ولا عبرة بالقول بأنه لم يكن موافقا عليه .

وعليه أن يطلب إرسال المريض إلى المستشفى إذا رأى أن حالته لا تسمح بعلاجه فى المنزل .

كما أن عليه الالتزام بمراعاة الحيطة فى وصف العلاج وضبط الجرع التى تتناسب مع حالة المريض وبنيته وسنه ومقاومته ودرجة احتماله للمواد التى يحتويها الدواء .

ويسأل الطبيب عن الخطأ فى العلاج إذا كان ذلك يدل على إهمال أو جهل بالمعارف الأولية والقواعد الأساسية للطب ، ويقع الجهل عادة من عدم اتباع القواعد المتفق عليها فى العلاج ، أو إعطاء جرعة أكبر أو أقل من اللازم لذا يجب على الأطباء التدقيق فى كتابة التذكرة الطبية والتأكد من أنها مطابقة للمرض ولحالة المريض مع الدقة فى بيان طريقة الاستعمال .

كما يسأل إذا أخطأ خطأ ضارا فى وصف الدواء سواء كان ذلك لنقض معارفه أو إهمالا منه .

كذلك يسأل الطبيب إذا أعطى المريض دواء من الأدوية المعروفة بسميتها نتيجة زيادة حساسية المريض لها ولم يبصر المريض بذلك وحدث للمريض تسمم نتيجتها ، وعلى الطبيب عند استعمالها مراقبة المريض عن كثب لتوجيهه ، مع الأمر بوقف العلاج إذا حدثت بوادر مضاعفات ولكنه لا مسئولية على الطبيب إذا هو زاد الجرعة زيادة فى تأثير الدواء طالما أنه لن تخرج فى ذاتها عن الحد المعقول وكان الضرر ناجما عن حساسية لدى المريض لم يكن للطبيب أن يثبته لها .

التطبيقات العملية لأخطاء العلاج

يضم أرشيف مصلحة الطب الشرعى عددا كبيرا من قضايا الوفاة المفاجئة فور حقن البنسلين فى العضل ، والواقع أن البنسلين كان يعد بعد اكتشافه فى أواخر الأربعينات عقارا سحريا يشفى جميع الالتهابات وجهز للاستعمال فى وقت كان الطب فى أحوج ما يمكن إليه بسبب صعوبة علاج الالتهابات المختلفة التى لم يكن لها أى علاج إلا مركبات السلفا البسيطة البطيئة المفعول

ولكن نجاحه فى العلاج لم يكن سهلا فقد كان الحقن بالنسلين يصطحب فى بعض الأحيان بصدمة استهدافية تؤدى إلى الوفاة خلال دقائق بل إن هذه المضاعفة انتشرت إلى استعماله فى صورة مرهم للعين ثم إلى الممرضات اللائي يقمن بحقن المرضى بالبنسلين .

وفى الحالات الأولى من هذه المضاعفات كان يكتفى بالقول أن وفاة المريض من حساسية استهدافية لديه تجاه البنسلين دون التفكير فى مساءلة الطبيب الذى قام بالحقن على أساس أنه يتعذر علمه بوجودها أو احتمال حدوث المضاعفة مسبقا .

ثم اصبح الأطباء يقومون بعملية اختبار الحساسية للتأكد من وجودها لدى المريض من عدمه حماية لأنفسهم من مغبة حسبان خطأ منهم فى حالة وفاة المحقون ، ولم يعد فى الإمكان مساءلة طبيب قام بإجراء الاختبار حتى لو توفى المريض بسبب صدمة استهدافية كذلك أثير فى ذلك الوقت أن اختبار الحساسية نفسه قد يؤدى إلى صدمة استهدافية تؤدى إلى الوفاة .

وقد وصلت كثير من القضايا إلى النيابة والمحاكم ولكن مصيرها كان إلى الحفظ أو الحكم بغرامة وتعويض بسيط إلا فى حالة واحدة حكم فيها بحبس طبيب ثلاثة أشهر بعد أن حقن مريضة كبيرة السن بعد أن قام بعملية بسيطة لها . وتوفيت خلال دقائق من الحقنة وقد تأيد الحكم استئنافيا

ولكنى لم أتابعه فى التقصي بعد ذلك رغم أنى كنت متأكدا أن نسبة الوفاة إلى البنسلين مشكوك فيها ، لأن السيدة كانت مسنة جدا واحتمال وفاتها طبيعيا كان أمرا واردا بسبب تقدمها فى السن كما أن الحقنة التى أعطيت لها كانت تحوى مادة البروكايين وهو عقار يمكن أن يؤدى إلى الوفاة نتيجة الحساسية وأنه مما لا يمكن التعرف على وجود حساسية من ناحية أى وسيلة من الوسائل .

ومن زمن طويل تحضرني هذه الواقعة فقد كان هناك ممرضة تشكو آلاما شديدة نتيجة الطمث فأمر بإعطاء حقنة نوفالجين لها فى الوريد ، وبعدها توفيت ووضح من فحص الجثة أن الوفاة كانت نتيجة حساسية استهدافية لمادة النوفالجين لم يمكن للطبيب أن يتوقعها أو يتلافاها وانتهى الأمر على ذلك

وقد اتصلت بعد ذلك بالشركة التى أفادته بوضوح أن النوفالجين لا يمكن أن يؤدى إلى الصدمة الاستهدافية القاتلة ، وأن الحساية التى قتلت هذه الممرضة كانت تلوث الحقن بمادة البنسلين وليست نتيجة الحساسية للنوفالجين وقد رضى الطبيب بهذا الرأى ولكن الأيام أثبتت للطبيب أن للنوفالجين حساسية قد تؤدى إلى الوفاة وأن على الطبيب تحاشيها بعمل الاختبار المناسب أو سؤال المريض .

 أخطاء طبيب الجراحة

 

لا شك فى أن الجراحة أجل المهن الطبية للإنسانية وكان اعطاؤها لها كثيرا رغم خطرها ولذا احتاجت إلى مزيد من العناية أكثر مما تطلبه العلاجات العادية الأخرى الطبية ، فلا يحق للجراح أن يجرى جراحة إلا بعد تفكير عميق وبشرط أن تكون متاعب المريض غير محتملة أو منذرة بما هو أصعب أو أخطر وأن تكون الجراحة وعلى الأخص إذا كانت دقيقة خطرة لازمة لإنقاذ الحياة لأن إنقاذ الحياة وإنقاذ المريض من آلامه وتعبه أمر نبيل حقا .

ولابد قبل الجراحة من الحصول على رضا المريض بعد أن يكون على بينة بحقيقة وضعه وطبيعة العلاج المطلوب له وموافقته وقبوله العملية مع علمه بكل تفاصيلها وامكانياتها ومضاعفاتها المحتملة .

ولا مانع من حصول الطبيب على موافقة مكتوبة إذا رأى ذلك وخاصة فى حالات استئصال الأعضاء منعا لما قد يطرأ مستقبلا لتوضيح الأمور .

ولا تجرى العملية بدون رضا المريض إلا للضرورة وفى الحالات المستعجلة التى تقضى بإنقاذ حياة المريض الذى يكون فى وضع لا يسمح له بالتعبير عن الرضا وذلك كحالة الطبيب الذى يضطر أثناء جراحة للقيام بعملية أكثر خطورة مما توقع فى البداية .

وهنا يكون التعبير ممن يمثل المريض قانونا أو اقربائه وإلا تعرض الطبيب للمساءلة ومهمة الطبيب فى هذه الحالة أن يثبت حصوله على الرضا القانونى أو أن يثبت المريض تخلف رضاه

وتزداد أهمية التزام الطبيب بإعلام المريض والحصول على رضاه إذا تطلب الأمر التدخل الجراحي وبصفة خاصة إذا انطوى ذلك على قدر من المجازفة والخطورة حيث يعتبر القضاء الطبيب مسئولا إذا كذب على المريض بالمبالغة فى وصف حالته لحمله على قبول عملية خطرة مكلفة .

كذلك لا يسأل الجراح إذا رفض إجراء عملية مشكوك فى نتائجها وإن كان عليه ألا ينكص عن إجراء عملية لمجرد أنها خطيرة طالما أن الحالة تستدعى ذلك ولا يسأل الجراح عن طريقة إجراء العملية طالما أنه مسلم بها علميا ، وإذا اتبع قواعد فنية ولم يحصل منه خطأ ما فلن يسأل مهما كانت نتيجة العملية

كذلك لن يسأل إذا أهمل الاحتياطات التى يوجبها الفن بسبب السرعة أو الظروف الشاذة المصاحبة للعملية ، ويسأل الجراح إذا تجاهل أصول الفن الطبى ، كأن يهمل تنظيف جرح أو غسله وإزالة ما به من أجسام غريبة .

ويسأل الجراح إذا ترك شيئا فى جوف المريض بعد عملية بالبطن كغطاء أو قطعة من الشاش ولكن ذلك يخضع لشروط سوف نأتي إليها فيما بعد .

وفيما يختص بالجروح فعلى كل طبيب أن ينتبه إلى احتمال تلوث الجرح بالتيتانوس ولن يكلفه هذا شيئا ولكن قد يكلف المريض حياته وعندما يجد الطبيب نفسه إزاء جرح متسخ وخاصة من التلوث بالأرض

فإنه يرتكب خطأ جسيما إذا لم يحقن المصاب بالمصل الواقي ضد التيتانوس ، ما لم يثبت أنه ليس فى طبيعته الأصلية ولا فى الظروف ما يحتم هذا الإجراء علما بأن الحقن بهذا المصل قد تكون له مضاعفات لا يسأل عنها الطبيب إذا رأى أن الحالة كانت تستدعى الحقن .

وفى حالات الكسور والخلع لا يسأل الطبيب إلا إذا أخطأ خطأ فادحا فى التشخيص أو أهمل فى العلاج ولكن لا مسئولية عليه من الأضرار التى تترتب على علاجه إذا لم يخطئ .

والقضاء المصرى أخذ بمثل هذه المبادئ منذ أدان طبيبا أجرى عملية بدون مرض ونشأ عنها نزيف بعد أن اتضح أن النزيف سببه شرايين قطعت لم يقم الطبيب بربطها مع أن الأصول الطبية كانت تقضى بذلك .

ويتبقى على الطبيب قبل إجراء عملية ما أن يقوم بفحص المريض الفحص الذى تستدعيه حالته وتقتضيه طبيعة الجراحة المزمع عملها على أن يشمل الفحص الحالة العامة للمريض مع التحاليل المعملية اللازمة للتأكد من سلامته وعدم وجود أى أمراض جانبية يمكن أن تؤثر على سلامته بعد التدخل الجراحي وبعد التخدير .

وعلى سبيل المثال فإن جميع الجراحين الآن سواء فى المدن والأقاليم فى حالات العمليات الكبرى والمتوسطة لابد لهم من عمل فحص باطني لدى طبيب ، وفحص للقلب بالرسام الكهربائى . وتحليل للدم عن السكر والبولينا وغير ذلك حتى لا يتضح أثناء العملية أو بعدها أن المريض عنده حالة مرضية غير ظاهرة قد تؤثر على حياته أثناء العملية أو بعدها .

ومن أكثر الأخطاء شيوعا فى الجراحة ترك شاشة أو آلة جراحية بالبطن فقد أصيب  مهندس بالإسكندرية فى الستينات من مصادمة سيارة ونقل إلى المستشفى وأجريت له عملية لاستكشاف البطن ووجد بعض كدمات بجدر  الأمعاء ونزف داخلي بسيط من أوعية ، وعمل له ما لزم من العملية

ثم أرسل بعد العملية إلى سريره وبعدها بدأ يشعر بآلام فى البطن مع ارتفاع فى درجة الحرارة واستمر علاجه بالدواء فترة حوالة أسبوعين  دون جدوى وازدادت حالته سوءا ثم طلب أحد الأطباء عمل اشعة للبطن وتبين وجود جفت جراحي بجوار المعدة فأجريت له عملية ثانية لاستخراجه وتمت العملية واستخرج الجفت ، ولكن حالة المريض ساءت بعد العملية وانتهت الحالة بوفاته من شلل الأمعاء .

هذه حالة خطأ لا جدال فيها من جانب الجراح والحكيمة التى تساعده أثناء العملية لأن الحكيمة تحضر منضدة العمليات بعدد محدد من الأدوات الجراحية والفوط الجراحية تسلمها للطبيب لاستعمالها ، وبعد انتهاء العملية عليها أن تقوم بعد الأدوات وعدد الفوط التى أحضرتها وأن تراجع الطبيب إذا وجدت نقصا فيها ، وعلى الطبيب ألا يقفل جرح البطن إلا بعد أن تؤكد له الحكيمة ان جميع الآلات والفوط قد استعيدت .

ومثل هذه العملية تؤكد مسئولية الجراح إذا كانت العملية بسيطة وعدد الفوط والجفوت المستعملة قليلة .

وهناك عدد ضخم من الحالات التى حدث فيها ذلك وجميعها يسند الخطأ فيه إلى الجراح وحكيمة العمليات لأنهما يشتركان فيه .

ولكن الجراح يخلى من المسئولية إذا كانت العملية على درجة من الخطورة بحيث يتحتم إجراؤها بمنتهى السرعة أو إذا كانت من الصعوبة والجسامة بحيث يستدعى استعمال عددا كبيرا من الشاش بالعشرات مما يسهل معه عملية الخطأ فى عددها أو كانت حالة المريض قد تدهورت بالدرجة التى تستدعى إنهاء العملية فورا

ومن ذلك فإن نسيان فوطة شاش فى البطن يمكن فى حالات خاصة عدم اعتباره خطأ لكن مجرد حادث جراحي لا يسأل عنه الجراح ولكن قبل اعتباره كذلك لإخلاء مسئوليته يجب أن يقوم الدليل على أن ترك الفوطة كان نتيجة ضرورة علاجية أو قوة قاهرة

والفوطة التى تترك فى البطن بعد أى عملية ما تؤدى إلى التهاب موضعي وقد تؤدى إلى تقيح محدود داخل البطن ولكن الجسم قد يستطيع أن يحيطها بحوصلة من الأنسجة الليفية الملتهبة

وقد تستمر داخل البطن فترات شهور أو أكثر وقد كان لى الحظ أخيرا بمتابعة حادثة حالة حدثت سنة 1942 لسيدة بعد عملية بالرحم وتركت فيها فوطة كبيرة استمرت فى بطنها سنة وشهرا وكانت تعانى إثناءها من آلام بالبطن أو نوبات إسهال أو قئ حتى خرجت ذاتيا عن طريق الشرج .

وهذا مما يجعل من يتهم بترك فوطة فى البطن بعد عملية البطن أن يدفع بأن الفوطة متروكة من عملية سابقة إذا كانت العملية السابقة قد تمت خلال عام سابق أو نحو ذلك ، ومن المتعذر أن يثبت أن العملية السابقة لم يتبعها آلام أو مغص أو اضطرابات بالبطن ، وأن الاضطرابات لم تبدأ إلا بعد العملية الثانية التى انتابها المغص ، وذلك حتى يثبت أن السبب وجود الفوطة فى البطن

أخطأ طبيب متخصص بالأنف والأذن والحنجرة حديث التخصص قام بإجراء عملية استئصال اللوزتين لطفل وقام بحشو بلعوم الطفل بقطعة من الشاش لمنع تسرب الدماء الخارجة من الجراحة ونزولها إلى المريء والقصبة الهوائية وبعد إنتهاء العملية نسى إزالة الحشو الذى وضعه فى حنجرة المريض وأدى إلى وفاته اختناقا

ولم تكن هناك أى عيوب فى تحضير المريض أو التخدير وجميع مقومات التداخل ولكن ترك هذه الشاشة كان خطأ واضحا ، وقد حاول الطبيب إثبات أن الشاشة تشبعت بالدم بحيث أصبح لونها يضاهى لون الغشاء المخاطي للبلعوم . وقد أخذ الطب الشرعى بعذره واعتبر خطأه خطأ لا يرقى إلى مرتبة الخطأ المهني .

أخطاء طبيب التوليد وأمراض النساء

 

 إن مضاعفات التوليد كثيرة جدا ويرجع ذلك إلى تعهد التوليد إلى الدايات والقابلات رغم ضآلة معلوماتهن الطبية بل أكثر من 75% من الولادات فى مصر تتم عن طريقهن وفى المنازل القروية  ويؤدى ذلك إلى كوارث لا يكلفها القانون .

وفن أمراض النساء شأنه فى ذلك شأن أى فن طبى يتعرض لنفس القواعد التى تتعرض لها باقى القوانين الطبية من ناحية التشخيص والعلاج والإجراءات الجراحية

ومن النادر تعرض طبيب أمراض النساء للخطأ فى العلاج الدوائي والتشخيص ولكن معظم الخطأ يكمن فى العمليات الجراحية وخاصة فى عمليات الكحت نتيجة الاضطرابات فى عملية الطمث أو فى عمليات تفريغ متحصلات الرحم الحامل فى حالات الإجهاض

وفى هذه الحالات يكمن الخطر فى عمليات التفريغ وما قد يحدث عنها من نزيف أو ثقب للرحم وقد عرضت على مصلحة الطب الشرعى مئات من قضايا المسئولية فى حالات عن انثقاب الرحم فى عمليات الكحت والتفريغ قد يحدث حتى فى اليد المدربة بسبب رخاوة جدار الرحم

وخاصة فى حالات الحمل وقد كان مجالا لحفظ المئات من هذه القضايا على أساس أنه مادام الأخصائي قد يخطئ فلا جناح فى إعفاء الطبيب الحديث من ذلك وبالرغم من ذلك فقد تحتم إثبات الخطأ على بعض الأطباء الذين لم يثبت فقط ضدهم هذا الخطأ بل تمادوا فيه بقطع الأمعاء أو تسلخها أو غير ذلك من الأخطاء غير المعقولة .

أما عن أخطاء الولادة فهى كثيرة جدا . فمن المتعارف عليه أن الحمل يبدأ البويضة بواسطة الحيوان المنوي للرجل ومن ذلك يبدأ نمو الجنين داخل الرحم ثم تتكون بعد ذلك المشيمة التى تتصل بالرحم ويتصل بها الجنين عن طريق الحبل السرى وهذه المشيمة هى التى تزود الجنين بكل متطلبات غذائه وحياته والتخلص من فضلاته بينما هو يعيش حتى يأذن إلى ميلاده .

وتشخيص الحمل يتم عن التاريخ الحيضي للأنثى وعن طريق الفحص المهبلي وعن طريق الفحوص المعملية التى أصبحت تؤدى إلى تشخيص حدوث الحمل بعد أيام من حدوثه والأشعة العادية وفوق الصوتية التى أصبحت توفر تشخيص كل ما يمكن أن يطلبه طبيب الولادة من معلومات عن الحمل والجنين.

وقد تنتاب الحامل قبل الولادة بعض المضاعفات ، ومنها  الإجهاض الذى قد ينهى الحمل أو يمكن علاجه فيبقى ثم يأتى قيء الحمل وتلف الكبد وانقلاب الرحم الحامل والمول الحوصلي وتسمم الحمل وأمراض المشيمة والأغشية وغير ذلك .

كذلك من مضاعفات الحمل – الحمل خارج الرحم .

كذلك فهناك العديد من الأمراض التى قد تكون موجودة أثناء الحمل وتشمل الحميات والدرن وأمراض القلب والصدر والكلى وأمراض الدم والسكر وأمراض الجهاز العصبي والزائدة الدودية وأورام الجهاز التناسلي .

ثم يأتى الوقت المحدد للولادة فتبدأ وتستمر تدرجيا حتى ينتهى بخروج الجنين من الرحم ثم يعقب ذلك نزول المشيمة وانتهاء الوضع على ذلك والولادة يمكن أن تتم تحت إشراف داية أو قابلة أو طبيب مادامت عادية دون تداخل فعلى منهم ، وقد يعمد الأطباء إلى إعطاء المريضة عناصر التخدير المختلفة ليقلل آلامها أو تنشيط انقباضات الرحم فى حالة تكاسلها .

ويجب على الداية أو القابلة أو الطبيب بعد ذلك أن تلازم الوالدة فترة لا تقل عن ساعة بعد الولادة للاطمئنان على سلامتها وعلى سلامة المولود .

على أن الولادة قد تأخذ طريقا خاطئا لعدم نزول الجنين فى الوضع الطبيعي وفى حالة الولادة لتوأمين وحالات سقوط الحمل السرى وحالات ضيق الحوض بأنواعه المختلفة .

كما قد تكون الولادة غير طبيعية بسبب أورام الرحم والمبيضين وتصلب عنق الرحم وتصلب العجان أو اضطرابات انقباض الرحم وانسداد الولادة بجميع اسبابة .

بل ذلك إصابات الولادة وأهمها تمزق الرحم والمهبل والفرج والعجان وانقلاب الرحم والنزيف ما قبل الولادة والنزيف العرضي والتصاق المشيمة والنزيف بعد الولادة .

لكل هذا فإنه وإن كان من الممكن السماح للقابلات والأطباء حديثي التخرج بممارسة الولادة العادية إلا أن ظهور أى مضاعفة تهدد الحمل أو الولادة يجب أن تحول فورا للأخصائي القادر على علاجها فى أقرب مستشفى وقيام الداية أو القابلة بعلاجها يعتبر خطأ منها تسأل عنه كذلك يجب على الطبيب الممارس غير الأخصائي أن يرسل هذه الحالات إلى المسشتفي ما لم تكن أحوال الضرورة أقصى وأسرع منه .

وبعد انتشار الوحدات الصحية فى جميع أنحاء القطر يجب على الحامل أن توالى حملها فى هذه الوحدات لاكتشاف كل ما يمكن من انحرافات فى حالة الحمل قبل وصول الحامل إلى موعد الولادة لتصحيحها وعلاجها فى الوقت المناسب وعند حصول الولادة لا مانع من قيام الداية أو القابلة أو حكيمة الوحدة من القيام بعملية التوليد

طالما أنه ليس هناك موانع تحول دون ذلك أما إذا اتضح وجود انحرافات فى حالة الحمل مثل ضيق الحوض أو وجود سكر أو زلال أو مرض فى القلب فلابد من إحالة الحامل إلى المختصين وتوليدها بمعرفتهم وكل من يحاول غير ذلك يتعرض لمسئولية الخطأ الطبى .

كذلك فإن التوليد فى المنزل أمر طبيعى جدا فى مصر ولا غبار عليه ، ولكن بالنسبة للحالات التى لا توجد فيها ما قد يؤثر على الولادة الطبيعية .

والغالبية من حالات أخطاء التوليد التى تصل إلى مصلحة الطب الشرعى هى حالات تعسر الولادة التى تسبب تمزق الرحم وحالات إساءة استعمال جفت الولادة فى الحالات التى لا يجوز استعماله فيها أو الحالات التى يكون استعماله فيها على جانب كبير من الصعوبة . ولابد فى هذه الحالة من النقص الدقيق ومعرفة دوافع الطبيب للقيام بالعملية ومدى ما كان يمكنه الاستفادة منه من وسائل للعلاج والعوامل التى كانت تعوقه دون ذلك .

ويحضرني فى هذا المقام قصة طبيب حديث التخرج كان يعمل طبيبا مقيما بأحد المستشفيات المركزية واستدعى لحالة ولادة عسرة وارتأى استعمال الجفت فيها رغم قلة خبرته فى هذا المجال مما أدى إلى إصابة الجنين ووفاته وإصابة الأم بتمزق فى الرحم استدعى نقلها إلى المستشفى حيث أجريت لها عملية لاستكمال الولادة وخياطة الرحم الممزق . وقد حكمت المحكمة عليه بالحبس ستة شهور وتأيد الحكم استئنافيا .

وتحديد مسئولية الطبيب فى حالات التوليد وإصابة الجنين أو وفاته وإصابة الحامل أو وفاتها أمر عسير جدا ويتطلب استقصاء كل دقيقة فى الحالة للوصل إلى الرأى السليم .

وكل ما يمكن أن يسديه طبيب قديم إلى زملائه الصغار ناقصي الخبرة ألا يجعلوا الكسب المادى أو محاولة الظهور مقصدهم بل يجب أن يكون صالح الحامل والمولود نصب أعينهم ، وأن يكون ذلك جليا فى أعينهم وإذا كان ذلك قد يفقدهم قروشا فإن سوف يكسبهم حمدا ويحول دون تعرضهم لمسئولية قد تخسرهم آلاف الجنيهات فضلا عن سوء السمعة والخسران المعنوى والمادي .

أخطاء طبيب الأشعة

 

الأشعة من الاكتشافات الهامة فى علم الطب ، فالأشعة السينية التى اكتشفت فى أواخر القرن التاسع عشر قفزت بإمكانيات الأطباء فى التشخيص الى اكثر من ضعف ما تسمح به امكانياتهم العادية دون اشعة كما ان استعمالها فى العلاج كان له دور كبير فى تحسين قدرة الأطباء على علاج المرضى أمراض معينة خاصة امراض الجلد والعظام والاورام .

على ان استعمال الاشعة فى العلاج يجب ان يتم بحذر وعناية شديدة ولا يلجأ اليها الا فى حالة عدم جدوى استعمال علاجات أخرى تقليدية .

كذلك فان الفحص بالأشعة يؤدى الى مضاعفات فى حالة الاسراف فيه دون مبرر .

كذلك قد يحدث مضاعفات أخرى كثيرة بسبب عدم صلاحية الجهاز المستعمل .

وقد أدانت المحاكم أطباء عديدين فى حالات الحروق الناتجة عن الاشعة من وضع المريض فى وضع خاطئ تحت جهاز الاشعة ومن استعمال أجهزة قديمة غير صالحة او من الخطأ فى تقدير الجرعة او إطالة مدة التعرض للإشعاع .

وقد تسنى لى خلال فترة الستينيات الاطلاع على حالتين من حالات المسئولية عن العلاج بالأشعة .

أولاهما لسيدة فى الخامسة والثلاثين من عمرها ظهر ورم فى ثديها وقام على علاجها اثنان من اكبر أساتذة الطب فى الاشعة والجراحة وبعد استئصال الورم ارسل للفحص الباثولوجي لدى اثنين من أساتذته فقررا ان الورم خبيث واعطيت علاجا بالإشعاع وأدى الاشعاع الى تقرحات شديدة بجلد الصدر ونزيف ثانوي بالإبط من الاوعية الدموية بالإبط أدى الى غرغرينا بالطرف العلوى الأيمن مما يتطلب بتره ،

وكانت النتيجة مهولة جدا وخاصة بعد ان أرسلت المريضة الورم المستأصل الى الخارج لفحصة بمعرفة أخصائي فى الأورام فأرسل لها تقريرا بان الورم ليس ورما ولكنة درن بالثدي

واقامت السيدة هذه القضية مطالبة عقاب الأطباء للخطأ مع طلب تعويض كبير عما اصبها من اضرار ولكن بعد استعراض ما قام به الأطباء انه لا يمكن نسبة أي خطأ او اهمال الى أي منهم لانهم قاموا بواجباتهم على وجه سليم وما حدث من مضاعفات بعد ذلك كان خارجا عن ارادتهم ويعتبر من قبيل سوء الحظ الشديد فى حالتها .

والحالة الثانية حالة عامل كبير السن شكا من آلام شديد بظهرة وبعمل اشعة عادية له تبين ان عنده زوائد بالعمود الفقري وتآكلها فى الغضاريف وقد اعطى العلاج الدوائي اللازم لفترة طويلة دون جدوى ثم ارتأى الطبيب المعالج علاجه بجلسات الاشعة العلاجية وارسل الى المستشفى حيث وضع له برامج جلسات لفترات محدده ولعدد 12جلسة

وبعد انتهائها فوجئ المريض بظهور قرحة فى ظهره استمرت دون تحسن لسنوات وقد تقدم المريض بشكوى ضد طبيب قسم الاشعة بالمستشفى على أساس ان ممرضة القسم كانت تتركه تحت جهاز الاشعة لفترات تجاوز الفترات المقررة له

ولكنه لم يمكن إثبات ذلك ورفضت مصلحة الطب الشرعى مساءلة الطبيب على أساس انه لم يصدر عنه خطأ يستوجب المساءلة وقد ايدها فى ذلك أستاذ الاشعة بكلية الطب الذى قرر ان القرحة يمكن ان تكون نتيجة حساسية لدى المريض تجاه الاشعة .

هذا من ناحية الاشعة العلاجية ومن ناحية الاشعة التشخيصية فتلزم الدقة فى قراءتها فقد قضت محكمة بأن عدم اكتشاف وجود كسر فى صورة الاشعة لا يمكن ان يحل الا على احد امرين كلاهما يوجب للمساءلة وهما الإهمال والافتقار الى الخبرة الفنية المتطلبة فى الاخصائي

وكذلك يسأل من يفسر الاشعة تفسيرا يختلف بوضوح عن الواقع لان تكوينه العملى ودقة تخصصه لا يتفقان مع الوقوع فى مثل هذا الخطأ ولنفس السبب لا يسأل غير الاخصائي اذا لم يتمكن من التعرف على وجود كسر بالأشعة .

أخطاء طبيب التخدير

 

التخدير  من  النعم التى افاضها الله على عباده فقد اعان التخدير على منع الشعور بالالم فى الكشف على الاجزاء المؤلمة من الجسم وعلى تسهيل علاج الكسور دون الم وعلى اجراء العمليات التى تحتاج سكوتا عاما من المريض وعلى التوليد دون ألم راحة للحامل والوليد واذا كانت تحدث فيه اضرار أحيانا رغم العناية الفائقة الا ان ذلك لم يمنع من انتشاره بصورة هائلة فى جميع فروع الطب .

والتخدير اما ان يكون موضعيا عن طريق الحقن الموضعي الذى يستعمل عند الجراحات البسيطة جدا وعمليات العين وهذا التخدير يمكن ان يقوم به الجراح نفسه دون الاستعانة بأخصائي فى التخدير وان كان أطباء العيون قد اقتنعوا أخيرا ان وجود اخصائي للتخدير بجوارهم اثناء العملية تحت المخدر الموضعي يساعدهم كثيرا على التفرغ للعملية وترك مراقبة حالة المريض لأخصائي التخدير .

وهناك التخدير النخاعي ومن الممكن ان يقوم به أى اخصائي فى الجراحة دون وجود طبيب تخدير اذا كان يحسنه ، ولكنه بعد ذلك سوف يبقى موزع الفكر بين حالة المريض والعملية ولذا يفضل الجراحون ان يقوم أيضا احد أخصائي التخدير بإجرائه ويقوم بعد ذلك على مراقبة حالة المريض ويتحمل نتيجة ما قد يطرأ من مضاعفات نتيجة التخدير النخاعي وهى كثيرة .

وهناك النوعية الأخيرة من التخدير ، وهما التخدير الوريدي والتخدير الاستنشاق ووجود طبيب للتخدير اثناءهما امر واجب لا مناص منه .

وعلى الجراح او أخصائي التخدير فحص المريض قبل التخدير لمعرفة حالة قلبه ومدى احتماله للمخدر مع التأكد من خلو معدته من الطعام.

ورغم انه حتى ازمان قريبة كان يعد من الحكمة ان يقوم الطبيب الجراح بتخدير المريض تخديرا عاما عن طريق الاستنشاق ثم يجرى له عملية بسيطة كاستئصال اللوزتين الا ان ذلك قد اصبح فى يومنا هذا امرا مستحيلا .

وقد عاصرت قضية من هذا النوع فى الستينات اتهم فيها طبيب أخصائي فى امراض الانف والاذن والحنجرة بالتسبب فى وفاة مريض فى عيادته بعد اجراء عملية استئصال اللوزتين ، وكان المريض يعانى من ضيق فى صمامات القلب والتهاب مزمن باللوزتين وارتأى الطبيب اجراء عملية استئصال اللوزتين له بعيادته وبعد تحقينه قام بتخديره بنفسة بجهاز حديث للتخدير فى عيادتة ، اجرى العملية لة وتركة فى العيادة وانصرف

وبعد ساعتين ذهب ممرض الى منزل الطبيب واخطره ان حالة المريض سيئة فعاد الى العيادة ووجده قد توفى ، واثبت التشريح ان الوفاة بسبب أو زيما رئوية حادة .وقد إدانته مصلحة  الطب الشرعى على أساس قيامه بالتخدير دون أخصائي مختص وتركه المريض بلا رعاية بعد العملية

وعلى أساس هذا حكمت محكمة أول درجة بإدانته ، ولكن فى الاستئناف استطاع ان يحظى بشهادة من بعض أساتذة الطب بأن قيامه بالتخدير بنفسه ليس فيه سابقة خطأ لانه خبير بذلك بسب قيامه بالتخدير وبالعملية فى نفس الوقت طول حياته ومن طبيعة عمله كأخصائي فى امراض الانف والاذن والحنجرة لا تشابك كثيرا مع اعمال التخدير

وان الوفاة لم تكن بسبب العملية او التخدير ولكن نتيجة الحالة المرضية الموجودة بقلب المريض وبناء على ذلك حكمت المحكمة ببراءته ورفض الدعوى المدنية .

وأخطار التخدير الموضعي تنقسم الى قسمين او لهما تجاوز الجرعة الدوائية المفروضة وهو امر كثير الحدوث ويعد خطأ من جانب الطبيب القائم بعملية الحقن يسأل عنه اذا امكن اثباته .

أما الاعراض التى تحدث نتيجة الجرعات من المخدر الموضعي على الجهاز العصبي والجهاز الدوري والحساسية الاستهدافية والاثار الموضعية الناشئة عن الحساسية للمخدر فلا يسأل عنها الطبيب لانه لا يمكن التكهن بحصولها مسبقا او تلافيها .

أما التخدير النخاعي فهو كثير المضاعفات ومن أولها كسر الابرة اثناء إعطائها فى النخاع وما لم تكن الابرة قديمة او صدئة فلا مجال لمساءلة الطبيب عن ذلك .

وبعد ذلك يأتى اهم مضاعفات الحقن النخاعي وهو انخفاض الضغط ورغم انه يمكن ان يسأل عنه الطبيب إلا أنه يجب أن ينتبه الى حدوثه بوجود اخصائي التخدير ليدرا اخطاره وخطره على الحياة فهو السبب الأساسي للوفاة من هذا النوع من التخدير واذا كان الطبيب قد تنبه الى حصوله وعالجه بالطرق المناسبة فلا جناج عليه اذا مات المريض .

وهناك بعد ذلك بعض المضاعفات التى لا قيمة لها من الناحية الطبية الشرعية حيث لا تكون موضوع مساءلة وهى الصداع وشلل العصب السادس المجنى .

وأخيرا تأتى مضاعفات العمود الفقري والسحايا والحبل الشوكي نتيجة الحقن النخاعي ، فإن العقاقير التى تحقن فى النخاع قد تحدث اثرا ساما فى المسافة تحت العنكبوتية ما يؤثر على السحايا واعصاب والخلايا العصبية بالحبل الشوكي القريبة من موضع الحقن ، وقد يؤدى ذلك الى شلل بالأعصاب يؤدى الى عجز للمريض

ولكن قبل ان يؤكد ذلك يجب ان تراجع حالة المريض حيث قد تكون حالة هؤلاء المرضى راجعة الى أسباب أخرى غير التخدير ، وهذه المضاعفات كثيرة جدا ولكن لا يسأل عنها الطبيب لعدم امكان توقعها او تلافيها فلا يعد مسئولا عنها .

ومن المضاعفات المحتملة فى حالات التخدير النخاعي الالتهاب السحائي القيحي وهو غير التهاب السحائي العقيم الذى يحدث نتيجة الأثر السام لعقاقير التخدير والذى لا يسأل عنه الطبيب فالالتهاب القيحي يعنى تسلل الميكروبات الى موضع الحقن النخاعي

وهذا النوع من الالتهاب هو ما يجب ان يعطى أهمية بالغة لانه كما يمكن ان يحدث نتيجة عدم تعقيم حقنة النخاع بالدرجة الكافية الا انه قد يحدث رغم تعقيمها فقد ثبت حصول هذه المضاعفة بعد الحقن النخاعي بالبنسلين

وهو امر حدوثه غير معقول كما ثبت ان بعض الحالات كانت نتيجة ميكروب فى محلول الملح المعد الذى تغسل فيه بعض الحقن بعد تعقيمها بسبب تلوثها بنوع خاص من الميكروبات اشتهر بالتكاثر فى السوائل المعقمة .

ولكن استعمال التخدير النخاعي فى المرضى الذين يعانون تقيحا خاصة قرب مكان الحقن يمكن ان يؤدى الى هذه المضاعفة ويجب منعه كما ان هناك ما يثبت ان من يعانون من تسمم ميكروبي عفن فى الدم يتعرضون لنفس هذه المضاعفة ان حدثت لاحتمال حصولها نتيجة خطأ يستوجب المساءلة ، كذلك يمكن ان تحدث نفس هذه المضاعفة خارج السحايا ولنفس الأسباب السابقة وبنفس القواعد .

ومن المضاعفات المحتملة للتخدير النخاعي إصابة الغضاريف بين الفقرات فى مكان الحقن ، وهذه المضاعفة كثيرة الحصول جدا بسبب دخول الحقنة التجويف النخاعي وتجاوزه الى موضع الغضاريف الفقرية واصابتها بالتهاب غير قيحي

مما يؤدى الى ضمور الغضروف وحصول زوائد تؤدى الى الم شديد قد يؤدى الى اعراض عصبية فى الأطفال ، والسبب واضح فى هذه الحالات وهو اختراق الابرة للغضروف او للرباط المحيط به .

وقد ثبت ان حدوث هذه المضاعفة يتحسن بتحسن الطريقة المستعملة للحقن خاصة بعد استعمال حقن اقل سمكا مما كان يستعمل من قبل .

أما باقى المضاعفات للحقن النخاعي مثل النزيف فلا يسأل عنه طبيب التخدير لعدم امكان تلافيه إن حدث .

أما التسلل الصاعد بعد هذا النوع من التخدير فلا مجال لحسابه من مضاعفات هذا النوع من التخدير لانه غالبا ما يكون نتيجة عدوى فيروسية لا علاقة للتخدير بها .

وأخيرا تأتى الى مضاعفات التخدير الوريدي والاستنشاقي والاثار السامة الناجمة عن مرخيات العضلات التى تستعمل فى التخدير المساعدة في الجراحة .

فأما عن التخدير الوريدي فلا يسأل الطبيب الا عن الخطأ فى الجرعة أو إعطائها فى الحالات التى لا تتحملها عند وجود امراض بالقلب او الرئتين وكثيرا من الامراض العامة

ولهذا يتحتم فى كل حالة يستعمل فيها هذا النوع من التخدير ان يقوم طبيب اخصائي باطني على فحص المريض لتحديد حالته الصحية العامة ثم يعرض الامر على طبيب التخدير ليبدي رايه فيما قرره الاخصائي الباطني وتتجلى هنا أهمية تقييم حالة المريض وتقدير صلاحيته لهذا النوع من التخدير .

ومن مضاعفات هذا النوع من التخدير أيضا انسداد الوريد المحقون وهو قطعا أمر لا يسأل عنه الطبيب فقد يحدث دون مسئوليته منه ولكنه الخطأ فى الحقن وإعطاء المخدر داخل الشريان وما قد يؤدى اليه من تلف الذراع وبترها فيسأل عنها الطبيب فى حدود المسئولية الطبية عن الخطأ فى الحقن ويتبع ذلك أيضا خروج المادة المحقونة تحت الجلد وتكوين خراج عقيم بسبب مادة التخدير.

أما عن التخدير الاستنشاقي فهذا النوع من التخدير يحتم وجود أخصائي بتخدير مريض تخديرا عاما لإجراء عملية بسيطة له فلو ترتب على هذا التخدير وفاة المريض فسوف يتهم بالإهمال وعدم التوخي .

ومضاعفات التخدير العام كثيرة جدا من ناحية الجهاز الدوري ومن ناحية الجهاز التنفسي حيث تصل نسبة الوفيات فى هذا النوع من التخدير الى 500:1 او 1000:1 و

فى الحالات التى يموت فيها المريض اثناء عملية جراحية تحت مخدر عام قد يكون من العسير تحديد ما اذا كانت الجراحة او التخدير هو السبب فى الوفاة وتخلص مضاعفات التخدير اضطرابات النبض وتوقف القلب بسبب زيادة جرعة المخدر او عدم انتظام التخدير او من انعكاسات من احشاء الجسم بسبب الجراحة .

ومضاعفات التخدير من ناحية الجهاز التنفسي عديدة أيضا وقد تؤدى الى الوفاة إلا أنه فى وجود طبيب تخدير مؤهل ومدرب قد يكون من غير الممكن نسبه الوفاة إلى هذه المضاعفات إلا إذا ثبت وجود شئ منها على وجه التحديد بعد تشريح الجثة يمكن ان يسأل عن حصوله طبيب التخدير .

وكل ما يمكن ان يطلب من طبيب التخدير ان يقوم على فحص المريض قبل العملية ثم يقوم بتخديره بالكيفية التى يراها هو ، ثم يراقبه اثناء العملية لتلافى كل ما يمكن ان يحدث من اثر على تنفسه وقلبه اثنائها ثم بعد انتهاء العملية عليه ان يراقب المريض حتى تتم افاقته بالدرجة التى تسمح بعودته الى سريره دون خطر عليه .

وكثيرا ما يعرض على الطب الشرعى حالات تتعطل فيها افاقة المريض بعد انتهاء العملية ولاشك ان ذلك يعنى خطأ ما بالمريض واذا ادى ذلك الى وفاته فلابد من تشريح الجثة لبيان ما اذا كان نتيجة التخدير او لأسباب أخرى مرضية وان كان ذلك كله لن يجدى فى نسبة مسئولية الى طبيب التخدير لان مثل هذه الوفاة تحتمل مئات العوامل التى يتعذر على طبيب التخدير التكهن بها أو ملافاتها إلا بالخبرة القوية التى لا تتحقق الا عن طريق الخبرة الطويلة .

وإذا توفى مريض تحت التخدير العام فلن يؤاخذ القانون الطبيب لانه اعطى المريض عقار التخدير حيث ان التخدير يتطلب وضع المريض فى حالة غيبوبة كاملة او فقد وعى عميق مما يجعله عرضه لامور شتى وحتى لو فرض انه لم تكن هناك اى حالات مرضية غير عادية فى المريض قبل إعطاء المخدر فإنه لجميع العقاقير المستخدمة فى التخدير مثلها فى ذلك مثل كل العقاقير القوية المفعول اعراضا جانبية وقد تؤدى الى وفاة .

وكل ما هو مطلوب من طبيب التخدير عند استعمال عقاقير التخدير ومرخيات العضلات ان يراعى الدقة اللازمة بالنسبة حيرته وتوقعه كأخصائي تخدير ولا شئ يدينه الا الإهمال ويعد طبيب التخدير مهملا اذا قام بإجراء خطير غير ضرورى بمنتهى العناية ولكنه يؤدى الى وفاة المريض .

وكل شخص يمارس مثل هذه الوظيفة يجب عليه ان يعمل الى درجة معقولة من العناية والمهارة وليس معنى ذلك ان يضمن طبيب التخدير عدم وفاة المريض تحت البنج ، ولكن يلزمه بذل الدرجة المقبولة من العناية من المهارة وفق مستوى تدريبه وخبرته

اما ان يقوم طبيب غير مؤهل او غير مدرب بالتخدير باستعمال عقار خطير فى حالة امكان الحصول على خدمات طبيب تخدير مؤهل فهو اهمال ، ولا يعنى الحصول على المؤهل توافر الدرجة الكافية من الخبرة ، كما أن العكس صحيح حيث لا يعنى الحصول على المؤهل نقص الكفاية .

وإثبات الإهمال يقع على عاتق المريض أما إثبات عدم وقوع إهمال فيقع على عاتق طبيب التخدير أما قاعدة الخطأ الواضح فلا تطبق على الحالات التى يفترض فيها وقوع إهمال جسيم .

ولا يمكن اتهام طبيب التخدير بالإهمال الا اذا استطاع المريض او اهلة إثبات وقوع ضرر من فعل طبيب التخدير وقد يكون ذلك صعبا فى حالة وفاة المريض فإذا تبين من الصفة التشريحية خلو الجثة من أي شيء غير طبيعى فلا ينهض ذلك دليلا على ان الوفاة بسبب التخدير .

فقد يسقط أي شخص متوفيا فى أي وقت دون سبب واضح يظهر عند التشريح وهو امر كثير بعكس ما يتصور البعض .

وشهادة طبيب التخدير مهمة هامة فى كل الحالات التى تحصل فيها الوفاة فى غرفة العمليات لو امكن فقط اقناع اهل المريض او الوفاة لم تكن نتيجة اهمال ولايزال التخدير جزئيا احد الفنون ، واتباع مجموعة من القواعد لن يحول ابدا دون حصول كارثة فى وقت ما وفضلا عن كل ما تقدم فقد يتوقف القلب اثناء العملية دون انذار الامر الذى لا يمكن تجنبه دائما .

وعقاقير التخدير تؤدى الى الغيبوبة وفقد الوعى وحياة اى شخص فاقد الوعى وفى غيبوبة تكون دائما فى خطر وقبول طبيب التخدير الذى باشر طريق التخدير وتفهمه لها دليل مقبول على صلاحيتها .

ولا شك ان نقص المعلومة الدقيقة عن أسباب حوادث التخدير يجعل من الخلافات الخطيرة بين الخبراء امام المحاكم امرا عاديا ونادرا ما يستطيع الخبير من تقييم سبب الوفاة  .

وعدم وجود مرض معين لا يعنى خطأ فى التخدير فقد كانت الوفاة داخل غرفة العمليات دون سبب من قديم الازل شيئا معهودا حتى قبل ظهور التخدير .

والخلاصة ان تحديد مسئولية طبيب التخدير فى وفاة مريض اثناء او بعد عملية جراحية امر عسير حقا الا اذا توافر الصدق فى تقرير  الاحداث ومع تشريح الجثة الذى كثيرا ما يمانع فيه أو يعمل بعد فوات الأوان .

ولهذا السبب قرر أنه لم يمكنني أن أتوصل الى التحقيق من السبب الحقيقى لوفاة مريض تم تخديره وتوفى اثناء التخدير او بعده خلال الأربعين عاما الماضية .

وقد جوبهت حديثا بقصة قام فيها طبيب بإجراء عملية تجمليه لشاب فى انفه واستعان فيها بطبيب تخدير قام بتخدير المريض بجهاز حديث مناسب وحدثت اثناء الجراحة اضطرابات فى حالة نبض المريض سرعان ما استقامت ثم انتهت العملية ولم يفق المريض من البنج

واستمر فى حالة غيبوبة عميقة استدعت نقله الى احد المستشفيات لعلاجه ولكنه توفى بعد ايام قليلة ولم تشرح الجثة ولما عدت الى أسباب عدم افاقة المريض بعد العملية وجدتها تزيد على اكثر من خمسين عاملا منها ما هو مرضى قطعا ولذا قررت ان تحديد سبب الوفاة امر يتعذر لعدم تشريح الجثة

وان الوفاة قد تكون مرضية ورغم ما ابداه احد أخصائي التخدير من ان هناك سببا محتملا للوفاة وهو زيادة جرعة المخدر واثره على نبض القلب وان ذلك كان يمكن معرفته او استعمل جهاز المونيتور اثناء التخدير ونصح بتعميم هذا الجهاز فى كل العمليات الجراحية تحت التخدير العام ولكن سيادته لم يستطيع تقديم الدليل القاطع على صحة افتراضه وحكم بعدم مسئولية طبيب التخدير  .

أخطاء الحقن

 

كل طبيب عمل فى الحقل الريفي لعلاج البلهارسيا حيث كان العلاج فى أوائل الخمسينات يتطلب الحقن بالوريد بمادة الطرطير 12حقنة على 24يوما او 12 يوما وكان نصيب كل طبيب يوميا ما لا يقل عن مائة مريض

ولما كانت مادة الطرطير مادة تهيجية وخروجها خارج الوريد يؤدى الى حدوث خراج عقيم غير ذي ميكروبات يستغرق وقتا طويلا للعلاج وقد كان المفهوم لدى الأطباء انه على إعطاء اكثر من مائة حقنة من هذه المادة لابد ان تكون هناك نسبة مقبولة من الخراريج لا تزيد على خراج او خراجين فى كل الف حقنة وكانت جميع الخراريج التى تحدث تعالج على مستوى الوحدة الصحية وتشفى دون شكوى من المريض .

على أنه حدث يوما ان شكا مريض من حدوث خراج له بعد حقنه فى الوريد وان علاجه استمر طويلا مما منعه من التكسب طول مدة العلاج وقد احالت النيابة القضية الى المحكمة على أساس خطأ فى إعطاء الحقنة وقد ادانته المحكمة على انه خالف الأصول المرعية بالتأكيد من وجود ابرة الحقنة داخل الوريد قبل الحقن وحكمت عليه بغرامة وبتعويض بسيط للمريض عن مدة تعطله .

وإذا كان هذا الحكم لم يستأنف لبساطته فإن على الأطباء ان يعملوا جيدا ان وجود سن الابرة بالكامل داخل الوريد امرا أساسيا لعدم خروج المادة المحقونة الى خارج الوريد والطبيب المتمرس يستطيع ان يحس ما اذا كان سن الابرة كله داخل الوريد أو أن جزء منه فقط هو الذى دخل حتى لا يؤدى هذا الخطأ التافه الى خراج قد ينتهى ببتر ذراع المريض .

ومن أخطار الحقن أيضا اذكر هذه الحالة الغريبة فقد أصيب موظف بنوبة هستيرية واخذ يصرخ بدون سبب واستدعيت طبيبة قريبة من مكانه لفحصه وتبين لها ان المريض هستيري وليس به حالة عضوية حقيقية فقامت بحقنه فى فخذه تحت الجلد بسنتيمتر كامل من الكحولان بقصد استقطاب الألم وحصره فى مكان الحقنة

 وبالتالي وقف الفوضى التى أحدثها فى مكان عمله ولكن النتيجة كانت عكسية واستمر صراخة من مكان الحقنة أياما ثم حدث خراج عميق فى مكانها تطلب جراحة وعلاجا بضعة أسابيع

وقد شكا المريض الطبيبة للنيابة ثم احيلت القضية للمحكمة وحكمت المحكمة بحبس الطبيبة ثلاثة اشهر على أساس ان ما قامت به لا يمت الى الطب بصلة انه مجرد عملية تعذيب للمريض لا علاقة لها بالطب واعتبرتها خطأ غير فنى يستوجب المساءلة .

ولا شك ان إعطاء الحقن اصبح مشكلة قانونية تبحث عن حل بعد ان قام البعض من الصيادلة بإعطائها رغم ان القانون يمنع ذلك اذا يعتبره مزواله لمهنة الطب دون ترخيص .

 وقد قضت محكمة النقض بأن :

الصيدلي الذى يعطى الانسان حقنة يرتكب جريمتي الجرح العمد ومزواله الطب دون ترخيص

( نقض 13/12/1960 مجموعة احكام محكمة النقض س11رقم 176 ص904) .

وأننا نرى أن ما ذهبت إليه محكمة النقض من تجريم إعطاء الصيدلي او اقرار ادعاء بين بإعطاء الحقن لهو جرم وذلك لأن عملية الحقن ليست من البساطة او السهولة كما يعتقد البعض

فإن هناك أنواعا من الحقن المراد إعطائها كالبنسلين والنوفالجين تحتاج الى اختبار خاص لا يستطيع ان يجريه سوى الطبيب المختص

 فمثلا اذا اعطى الصيدلي حقنة البنسلين للمريض وقد اجرى له اختبار وكانت النتيجة سلبية وفوجئ بتدهور حالة المريض بعد إعطاء الحقنة مباشرة فلا يستطيع الصيدلي ان يسعفه وذلك

لان هذه الحالة تحتاج الى متخصص وقد تدهورت هذه الحالة لان مادة الاختبار لم تكن كافية له مما اظهر نتيجة الاختيار سلبية رغم ان المريض لديه حساسية من البنسلين ولذلك فإن حياة الأشخاص لها قد يسبقها

ويجب الحفاظ عليها من العبث والإهمال سواء كانت الحقن من النوع العادي او التى تحتاج الى اختيار معين فيجب ان تعطى بمعرفة الطبيب المختص حتى لا تحدث أي مضاعفات .

وقد قضت محكمة النقض بأن :

 يعتبر جريمة عمد الجرح الذى يحدثه الحلاق بجفن المجنى عليه بإجرائه عملية له ازالة الشعرة غير المرخص له بأجرائها.

( نقض 4/1/1937 مجموعة القواعد القانونية – جـ4 – رقم 34 – ص31)

وقضى بأن

” احداث حلاق جرحين بالمجنى عليه يعتبر جريمة عمدية ، وبأنه لا يؤثر فى قيام هذه الجريمة رضاء المصاب بما وقع عليه من جرح .

( نقض  12/6/1939مجموعة القواعد القانونية – ج4- رقم 407 – ص576

وبأنه ” يعتبر مرتكبا لجريمة جرح عمد وجريمة مباشرة للطب دون ترخيص ، المتهم الذى يعالج المجنى عليه بوضع مساحيق ومراهم مختلفة على مواضع الجروح كان من شأنها احداث تشويه تام لهذه المواضيع

(نقض 27/10/1958 مجموعة القواعد القانونية رقم 208 ص786)

 بأن ” مؤدى نص المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 فى شأن مزواله مهنة الطب انه لا يملك مزواله هذه المهنة ومباشرة الأفعال التى تدخل فى عداد ما ورد بأية صفة كانت الا من كان طبيبا مقيدا اسمه بسجل الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين وذلك مع مراعاة الاحكام المنظمة لمهنة التوليد

 (نقض 20/2/1968طعن 1927 – 37ق)

 وكذلك قضى بأن

” الأصل ان أي مساس بجسم المجنى عليه يجرمه قانون العقوبات وقانون مزواله مهنة الطب وانما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على أجازه علمية طبقا للقواعد والأوضاع التى نظمتها القوانين واللوائح وهذه الإجازة هي أساس الترخيص الذى تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزاولتها فعلا .

( نقض 20/2/1968 طعن 1927 – 37ق)

وبأنه ” من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما أحدثه التغيير من جروح وما إليها باعتباره معتديا على أساس العمد ، ولا يعفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية .

(نقض  20/2/1968 – طعن 1927 – 37ق) 

المسئولية القانونية جنائيا ومدنيا

 

تعريف الخطأ الطبي

هو إخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التى يفرضها القانون ، وعدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يقضى إلى حدوث النتيجة الإجرامية فى حين كان ذلك فى استطاعته ومن واجبه

(د/محمود نجيب حسنى ص 129- بند 143 مشار اليه فى موسوعة الفقه والقضاء فى الطب الشرعى – شريف الطباخ – ود/ أحمد جلال )

أقسام الخطأ

قسم أغلبية الفقه الخطأ إلى نوعين

  • الأول  الخطأ البسيط
  • الثانى  الخطأ الواعي

أولا : الخطأ البسيط

وقد أطلق الفقه عدة مسميات على هذا الخطأ منها الخطأ غير الواعي أو الخطأ بدون توقع أو الخطأ بدون تبصر ويقع هذا نتيجة عدم توقع الجاني نشاطه الإيجابي أو السلبى مع قدرة الشخص العادى من فئته وفى ظروفه على توقعها وتفاديها نعدم للتوقيع أو التصور للحادث يلعب الدور الحقيقى فى قيام هذا النوع من الخطأ ولا تعتبر النتيجة الإجرامية متوقعة إلا إذا كان حدوثها يدخل فى نطاق السير العادى للأمور

أى إذا كان التسلسل السيئ الذى أدى إلى إحداثها متفقا مع النحو الذى تجرى به الأمور عادة ، أما إذا كان حدوثها ثمرة عوامل شاذة لا يتفق تداخلها مع مألوف الأمور فهى غير متوقعة ، فلا يلام المتهم إن لم يتوقعها .

(د/ محمود نجيب حسنى ودكتور عبد المهيمن بكر)

ثانيا : الخطأ الواعي

ويسمى هذا الخطأ أيضا بالخطأ البصير أو الخطأ مع التوقيع

وفيه يتصور الجاني إمكان تحقيق نتائج ضارة من نشاطه ، ومع ذلك يقدم عليه ، إما راجيا عدم وقوع هذه النتائج ، أو واثقا فى قدرته على دفعها وهذا النوع من الخطأ يعد أشد درجة من النوع الأول ، إذ أن تفضيل الجانى الإقدام على النشاط فى هذه الحالة ينطوى على طيش واستخفاف بالعينة

(أنظر الدكتور عبد المهيمن بكر – ص135)

مسئولية الطبيب جنائيا عن أى خطأ ولو كان يسيرا

بالنسبة للأطباء الأخصائيين فإنه يجب استعمال منتهى الشدة معهم وجعلهم مسئولين عن أى خطأ ولو كان يسيرا ، خصوصا إذا ساءت حالة المريض بسبب معالجتهم لأن من واجبهم الدقة فى التشخيص والاعتناء وعدم الإهمال فى المعالجة .

( استئناف مصر 2/1/1939 – المحاماه س19 رقم 334 ص317).

مسئولية الطبيب  لها وجهان

أن مسئولية الطبيب لها وجهان

  • أحدهما متعلق بصناعته وهو ما يعبر عنه بخطأ المهنة
  • وثانيهما ليس متعلقا بذلك ولا شأن له بالفن فى ذاته

فخطأ المهنة لا يسلم به إلا فى حالات “الجهل الفاضح” والوجه الثانى لا يخضع لسلطان التقدير الفنى الطبى والجدل العلمي ، لأنه خطأ مادى يقع فيه الطبيب مخالفا بذلك القواعد المقررة طبيا فهو مسئول عنه ، وهذا النوع من الخطأ يقع تحت المسئولية العامة ، شأن الطبيب فيه شأن أى شخص آخر

( المحاماة س15 القسم الثانى – رقم 216– ص471 الصادر من محكمة الجيزة فى 26/1/1935) 

ومن تطبيقات الخطأ المادى أن

يحرر طبيب “روشتة” لمريض تتضمن دواء ساما بمقدار 25 نقطة فى الزجاجة ولم يكتب كلمة نقط gouttes بشكل واضح ، بل كتب منها حرفين أو ثلاثة . فاختلطت لدى مساعد الصيدلي مع كلمة جرام grammes ، فقام بتركيب الدواء على أساس وضع 25 جراما فيه ، ولذا توفيت المريضة من إستعماله . واعتبرت المحكمة الطبيب، والصيدلي

ومساعدة ثلاثتهم مسئولين عن قتل المريضة خطأ ، أولهم لأنه كتب كلمة نقطة مختزلة فى حرفين أو ثلاثة حروف متقاربة فى مساحة ضيقة جدا من هامش الروشتة مع أن المرسوم الصادر فى 14 سبتمبر سنة 1961 يوجب فى المادة 20 منه كتابه الأرقام بالحروف وهو لم يفعل وثانيهم لأنه قبل هذه الروشتة المخالفة للقانون ولم يعدها للطبيب لتحريرها كما يجب .

ولأنه ترك أمر تركيب دواء سام لمساعده مع أن القانون الصادر فى 1 سبتمبر سنة 1941 يوجب عليه فى المادة 27 منه أن يقوم بتركيب الأدوية السامة بنفسه أو تحت إشرافه المباشر .

وثالثهم لأنه لم يرجع إلى الصيدلي للتحقيق من المقصود من الروشتة ولأنه أخطاء خطأ فنيا إذ أن القواعد الفنية لا تسمح بوضع 250 جراما من هذه المادة السامة فى دواء أشارت الروشتة إلى أن المريضة ستستعمله على دفعتين فقط .

(راجع الدكتور رؤف عبيد – المرجع السابق محكمة أنجيه 11/4/1942)

ومن هذه الأمثلة أيضا ما ساقته محكمة النقض فى الحكم 23/4/1931 أن

طبيب كان يجرى عملية شعره للمجنى عليه تحرك المذكور فضربه بقبضه يده دفعتين . وبالكف على رأسه دفعة . وقد ثبت من تقرير الطبيب الشرعى أنه كان عند المجنى عليه إيتوزم متقدم بالأورطي يجوز أن ينفجر من نفسه نتيجة ارتفاع فى الضغط الدموي أيا كان سببه فى الجزء المريض أو بسبب عنف خارجي يقع على الجسم ولما كان الطبيب قد ضرب المجنى عليه فى مقابلة الاينورزم فالذي يمكن استنتاجه أن الجينوم المذكور قد تعرض بالفعل لعنف خارجي فانفجر وحدثت الوفاة .

( نقض جنائى 23/4/1931 – المحاماه س12 ،197)

الخطأ المهني

يقصد بالخطأ المهني اخلال ذوى المهن بالواجبات الخاصة التى تفرضها عليهم مهنهم كإهمال الجراح أصول مهنة الجراحة ، واهمال المحامى أصول الدفاع عن موكله وتعتبر المسئولية عن هذا الخطأ مسئولية عقدية إذا كان يربط صاحب المهنة بالمضرور عقد ، أما إذا انتفى هذا العقد فالمسئولية تقصيرية . وإن كانت بعض الأحكام تعتبر مسئولية الطبيب تقصيرية فى جميع الأحوال

(يراجع فى هذا الخلاف واستعراض الأحكام مرقص بند 149)

وأيا كان الأمر فإن هذا الخلاف لا تأثير له على معيار الخطأ الذى ينسب إلى الطبيب أو صاحب المهنة بوجه عام وهو التزام ببذل عناية فى جميع الأحوال .

وقد ذهب البعض إلى أنه يشترط لتوافر مسئولية الطبيب أو ذى المهنة بوجه عام توافر الخطأ الجسيم فلا يكفى الخطأ العادى وذلك حتى تتوافر لذوى المهن الطمأنينة والثقة اللازمتان لمزاولة المهنة ،

كما ذهب البعض إلى التفرقة بين الأخطاء العادية التى لا يتصل بأصول المهنة ولا يثير تقديرها نقاشا علميا أو يستلزم الرجوع إلى أهل الخبرة كالانقطاع عن العلاج أو الغلط فى كتابة الدواء أو استعمال أجهزة فى حالة سيئة أو ترك مشرط فى جسم المريض

فهذه يسأل عنها مهما كانت يسيرة ، وبين الأخطاء المهنية التى تقع فى الفن ذاته كتشخيص المرض أو اختيار طريقة العلاج أو تعين الدواء فهذه لا يسأل فى الخطأ فيها إلا إذا كان الخطأ جسيما

ولكن الصحيح والذى أصبح سائدا هو أنه لا فارق بين ذوى المهن وممن غيرهم فى نوع أو درجة الخطأ ، فهم يخضعون كغيرهم للقواعد العامة فى المسئولية التقصيرية

ومن ثم يكفى لقيام هذه المسئولية فى حقهم ان يتوافر أى خطأ مهما كان يسيرا ، ولكن الجوهرى فى هذا الصدد فى اختيار نموذج الرجل المعتاد الذى يقاس إليه مسلك ذى المهنة ، فيجب ان يقاس سلوك ذى المهنة إلى السلوك المألوف لمهني فى حال مهنته وله ذات تخصصه

( جمال زكى فى الوجيز فى الالتزامات بند 248- مرقص بند 150- السنهورى بند 548 – مرعى بند 70 – ويراجع فى مسئولية الأطباء والجراحين الدكتور حسنى زكى الإبراشي فى رسالته عن مسئولية الأطباء والجراحين المدنية والدكتور محمد فايق الجوهرى فى رسالته عن المسئولية الطبية فى قانون العقوبات سنة 1951 – والدكتور محمود محمود مصطفى فى بحثه عن المسئولية الجنائية للطبيب إذا أفشى سرا من أسرار المهنة المنشور مجلة القانون والاقتصاد س11 ص655 – ويراجع فى استعراض مسئولية الطبيب فى الفقه الإسلامى الدكتور محمد صلاح الدين حلمى فى رسالته – المسئولية التقصيرية فى الشريعة الإسلامية والقانون ص336 وما بعدها ).

الخطأ العمد والخطأ بإهمال

الخطأ العمد هو الإخلال بواجب قانونى مقترن بقصد الإضرار بالغير وهو ما يسعى بالجريمة المدنية ، فلابد فيه من فعل أو امتناع يعد اخلالا بواجب قانونى

ولابد أيضا من أن يكون هذا الاخلال مصحوبا بقصد الاضرار بالغير أى باتجاه الإرادة الى أحداث الضرر فلا يكفى اتجاهها إلى ارتكاب الفعل ذاته إذا لم تتجه إلى أحداث النتيجة الصادرة

(مرقص بند 97)

أما الخطأ بإهمال وهو ما يعرف بشبه الجريمة المدينة فهو الاخلال بواجب قانونى سابق مقترن بإدراك المخل لهذا الاخلال دون أن يقصد الى الاضرار بالغير

( مرقص بند 98)

ويستوى الخطأ العمد والخطأ بإهمال فى توافر المسئولية المدنية

(جمال زكى بند 246)

الخطـأ الجسيم والخطأ اليسير

الأصل هو اعتبار الخطأ درجة واحدة لأنه مادام الخطأ هو الاخلال بواجب قانونى فإن التدرج فى درجاته مضمون الواجبات القانونية على نحو يجعل من سلوك المسئول انحرافا عنه كان هذا الانحراف خطأ موجبا للمسئولية بغض النظر عن درجة جسامته

( فى هذا المعنى مرقص بند 99 )

و مع ذلك فإن المشرع يعتد بجسامة الخطأ سواء فى تقدير التعويض بوصفه من الظروف الملابسة أو بموجب نص خاص كما يشترطه القضاء أحيانا كالشأن فى الأخطاء المهنية وقد تعددت الآراء فى تعريف الخطأ الجسيم تبعا لموضع أعمال فكرة الخطأ الجسيم فأحيانا يقصد به الخطأ الذى يبلغ حدا يسمح بافتراض سوء نية الفاعل حيث لا يتوافر الدليل عليها

وتارة يقصد بها الإهمال وعدم التبصر الذى يبلغ حدا من الجسامة يجعل له أهمية خاصة ، ويقصد به فى معرض القانون إصابات العمل حسبما ذهبت محكمة النقض الخطأ الذى يقع من شخص قليل الذكاء والعناية فلا يتصور وقوعه إلا من شخص غبى عديم الاكتراث

كما يقصد به فى شأن خطأ أرباب المهن الخطأ الذى يكون مسلما لا جدال فيه ( يراجع فى تفصيل ذلك  مرقص بند 100 – ويراجع فى استعراض الفقه الإسلامي فى هذا الصدد رسالة محمد صلاح الدين حلمى ص294 وما بعدها ).

وقد قضى بأن ” الطبيب لا يسأل عن خطئه اليسير بل عن خطئه الجسيم أو غلطة ناجمة مثلا عن جهل أو اهمال لا ريب فيه ” ( حكم مختلط

3/2/1991 منشور بالمرجع السابق الدكتور محمد فايق )

وقضى أيضا بأن

” الطبيب الذى يعمل عملية جراحية بعضد مريض فينشأ عنها نزيف غزير يستدعى علاج خمسين يوما يكون قد ارتكب خطأ جسيما إذا اتضح أن حدوث النزيف تسبب عن قطع شرايين صغيرة فى محل العملية وعدم ربطها ثانية لأن الأصول الطبية كانت تقضى بذلك ومن ثم يكون مسئولا جنائيا ومدنيا “

( محكمة استئناف مصر 19/4/1904)

وبأنه ” الطبيب لا يسأل عن أخطائه الفنية فى التشخيص والعلاج إلا فى حالة الفن والخطأ الجسيم “

(19/11/1936 حكم مختلط و21/4/1938)

وبأنه ” الطبيب لا يسأل عن خطئه فى تشخيص مرض أو عدم مهارته فى مباشرة عملية جراحية ، إلا أنه يكون مسئولا عن خطئه الجسيم مدنيا وجنائيا إذا ثبت أنه لم يتخذ الاحتياطات التى يوجبها الفن “

(محكمة مصر – منعقدة – بهيئة إستئنافية 3/5/1927)

مسائلة الطبيب عن أى تقصير يصدر منه

إباحة عمل الطبيب ( أو الصيدلي ) مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة ، فإذا فرط أحدهما فى إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه فى أداء عمله .

وقد قضت محكمة النقض بأن :

توافر خطأ الطبيب من اجرائه عملية كحت غشاء رحم المجنى عليها ، يصيب ما حدث من تمزق فى جدار الرحم وتدلى لفة من الأمعاء الدقيقة من هذا التمزيق إلى فراغ الرحم  ثم عدم تلبية استغاثة زوج المجنى عليها عندما اخبره بسوء حالتها .

( نقض 11 يونيه سنة 1963 مجموعة الأحكام من 14 رقم 91 ص506)

الخطأ الإيجابى والخطأ السلبى

من المتفق عليه أنه يستوى فى قيام الخطأ التقصيري أن يبدو انحراف المسئول فى صورة فعل فيكون خطؤه إيجابيا ، أو فى صورة امتناع فيكون خطؤه سلبيا . وقد أثار مدى اعتبار مجرد الامتناع خطأ التقصيري فى صورة الامتناع بالفعل أى الامتناع المتزن بالفعل كامتناع سائق السيارة عن تهدئة السرعة عند الزحام أو امتناع السكك الحديدية عن اتخاذ ما يلزم لتنبيه المارة أمام المزلقانات عند مرور القطارات

فإن الشك قد ثار حول صورة الامتناع البحت كامتناع الخادم عن أخبار سيدة بما علمه عن محاولات اغتياله ، أو امتناع الطبيب عن انقاذ مريض أو مصاب فقد ذهب البعض إلى انتفاء المسئولية فى هذه الصورة لانتفاء رابطة السببية .

ولكن يمكن القول بأن لا شبهة فى توافر الخطأ التقصيري فى صورة الامتناع  البحت إذا وقع بقصد الاضرار لأن القاعدة أن العمد يكفى لإقامة المسئولية عن التعويض .

أما عند تتلف قصد الاضرار فقد ذهب البعض إلى عدم توافر الخطأ التقصيري إلا إذا فى حالة وجود التزام قانونى بالعمل محل الامتناع وإن كان يلزم لتوافر الالتزام القانونى وجود نص بل يكفى أن يستند هذا الالتزام إلى آداب المجتمع وعادات الأشخاص الأمناء فيه .. وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية فى حكم لها صدر عام 1951 إنه يشترط لشكل الامتناع خطأ تقصيريا أن يكون الفعل محل الامتناع واجبا بموجب نص قانونى أو لائحي أو عقدى أو قواعد المهنة .

ولكن الصحيح أن الامتناع كالفعل يجوز اعتباره خطأ تقصيريا حتى كان يعد انحرافا عن المسلك المألوف للرجل العادى فى مثل الظروف الظاهرة

ومن أبرز التطبيقات التى يثار فيها هذا البحث صورة الامتناع عن نجدة أو إغاثة حيث يمكن توافر الخطأ إذا أحاطت بالامتناع ظروف تجعل الرجل العادى لا يتردد فى القيام بالفعل ويكون ذلك بالمقارنة من جسامة الخطر المحدق بالمحتاج إلى النجدة أو الإغاثة وجسامة الخطر الذى قد يتعرض له الممتنع

وصورة امتناع الطبيب عن العلاج أو الإسعاف يتوافر فيها الخطأ عند عدم وجود طبيب آخر أو من نفس التخصيص أو كانت الحالة لا تسمح باللجوء إلى غيره ، وصورة الامتناع عن الافضاء بمعلومات تجنب كارثة ويتوافر فيها الخطأ إذا كان الرجل العادى فى مثل ظروف المسئول لا يتردد فى الافضاء بالمعلومات وقاية لذوى الشأن من أخطار جسيمة تهدد نفسه أو ماله لا يقاس بجانبها ما قد يقترن بالإفضاء عن مشقة .

(يراجع فى تفصيل ذلك كله جمال زكى فى الوجيز فى الالتزامات بند 247 – وأنظر مرقص بند 102 – ومحمد صلاح الدين حلمى فى رسالته ص260 وما بعدها )

وبأن ” امتناع الموظف عن تنفيذ واجبات وظيفته يعتبر خطأ يترتب عليه مسئولية إذا ما ألحق ذلك ضررا بالغير “

( 3/1/1967 – م نقض م –18 –11 )

وبأن ” المسئولية التقصيرية تقع على المتسبب بذات الفعل أو الترك الضار سواء كان متعمدا أم مقصرا وسواء كان حسن القصد أو سيئة “

(16/12/1937 م ق م –4 –966)

وعلى ذلك إذا أمتنع الطبيب عن أداء عمله وعرض حياة المريض للخطر وأدى ذلك للمضاعفات كثيرة فإن امتناعه هذا يوجب التعويض للمضرور

 الخطأ الجنائى والخطأ المدنى

الخطأ الجنائى هو الاخلال بواجب قانونى يكفله القوانين العقابية بنص خاص ، أما الخطأ المدنى فهو الاخلال بأى واجب قانونى ولو لم تكفله تلك القوانين

ومن ثم فهو أوسع دائرة من الخطأ الجنائى ولذلك فإن الخطأ الجنائى يشكل دائما خطأ مدنيا ، أما الخطأ المدنى فقد يتوافر دون أن يشكل خطئا جنائيا وتجد هذه التفرقة أثرها فى حجية الحكم الجنائى امام القضاء المدنى

فإذا قضى بالإدانة كان الحكم حجة على وقوع الفعل الضار أما إذا قضى بالبراءة على أساس عدم توافر الخطأ الجنائى فإن ذلك لا ينفى إمكان اعتبار الفعل خطأ مدنيا .

( راجع فى استعراض التمييز بين المسئولية المدنية والمسئولية الجنائية محمد صلاح الدين حلمى  فى رسالته ص 21 وما بعدها ).

وقد قضت محكمة النقض بأن :

لا يمتنع على المحكمة المدنية البحث فيما إذا كان الفعل مع تجرده من صفة الجريمة يعتبر إهمالا جسيما ، إذ يجوز أن يكون هناك خطأ مدنى دون أن يوجد خطأ جنائى .

(الطعن 277 لسنة 37ق- جلسة 23/6/1973 س24 ص962)

والخلاصة أن القضاء والفقه استقر على أن :

مسئولية الطبيب عن خطئه مهما كان نوعه سواء كان خطأ فنيا أو ماديا ، جسيما أو يسيرا . ولا يتمتع طبيب بأى استثناء ويجب على القاضى أن يتثبت من وجود هذا الخطأ

وأن يكون هذا الخطأ ثابتا ثبوتا كافيا لديه ، وعليه ان يستعين برأي الخبراء فلو وصف خطأ الطبيب الذى تجاوز العدد المسموح به فى جلسات الأشعة بأنه يسير فهو مسئول عنه طبقا للقواعد العامة

فيسأل عن كل تقصير فى مسلكه الطبى لا يقع من طبيب يقظ فى مستواه المهني وجد فى نفس الظروف الخارجية التى أحاطت بالطبيب المسئول ، كما يسأل عن خطئه العادى أيا كانت درجة جسامته .

فعدم نقل المريض الى القسم الطبى المختص فى الوقت المناسب يشكل خطأ فاحشا يستوجب مسئولية الطبيب كما أنه يسأل عن خطئه المتمثل فى حقن المريض بمخدر دون الاطلاع على زجاجته والتأكد مما إذا كان هو المخدر الذى طلبه او شئ آخر .

واستقر القضاء على ضرورة أن يكون الخطأ واضحا وثابتا بصورة قاطعة لا احتمالية . فيسأل الطبيب عن خطئه فى العلاج أن كان الخطأ ظاهرا لا يحتمل نقاشا فنيا تختلف فيه الآراء فإن وجدت مسائل فنية علمية يتجادل فيها العلماء ولو لم يستقر الرأى عليها فاتبعها فلا لوم عليها .

والقضاء وان كان لا يشترط الخطأ الجسيم حتى تقوم مسئولية الطبيب عن علمه الفنى ، الا أنه يشترط ان يكون هذا الخطأ محققا ومتميزا وفى الوقت نفسه فإنه يتجه نحو التشديد فى مسئولية الأطباء والمستشفيات وذلك عن طريق الالتزام بالسلامة

( أنظر المستشار عز الدين الدناصورى والدكتور عبد الحميد الشواربى – المسئولية المدنية )

مسئولية الطبيب عن تابعيه

مسئولية الصيدلي وطبيب التحاليل

لمساءلة الانسان عن خطأ يجب ان يكون الخطأ واقعا منه ذاته فلا يجوز مساءلة شخص عن فعل شخص اخر فإن القانون الجنائى لا يعرف ذلك الا فيما ندر من حيث مسئولية أصحاب المحلات عن الجرائم التى يرتكبها مستخدموه لانه يجب عليه ان يراقب تنفيذ اللوائح الخاصة والعامة وهو يسأل عن هذه المخالفة ولو لم يكن موجودا .

كذلك الطبيب لا ينسب إليه اتهام عن فعل يقوم به مساعدوه او تابعوه إلا إذا امكن أن ينسب إليه خطأ فى أى صورة من الصور وقد يقتصر عليه الاتهام اذا ثبت ان أي من هؤلاء كانوا منفذين لأوامره ، ولم يقع من احدمنهم شخصيا أي خطأ اما اذا كان الخطأ  قد وقع من التابع وحده دون تدخل الطبيب فلا مسئولية عليه ويكون التابع مسئولا اذا اخطأ .

ومن هنا حكم بأن الممرض الذى ينفذ أوامر خاطئة للطبيب لا يرتكب خطأ يسأل عنه بل يسأل عن الضرر الذى يترتب على هذا الخطأ الطبيب الامر به ، ولكن التابع الذى يرتكب خطأ فى تنفيذ ما امر به الطبيب مما يدخل فى اختصاص التابع القيام به دون رقابة الطبيب يجعل التابع مسئولا عن نتيجة الخطأ.

ولكن يعد مسئولا الطبيب الذى يكلف شخصا غير مؤهل طبيا لإجراء عمل طبى مثل الختان او تخدير مريض ( على ان يثبت ان ما أصاب المريض من ضرر راجع الى عدم خبرة التابع .

ولم تقر المحاكم ان يترك للتابعين فإن يعملوا ما هو من صميم اختصاص الطبيب بحكم العادة فهو المسئول أولا وأخيرا عن الاضرار التى تترتب على عدم قيامه بواجبه من ضرورة مراقبة المريض حتى يعود الى وعيه بعد العملية الجراحية والعلاج بعدها ، وكل ما يلزم المريض حتى يصل الى بر الأمان وان حدث خطأ فهو المسئول لإهماله فى الرقابة والتوجيه .

ويسأل الطبيب كذلك إذا كان العلاج يقتضى من الطبيب سلامة إجرائية وليس للطبيب أن يترك للممرضة تحضير دواء به مركبات سامة دون التأكد من سلامة مطابقته

واذا حدث خطأ فهو المسئول ولا يسأل الطبيب فقط عن الأخطاء الفنية بل يسأل عن الأخطاء العادية من قبل مدير مستشفى الامراض العقلية الذى يجب ان يسال عن عنف العاملين معه فى معاملة المرضى لانه اخطأ شخصيا فى اختيارهم وهذا لا يمنع من الحكم أيضا على المساعد عما يقع منه من خطأ فى دائرة اختصاصه .

والواقع ان التطور الطبى قد أدى الى الالتجاء الى المساعدين والمتخصصين واذا استدعت حالة المريض ذلك فان الطبيب يخطئ اذا لم يحقق ذلك .

وقيام الطبيب بعملية جراحية طويلة دون تخدير وقيام الطبيب بنفسه بالتخدير دون التحقق من العقار المستعمل يعد خطأ وإجراء طبيب لعملية جراحية دون توفر المساعدة الواجبة اعتبر خطأ .

وهذا الالتزام (المساعد الطبية بمساعديه) فى حالة وجوده يسقط الطبيب المسئولية فى حالة الاستعجال والضرورة وقد اعفى القضاء من المسئولية قيام طبيب بحالة ولادة دون استعانة بالزميل المختص ، وذلك فى ظروف صعبة وبإمكانيات قليلة ترتب عليها بعض الاضرار لأنه لم يكن امام الطبيب سوى ذلك وكانت حياة الأم متوقفة على هذا

والطبيب يسأل تعاقديا فى مواجهة المريض عن الأخطاء التى يرتكبها إزاء مجموعته من ممرضات ومساعدين .

ويتجه القضاء الجنائى الى قبول الارتباط القائم بين افراد فريق الجراحة ويدين فى الدعوى المدنية الأطباء بصفة تضامنية عندما لا يكون التدخل الجراحي قد تم بناء على اتفاق بين المريض والجراح فهذا الأخير يعد متبوعا ومسئولا عن تابعية الذين يعتبرون تابعين مسئولين بصفة عامة اثناء العملية

ومن ثم لا يسأل الجراح عن الأخطاء التى تصدر عن افراد طاقمه قبل العملية او بعدها فهو يمتلك توجيهم وتبعيتهم له اثناء الجراحة وفيما عدا ذلك فإن المسئولية تقع على عاتق العيادة او المستشفى الذى يعملون فيه .

وإذا رأى الجراح الانسحاب لمرض مفاجئ فعليه ان ينتخب محله زميلا له نفس الدرجة والتخصص مع موافقة المريض .

وإذا كان قيام رابطة التبعية لا يقتضى ان يكون المتبوع حرا فى اختيار تابعه إلا أنه يشترط لقيام هذه التبعية ان يكون للمتبوع على التابع سلطة فعلية ، وهذه السلطة لا يكون فى مستشفى عام على الطبيب الذى عينته المستشفى لعمل التخدير ولكن يكون فى  المستشفيات الخاصة

مسئولية طبيب الاسنان

يخضع طبيب الاسنان لنفس القواعد شأنه فى ذلك شأن باقى الأطباء ولا ينفرد إلا بالتزامه بتحقيق نتيجة بخصوص التركيبات الصناعية .

أما بخصوص العمل العلاجي ذو الطبيعة الطبية فهو كالطبيب العادى يلتزم ببذل العناية المطلوبة ولا تقوم مسئوليته الا اذا ثبت وجود تقصير من جانبه، ونفس الشئ بالنسبة للجراح وجراحات تجميل الاسنان فهى تخضع للقواعد العامة السابق عرضها .

ويسأل طبيب الاسنان عن الآلات والأجهزة التى يستخدمها اذا ما ترتب عليها اضرار بالمريض فهو يلتزم بسلامة المريض ويسأل عن الاضرار التى يسببها له عند قيامه بعملية العلاج .

وقد أدان القضاء طبيب اسنان عن الاعراض التى أصابت المريض إصابة فى لسانه وتمزق أغشية فمه بسبب انقلاب الاله فى يده اثناء عمل العلاج.

كذلك فمن الشائع ان يخلع الطبيب الاسنان ضرسا سليما دون الضرس المطلوب خلعه ، وفى هذه الحالة ما لم يثبت ان هذا الخطأ كان بسبب خارج عن إرادة الطبيب فهو مسئول عن ذلك .

مسئولية الصيادلة

قد تلحق بالمريض أضرار بسبب الأدوية  التى يتعاطاها مما قد يثير مسئولية الطبيب أو الصيدلي أو الصانع لها .

فالطبيب عند كتابة الدواء بتذكرة العلاج يخضع للالتزام ببذل العناية اليقظة من ان يكون الدواء ناجما ولكنه لا يلتزم بشفاء المريض ولا تقوم مسئولية الطبيب الا اذا ثبت تقصيره فى اختيار الدواء او وصفه او فى طريقة تعاطيه كالطبيب الذى يصف مادة ذات خصائص سامة دون بيان كيفية وشروط تعاطيها وذلك يكتب الدواء بصفة غير مقروءة تثير اللبس لدى الصيدلي فيصرف دواء مختلفا يترتب عليه وفاة المريض .

وقد يقوم الطبيب بتقديم الدواء مباشرة للمريض فى عيادته أو مستشفاه الخاص ولكن ذلك يلقى عليه التزاما آخر بعدم إعطاء المريض ادوية فاسدة أو ضارة ولا تؤدى الى تحقيق الغاية المقصودة منها .

ومع تطور فقد اصبح الكثير من الأطباء يستعملون الحقن فى عيادتهم مثل أطباء العظام الذين يستعملون حقن الكورتيزون فى علاج الروماتيزم او حقن الصبغة بمعرفة أطباء الاشعة ، وهم بذلك يحملون مع التزامهم الأصلي التزاما جديدا بضمان سلامة المريض .

أما الصيدلي فهو ملتزم بنتيجة عمله التى تتمثل فى تقديم أو بيع ادوية صالحة وسليمة لا تشكل بطبيعتها خطرا على من يتعاطونها ، ويبدو ذلك فى حالة التزام الصيدلي بتركيب دواء بنسب معينة ، وهو يسأل عن أي خلل فى التركيب أو فساد العناصر وما قد يترتب على ذلك من اضرار .

واباحة عمل الطبيب او الصيدلي مشروط بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العملية المقررة فإذا فرط أحدهما فى اتباع هذه الأصول أو خانها حقت عليه المسئولية بحسب تعمده الفعل او تقصيره وعدم تحرزه فى أداء عمله ، فخطأ الطبيب بتحضير محلول مخدر بنسبة تزيد عن النسب المسموح بها يعد خطأ من جانبه ويوجب مسئوليته

وتقوم مسئولية الصيدلي كذلك فيما يبيعه من ادوية التى ترد له من الصانع إذا أنه قادر من الناحية العلمية على التحقق من سلامة وصحة الادوية التى تسلم إليه لبيعها ولكنه يستطيع الرجوع بعد ذلك بدعوى المسئولية على الصانع واذا كان الصيدلي يعلم بفساد الادوية فإنه يشترك مع الصانع فى المسئولية.

واذا كان  الصيدلي يضمنان صلاحية الادوية الا انهما لا يضمنان فاعليتها فهو التزام بعناية وليس التزام ببلوغ نتيجة .

ولا تثور المسئولية اذا كان الدواء مركبا بعناية ولكن ترتب عليه إصابة المريض ببعض الاضرار نتيجة عوامل داخلية او حساسية لا دخل للدواء ذاته فى إحداثها .

ويمكن إثارة مسئولية الصيدلي قد قام ببيع الدواء مباشرة للمريض دون أمر من الطبيب ويستوى فى ذلك أن يكون الصيدلي قد قام بنفسه باختيار الدواء أو إعطائه للمريض دون أن يكون المريض قد طلب هذا النوع من الدواء بالذات .

ويمكن أن تثور مسئولية صاحب الصيدلية لأن القضاء قضى باعتبار الصيدلي تابعا لصاحب الصيدلية ، ولو لم يكن هذا فنيا لأنه هو الذى اختاره وعليه رقابته إلا أنه يشترط لذلك توافر القواعد العامة إلى كون وقوع الخطأ بمناسبة الوظيفة وبسببها ، وإذا حدث الضرر دون هذين الشرطين لا يسأل عنه صاحب الصيدلية .

(راجع فى تفصيل ما سبق – الطب الشرعى بين الإدعاء والدفاع – المرجع السابق 1061 وما بعدها – الجزء الثانى)

وقد قضت محكمة النقض بـأن :

  إذا كان الحكم الصادر بإدانة المتهم – فى جريمة القتل الخطأ – قد أثبت خطأ المتهم الأول ( صيدلى ) فيما قاله من أنه حضر محلول “البونتوكايين” كمخدر موضعي بنسبة 1% وهى تزيد على النسبة المسموح بها طبيا وهى 1/800 ومن أنه طلب اليه تحضير ” نوفوكايين” بنسبة 1% فكان يجب عليه أن يحضر ” البونتوكايين “

بما يوازى فى قوته هذه النسبة وهى 1/1000 أو 1/800 ولا يعقبه من المسئولية قوله ان رئيسه طلب منه تحضيره بنسبة 1% طالما أنه ثبت له من مناقشة هذا الرئيس فى التليفون أنه لا يدرى شيئا عن كنه هذا المخدر ومدى سميته ، هذا الى جانب انه موظف مختص بتحضير الأدوية ومنها المخدر ، ومسئول عن كل خطأ يصدر منه

ومن أنه لجأ فى الاستفسار عن نسبة تحضير هذا المخدر الى زميل له قد يخطئ وقد يصيب ، وكان لزاما عليه ان يتصل بذوي الشأن فى المصلحة التى يتبعها أو الاستعانة فى ذلك بالرجوع الى المكتب الفنى الموثوق بها ” كالفارما كوبيا “

ومن اقراره صراحة بأنه ما كان يعرف شيئا عن هذا المخدر قبل تحضيره فكان حسن التصرف يقتضيه أن يتأكد من النسب الصحيحة التى يحضر بها ، فلا ينساق فى ذلك وراء نصيحة زميل له

ومن أنه لم ينبه المتهم الثانى وغيره من الأطباء ممن قد يستعملون هذا المحلول بأنه استعاض به عن ” النوفوكايين” – فإن ما أثبته الحكم من أخطاء وقع فيها المتهم يكفى لحمل مسئوليته جنائيا ومدنيا .

(نقض 27/1/1959 س10ص91) 

وبأنه ” ان معالجة المتهم للمجنى عليه بوضع المساحيق والمراهم المختلفة على مواضع الحروق وهو غير مرخص له بمزاولة مهنة الطب تعد جريمة تطبق عليها المادة الأولى من القانون رقم 142 لسنة 1948 بشأن مزاولة مهنة الطب”  (نقض 15/10/1957 سنة 8ص78)

وبأنه ” الأصل أن أى مساس بجسم المجنى عليه يجرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب وانما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على أجازه علمية طبقا للقواعد والأوضاع التى نظمتها القوانين واللوائح وهذه الاجازة هى أساس الترخيص الذى تتطلب القوانين الخاصة بالمهن الحصول عليه قبل مزاولتها فعلا

وينبني على القول بأن أساس عدم مسئولية الطبيب هو استعمال الحق المقرر بمقتضى القانون – أن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه للغير من الجروح وما إليها باعتباره متعديا – أى على أساس العمد

ولا يعفى من العقاب الا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية ، ومن ثم يكون سديدا فى القانون ما قرره الحكم من انه لا تغنى شهادة الصيدلية أو ثبوت دراية الصيدلي بعملية الحقن عن الترخيص بمزاولة مهنة الطب وهو ما يلزم عنه مسائلته عن جريمة احداثه بالمجنى عليه جرحا عمدا مادام أنه كان فى مقدوره ان يمتنع عن حقن المجنى عليه مما تنتفى به حالة الضرورة”

(نقض 13/12/1960 سنة 11 ص904)

مسئولية طبيب التحاليل

أن التزام طبيب التحاليل الطبية محله تحقيق نتيجة اذ فى جميع الحالات التى ينحصر نشاطه فى أعمال معملية لا تتضمن حسب الأصول العلمية السليمة أى احتمال فإنه ملزم بتحقيق النتيجة أى بتقديم تقرير صحيح مطابق تماما للحقيقة ويقع الاخلال به بمجرد ثبوت خطأ فيه ولا تنتفى مسئوليته الا بإثبات السبب الأجنبى أما التحاليل الدقيقة التى يصعب فيها الكشف عن الحقيقة بالطرق العلمية القائمة وتترك مجالا لأن يختلف فيها التفسير فيقتصر التزام الطبيب فيها على بذل العناية واليقظة الواجبة .

( المستشار عز الدين الدناصورى والدكتور عبد الحميد الشواربى – المرجع السابق ص1428)

بيع الأدوية

الأصل أن الطبيب ممنوع من بيع الأدوية لأن قوانين الصيدلة تحرم مزاولتها على غير الحائزين على درجة البكالوريوس وليس لشخص أن يمتهن الطب والصيدلة فى وقت واحد حتى لو كانت شهاداته تبيح له ذلك ، لأن الجمع بين المهنتين يحول دون توافرهما الشخص الواحد على عمله توافر يدعو إلا الاتقان ، وقد يحدث عندما يجمع الطبيب بين العملين أن يصف الأدوية بغير ضرورة بمجرد أنه يجنى من ذلك ربحا .

وقد نص قانون الصيدلة على منع الجمع بين المهنتين إلا أن تكون أقرب الصيدليات بعيدة عن مقر الطبيب بما لا يقل عن خمسة كيلو مترات ، ويجب فى هذا الصدد الحصول على تصريح بذلك من وزارة الصحة مع بعض اشتراطات أخرى تزول كلها فى حالة افتتاح صيدلية قرب الطبيب .

انتحال الألقاب الطبية

الطبيب المرخص له الذى انتحل لنفسه لقبا ليس له يكون قد أطاع دوافع الغرور فى مزاولته للمهنة ، ويسأل الطبيب جنائيا عنه بنفس العقوبات المقررة لمزاولة مهنة الطب بدون ترخيص أو إذا ادعى أنه حمل درجة تفوق الدرجة الطبية الحاصل عليها حقيقة أو إذا أثبت صفة وظيفية له غير حقيقية .

ولم يتكلم النص عن اتخاذ الأطباء لأنفسهم لقب دكتور فقد شارع هذا الأمر إلى درجة أن كلية الطب والصيادلة رغم أن هذا اللقب يجب أن يكون قاصرا على الحاصلين على درجة الدكتوراه بعد دراسة معينة وبحوث تؤهله للحصول على درجة البكالوريوس ، ولكن ذلك قد انتشر الآن بالدرجة التى أصبح معها تلقيب الطبيب العادة دكتورا أمرا عاديا .

(راجع فى تفصيل ذلك الطب الشرعى بين الادعاء والدفاع – الجرء الثانى ص145 وما بعدها – المرجع السابق)
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض
عبدالعزيز حسين عمار محامي بالنقض

الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي بالنقض خبرات قضائية فى القانون المدنى والملكية العقارية وطعون النقض ليسانس الحقوق 1997- احجز موعد 01285743047

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أوافق على سياسة الخصوصية 

body{-webkit-user-select:none;-moz-user-select:none;-ms-user-select:none;user-select:none} .separator a,.post-body img{-webkit-touch-callout:none;-webkit-user-select:none;-khtml-user-select:none;-moz-user-select:none;-ms-user-select:none;user-select:none;pointer-events:none} pre,kbd,blockquote,table{-webkit-user-select:text;-khtml-user-select:text;-moz-user-select:text;-ms-user-select:text;user-select:text}